الشهود على العبد يوم القيامة

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/من صور رحمة الله بخلقه 2/الشهود على العبد في الدنيا والآخرة 3/شهادة الأرض بما عُمِلَ عليها 4/الاستعداد ليوم المعاد 5/شهادة الجوارح على العبد يوم القيامة.

اقتباس

تشهد الأرض بكل ما عُمِلَ عليها من معصية كزنا وسرقة وكذب وغناء واجتماعات على لَهْو وفجور، وغيرها، كما تشهد بما عُمِلَ عليها من خير كصلاة وصيام، وطواف وسعي، وزيارات في الله وصلة رحم، وغيرها، هذا والله مما يدعو المسلم إلى إحسان العمل وتقوى الله، والاستعداد ليوم المعاد...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

أما بعد فيا أيها الناس: لقد خلَق الله الخليقة، وأرسل إليهم الرسل، وبيَّن لهم السبل، وأوضح لهم المحجة، فلا عذرَ لأحدٍ من الخلق على تقصيره في حق الله -تعالى-، ولكن الله -سبحانه- يحب العذر، ولهذا أرسل الرسل، وأقام الحجة على الخلق، ثم جعل عليهم شهودًا يشهدون عليهم بأعمالهم، فلا مجال للإنكار يوم القيامة عند نصب الموازين.

 

عباد الله: أخبر -سبحانه- في كتابه العزيز أن على العبد كرامًا كاتبين، يُحْصُون أعماله، ويشهدون عليه يوم القيامة، قال -تعالى-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الانفطار: 10-12]، وقال -سبحانه-: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)[ق:21].

 

حتى إن كل شيء ليشهد عليك يوم القيامة، حتى جوارحك تشهد عليك بما عملت بها. وأول شاهد عليك بتقصيرك، نفسُك أنت، وذلك عند الاحتضار، ومعاينة الملائكة، عندها يشهد على نفسه بالتقصير فيقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)[المؤمنون:99-100]، وقال -سبحانه-: (وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)[الأنعام:130].

 

ثم إذا قامت القيامة، وحُشِرَ الناس للحساب، تتابع الشهود على العبد، فتشهد الملائكة والناس والأرض، وكل شيء حضر عملاً سيشهد عليه، فالأرض التي تمشي عليها ستشهد إما لك أو عليك، قال الله: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)[الزلزلة: 4-5].

 

أخرج الترمذي في جامعه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما قرأ: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)؛ قال: "أتدرون ما أخبارها؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن أخبارها يوم تشهد على كل عبد أو أَمَة بما عمل على ظهرها، تقول – أي الأرض-: عمل كذا وكذا، يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها".

 

وأخرج مسلم في صحيحه أنه لما أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد"، قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: "بني سلمةَ! ديارَكُم تُكْتَب آثاركُمْ، ديارَكُم تُكْتَب آثاركُمْ". أي: ألزموا دياركم الحالية، فقالوا: ما يسرُّنا أنا كنا تحولنا.

 

فإذن تُكتب الآثار إلى المساجد، وتشهد الأرض لمن مشى عليها إلى الخير أو إلى الشر، (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)[يس:12].

 

حتى ما على الأرض من أشجار وأحجار تشهد كذلك كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد، قال لعبد الرحمن بن صعصعة: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك؛ فأذنت في الصلاة، فارفع بالنداء، أي بصوتك، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة". وفي رواية: "لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مَدَر إلا شهد له يوم القيامة".

 

فتأمل -أخي المسلم- عظيم هذا الموقف، عندما تشهد الأرض بكل ما عُمِلَ عليها من معصية كزنا وسرقة وكذب وغناء واجتماعات على لَهْو وفجور، وغيرها، كما تشهد بما عُمِلَ عليها من خير كصلاة وصيام، وطواف وسعي، وزيارات في الله وصلة رحم، وغيرها، هذا والله مما يدعو المسلم إلى إحسان العمل وتقوى الله، والاستعداد ليوم المعاد.

 

اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والغضب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فيا أيها الناس: إنه ليوم عصيب عندما ترى نفسك في أرض المحشر، وتتذكر ذنوبك التي عملتها في الدنيا، ثم تتفاجأ بأن جوارحك تشهد عليك بما عملت، فالعين تشهد بما أبصرت، والأذن بما سمعت، والفم بما أكل، واليد بما بطشت، والرجل بما مشت، والفرج بما عمل، فلا تستطيع الإنكار.

 

قال -سبحانه-: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ)[فصلت:20- 24].

 

وأخرج ابن أبي حاتم ورواه مسلم والنسائي بنحوه من حديث أنَس بن مالك -رضي اللّه عنه- قال: كنا عند النبي -صلى اللّه عليه وسلم- فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال -صلى اللّه عليه وسلم-: "أتدرون مم أضحك؟" قلنا: اللّه ورسوله أعلم، قال -صلى اللّه عليه وسلم-: "من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول: رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: لا أُجيز عليَّ إلا شاهداً من نفسي، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، فيُخْتَم على فِيهِ، ويُقال لأركانه: انطقي، فتنطق بعمله، ثم يُخلّى بينه وبين الكلام، فيقول: بُعْداً لَكُنَّ وسُحْقاً، فعَنْكُنَ كنتُ أناضلُ".

 

اللهم ارحمنا برحمتك إذا صرنا إليك، واسترنا فوق الأرض ...

المرفقات
BjRS49P1ycwT20cPNKuMOvy3KjgCIPQzf115cuFz.doc
DIepLc5mch2wCh0Xqj7ujhovevvk6XBSjLsJ8PYb.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life