عناصر الخطبة
1/فضائل الصحابة الكرام 2/ثناء القرآن والسنة على الصحابة 3/محبة الصحابة وتعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم 4/خطورة الطعن في الصحابة 5/ واجبنا نحو الصحابة الكرام.اقتباس
بنصر الله ثم بعزيمة أبي بكر هُزم المرتدون، وبشجاعة عمر وصلابته سقطت عروش الفرس والروم، وببذل عثمان سُيّرت جيوش الإسلام، وبفدائية عليّ هاجر المصطفى آمنًا وفتحت خيبر. مَن حفظ السُّنة ونشرها؟ مَن حمى العقيدة وحرسها؟ مَن بذل النفس لدين الله وأوقفها؟ رضي الله عنهم أجمعين.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وجعلنا مسلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين وحجة الله على الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
أما بعد: فيا أيها المسلم: اتق الله، ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليمًا حكيمًا.
إذا ذُكرت قائمة العظماء والكرماء فهم في قمتها، وإذا رُسمت صور البذل والعطاء والحب والوفاء والشجاعة والفداء فهم صانعو أروعها، وإذا فاخرت أمة برجالها وقادتها فأمتنا تجعلهم على رأس مفاخرها.
هل عرفت الدنيا أنبل منهم وأكرم؟!، أو أرأف وأرحم، أو أجل وأحلم؟! على أيديهم قامت دولة الإسلام، وعلى سواعدهم رُفِعَتْ راية الجهاد، فانتشر الأمن والسلام، وبتضحياتهم ودمائهم هوت معاقل الكفر والنفاق.
وهم الذين استيقظت بأذانهم *** دنيا الخليقة من تهاويل الكرى
حتى هوت صور المعابد سجدا *** لجلال من خلق الوجود فصورا
فمن الألى حملوا بعزم أكفهم *** باب المدينة يوم غزوة خيبرا
أمن رمى نار المجوس فأُطفئت *** وأبان وجه الحق أبلج نيرا
ومن الذي بذل الحياة رخيصة *** ورأى رضاك أعز شيء فاشترى
إنهم الصحابة الأخيار، رفقاء النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في درب الجهاد والاستشهاد، أولئك الذين ضربوا أروع الأمثلة في الإخلاص لدين الله، والتضحية في سبيله، ورسموا أجمل صور الحب لله ولرسوله ولشريعته فتخضبت بدمائهم جبال مكة وأودية المدينة وصحاري نجد وسهول فارس والروم، وتشرف البحر بأجسادهم التي عبرت لتفتح البلاد وتُخْرِج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
أولئك الذين بذلوا أموالهم وأولادهم، واسترخصوا أنفسهم، وهجروا أوطانهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، أولئك هم الصادقون. أولئك الذين رسموا لوحات رائعة في النصرة والإيثار والوفاء، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
يكفيهم شرفًا وفخرًا وخلودا أن يمدحهم القرآن (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الفتح:29].
ويكفيهم عزًّا ومجدًا أن يثني عليهم الرحمن (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة:100]، (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[الفتح: 18].
ويكفيهم مآثر ومفاخر أن يزكيهم الرسول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم"، وينهى عن سبّهم والقدح فيهم: "لا تسبُّوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم ملء أُحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه".
ما حازوا هذا السبق العظيم والفوز الكبير والمقام الرفيع إلا بقوة الإيمان والثبات على السُّنة والقرآن، اعتقادٌ وثباتٌ واتباعٌ لا تزحزحه صروفُ الأيامِ، ولا تُغيّره تقلبات الزمان.. من ذا يطيق ما أطاقوا؟ ومن ذا سيبذل ما بذلوا؟ ويتحمل ما تحملوا؟
من ذا الذي يحب محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كحبهم إياه؟ ابغوني حبًّا لرسول الله كحب خُبيب بن عدي، وقد صلبه المشركون وعرضوه للقتل فيقول: "ما أُحب أني في أهلي وولدي ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشاك بشوكة".
ابغوني حبًّا كحب تلك المرأة قد نُعي لها زوجها وأبوها وأخوها يوم أُحُد فتقول: "ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فلما رأته سالمًا قالت: "كل مصيبة بعدك جلل"؛ أي هينة يسيرة.
ابغوني تضحية لأجل رسول الله كتضحية أبي دجانة وهو يحني ظهره على رسول الله في أُحد وسهام الأعداء تنهال على جسمه من كل اتجاه.
بنصر الله ثم بعزيمة أبي بكر هُزم المرتدون، وبشجاعة عمر وصلابته سقطت عروش الفرس والروم، وببذل عثمان سُيّرت جيوش الإسلام، وبفدائية عليّ هاجر المصطفى آمنًا وفتحت خيبر.
مَن حفظ السُّنة ونشرها؟ مَن حمى العقيدة وحرسها؟ مَن بذل النفس لدين الله وأوقفها؟ رضي الله عنهم أجمعين.
ألا إن التأريخ لم يشهد رجالاً عقدوا عزمهم ونواياهم على غاية تناهت في العدالة والسمو، ثم نذروا لها حياتهم على نسق تناهى في الجسارة والتضحية والبذل كما شهد في أولئك الرجال حول الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
فيهم يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "مَن كان متأسيًا فليتأس بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا, وأحسنها حالاً، اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم".
إنهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلام تقى، ومنائر هدى، ومصابيح دجى.. هم أمان للأُمَّة من البدع وغلبة الأهواء واختلاف العقائد.. قال -صلى الله عليه وسلم-: "أصحابي أمنة لأمتي؛ فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعدون".
لقد واجه الصحابة الكرام أنواعًا من الخصوم والمعاندين ابتداءً بالخوارج الذين سلطوا ألسنتهم بالتكفير، ووجهوا أسلحتهم بالقتل والتدمير، فكان الصحابة ضحايا لهذا الفكر المنحرف.
ثم كانت فئة أشد وأخزى، ربيبة لليهود وستار للمجوس، وتحت مسمى الرفض والتشيع، وبحجة الولاء لأهل البيت كادت للإسلام ورجاله على مر الزمان، فاكتوى بظلالهم المسلمون، واصطلى بنار حقدهم ومكرهم عباد الله الصالحون.. وكتبهم ومقالاتهم ومقاطعهم تطفح بالسب والتكفير والتشنيع على خير القرون؛ فالفحشاء والمنكر والبغي عندهم هم أبو بكر وعمر وعثمان، والشجرة الملعونة هي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وما تخفي صدورهم أكبر.
واستمع لما يقولون في علي -رضي الله عنه-:
أبا حسن أنت عين الإله *** وعنوان قدرته السامية
وأنت المحيط بعلم الغيوب *** فهل تعزب عنك من خافية
وأنت مدير رحى الكائنات *** وعندك أبحارها السامية
لك الأمر إن شئت تحيي غدا *** وإن شئت تسفع بالناصية
فهل بعد هذا الكفر كفر أشد وأمر؟!، وهل بعد هذا يصح تقارب والتقاء؟!
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
هؤلاء الرجال الأخيار والبررة الأطهار لا بد أن تربى الأمة صغارًا وكبارًا على الوفاء لهم وأداء حقهم. إن من حق هذا الجيل المثالي الفذ أن يُحتفظ لهم بالود والتقدير، وأن ينالوا من محبتنا وولائنا نصيبًا وافرًا.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليبلغ الشاهد الغائب، الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبّهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه، ومن يأخذه فيوشك أن لا يفلته".
إن من حق الصحابة الأطهار أن تتعلم ناشئة المسلمين سيرتهم، وأن تُتَّخذ منهجًا وقدوة يتربى عليها أبناؤنا بدلاً من أن تحتفظ ذاكرتهم بأسماء كل ساقط وهابط.. وإن من حق صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدفاع عن أعراضهم، والكفّ عما حصل بينهم والاعتذار لهم وإحسان الظن بهم.
لا بد أن تقف الأمة صفًّا واحدًا في وجه كل مَن يتنقص من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويهينهم بقوله أو فعله أو كتاباته؛ فإنهم هم حَمَلة رسالته ونَقَلة دعوته ودعاة مِلّته، وإن أيّ انتقاص لهم هو انتقاص للشريعة وطعن في مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما اختارهم أصحابًا، والمرء على دين خليله.
إذا أدركنا ذلك فإن العجب لا ينقضي من أمة يُستهان بعظمائها، ويُسخر من رموزها من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم لا ترى مُنْكِرًا ولا غاضبًا..
إنه انتقاص وازدراء لخير جيل وأفضل صحبة يوم أن تجسّد سيرتهم وتُنقل للأجيال عبر مسلسلات يقوم بأدوارهم فيها مَن لا تُحمد سيرته ولا صورته في مشاهد تحكي حياة الأبطال والرجال في هذه الأمة؛ تُصوّرهم على أنهم يتقبّلون الاختلاط ولا يغارون على نسائهم، ويتساهلون في أحكام الدين وتشريعاته.
لقد تعلم أسلافنا سير أسلافهم أفعالاً لا أقوالاً، تعلموها من بطون الكتب ومن أفواه الرواة؛ فصنعت منهم جيلاً مجاهدًا عاملاً داعيًا عابدًا، وصنعت منهم قادة رسموا معالم العزة على مر القرون.
أين نحن عن انتقاص صحابة رسول الله في مقالات مَن استسمنوا من ورم، وكبرت بطونهم وصغرت أحلامهم.. أين نحن عن تلك اليرقات الهزيلة التي تتطاول على مقام كاتب الوحي معاوية -رضي الله عنه وعن أبيه-.
إنَّ حب الصحابة من أركان عقيدتنا كما قال الطحاوي -رحمه الله-: "ونحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا نفرط في حبّ أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم، وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبُغضهم كفر ونفاق وطغيان".
يجب على مُربّي الأجيال والمعلمين والمعلمات والآباء والأمهات غرس مبدأ تعظيم الشريعة بإجلال الصحابة الكرام والأئمة الأعلام، فهم قوام الدين وبهم تحفظ بيضة الإسلام. تَتَزعزعُ العقيدةُ عندما تغيب قامات الأمة عن الأذهان ويحل محلها التافهون.
من أولى الأولويات في هذا الوقت توجيه الناشئة والأبناء، والطلاب والطالبات إلى الاطلاع على سير الصحابة والصحابيات، وايجاد مكتبة في المنزل والمدرسة يكون من خلالها برنامج للقراءة في قصصهم وتدارس حياتهم، وتنظيم المسابقات في سيرهم ففيها صقل لمواهبهم، ورفع لهمتهم، وصناعة لقدوات ورموز لهم، ومزاحمة لهذا الزخم الإعلامي الممتلئ بترهات من رموز أودت بأبنائنا إلى حضيض من الأخلاق، ودنو في الهمة، وضعف في القدرات والاهتمامات.
اللهم صلِّ وسلم وبارك..
التعليقات