عناصر الخطبة
1/فضل الجود والصدقة في رمضان 2/فضائل الصدقة 3/بعض حيل مانعي الزكاة 4/إعطاء الزكاة لمستحقيها 5/قصة واقعية في فضل الزكاةاهداف الخطبة
اقتباس
فيا من خطه الشيب: احذر من طول الأمل، ويا من إذا مات انقطع عمله، وفاته أمله، وحق ندمه، وتوالى همه: احرص على ما ينفعك، وأكثر صدقتك التي يجري أجرها لك بعدها: (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ) [إبراهيم: 31]. أروا الله من أنفسكم خيرا، وأقبلوا على الله بالعمل الصالح، واسألوا الله أن يختم لكم بخير، واحذروا الشح، فما أغنى عن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن شهر رمضان هو شهر الجود والكرم، والكرم بوفرة العطاء؛ صح في البخاري من حديث ابن عباس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة".
ومن أوضح علامات الجود: الصدقة؛ صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منبره ذات مرة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإن الله -عز وجل- أنزل في كتابه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) إلى قوله: (رَقِيبًا)[النساء: 1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر: 18] إلى قوله: (هُمُ الْفَائِزُونَ) [الحشر: 20].
ثم قال عليه الصلاة والسلام: "تصدقوا قبل أن لا تصدقوا، تصدقوا قبل أن يحال بينكم وبين الصدقة، تصدق امرؤ من ديناره من درهمه، من بره، من شعيره، ولا يحقرن أحدكم شيئا من الصدقة، ولو بشق تمرة" [رواه البيهقي].
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجعلوا بينكم وبين النار حجابا، ولو بشق تمرة".
إن فضل الصدقات -يا عباد الله- عظيم، وأثرها جسيم، فنصف تمرة يمكن أن يكون حجابا لك من النار، فكيف بالمئات والألوف، وكيف لو كانت في شهر رمضان؟
وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصدقة، وحذر من الاستهانة بحق الله فيها؛ ففي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: انتهيت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني، قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة" قال: فجئت حتى جلست، فلم أتقار أن قمت -أي لم أستطيع أن أقر- حتى سألته، فقلت: يا رسول الله! فداك أبي وأمي، من هم؟ - أي أولئك الأخسرون- قال: "هم الأكثرون أموالا، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وقليلا ما هم.. " الحديث.
وفي رواية في السنن: "ويل للمكثرين به، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق، وأني أوان الصدقة" [رواه أحمد].
فهناك ترهيب وهناك ترغيب، عسى الناس أن يتعظوا.
هل تعلمون -أيها الإخوة- ما يطفئ الخطيئة؟
الصدقة: "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار"[أخرجه الترمذي].
بعض الناس يتصورن أن في الصدقة نقص في المال، مع أن الله -تعالى- بنفسه تكفل بتعويض المنفقين، قائلا سبحانه: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ)[سبأ: 39].
وصح عنه صلى الله عليه وسلم: أن الله -عز وجل- قال: "يا ابن أدم أنفق أنفق عليك"[رواه البخاري ومسلم].
وقال عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة أقسم عليهن" وكان أول الثلاثة: "ما نقص مال عبد من صدقة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وملكان يناديان: اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا " [رواه البخاري ومسلم].
وأفضل الصدقة وأكثرها أجراً أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تنهي، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، ألا ولقد كان لفلان.
هذا غيض -أيها الإخوة- من فيض، ممن صح عن سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- في فضل الصدقة والإنفاق في سبيل الله.
والآيات في فضلها كثيرة؛ منها: قوله جل وعلا: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 261].
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 274].
وقوله جل شأنه: (وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[التوبة: 121].
وقوله جل وعلا: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [الحديد: 7].
والآيات في فضل الانفاق في سبيل الله كثيرة، فالبدار البدار -يا عباد الله- في الاستجابة لداعي الله قبل فوات الأوان، فقد قال تعالى: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون: 10].
وإذا مات العبد ذهب معه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله، ولذلك لما تصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيء من شاة ذبحها، سأل أهله: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: "بقي كلها غير كتفها" [أخرجه الترمذي].
قال صلى الله عليه وسلم: "يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس" تاركه للورثة.
فيا من خطه الشيب: احذر من طول الأمل، ويا من إذا مات انقطع عمله، وفاته أمله، وحق ندمه، وتوالى همه: احرص على ما ينفعك، وأكثر صدقتك التي يجري أجرها لك بعدها: (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ) [إبراهيم: 31].
أروا الله من أنفسكم خيرا، وأقبلوا على الله بالعمل الصالح، واسألوا الله أن يختم لكم بخير، واحذروا الشح، فما أغنى عن أبي لهب ماله وما كسب، وما نفع قارون خزائنه وما اكتسب.
ولا يكن أحدكم كمن ذمه الله بقوله: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) [المعارج: 19-21].
بل أعطوا وأوصوا وأنفقوا، واعلموا أن الخلف عند الله مضمون، وهو خير الرازقين: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد: 18].
(مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة: 245].
أسأل الله أن يصلح قلوبنا، وأن يقبل صدقاتنا، إنه سميع قريب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول صلى الله عليه وسلم: "والصدقة برهان" [رواه مسلم].
أي برهان على صدق إيمان العبد.
أيها المسلمون: إن المبررات في الاستهانة في إخراج الزكاة، أو الإنفاق في سبيل الله كثيرة، والحيل في إنفاق أقل القليل جاهزة؛ فمنهم ينقل أمواله قبيل حلول الزكاة، فيشتري بها بضائع معينة، سواء كان البيع صوريا، أو حقيقيا، من أجل أن يستقبل بالبضاعة حولا آخر، ويحسب أنه بذلك قد خرج من وجوب إخراجها.
سيقول تغيرت الأموال الآن، فأستقبل حولا جديداً.
ومنهم من يستصعب إخراج الزكاة لكثرة أمواله، فيقول: ومن يضمن لي أنها ستصل إلى مستحقيها؟
وهو يعرف من الناس الثقات حوله، من هم على علم ودين واستقامة، فلا يعطيهم، والأمر في حقيقته شح هالع في النفس، فيصرف وجهه وينسى.
وهكذا تتوالى الحيل؛ لكن على من؟! على رب العباد! هيهات، وهو القائل: (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة: 57].
ومخرج الزكاة يجب أن يعطيها أيد أمينة، توصلها إلى مستحقيها؛ فبعض الناس اعتاد أن يعطي أناسا أو عائلات، يعرفها لسنين عديدة، وربما صلحت أحوالهم ولم يعدوا مستحقين لها، ولكنهم مصرون على تلك العادة؛ كأنها عادة مستحكمة كغيرها من العادات.
فالذمة بلا شك لا تبرأ بهذا العطاء إلا إذا أعطيت الأموال إلى مستحقيها، ولهذا ينبغي تحري مستحقين الزكاة، بأن يوكل عليها من يثق به من الجهات المعروفة الموثقة، أو يوثق عليها من الناس من يعرفهم حق المعرفة.
أيها الإخوة: إن المال الصالح نعمة للرجل الصالح، وكلما أخرج من ماله لله، كلما بارك الله له في حياته من حيث لا يعلم، ووسع له في الرزق من حيث لا يعلم، ومنع منه الأمراض بصدقته ما لا يعلم، وشفاه من الأمراض، وأطال له في العمر، ووقاه مصارع السوء.
يذكر أحد الفضلاء قصة واقعية حصلت لرجل يسمى: "ابن جدعان"، وهذه القصة حدثت منذ أكثر من مائة سنة تقريبا، يقول هذا الرجل: خرجت في فصل الربيع، وإذا بي أرى إبلي سمانا، يكاد أن يفجر الربيع الحليب من أثدائها، كلما اقترب ابن الناقة من أمه درت وانفجر الحليب منها، من كثرة البركة والخير.
فنظرت إلى ناقة من النوق وابنها خلفها، وتذكرت جارا لي، له بنيات سبع، فقير الحال، فقلت: والله لأتصدقن بهذه الناقة وولدها لجاري، والله يقول: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)[آل عمران : 92].
وإنني والله أحب هذه الناقة، يقول: أخذت الناقة وابنها، وطرقت الباب على جاري، وقلت له: خذه هدية مني لك، يقول: فرأيت الفرح في وجهه لا يدري ماذا يقول، فكان يشرب من لبنها، ويحتطب على ظهرها، وينتظر وليدها، يكبر ليبيعها، وجاءه منها خير كثير.
ولما انتهى الربيع، وجاء الصيف بجفافه وقحطه، تشققت الأرض، وبدء البدو يرتحلون، يبحثون عن الماء والكلأ، يقول: فشددنا الرحال نبحث عن الماء في الدحول، والدحول حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية، لها فتحات تحت الارض يعرفها البدو، يقول: فدخلت إلى هذا الدحل لأحضر الماء، حتى نشرب وأولاده الثلاثة خارج الدحل ينتظرون، فتهت تحت الدحل ولم أعرف الخروج، وانتظر أبناءه يوما ويومين وثلاثة، حتى يأسوا، وقالوا: لعل ثعبان لدغه ومات، لعله تاه تحت الأرض وهلك.
وكانوا -والعياذ بالله- ينتظرون هلاكه طمعا في تقسيم المال والحلال، فذهبوا إلى البيت، وقسموا الميراث، فقام أوسطهم، وقال: أتذكرون ناقة أبي التي أعطاها لجاره؟ إن جارنا هذا لا يستحقها فلنأخذ بعير أجرب فنعطيه الجار، ونسحب منه الناقة.
فذهبوا إلى المسكين، وقرعوا عليه الدار، وقالوا: اخرج الناقة، قال: إن أباكم أهداها لي أتعشى وأتغدى من لبنها، فقالوا: أعد لنا الناقة خيرا لك، وخذ هذا الجمل مكانها، وإلا سنسحبها الآن عنوة ولن نعطيك بدلها شيئا.
قال: أشكوكم إلى أبيكم، قالوا: اشكي إليه فإنه قد مات، قال: مات! كيف مات؟ قالوا: دخل دحل في الصحراء ولم يخرج، قال: اذهبوا بي إلى ذلك الدحل، وخذوا الناقة، ولا وافعلوا ما شئتم ولا أريد جملكم.
وبعد يومين من المسير وصلوا المكان الذي دخل فيه صاحبه الوفي، وأشاروا إليه ورجعوا، فذهب وأحضر حبلا، وأشعل شعلة، ثم ربطه خارج الدحل، فنزل يبحث عنه، حتى وصل إلى مكان يحبو فيه، وآخر يتدحرج، ويشم رائحة الرطوبة تقترب، وإذا به يسمع أنينا، فأخذ يبحث ناحية الأنين في الظلام، ويتلمس الأرض، ووقعت يده على طين، ثم على الرجل، فإذا هو حي يتنفس بعد أسبوع من الضياع.
فقام وجره، ثم أخرجه معه خارج الدحل، وأعطاه التمر، وسقاه وحمله على ظهره، وجاء به إلى داره، ودبت الحياة في الرجل من جديد وأولاده لا يعلمون.
قال الجار: أخبرني بالله عليك أسبوع تحت الأرض وأنت لم تمت؟
قال: سأحدثك حديثا عجبا، لما دخلت الدحل وتشعبت بي الطرق، قلت: أوي إلى الماء الذي وصلت إليه وأشرب منه، حتى يأتي من الأولاد من ينقذني، وطال بي المقام والماء، لا يكفي والجوع لا يرحم، يقول: بعد ثلاثة أيام وأخذ الجوع مني كل ما أخذ، وبينما أنا مستلقي على قفاي من شدة الضعف، وقد سلمت أمري لله، وإذا بي أحس بلبن يتدفق على لساني، فاعتدلت فإذا بإناء بالظلام لا أراه يقترب من فمي فأرتوي ثم يذهب، فأخذ يأتيني في الظلام كل يوم ثلاث مرات، ولكن منذ يومين انقطع لا أدري سبب انقطاعه، يقول: لو كنت تعلم سبب انقطاعه لتعجبت، لقد ظن أولادك أنك مت، فجاءوا إلي وسحبوا الناقة التي كان يسقيك الله منها، والمسلم في ظل صدقته.
فجمع أولاده، وقال لهم: اخسئوا، لقد قسمت مالي نصفين، نصفه لي ونصفه لجاري.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج
هكذا هي الصدقة تفعل بصاحبها، خيرها يصل لذلك الصاحب حتى قبل مماته، فكيف بعد مماته.
أسأل الله أن تطيب نفوسنا لإخراج الزكاة والصدقة، وأن لا يحرمنا –وإياكم- أجر ما تنفقون.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها...
التعليقات