عناصر الخطبة
1/حقيقة الشائعات وشدة ضررها 2/من أمثلة الشائعات في تاريخ المسلمين 3/انتشار الشائعات في عصرنا عن طريق النت 4/من أخطار الشائعاتاقتباس
خَطَرَ الشَّائِعَاتِ عَظِيمٌ لاَ يُسْتَهَانُ بِهِ، بَلْ مِنْ جُمْلَةِ أَخْطَارِهَا: تَفْرِيقُ الصَّفِّ الْوَاحِدِ، وَإِضْعافُ الرَّأْيِ الْمُجْتَمَعِيِّ، وَبَلْبَلَةِ النَّاسِ بَيْنَ مُصَدِّقٍ ومُكذِّبٍ، وَمُتَرَدِّدٍ مُتَحَيِّرٍ؛ فَيَغْدُو مِنْ أَجْلِهَا الْمُجْتَمَعُ فِرَقًا وَأحْزَابًا، وَأَعَدَاءً وَأَحْبَابًا...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نتَكَلَّمُ فِي الْخُطْبَةِ عَنْ ظَاهِرَةٍ مِنَ الظَّوَاهِرِ الْخَطِيرَةِ الَّتِي تَظْهَرُ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ عُمُومًا، وَفِي مُجْتَمَعِنَا الإِسْلاَمِيِّ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، هِيَ مِنْ أَخْطَرِ الأَمْرَاضِ السُّلُوكِيَّةِ الْمُسْتَعْصِيَةِ، وَأَقْوَى الأَسْلِحَةِ الْمُدَمِّرَةِ لِلْمُجْتَمَعَاتِ وَالأَشْخَاصِ؛ إِنَّهَا الشَّائِعَاتُ الَّتِي كَمْ قَتَلَتْ مِنْ أَبْرِيَاءَ، وَحَطَّمَتْ مِنْ عُظَمَاءَ، وَتَسَبَّبَتْ فِي جَرَائِمَ، وَقَطَعَتْ مِنْ عَلاَقَاتٍ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَكَمْ هَزَمَتِ الإِشَاعَةُ مِنْ جُيُوشٍ عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ!.
مَعْلُومَاتٌ أَوْ أَفْكَارٌ أَوْ أَخْبَارٌ، يَتَنَاقَلُهَا النَّاسُ، دُونَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَنِدَةً إِلَى مَصْدَرٍ مَوْثُوقٍ بِهِ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهَا، أَوْ هِيَ كَلاَمٌ مُخْتَلَقٌ لاَ أَسَاسَ لَهُ مِنَ الْوَاقِعِ أَوِ الصِّحَّةِ.
مِنْ أَمْثِلَتِهَا: مَا تَعَرَّضَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفْسِهِ وَفِي بَيْتِهِ لِلنَّيْلِ مِنْ دِينِهِ، فَقَدْ رُمِيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِالسِّحْرِ وَالْجُنُونِ وَالْكَذِبِ وَالْكِهَانَةِ، وَتَفَنَّنَ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فِي صُنْعِ الأَرَاجِيفِ الْكَاذِبَةِ، وَالاِتِّهَامَاتِ الْبَاطِلَةِ ضِدَّ دَعْوَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَلَعَلَّ مِنْ أَشْهَرِهَا مَا حَصَلَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ عِنْدَمَا صَرَخَ الشَّيْطَانُ "أَنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ"، فَسَرَتْ هَذِهِ الشَّائِعَةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَفَتَّتْ فِي عَضُدِهِمْ، وَأَوْهَتْ قُوَّتَهُمْ، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْعَدُوُّ.
وَمِنَ الأَمْثِلَةِ: قِصَّةُ الإِفْكِ، تِلْكَ الْحَادِثَةُ الَّتِي كَشَفَتْ عَنْ شَنَاعَةِ الشَّائِعَاتِ، وَهِيَ تَتَنَاوَلُ بَيْتَ النُّبُوَّةِ الطَّاهِرَ، وَتَتَعَرَّضُ لِعِرْضِ أَكْرَمِ الْخَلْقِ عَلَى اللهِ.
وَفِي زَمَنِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَشَاعَ عَنْه أَعَدَاءُ الإِسْلاَمِ إِشَاعَاتٍ تَتَّهِمُهُ بِالظُّلْمِ وَالأَثَرَةِ، وَالْخُرُوجِ عَنْ هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-؛ فَحَقدَ عَلَيْهِ مَنْ حَقَدَ، وَتَظَاهَرُوا عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ، وَحَاصَرُوهُ فِي دَارِهِ ثُمَّ قَتَلُوهُ -رَحِمَهُ اللهُ وَرَضِيَ عَنْه-.
ثُمَّ كَانَ لِلشَّائِعَاتِ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي الْفِتَنِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَسُفِكَ بِسَبَبِهَا كَثِيرٌ مِنَ الدِّماءِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَا تَزَالُ الشَّائِعَاتُ مَوْجُودَةً مُتَجَدِّدَةً فِي الْمُجْتَمَعَاتِ؛ تَفْعَلُ فِعْلَهَا، وَتَنْفُثُ سُمُومَهَا.
وَقَدْ رَاجَتْ وَانْتَشَرَتْ فِي زَمَانِنَا عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْمُخْتَلِفَةِ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ عَصْرَنَا الْحاضِرَ يُمَثِّلُ عَصْرًا ذَهبيًّا لِرَوَاجِ الشَّائِعَاتِ الْمُغْرِضَةِ، وَمَا ذَاكَ إلاَّ لِتَطَوُّرِ التِّقَنِيّاتِ، وَكَثْرَةِ وَسَائِلِ الاِتِّصَالاَتِ، الَّتِي مَثَّلَتِ الْعَالَمَ قَرْيَةً وَاحِدَةً، فَآلاَفُ الْوَسَائِلِ الإِعلاميَّةِ، وَالْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ، وَالشَّبَكَاتِ الْمَعْلُومَاتِيَّةِ تَتَوَلَّى كِبَرَ نَشْرِ الشَّائِعَاتِ الْمُغْرِضَةِ، وَالْحَمَلاَتِ الإِعْلاَمِيَّةِ الْمَحْمُومَةِ، فِي صُورَةٍ مِنْ أَبْشَعِ صُورِ الإِرْهَابِ النَّفْسِيِّ، وَالتَّحْطِيمِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِيِ لَهُ دَوَافِعُهُ الْمُشِينَةُ، وَأَغْرَاضُهُ الْمَشْبُوهَةُ ضِدَّ عَقِيدَةِ الأُمَّةِ وَثَوَابِتِهَا وَقِيَمِهَا.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَامْتَثِلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ بِقَوْلِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 - 71]، وَقَوْلِهِ: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)[الإسراء: 36].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَطَرَ الشَّائِعَاتِ عَظِيمٌ لاَ يُسْتَهَانُ بِهِ، بَلْ مِنْ جُمْلَةِ أَخْطَارِهَا: تَفْرِيقُ الصَّفِّ الْوَاحِدِ، وَإِضْعافُ الرَّأْيِ الْمُجْتَمَعِيِّ، وَبَلْبَلَةِ النَّاسِ بَيْنَ مُصَدِّقٍ ومُكذِّبٍ، وَمُتَرَدِّدٍ مُتَحَيِّرٍ؛ فَيَغْدُو مِنْ أَجْلِهَا الْمُجْتَمَعُ فِرَقًا وَأحْزَابًا، وَأَعَدَاءً وَأَحْبَابًا.
وَمِنْ أَخْطَارِهَا: الْوَقِيعَةُ فِي أُناسٍ وَتَشْوِيهُ سُمْعَتِهِمْ، وَهَضْمُ الْجُهُودِ وَرَفْعُ أَقْوَامٍ لَا يَسْتَحِقُّونَ الرِّفْعَةَ، وَخَفْضُ آخَرِينَ حَقُّهُمُ الرِّفْعَةُ.
وَمِنْ أَخْطَارِهَا: اسْتِحْلاَلُ أَعْرَاضِ الآخَرِينَ مِنَ الأُمَرَاءِ أَوِ الْعُلَمَاءِ أَوِ الْوُجَهَاءِ، أَوْ حَتَّى مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ.
وَالْمُؤْمِنُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ يَتَمَثَّلُ تَقْوَى اللهِ -تَعَالَى- فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَيَبْتَعِدُ عَنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُ رَبَّهُ وَخَالِقَهُ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَيَسْتَشْعِرُ قَوْلَ اللهِ -تَعَالَى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18]، وَقَوْلَهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور : 19].
وَكَذَلِكَ اسْتِشْعَارُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ"[رواه مسلم]، وَقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ"، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا".
وَلْيَكُنِ التَّثَبُّتُ فِي الأَخْبَارِ مُهِمَّةً لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيمَا يَسْمَعُهُ وَيَنْقُلُهُ، قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6].
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رواه مسلم)،
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
التعليقات