عناصر الخطبة
1/ أهمية القدوة الحسنة 2/ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكمل القدوات في الحياة كلها 3/ حاجة المسلم للاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- 4/ أوَّل خطوات الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-اهداف الخطبة
اقتباس
إن ما يثبته الواقع وتدركه العقول أن القدوةَ من أهم وأمثل الطرق في ترسيخ المبادئ والأخلاق، وتربية الأجيال، وأن تأثيرَها أعظمُ من تأثير الخطب والمقالات والكتابات. موضوع القدوة من المواضيع المهمة جدا في حياة البشرية. فالقدوة الحسنة هي الركيزة الأساسية في...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الأحد الصمد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسلم تسليما كثيراً إلى يوم يبعثون.
موضوع خطبة هذه الجمعة -معاشر الصالحين والصالحات-: "الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدوتنا".
فإن ما يثبته الواقع وتدركه العقول: أن القدوةَ من أهم وأمثل الطرق في ترسيخ المبادئ والأخلاق، وتربية الأجيال، وأن تأثيرَها أعظمُ من تأثير الخطب والمقالات والكتابات.
موضوع القدوة من المواضيع المهمة جدا في حياة البشرية.
فالقدوة الحسنة هي الركيزة الأساسية في المجتمع، وهي ضرورة لا بد منها في الحياة؛ لأنها تُجسم المُثل العليا ليحتذي بها الإنسان ويكتسب منها المعالم الإيجابية، والقيم السامية، والأخلاق العالية، لتكون حياتُه كريمة طيبة فاضلة راقية، سواء مع الله -تعالى- في أداء العبادات والفرائض، أو مع النفس وتزكيتها وتدريبها على الأخلاق الفاضلة، أو مع الأهل والأولاد من أجل بناء أسرة متماسكة، أو مع المجتمع من حوله في أمور الدين والدنيا.
ومن أجل ذلك جعل الله -تعالى- الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدوة ونموذجا يُجسد الدين الذي أُرسل به، حتى يعيش الناس مع هذا الدين واقعا حقيقيا بعيدا عن الأفكار المجردة، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرَ قدوة للأمة في تطبيق هذا الدين، فجمع بين القول والعمل، وربط النظرية بالتطبيق، وقدم المعاني حقائق حية، فاهتُدي بعمله قبل قوله، وبفعله قبل علمه، وكان أمام أصحابه تجسيدا حيا لدعوته، ومَثلا صريحا لمبادئه، لذلك فالقدوة التي يجب أن نتأسى بها هي القدوة التي جعلها الله لكل المسلمين، أي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الله -تعالى- يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب: 21].
قال ابن حزم: "من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسنِ الأخلاق كلها، واستحقاقَ الفضائل بأسرها، فليقتد بمحمد رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه".
فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يترك أمرا من أمور الحياة كبيرا كان أم صغيرا إلا وبين لنا أصول التعامل الصحيح معه، لكي يستقيم سيرنا على الصراط المستقيم، ولا تحيد عنه أقدامنا فتزلّ ونهلك، ففي الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قد تركتكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالكٌ، ومن يعشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتُم من سنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنواجذِ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، إِلا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ".
فهذا النبي القدوة والرسول الأسوة -صلى الله عليه وسلم- امتلأت حياته بأسباب الخير التي يتطلع إليها ويحرص عليها العاقلون، ويسعى في تحصيلها المفلحون، فما من لحظة من لحظاته، ولا كلمة من كلماته، ولا حركةٍ من حركاته، ولا سكنةٍ من سكناته، إلا وهي تعليمٌ وتربيةٌ وتوجيه.
لقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة كاملة في جميع جوانب سيرته؛ إيمانا وعبادة وخلقا وسلوكا، وتعاملا مع غيره، في جميع أحواله صلى الله عليه وسلم كانت سيرته مثاليةً للتطبيق على أرض الواقع، فهو صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة والمعلم والمربي الحكيم، وهو إمام الدعاة الذي أمر الله ربنا أن نقتدي به في عبادتنا ودعوتنا وأخلاقنا وسلوكياتنا ومعاملاتنا وفي جميع أمور حياتنا، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].
لقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة في مجتمعه، كان على درجة عالية من الخلق والوعي الكبير والحب العظيم في التعامل مع غيره، فلم يكن يستعلي على أحد أو يتكبر، بل يتواضع ويقابل عامة الناس بالوجه الحسن المبتسم، ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، ويهتم بقضاياهم، ويسعى لحلها، ويساوي بينهم جميعًا دون تمييز أو تفريق، عربا كانوا أو عجما، صغارا كانوا أو كبارا، فقراء كانوا أو أغنياء.
حتى في بيته ومع أسرته لقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة مع زوجاته وبناته حيث كان يحدِّثهم بأطيب الكلمات، وأجمل العبارات، وكان يلاعبهم ويلاطفهم، ويُدخل السرور على قلوبهم، ويعدل بينهم، وكان يخدم نفسه بنفسه.
وفي تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال كان القدوة حيث تروي لنا السيرة النبوية نماذج من أخلاقه مع الأطفال الصغار وعطفه وحنانه عليهم، فكان عليه الصلاة والسلام يلاعبهم ويمازحهم، وكان لا يغضب عليهم ولا يضربهم، حتى أحبه جميع الأطفال، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤتي بالصبيان فيدعو لهم".
وحتى في التعامل مع أعدائه ممن يتربصون به ليل نهار، لقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة حيث أدهشت العالم معاملته صلى الله عليه وسلم مع أعدائه وهو متمكن منهم، فلم يظهر في التاريخ أرحمُ منه مع أعدائه، رغم ما كان يلاقيه منهم من الأذى والتضييق.
ولقد وصفت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- خُلقه صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ"، فانبثقت سائر أعماله وأقواله وحركاته عليه الصلاة والسلام من هذا الخلق العظيم الذي أشار إليه ربنا في القرآن الكريم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].
ومن هذا الخلق العظيم استمد المسلمون قوتهم وصلابتهم، وأصبح من المستحيل هزيمتهم أو كسر شوكتهم.
فما أحوجَنا -معاشر أمة النبي الحبيب- إلى الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم، وخاصة في هذا العصر المتلاطم الأمواج، خاصة في هذا العصر الذي أُهدرت فيه الحقوق، واستبيحت الحرمات، وحلت الوحشية محل الرحمة، والرذيلة محل الفضيلة، والنفاق والكذب محل الصدق والإخلاص، وما المشاهد المأساوية التي نعاينها كل ساعة، ما بين الظلم والقتل والتشريد والحرمان والفقر والتجويع، ما تلك المشاهد في الحقيقة إلا من نتائج غياب عدم الاقتداء والتخلق بالأخلاق والقيم التي جاء بها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
معاشر الصلحين والصالحات: إنَّ أوَّل خطوة على طريق الاقتداءِ بالنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- هي: أن نقوم بمدارسة وقراءة سيرته وسنته، حتى نتعلم كيف كانت أقواله، كيف كانت معاملاته، كيف كانت أخلاقه، فإنه صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الوحيد الذي كانت حياته كلُّها كتابا مفتوحا للجميع، فلم يكن في حياته جانب خاص أو غامض لا يعرفه الناس، أو يعرفُه البعض دون البعض، بل إنَّ حياته من أصغر صغيرةٍ وأخصِّ خصِّيصةٍ فيها كانت معروفةً لأصحابه، فدُوِّنت سيرته صلى الله عليه وسلم حتى تقرأها أمَّته من بعده إلى يرث الله الأرض ومن عليها.
وشيء آخر يجب ألا يكون اقتداؤنا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في جانبٍ دون آخر، أو تكون تعاملاتنا خلاف منهجه، فعلينا الاقتداء الشامل بالنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- في كافة الجوانب، وفي جميع مسارات الحياة كلها دون استثناء، حيثما كنا سواء في البيت أو في الشارع، أو في أماكن العمل، في التجارة، في الفلاحة، في أي مكان وأي زمان كنا، وأن نبذل أقصى جهد لتحقيق ذلك.
وبهذا يظل الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيا في نفوسنا وضمائرنا، باقتدائنا وتأسينا به في كل خطوة من خطواتنا وحركة من حركاتنا.
وعلى هذا ربَّى النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فسعدوا وأعزُّوا أمتهم ودينهم.
التعليقات