عناصر الخطبة
1/أحوال الأمة وشدة ابتلاءاتها 2/أسباب ضعف الأمة وهوانها 3/سبيل النجاة 4/خطورة ظهور المعاصي والذنوب.اقتباس
لَا يُمْكِنُ أَنْ نَكُونَ أَقْوِيَاءَ كَمَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُسْلِمُونَ لِدِينِهِمْ، وَيَتْرُكُوا مَعْصِيَةَ رَبِّهِمْ، مِنَ الْشِرْكُ وَالْبِدَعُ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَأَكْلُ الْمَالِ الْحَرَامِ مِنَ الرِّبَا وَالْغِشِّ، وَالتَّسَاهُلُ فِي مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمدُ للهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، شهادةً نَرْجُو أنْ نَكونَ بِهَا مِمَّنْ يُظِلَّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلى آلِهِ وأصحابِهِ، وَمَن اهتَدَى بهديهِ، وسَلَّمَ تسليمًا.
أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الأُمَّةَ تمُرُّ بِحَالِ تَمَزُّقٍ وَتَفَرُّقٍ شَدِيدٍ، وَتَكَالُبٍ عَلَيْهَا مِنْ أَعَدِائِهَا، وَتَعَاوُنٍ مِنْهُمْ عَلَى كَبْتِهَا، حَتَّى إنَّهُ لا يَكَادُ يُسْمَعُ بِدَمٍ يَثْعُبُ، وجُرْحٍ يَنْزِفُ، وَدَارٍ تُهْدَمُ، وأُناسٍ يُشَرَّدُونَ، وأطفالٍ يُيُتَّمونَ، ونِساءٍ يُرَمَّلْنَ، إِلَّا وَذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَصْبَحُوا فِي ضَعْفٍ وَتَأَخُّرٍ وَهَوَانٍ، وَأَصْبَحَ عَدُوُّهُمْ الْكَافِرُ مُتَسَلِّطًا عَلَيْهِمْ، وَلا أَحَدَ مِنَ الْخَلْقِ يَرْحَمُهُمْ، وَلا نَسْمَعُ جِهَةً مِنَ الْجِهَاتِ الْعَالَمِيَّةِ تَتَبَنَّى قَضَايَاهُمْ وَتُدَافِعُ عَنْهُم، كَمَا هُوَ الْحَالُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ، الذِينَ لَهُمْ أَصْوَاتٌ مَسْمَوعَةٌ وَلَهُمْ مَن يُحَامِي عَنْهُمْ وَيَنتَصِرُ لَهُمْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمُهْتَمِّينَ بِشَأْنِ الْأُمَّةِ وَأَصْحَابَ الْغِيرَةِ مِنْ أَبْنَائِهَا، وَمَنْ يُرِيدُونَ عُلُوَّهَا وَرِفْعَتَهَا قَدْ بَحَثُوا فِي الْأَسْبَابِ التِي أَدَّتْ إِلَى ضَعْفِهَا وَهَوَانِهَا، ثُمَّ طَرَحُوا الْحُلُولَ فِي رَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهَا، فَتَعَالَوْا نَنْظُرْ فِي تِلْكَ الطُّرُقِ وَالْمَسَالِكِ، ثُمَّ نُبِيِّنُ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّنَا مَأْمُورُونَ عِنْدَ الاخْتِلافِ أَنْ نَرْجِعَ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَإِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ اللهُ –سُبْحَانَهُ-: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)[النساء: 59].
فَقَالَتْ طائِفَةٌ: إِنَّ سَبَبَ ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ تَسَلُّطُ الْحُكَّامِ الظَّالِمِينَ، فَلَوْ زَالَ الْحُكَّامُ انْتِصَرَ الْمُسْلِمُونَ، وَمِنْ هُنَا اشْتَغَلُوا بِالحُكَّامِ وَنَاطَحُوهُمْ وَصَارَعُوهُمْ، حَتَّى قَالَ قَائِلٌ فِي الْأَزْمَةِ الْأَخِيرَةِ: لَوْ غَابَ الْحُكَّامُ الْعَرَبُ عَنْ بِلادِنَا أُسْبُوعًا لَصَلَّيْنَا اليَوْمَ الثَّامِنَ فِي الْقُدْسِ، وَنَقُولُ بِاخْتِصَارٍ: هَلَ هَكَذَا أَمَرَنَا شَرْعُنَا فِي مُعَامَلَةِ حُكَّامِنَا؟ ثُمَّ هَذَا مَا يُسَمَّى بِـ"الرَّبِيعِ الْعَرَبِيِّ" سَقَطَ فِيهِ مَجمُوعَةٌ مِنْ حُكَّامِ الْعَرَبِ فَهَلْ اسْتَقَامَتْ أَحوَالُ بُلْدَانِهِمْ ؟ أَمْ زَادَ الْأَمْرُ سُوءً وَبَلاءً؟
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ سَبَبَ ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ تَسَلُّطُ الْكَافِرِينَ، فَلَوْ لَمْ يَتَسَلَّطْ عَلَيْنَا الْكَافِرُونَ لَأَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ أَقْوَيَاءَ، وَعَلَى إِثْرِ ذَلِكَ قَالُوا: الْعِلَاجُ أَنْ نَشْتَغِلَ في مَعْرِفَةِ مُخَطَّطَاتِ الْكَافِرِينَ وَكَيْدِهِمْ، حَتَّى اشْتَغَلوا وَأَشغَلُوا عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ بِالسِّياسَةِ، بَلْ أَشْغَلُوا صِغَارَ طُلَّابِ الْعِلْمِ بِمَعْرِفَةِ فِقْهِ الْوَاقِعِ، أَوْ مَا يُسَمَّى بِفِقْهِ تَنْزِيلِ الْفَتَاوَى عَلَى الْوَاقِعِ، وَصَرَفُوهُمْ عَنِ الْعِلْمِ وَتَحْصِيلِهِ.
بَل أَسْقَطُوا كِبَارَ الْعُلَمَاءِ فِي نَظَرِ الْعَامَّةِ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ لا يَفقَهُونَ الْوَاقِعَ، وَتَصَدَّرَ مَن لا عِلْمَ عِندَهُ إِلَّا مَعْرِفَةُ أَخْبَارِ الْجَرَائِدِ وَالقَنَوَاتِ، فَصَدَقَ عَلَيْهِمْ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْه).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ سَبَبَ ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ تَرْكُ الْجِهَادِ، فَإِذا رُفِعَتْ رَايَةُ الْجِهَادِ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَنَا قَوةٌ نُواجِهُ بِهَا الْأَعْدَاءَ، وَلِذَلِكَ صَارُوا يُقَاتِلُونَ الْكُفَّاَر وَيُكَوِّنُونُ جَمَاعَاتٍ جِهَادِيَّةً بِغَيْرِ وَلِيِّ أَمْرٍ يُقِيمُ الْجِهَادَ، وَلا رَايَةٍ وَاضِحَةٍ، ثُمَّ سُرْعَانَ مَا تُهْزَمُ تِلْكَ الْفِرَقُ الْجِهَادِيَّةُ وَتَلْتَهِمُهَا جُيُوشُ الْكُفَّارِ الْمُدَجَّجَةِ بِالْعُدَّةِ وَالْعَتَادِ، حَتَّى طَحَنُوا شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلُوهُمْ يُدَاسُونَ وَيُعَذَّبُونَ فِي سُجُونِ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ الذِينَ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً، بَلْ رُبَّمَا صَيَّرَتْهُمْ الْمَخَابَرَاتُ الْعَالَمِيَّةُ فَخًّا لاجْتِذَابِ الشَّبَابِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَبَادُوهُمْ، وَلَسْنَا عَنْ جَمَاعَةِ دَاعِش الْمُخْتَرَقَةِ بِبَعِيدٍ.
وَقَالَتْ طائِفَةٌ: إِنَّ ضَعْفَ الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ تَفَرُّقِهِمْ، فَلَوِ اجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ وَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً صَارَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكةٌ يَسْتَطِيعُونَ دَحْرَ عَدُوِّهِمْ، ثُمَّ ارْتَكَبُوا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، وَتَحَالَفُوا مَعَ الْفِرَقِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْجَمَاعَاتِ الْبِدْعِيَّةِ بِحُجَّةِ التَّعَاوُنِ عَلَى رَفْعِ الظُّلْمِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى وَصَلَ الْأَمْرُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى تَسْمِيَةِ "قَاسِم سُلَيْمَانِي" الْخَبِيثِ الرَّافِضِيِّ سَبَّابِ الصَّحَابَةِ وَقَاتِلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْعِرَاقِ وَالشَّامِ "شَهِيد الْقُدسِ"، وَلا نَقُولُ إِلَّا: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْخُطْبَةَ لا تَتَسِّعُ لِلْإِحَاطَةِ بِتِلْكَ الطُّرُقِ التِي سَلَكَهَا النَّاسُ لِإِصْلَاحِ الْأُمَّةِ، وَفِيمَا ذُكِرَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا تُرِكَ، وَلذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ بَيَّنَ لَنَا فِي كِتَابِهِ أَنَّنَا إِذَا تَمَسَّكْنَا بِدِينِهِ ثُمَّ فَعَلْنَا مَا نَسْتَطِيعُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْكَوْنيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّنَا قُوَّةُ عَدُوِّنَا وَلا عَدَدُهُ، بَلْ سَيُقَوِّينَا اللهُ وَيَنصُرُنَا، قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آل عمران: 120].
وَأَمَّا وُلاةُ الْأَمْرِ فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ في ِكِتَابِهِ أَنَّ الحُكَّامَ مِنْ جِنْسِ الْمَحْكُومِينَ، فَإِذَا كَانَتْ الشُّعُوبُ ظَالِمَةً؛ فَإِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ عَلَيْهَا حُكَّامًا ظَالِمِينَ، فَالشُّعُوبُ هِيَ التِي تُحَدِّدُ حَاكِمَهَا، فَعَلَيْنَا أَنْ نُصلِحَ أَنْفُسَنَا قَبْلَ أَنْ نَلُومُ حُكَّامَنَا، قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأنعام: 129].
وَبَيَّنَ اللهُ لَنَا أَنَّ الْاجْتِمَاعَ مَعَ اخْتِلَافِ العَقَائِدِ اجْتِمَاعٌ مَذْمُومٌ، بَلْ وَذَمَّ بِهِ الْيَهُودَ، قَالَ -سُبْحَانَهُ- (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)[الحشر: 14].
وَبَيَّنَ اللهُ لَنَا فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كانُوا في ضَعْفٍ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقاتِلُوا ، قَالَ -تَعَالَى- (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)[النساء: 77]؛ لِأَنَّ القِتَالَ يَزيدُهُمْ ضَعْفًا، وَيُجْرِّؤُ عَدُوَّهُمْ عَلَيْهِم فَيَفْتِكُونَ بِهِمْ، كَمَا هِيَ الْحَالُ الْوَاقِعَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَهْجِمُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَرُبَّمَا قَتَلُوا مِنْهُمْ عَدَدًا أَوْ أَسَرُوا أَحَدًا، ثُمَّ يَعُودُ الْكُفَّارُ عَلَيْهِمْ وَيَقْتُلُونَ أَضْعَافَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَيَهدِمُونَ الْبُيُوتَ وَيُهْلِكُونَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.
فاَللَّهُمَّ قَوِّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، واكْسِرْ الْكُفْرَ وأَهْلَهُ، أقولُ ما تسمعونَ، وأستَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ فاستغفروهُ إنهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، الْمُتَفَرِّدِ باِلْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ نَكُونَ أَقْوِيَاءَ كَمَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُسْلِمُونَ لِدِينِهِمْ، وَيَتْرُكُوا مَعْصِيَةَ رَبِّهِمْ، مِنَ الْشِرْكُ وَالْبِدَعُ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَأَكْلُ الْمَالِ الْحَرَامِ مِنَ الرِّبَا وَالْغِشِّ، وَالتَّسَاهُلُ فِي مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ، وَتَبَرُّجُ النِّسَاءِ وتَكَشُّفُهُنَّ... إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ وَضَّحَ لَنَا أحْكَمُ الْحَاكِمِينَ أَنَّ ظُهُورَ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ سَبَبُ ضَعْفِهِمْ وَهَوَانِهِمْ، قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41]، وقالَ: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا)[التوبة: 25].
يَا سُبْحَانَ اللهِ! بِسَبَبِ ذَنْبِ العُجْبِ هُزِمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وقُوَّتِهِمْ! فَقَارِنُوا هذَا بِحَالِنَا الْيَوْمَ؛ كَمْ شَاعَ وانْتَشَرَ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ فِي بِلَادِ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ؟ فَكَمْ مِنْ ضَرِيحٍ يُقْصَدُ، وَكَمْ مِنْ قَبْرٍ يُعْبَدُ؟
فَفِي إِحْدَى الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي يَوْمِ مَوْلدِ مَنْ يُسَمُّونَهُ صَالِحًا وَوَلِيًّا اجْتَمَعَ عِنْدَ قَبْرِهِ مَا يُقَارِبُ ثَلاثَةَ مَلايِينَ شَخْصٍ يَذْبَحُونَ وَيَنْذُرُونَ لَهُ، وَيَدْعُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَهُمْ يَعْصُونَ اللهَ بِأَعْظَمِ ذَنْبٍ وَهُوَ الشّْرْكُ الْأَكْبَرُ الذِي هُوَ أَبْغَضُ الذُّنُوبِ إِلَى اللهِ، قَالَ -سُبْحَانَهُ- (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[النساء: 48]، وَقَالَ: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا مَعَاصِي الشَّهْوَاتِ، فَمَا أَكْثَرَهَا فِي بِلَادِ الْعَالمِ الْإِسْلَامِيِّ، حَتَّى نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ أَصْبَحْنَ مُتَبَرِّجاتٍ كَنِسَاءِ الْغَرْبِ، وَإِذَا رَأَيْتَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً فِي كَثِيرٍ مِنْ بِلادِ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ وَرَأَيْتَ تَبَرُّجَهَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِرَةِ، فَيَا سُبْحَانَ اللهِ أَيْنَ أَبُوهَا؟ أَيْنَ زَوْجُهَا؟ أَيْنَ أَهْلُهَا؟
إِنَّنَا إِذَا أَرَدْنَا عِزًّا وَنَصْرًا فَلْنَرْجِعْ إِلَى دِينِنَا وَإِلَى تَوْحِيدِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلْنَتْرُكِ الْمَعَاصِي كَبِيرَهَا وَصَغِيرَهَا، وَإِذَا عَصَى أَحَدُنَا بَادَرْنَا بِنُصْحِهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 105].
فَاللَّهُمَّ يَا مَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ يَا حَيُّ يَا قَيَّومُ مُنَّ عَلَيْنَا بِالاسْتِقَامَةِ عَلَى دِينِكَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا للتَّوْحيدِ مُقِيمِينَ، وَلِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مُتَّبِعِينَ.
اللَّهُمَّ قَوِّ الْإِسْلَامَ بِأَهْلِهِ وَقَوِّ أَهْلَهُ بِهِ يَا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي فِيهَا مَعَادُنَا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمُ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَن.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِين.
التعليقات