عناصر الخطبة
1/الإنسان اجتماعي بطبيعته 2/تأثر الإنسان بمخالطة غيره 3/الحث على مصاحبة الصالحين وفضائلها 4/واجبات الأخ نحو أخيه

اقتباس

إذا أحببت أخاك في الله فلك أجران، أحدهما أعظم من الآخر، فالأول: ظل الله -تعالى- يوم القيامة، والثاني: الجنة، ففي الصحيحين من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الْـحَمْد لِلَّـهِ نَحْمَدُه، وَنَسْتَعِينُه، وَنَسْتَغْفِرُه، ونعوذُ بِاَللَّـهِ مَن شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنّ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَن يَهْدِه اللَّـهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنّ يُضْلِل فَلا هَادِي لَه، وَأَشْهَدُ أن لا إلَه إلَّا اللَّـهُ وَحَدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أن محمداً عبدُهُ ورسوُلُه.

 

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 - 71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْـحَدِيثِ كِتَابُ اللـهِ، وَخَيْرَ الْـهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ.

 

 أما بعد: فإن الإنسان اجتماعي بطبيعته، يحب العيش وسط الناس، يتعامل ويتعارف، وفي الصحيحين من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -عليه الصلاة والسلام-: "الأرواحُ جنود مجنَّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، قال الخطابي: "فالخَيِّر يحنو إلى الأخيار، والشرير يحنو إلى الأشرار، هذا هو معنى ما تعارف من الأرواح ائتلف، وما تنافـر وتناكر من الأرواح اختلف؛ لذا لا يحب المؤمن إلا من هو على شاكلته من أهل الإيمـان والإخلاص، ولا يبغض المؤمن إلا منافـق خبيث القلب".اهـ.

 

والله -تعالى- يعلم هذه الطبيعة وأوجدها في نفس الإنسان؛ ليبتليه من يصاحب وبمن يختلط، فمن يصاحب الأخيار تزكو نفسه ويقرب من ربه، ومن يصاحب الأشرار يقسو قلبه ويبعد عن ربه، فمن أيهما أنت؟.

 

لا بد للإنسان من الخلطة بالناس، فالعزلة لا خير فيها؛ لذا كان الأنبياء -عليهم السلام- يختلطون بالناس ويغشون مجالسهم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"(رواه الترمذي وابن ماجه بسند حسن).

 

ولكن الاختلاط بالناس فيه خطورة الانشغال عن العبادة، واللغو وكثرة اللغط؛ لذا فالإسلام يوجِّه المسلم أن يختلط بالصالحين، ويحذر من غيرهم، فأمر الله -تعالى- رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يصاحب الأخيار ويصطبر نفسه معهم، فقال -سبحانه-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الكهف: 28].

 

إن من يوفقه الله -سبحانه- للصحبة الصالحة يبشر بفضل عظيم من الرحمن -جل وعلا-، أولها: محبة الله -تعالى- له، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه-، أن النـبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، فلمَّا أتى عليه قال: أين تريد؟ فقال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تَرُبّها؟ قال: لا؛ غير أنى أحببته في الله -عز وجل-، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبَّك كما أحببته فيه".

 

وفى موطأ مالك وأحمـد في مسنده بسند صحيح، عن معاذ -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "قال الله -تبارك وتعالى-: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ"، وحسبك بمحبة الله -تعالى- فضلًا أن تحب صاحبك في الله -سبحانه-.

 

وفوق ذلك فإنك إذا أحببت أخاك في الله فلك أجران، أحدهما أعظم من الآخر، فالأول: ظل الله -تعالى- يوم القيامة، والثاني: الجنة، ففي الصحيحين من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم: "ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه".

 

وروى مسلم وأبو داود أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسى بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".

 

أيها الإخوة: إن الصحبة الصالحة هي التي لا تنقطع بعد الموت، بل تستمر بخيرها حتى يوم القيامة، قال الله -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 67]، فتتفتت كل الصداقات، وتنجلي كل القرابات، ويفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، لكن تبقى الأخوة في الله والصحبة في الله.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله؛ (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[غافر: 3]، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص: 88]، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليّ"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة".

 

وبعد: فالصحبة الصالحة تعين المسلم على طاعة الله، ومن منّا لا يحتاج إلى معين ومذكِّر للطاعة؟ لقد احتاج موسى -عليه السلام- لمن يذكّره بالله ويعينه على الطاعة، وهو من هو في نبوّته؛ (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا)[طه: 29 - 34]، وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول لصاحبه: "اجلس بنا نؤمن ساعة"، وكذلك قال أبو هريرة -رضي الله عنه- لصديقه.

 

فالواجب على الصديق الصالح أن ينصح صديقه في الله ويقوِّمه، ولا يغلب بينهم المجاملة على حساب الدين؛ فالصداقة الحقيقية هي في التوجيه والتقويم، كما قال عمر -رضي الله عنه-: "رحم الله امرءًا أهدى إليّ عيوبي".

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life