عناصر الخطبة
1/الصحابة خير جيل عاش على وجه الأرض 2/بعض مناقب وفضائل الصحابة الكرام 3/معرفة قدر الصحابة من ضرورات صلاح العقيدة 4/شهادة الله تعالى للصحابة بالصلاح والفلاح والفوز 5/وصية النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب تقدير الصحابة 6/واجب الأمة تجاه الصحابة الكرام 7/ضلال من يخوضون بالباطل في الصحابة الأعلام

اقتباس

وَمِنْ أُصُولِ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ: التَّأَدُّبُ مَعَ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالتَّرَضِّي عَنْهُمْ، وَإِمْسَاكُ اللِّسَانِ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ مِنْ خُصُومَةٍ وَاقْتِتَالٍ، وَأَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ؛ فَهُمْ إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ فَلَهُمْ أَجْرٌ أَيْضًا...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الْغَفَّارِ الْعَظِيمِ الْجَبَّارِ، مُكَوِّرِ النَّهَارِ عَلَى اللَّيْلِ، وَمُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- وَأَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَخَيْرِهِ الْمِدْرَارِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الْأَطْهَارِ، وَصَحَابَتِهِ الْأَبْرَارِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْقَرَارِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ زَادٍ يُدَّخَرُ، وَأَرْجَى ثَوَابِ عَمَلٍ يُنْتَظَرُ؛ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[الْبَقَرَةِ: 197].

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: حِينَ يَكُونُ الْحَدِيثُ عَنِ الْعُظَمَاءِ فَإِنَّ الثَّنَاءَ لَابُدَّ أَنْ يُزْجَى لِأَهْلِهِ، وَيُعْرَفَ لِأَهْلِ الْقَدْرِ قَدْرُهُمْ.

 

وَحَدِيثُ الْيَوْمِ هُوَ عَنْ خَيْرِ جِيلٍ عَرَفَتْهُمُ الْبَشَرِيَّةُ، عَنِ الرِّجَالِ الَّذِينَ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا، عَنْ مَصَابِيحِ الدُّجَى وَشُمُوسِ الْهُدَى، سَادَةِ الْأُمَّةِ وَعُنْوَانِ مَجْدِهَا؛ عَنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِينَ هُمْ قُدْوَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَخَيْرُ عِبَادِ اللَّهِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، أَغْزَرُ النَّاسِ عِلْمًا، وَأَدَقُّهُمْ فَهْمًا، وَأَصْدَقُهُمْ إِيمَانًا، وَأَحْسَنُهُمْ عَمَلًا.

 

بِدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَصَلَ الْإِسْلَامُ إِلَى أَطْرَافِ الْأَرْضِ، وَبِجِهَادِهِمْ وَتَضْحِيَاتِهِمْ قَامَ صَرْحُ الدِّينِ، وَانْدَحَرَتْ دُوَلُ الشِّرْكِ وَالْمُشْرِكِينَ.

 

كَانُوا فِي الْحَيَاةِ أَوْلِيَاءَ، وَبَعْدَ الْمَمَاتِ أَحْيَاءً، رَحَلُوا إِلَى الْآخِرَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهَا، وَخَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَهُمْ بَعْدُ فِيهَا.

 

آمَنُوا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ، وَدَافَعُوا عَنْهُ حِينَ آذَاهُ النَّاسُ، وَآوَوْهُ حِينَ طُرِدَ مِنْ وَطَنِهِ.

 

قَوْمٌ نَظَرَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَرَآهُمْ أَصْلَحَ النَّاسِ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ فَاخْتَصَّهُمْ لِذَلِكَ وَشَرَّفَهُمْ بِهِ، وَاصْطَفَاهُمْ رَبُّهُمْ بِتَبْلِيغِ رِسَالَةِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ، فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا ضَعُفُوا مَا اسْتَكَانُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ.

 

نَقَلُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَأَرْشَدُوا الْعِبَادَ إِلَى الْمِلَّةِ، فَكَانُوا بِذَلِكَ أَهْلًا لِرِضْوَانِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَجَنَّتِهِ، كَانُوا بِذَلِكَ طَلِيعَةَ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.

فَلَيْسَ فِي الْأَمَةِ كَالصَّحَابَةْ *** فِي الْفَضْلِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِصَابَةْ

فَإِنَّهُمْ قَدْ شَاهَدُوا الْمُخْتَارَا **** وَعَايَنُوا الْأَسْرَارَ وَالْأَنْوَارَا

 

لَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الْفِئَةُ خَيْرَ فِئَةٍ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، ضَرَبُوا فِي أَبْوَابِ الْخَيْرِ كُلِّهَا، فَإِنْ أَتَيْتَهُمْ فِي الْجِهَادِ وَجَدْتَ أُسُودًا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ أَعْظَمَ مَمَالِكِ الْأَرْضِ؛ يَقُولُ اللَّهُ مُخْبِرًا عَنْ جِهَادِهِمْ وَثَبَاتِهِمُ: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آلِ عِمْرَانَ: 172-173].

 

يُلْقِي الْمَرْءُ مِنْهُمْ بِحَيَاتِهِ فِي سَبِيلِ أَنْ يَسْلَمَ نَبِيُّهُ، فَكَمْ دَوَّنَتِ السِّيَرُ أَخْبَارَهُمْ وَهُمْ يَذُودُونَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ جَنْبٍ، وَيَوَدُّ الْمَرْءُ مِنْهُمْ أَنْ يَسْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الشَّوْكَةِ، وَلَوْ قُتِلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ.

 

وَإِنْ أَتَيْتَ لِلدَّعْوَةِ وَجَدْتَ دُعَاةً نَفَرُوا مِنْ بِلَادِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ مُبَلِّغِينَ دِينَ اللَّهِ، حَامِلِينَ أَمَانَةَ الدِّينِ، حَجَّ مِنْهُمْ مَعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، وَمَاتَ مِنْهُمْ فِي الْمَدِينَةِ مَا يَقْرُبُ مِنْ أَلْفٍ، وَالْبَقِيَّةُ فِي أَصْقَاعِ الْأَرْضِ مُتَفَرِّقُونَ.

 

وَإِنْ أَتَيْتَهُمْ فِي الْبَذْلِ وَالْإِنْفَاقِ وَجَدْتَ مَنْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ مَالِهِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ كُلِّ مَالِهِ، وَجَدْتَ أَبَا طَلْحَةَ يَتَصَدَّقُ بِأَحَبِّ أَمْوَالِهِ، وَأَجْمَلِ بَسَاتِينِ الْمَدِينَةِ، حِينَ سَمِعَ الْقُرْآنَ يُتْلَى؛ (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 92].

 

وَوَجَدْتَ أَبَا الدَّحْدَاحِ يَبِيعُ حَائِطًا مَلِيئًا بِالنَّخْلِ بِنَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَيَخْرُجُ مِنْ بُسْتَانِهِ وَيُخْرِجُ أَوْلَادَهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ وَعَدَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ؛ وَهُوَ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ.

 

وَإِنْ أَتَيْتَهُمْ فِي التَّآخِي رَأَيْتَ قُلُوبًا اجْتَمَعَتْ مِنْ كُلِّ صَقْعٍ، لَا يُظَنُّ مَنْ رَآهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ إِخْوَةٌ، وَهُمْ كَذَلِكَ، لَكِنْ فِي الدِّينِ، وَلَرُبَّمَا كَانَتْ أَوْثَقَ مِنْ أُخُوَّةِ النَّسَبِ، فَقَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[الْحَشْرِ: 9].

 

وَإِنْ أَتَيْتَهُمْ فِي الْعِبَادَةِ وَجَدْتَ رُهْبَانَ لَيْلٍ، عُبَّادَ نَهَارٍ، فَمَا عَرَفَتِ الْأَرْضُ أَجْمَعَ لِلْفَضَائِلِ مِنْهُمْ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مَعْرِفَةَ قَدْرِ الصَّحَابَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ شَرِيفِ الْمَنْزِلَةِ وَعَظِيمِ الْمَرْتَبَةِ مِنْ أَوْلَى الْمُهِمَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصَلَاحِ الْعَقِيدَةِ وَاسْتِقَامَةِ الدِّينِ؛ وَلِذَا كَانَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ يُؤَكِّدُونَ فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ عَلَى مَكَانَةِ الصَّحَابَةِ فِي الْأُمَّةِ، وَيَذْكُرُونَ فِي ذَلِكَ مَنَاقِبَهُمْ وَفَضَائِلَهُمْ وَأَثَرَهُمْ وَآثَارَهُمْ مَعَ الدِّفَاعِ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ؛ إِذِ الدِّفَاعُ عَنْهُمْ دِفَاعٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهْمَ بِطَانَتُهُ وَخَاصَّتُهُ، وَدِفَاعٌ أَيْضًا عَنِ الْإِسْلَامِ؛ فَهُمْ حَمَلَتُهُ وَنَقَلَتُهُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ: "وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا نُفَرِّطُ فِي حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُمْ، وَبِغَيْرِ الْحَقِّ يَذْكُرُهُمْ وَلَا نَذْكُرُهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ".

 

وَلَقَدْ نَالَ الصَّحَابَةُ خَيْرَ شَرَفٍ، وَتَقَلَّدُوا أَعْظَمَ وِسَامٍ حِينَ شُرِّفُوا بِثَنَاءِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ -وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ-: (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[الْأَنْفَالِ: 74].

 

وَشَهِدَ لَهُمْ رَبُّهُمْ بِصَلَاحِ سَرَائِرِهِمْ وَاسْتِقَامَةِ ضَمَائِرِهِمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ؛ (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[الْفَتْحِ: 18].

 

بَلْ إِنَّ شَرَفَهُمْ وَفَضْلَهُمْ قَدْ سُطِّرَ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَصَفَهُمْ رَبُّهُمْ بِأَكْمَلِ الصِّفَاتِ، وَأَجْمَلِ السِّمَاتِ فِي الْإِنْجِيلِ وَالتَّوْرَاةِ: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ...)[الْفَتْحِ: 29].

 

هُمْ أَنْصَارُ خَيْرِ الْبَشَرِ وَخَاتَمِ الرُّسُلِ: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)[الْأَنْفَالِ: 62]، وَفَازُوا بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ...)[التَّوْبَةِ: 117].

 

وَلِذَا فَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُمْ فِي الْأَرْضِ حِفْظًا لِلْعِبَادِ مِنَ الْعَذَابِ، وَفِي الْحَدِيثِ: "النُّجُومُ أَمَنَةُ السَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا تُوعَدُ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

وَلَا غَرَابَةَ أَنْ يُحِبَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَنْهَى عَنْ إِيذَائِهِمْ، وَيَقُولُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوِ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ"، وَقَالَ عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ: "لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ"، وَقَالَ عَنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا"، وَمَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ.

 

فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ مَعَ نَبِيِّنَا فِي الْجَنَّةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ...

 

أَمَّا بَعْدُ: وَلَا تَزَالُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ بِخَيْرٍ مَا عَرَفَتْ لِلصَّحَابَةِ حَقَّهُمْ وَقَدْرَهُمْ.

 

حَقٌّ عَلَى أُمَةِ مُحَمَّدٍ إِنْ رَامَتِ الصَّلَاحَ وَالْفَلَاحَ أَنْ تَلْزَمَ مَنْهَجَ صَحَابَتِهَا الْكِرَامِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالسُّلُوكِ وَالْعَمَلِ.

 

حَقٌّ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ تَنْشُرَ فَضَائِلَهُمْ، وَتُسَطِّرَ مَنَاقِبَهُمْ، وَأَنْ تُرَبِّيَ الْأَجْيَالَ عَلَى سِيرَتِهِمْ، وَأَنْ تَمْتَلِئَ الْقُلُوبُ مَحَبَّةً لَهُمْ.

 

حَقٌّ عَلَى الْأُمَّةِ: الدِّفَاعُ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ، وَصِيَانَةُ أَقْدَارِهِمْ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ شَرِّ الطَّاعِنِينَ فِيهِمْ، اللَّامِزِينَ فِي عَدَالَتِهِمْ.

 

وَمِنْ أُصُولِ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ: التَّأَدُّبُ مَعَ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالتَّرَضِّي عَنْهُمْ، وَإِمْسَاكُ اللِّسَانِ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ مِنْ خُصُومَةٍ وَاقْتِتَالٍ، وَأَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ؛ فَهُمْ إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ فَلَهُمْ أَجْرٌ أَيْضًا، وَلَهُمْ جَمِيعًا مِنَ السَّوَابِقِ الْحِسَانِ وَالْمَحَاسِنِ الْعِظَامِ، مَا يُوجِبُ رِفْعَةَ دَرَجَاتِهِمْ وَتَكْثِيرَ حَسَنَاتِهِمْ.

 

وَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَغْفِرُ لَهُمْ إِمَّا بِتَوْبَةٍ مَاضِيَةٍ، أَوْ بِمَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا كَمَا عَلَّمَنَا وَأَدَّبَنَا رَبُّنَا: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10].

 

يَا كِرَامُ: وَإِنْ تَعْجَبُوا فَعَجَبٌ حَالُ قَوْمٍ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ هُمْ يَسُبُّونَ الصَّحَابَةَ الْكِرَامَ، وَيُكَفِّرُونَ وَيَلْعَنُونَ أُولَئِكَ الْأَعْلَامَ، وَهُمُ الرَّافِضَةُ اللِّئَامُ، فَإِنَّ عَقِيدَتَهُمُ الَّتِي بِهَا يُصَرِّحُونَ قَائِمَةٌ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ وَسَبِّهِمْ وَبُغْضِهِمْ، فَاللَّهُمَّ اكْفِ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ، وَاقْمَعْ بَاطِلَهُمْ.

 

وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ ضَلَالَاتِهِمْ، وَأَقْوَالِهِمُ الَّتِي يَمُجُّهَا كُلُّ مَنْ بِهِ أَدْنَى عَقْلٍ، فَإِنَّنَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِحُبِّ صَحَابَةِ رَسُولِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ نَذُبَّ عَنْهُمْ مَا اسْتَطَعْنَا، وَلَا خَيْرَ فِي امْرِئٍ يُوَالِي مَنْ يُبْغِضُ صَحْبَ نَبِيِّهِ، وَيَتَوَدَّدُ لَهُمْ.

 

وبعد؛ فما أحسن قَولة ابنِ مسعودٍ حين قال مُثنياً على ذلكم الرعيل: إِن الله نظر فِي قُلُوب الْعباد فَوجدَ قلب مُحَمَّد -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- خير قُلُوب الْعباد فَبَعثه برسالته, ثمَّ نظر فِي قُلُوب الْعباد فَوجدَ قُلُوب أَصْحَابه خير قُلُوب الْعباد بعده فاختارهم لصحبة نبيه ونصرته -ﷺ- فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ.

 

فيا مُحِبّاً لرسول الله لن يَكْمُل حُبُّك إلا بِحُبِّ أصحابه, فمن أحبهم فبِحُبِّه أحبهم, فاللهم إنا نُشهِدُك أننا نحب صحابة رسولك, ونترضى عنهم ونرجو الله أن يحشرنا معهم.

 

 

المرفقات
GTrm7TKRB9Y6D8LN92GuaPdQNt69Gnqu47IIAFPd.doc
4I4KZ5xHOHbo4GHw7otCOxlWDijwJOlsBquDADel.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life