عناصر الخطبة
1/ وجوب الصدق في الأقوال والأفعال 2/ الغش كبيرة من كبائر الذنوب 3/ تحريم الشريعة لكل ما يؤدي إلى الغش والخديعة في البيع والشراء 4/ مصيبة الغش في المشاريع الحكومية 5/ غش الكلمة الإعلامية الكاذبة 6/ بعض صور الغش الضارةاهداف الخطبة
اقتباس
واعلمَ -يا أيها المسؤول- أن المشاريعَ الحُكوميَّةَ التي تدخُلُ تحت مسؤوليةِ وزارتِك أو إدارتِك أن هذه أمانةٌ في عُنقِكَ، أنت مُستأمنٌ على مُتابعةِ هذه المشاريعِ مُتابعةً دقيقةً بكلِّ حرصٍ وإخلاصٍ وصدقٍ وعنايةٍ، فأيُّ إهمالٍ أو تفريطٍ في ذلك، فهو غِشٌّ عظيمٌ للمُسلمين ولوليِّ أمرِهم الذي استأمَنَك على هذه المسؤولية ..
الحمد لله الذي أمرَ الناسَ بما يُصلِحُ حياتَهم، ونهاهُم عما يُفسِدُ عيشَهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا اللهَ -جل وعلا- يُصلِح لكم الأحوالَ، ويُسعِدُكم في الدارَين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
معاشر المسلمين: إن من الأصول المرعيَّةِ في الإسلام: وجوبُ الصدقِ في الأقوالِ والأفعالِ في جميعِ المجالات وكافَّة التصرُّفات، يقول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أيها المسلمون: إن الصدقَ في شريعةِ الإسلام مأمورٌ به في جميعِ الصور والتعامُلات صغيرِها وكبيرِها؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "البيِّعانِ بِالخِيار ما لم يتفرَّقَا، فإن صدَقَا وبيَّنَا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذَبَا وكتَمَا مُحِقَت بركةُ بيعِهما". متفق عليه.
ألا وإن من أشنعِ التصرُّفاتِ وأقبحِ المسالكِ والتعامُلاتِ: الغِشَّ والخِداعَ بجميعِ صوره ومُختلفِ أشكالِهِ؛ فمن زيَّن له الشيطانُ الغِشَّ في تعامُلِه، وحسَّنَ له الهوى الخِداعَ والتمويهَ على غيره، لمصالحَ شخصيةٍ، ومنافِعَ ذاتية، فليعلَم أن اللهَ له بالمِرصاد، وأنه قد عرَّضَ نفسَه للعذابِ.
يقول الله -جل وعلا-: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 1- 6].
قال عبد الملك بن مراون: "قال لي أعرابيٌّ: يا عبدَ الملك: اللهُ -جل وعلا- يقول في شأنِ المُطفِّفين ما يقول؛ فما ظنُّك بنفسِكَ وأنت تأخُذ أموالَ الناسِ بلا كَيلٍ ولا ميزان!".
فيا مَن تأخُذ أموالَ الناس بالغِشِّ والتدليسِ! اتقِ اللهَ -جل وعلا-، تفكَّر في هذه الآيات العظيمات، وازجُر نفسَك عن المُوبِقات والسيئات، قبل فواتِ الأوانِ وحُلولِ المماتِ.
قال بعضُ المُحقِّقين من أهل العلم: كلُّ من غشَّ في تعامُله التجاريِّ أو غيرهِ بأية وسيلةٍ فهو مُطفِّفٌ، يدخُل تحت الوَعيد والتهديد، ذلكم -أيها الأحباب- أن الغِشَّ إفسادٌ في الأرض، وخِيانةٌ وأذًى للخلقِ، وبَخسٌ وإنقاصٌ للحقِّ.
يقول الله -جل وعلا- في حقِّ مديَنَ أنه يقول لقومه: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود: 85].
أخي المسلم: اتقِ الجبار -جل وعلا-، واعلَم أن الغِشَّ في كافَّةِ التعامُلات كبيرةٌ من كبائرِ الذنوبِ، لذا حذَّرَ الحَبيبُ -صلى الله عليه وسلم- أُمَّتَه من جميعِ أنواعِ الغِشِّ، مهما تعدَّدَت صُوره، واختلَفَت أشكالُهُ.
حذَّرَهم بلفظٍ رادعٍ من الولوغِ في حِياضِ الغِشِّ، وبلفظٍ حاجزٍ من الوقوعِ في هذه الخَصلةِ العفِنَة؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من غشَّنَا فليس منَّا". وفي لفظٍ: "من غشَّ فليس منَّا". رواه مسلم.
بل إنه -ولحِرصِه صلى الله عليه وسلم- على أمَّته لم يكتفِ بهذا التحريمِ العام والنهيِ الشاملِ لكافَّةِ أنواعِ الغِشِّ؛ بل حذَّرَ أمتَهُ من الغِشِّ في تصرُّفاتٍ خاصَّةٍ لكثرةِ وقوعِها، وعُمومِ بلوَاها، وشِدَّةِ خطَرِها؛ ففي بابِ الولاياتِ والوظائف؛ يُحذِّرُ -صلى الله عليه وسلم- مَن قلَّدَه الله شيئًا من أمورِهم، واسترعَاه عليهم، ونصَّبَه لمصالِحهم، حذَّرَه أن يغُشَّهم، أو أن يخُونَهم، أو أن يتهاوَنَ في الاجتِهادِ لحفظِ مصالِحِهم الدينيَّةِ والدنيويَّةِ وتحقيقِها.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من والٍ يسترعِيهِ الله -جل وعلا- على رعيَّةٍ ثم يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّته إلا حرَّمَه الله على الجنةِ". وفي لفظٍ: "ما من عبدٍ يسترعِيهِ اللهُ رعيَّةً فلم يُحِطها بنُصحِه إلا لم يدخُل الجنةَ معهم".
أيها المسلمون: وفي مجالات التعامُلات المالية؛ كالبيعِ والشراءِ والإجارةِ ونحوها، ينهَى الإسلامُ عن الغِشِّ نهيًا قاطِعًا؛ يقول الله -جل وعلا-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [البقرة: 188]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "المُسلمُ أخو المُسلمِ، لا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يبيعَ بيعًا لأخيهِ يعلمُ أن فيه عيبًا إلا بيَّنَه له". والحديثُ رواه ابنُ ماجه، وحسَّنَه ابنُ حجرٍ.
بل بلَغَت عنايةُ الشريعةِ الإسلامية في منعِ الغِشِّ ومُحاربَتِهِ أن حرَّمَت كلَّ بديئةٍ يتحقَّقُ معها الغِشُّ، ولو لم يكُن هذا التصرُّف من البائعِ أو المُشترِي؛ فيقول -صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان-: "ولا تَناجشُوا". والنَّجْشُ: هو أن يزيدَ أحدٌ في ثمنِ السلعةِ وهو لا يريدُ شِراءَها، إنما يُريدُ رفعَ السعرِ لينفعَ البائِعَ أو يضُرَّ المُشترِي.
إخوة الإسلام: ألا وإن أشدَّ صُور الغِشِّ خُطورةً على المُسلمين وأسوأ عاقبةٍ في حياتِهم: ما يفعلُه بعضُ المُقاولين في المشروعاتِ الحكوميَّةِ العامة، أو في المشروعاتِ الخاصَّة التي تعودُ للمُواطنين، التي يظهرُ الغِشُّ فيها جلِيًّا بعد تنفيذِها، فذلكم فعلٌ مُحرَّمٌ، وإفسادٌ في الأرض، وخِيانةٌ لوليِّ الأمرِ، ولمُجتمع المسلمين.
ويقول -صلى الله عليه وسلم- في مثلِ ذلك: "لكلِّ غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يُقال: هذه غَدرةُ فلان". مُتفق عليه.
واعلمَ -يا أيها المسؤول- أن المشاريعَ الحُكوميَّةَ التي تدخُلُ تحت مسؤوليةِ وزارتِك أو إدارتِك أن هذه أمانةٌ في عُنقِكَ، أنت مُستأمنٌ على مُتابعةِ هذه المشاريعِ مُتابعةً دقيقةً بكلِّ حرصٍ وإخلاصٍ وصدقٍ وعنايةٍ، فأيُّ إهمالٍ أو تفريطٍ في ذلك، فهو غِشٌّ عظيمٌ للمُسلمين ولوليِّ أمرِهم الذي استأمَنَك على هذه المسؤولية.
فيا مَن يُريدُ نجاةَ نفسِهِ وفلاحَ دُنياه وأُخراه! التزِم الصدقَ في تعامُلاتك، والبيانَ والوُضوحَ في أعمالِك، والإتقانَ فيما تقومُ به من أعمالٍ.
تجنَّب بخسَ الحقوقِ، وانأ بنفسِك عن كلِّ غِشٍّ وتدليسٍ ونحوِ ذلك تكن برًّا تقيًّا نقيًّا سليمًا، فرسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- دخلَ يومًا السوقَ، فقال: "يا معشرَ التجَّار!". فرفعَ التجَّار أبصارَهم، ثم قال لهم: "يا معشرَ التجَّار: إن التجَّار يوم القيامة يُبعَثون فُجَّارًا إلا من برَّ وصدَقَ". والحديثُ رواه الترمذيُّ، وقال: "حسنٌ صحيحٌ"، وحسَّنه بعضُ أهل العلمِ.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-؛ فبِتقواه في كلِّ حالٍ تصلُحُ أحوالُنا، وتسعَدُ حياتُنا، ويَطيبُ عيشُنا.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أحمدُ ربِّي وأشكُرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أيها المسلمون: إن تحريمَ الغِشِّ والخِيانة، والنهيَ عن التدليسِ الخِداع لا يقتصِرُ على بيعٍ أو شِراءٍ أو تعامُلٍ تجاريٍّ؛ بل يشملُ كلَّ غِشٍّ يكون للمُسلمين في حياتِهم وفي جميعِ مصالِحِهم؛ فمن الغِشِّ: غِشُّ الكلمة الكاذِبة التي تُنشرُ في الإعلام، وكذا كلُّ مقالٍ يدعُو إلى إفسادِ الأديانِ أو الأخلاقِ أو الأعراضِ.
ومن أعظمِ الغِشِّ: ما يُنشَرُ في بعضِ الفضائيَّات؛ من دعواتٍ للرذيلةِ، ونشرٍ لأسبابِ الإجرام، ونبذِ الفضيلةِ.
كما أن من الغِشِّ: إصدارُ الفتاوى استِنادًا لرأيٍ فقهيٍّ مُجرَّدٍ، مع وُضوحِ مُخالفةِ هذا الرأيِ للدليلِ الصحيحِ الصريحِ من القُرآن أو السنةِ، وإنما لمُجرَّدِ تعصُّبٍ مذهبيٍّ لا يتحقَّقُ مع دليلٍ شرعيٍّ ولا مع مقصدٍ مرعيٍّ.
وإن من أقبحِ الغِشِّ: الغِشُّ فيما ولاَّك اللهُ -جل وعلا-، ثم ولاَّك وليُّ الأمرِ من وظيفةٍ حينما تستغِلُّها في تقديمِ غيرِ الكُفءِ على الكُفءِ، في أي نوعٍ من أنواعِ التقديم؛ في ترقيةٍ، أو ابتِداءِ توظيفٍ، أو توليةٍ، أو نحوِ ذلك.
ويقبُحُ ذلك: إذا كان هذا لمصالحَ ذاتيَّة، ومنافِعَ شخصيَّة، أو عُنصريةٍ أو نَسَبيَّة أو مُليميَّة، مما لا يستقيمُ مع شرعِ اللهِ -جل وعلا- ولا مع المقاصدِ التي أرادها وليُّ الأمر في بلادِ المُسلمين.
ألا وإن أفضلَ الأعمالِ: الصلاةُ والسلامُ على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن جميعِ الصحابةِ وآلِ بيتِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم اكفِنا شرَّهم بما تشاءُ وأنت السميعُ العليمُ.
اللهم من أرادَنا أو أرادَ أحدًا من المسلمين بسوءٍ فأشغِله في نفسه، واجعل تدبيرَه في تدميرِه يا رب العالمين.
اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم فرِّج هُمومَهم، اللهم اكشِف كُرُباتِهم، اللهم اكشِف كُرُباتهم، اللهم نفِّس غمَّهم يا أرحم الراحمين.
التعليقات