عناصر الخطبة
1/حيرة البشرية بين آمالها ومخاوفها وأسباب ذلك 2/خطر تعليق التمائم والأحجار 3/التعلق بالله والتوكل عليه وحده لا شريك لهاقتباس
إن أحوالَ هؤلاء الضُّلَّالِ المضلّيَن خادعةٌ ماكرة، فتجدهم يلبسونَ زيّ العلم، ويتكلمون بلسان الدين، ويتظاهرون بسمتِ الحكمة، وإنهم واللهِ ثعالبُ ماكرةٌ وأفاعي سامّة. يزعمونَ أنَّ الأبراجَ كالميزانِ والعقربِ تُخبرُ بطبائعِ الناسِ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنِا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليما كثيرًا.
عبادَ الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنَّ التقوى منجاةٌ من الهمِّ والحَزن، واستحقاقٌ لمعيَّة الله لعباده، قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون)[يونس: 62-63]، وقال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[البقرة: 194].
أيها المسلمون: في هذه الدنيا لنا آمالُ نرجوها، وخططٌ نسعى لتحقيقها، كذلك تعترينا ظنونُ خوفٍ تقلقنا وعواقبُ خطرٍ نحذرُها، ويحتارُ الإنسانُ كيفَ ينالُ الخيرَ ويبتعدُ عنه الشر، وهل ثمَّةَ أسبابٌ يفعلها لتحقيقِ ذلك؟ وتلكم الأسبابُ هل هي ناجحةٌ أم خاسرة؟ وهل هي في الأساس شرعيةٌ أم محرمة؟
وحيرةُ الإنسانِ -يا عبادَ الله- ناجمةٌ عن حاجته الملحةِ لنيلِ الفوزِ، وتجنّبِ الشرِّ والخسارة، وقد جعل اللهُ لكلِّ شيءٍ أسبابًا يعملُها الإنسانُ مستصحبا معها أعمالا يؤدِّيها بقلبه، لكن عندما ضاقت حيلةُ بعضِ بني البشر، وقد استبدّ به الجهلُ أوجدَ لنفسه أسبابًا مخترعَةً وطُرقًا واهيةً مصطنعة، وربما أعانه على ذلك وأرشده أهلُ الضَّلال ممن يسعون لإفسادِ عقائدِ الناسِ، ويأكلون أموالَهم بالباطل، فيتكسَّبون بالتضليلِ، ويُتاجرون بالوهم، واللهُ من ورائهم محيط.
وإن أحوالَ هؤلاء الضُّلَّالِ المضلّيَن خادعةٌ ماكرة، فتجدهم يلبسونَ زيّ العلم، ويتكلمون بلسان الدين، ويتظاهرون بسمتِ الحكمة، وإنهم واللهِ ثعالبُ ماكرةٌ، وأفاعي سامّة، يزعمونَ أنَّ الأبراجَ كالميزانِ والعقربِ تُخبرُ بطبائعِ الناسِ حَسَنِها ورديئِها، وأنَّ بعضَ الأحجارِ تجلبُ الخيرَ وتدفعُ الضُّر، وأنَّ تعليقاتٍ وتمائمَ يضعها الرجلُ والمرأة، أو يعلِّقونها على أبنائهم، فتكون جذبًا للمنافع وحِصنًا عن الأضرار.
وهذا كلُّه ضلالٌ مبينٌ، وخطرٌ عظيمٌ على عقيدة الإنسانِ وسلوكِه؛ فقد قال النبي -ﷺ-: "إنَّ الرُّقى والتمائمَ والتِّولةَ شِرك" قال عبدُالله بنُ عمرو: "دخَلتُ علَى عبدِاللَّهِ بنِ حُكَيْمٍ وبِهِ حُمرةٌ، فقلت: ألا تعلِّقُ تَميمةً؟ فقالَ: نعوذُ باللَّهِ مِن ذلِكَ، الموتُ أقرَبُ من ذلِكَ، قالَ رسولُ اللَّهِ: "مَن علَّقَ شيئًا وُكِلَ إليهِ"، فلنحذرْ غايةَ الحذرِ من اتخاذ أيِّ شيءٍ من هذه الأمور، نظنُّ فيه بذاته جلبَ خيرٍ أو دفعَ ضُرّ.
ولنتقِ اللهَ -يا عبادَ الله- في أنفسنا، ولنتق اللهَ فيمن استرعانا اللهُ من الأبناء، فإنَّ أولئك الدجالين قد كثروا في وسائل التواصل، وتلقّفهم البنات والأولاد، وصاروا يتَبَعونَهم في دَجَلِهم جهلا منهم بخطرِ هذا الصنيع.
اللهم أصلح ذرياتِنا وجنّبنا وإياهم الفتَن ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.
أما بعد: عبادَ الله: أمَا وقد بيَّنَّا خطرَ تعليقِ التمائمِ والأحجارِ لجلبِ الخيرِ ودفعِ الضُّر، فإنَّ السبيلَ الشرعيَّ لذلك أن يفعلَ المؤمنُ الأسبابَ في مظانِّها، مستصحبًا مع بذلِ السببِ أعمالَ القلوب فيكون ممتلئا باليقين بالله أنَّ ما أصابه لم يكن ليُخطئَه، وما أخطأه لم يكن ليصيبَه، وأنَّ اللهَ معينُه في صالح أمره، قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)[الروم: 60]، وكان من دعاء النبي -ﷺ-: "اللهم اقسم لنا مِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائبَ الدُّنْيَا".
وكذلك يكونُ متوكلا على الله في سائرِ شأنه، غيرَ مغترٍّ بقدرته، ولا يائسًا بسبب تعسيرات الحياة، فإنَّ اللهَ -تعالى- يقول: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3]، وقال النبي -ﷺ-: "اعقلها وتوكّل".
وكذلك يكون مستصحبًا سائرُ أعمالِ القلوبِ مِن خوف ورجاء ومحبة لله، وإيمانٍ بما قضى وقدَّر.
إنَّ المؤمن -يا عبادَ الله- إذا امتلأ بهذه الأعمالِ قلبُه امتلأ إيمانًا بالله -تعالى-، وعندها ذاق حلاوةَ الإيمان، وتحرَّر من دجلِ المبطلين وقيودِ الجاهلين، وشُفي من أمراض الهمومِ وعللِ الحسرةِ والظنون، وعاشَ في جنّةِ الدنيا حين حُرمها الكثير.
فاملؤوا بها قلوبَكم، وازرعوها في أبنائكم، فإنهم مسؤوليتكم التي سيسألكم الله عنها.
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا.
اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، وولِّ عليهم خيارَهم واكفهم شرَّ شرارِهم.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبَه لما فيه خيرُ البلاد والعباد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
التعليقات