الرزق ... آداب وأحكام

عكرمة بن سعيد صبري

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: التربية
التصنيفات الفرعية: السياسة والشأن العام
عناصر الخطبة
1/الله هو الرزاق ذو القوة المتين 2/على المسلم أن يجتهد لتحصيل الرزق الحلال 3/خطورة التهاون وترك صلاة الجمعة 4/موقف العامل عند منع صاحب العمل أداء صلاة الجمعة 5/من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه 6/رسائل بشأن الأسرى والأقصى والأراضي المقدسية 7/رسالة بشأن ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا

اقتباس

الرسالة الثالثة: بشأن الذكرى التاسعة والثلاثين، لمجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان، والتي صادفت ذكراها أمسِ الخميسَ، والتي وقعت عامَ (1982م)، وما أدراكم ما مجزرة صبرا وشاتيلا؟! إنها تُعَدّ من أبشع الجرائم الوحشية في تاريخ البشرية، والتي اجتمعت فيها أحقاد الصليبين والصهيونيين بحقِّ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله رب العالمين.

 

الحمد لله إذ لم يأتني أجَلِي *** حتى اكتسيتُ من الإسلام سِربَالَا

 

الحمد لله حمدَ العابدينَ الشاكرينَ، ونستغفركَ ربَّنا ونتوكل عليكَ، ونُثنِي عليكَ الخيرَ كلَّه، أنتَ ربُّنا، ونحن عبيدُكَ، لا معبودَ سِواكَ، لا ركوعَ ولا سجودَ ولا تذلُّلَ ولا ولاءَ إلا لكَ، سبحانك فأنتَ ملاذُ المؤمنينَ الصادقينَ، حافظُ المسلمينَ المجاهدينَ، مُخزي المنافقينَ المفضوحينَ، والسماسرةِ الملعونينَ، والبائعينَ الخائنينَ، هازمُ الكافرينَ المحتلينَ المتغطرسينَ.

 

ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، القائلُ: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 39]، اللهم احرُسْنا بعينكَ التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، واكلأنا بعنايتك بالليل والنهار، في الصحارى والآكام، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وشفيعنا محمدًا، عبد الله ونبيه ورسوله، الصادق الوعد الأمين، إمام الأنبياء والمرسلين، وقدوة العلماء العاملين، صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله، وعلى آلك الطيبين المبجَّلين، وصحابتك الغر الميامين المحجلين، ومن تبعهم وجاهد جهادكم جهاد المخلصين.

 

أما بعد: فيقول الله -عز وجل- في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)[فَاطِرٍ: 3]، صدق الله العظيم.

 

أيها المصلون، أيها المسلمون، أيها المؤمنون: هذه بداية الكلمة، من سورة فاطر، وهي مكية، وهي ليست موجَّهةً للمسلمينَ فحسبُ، بل موجَّهة للناس جميعًا، فالخطاب في هذه الآية الكريمة للناس قاطبةً، وأن الله -عز وجل- أمَر الناسَ أن يشكروا ربَّهم على نِعَمِه الكثيرة، التي لا تُعدّ ولا تُحصى، فالله القائل في سورتَي إبراهيم والنحل: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[إِبْرَاهِيمَ: 34]، [النَّحْلِ: 18]، فالعلي القدير هو المنعِم على العباد جميعِهم بالرزق والعطاء، فهو الذي ينزل المطر من السماء، ويخرج النبت من الأرض، فكيف تشركون معه.

 

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: لقد ذكَر القرآنُ الكريمُ لفظَ الرزق ومشتقاته بما يزيد عن مائة وعشرين موضعًا، وذلك لأسباب مهمة، تتعلَّق بالإيمان؛ لأن الرزق مرتبط بيد الله -سبحانه وتعالى-، واللَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ.

 

أيها المسلمون: إن من الناس مَنْ يتوهَّم أنهم هم الذين يرزقون أنفسهم، بجِدِّهم وتعَبِهم، فنقول: إنهم يَخلِطون بينَ العمل وبينَ الرزق، فالعمل شيء والرزق شيء آخرُ؛ فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)[الْمُلْكِ: 15]، فالمشيُ أَيِ السعيُ في الأرض للعمل، وأمَّا الرزق فهو من فضل الله -سبحانه وتعالى-، فلا يجوز أن نَخلِطَ بين العمل وبين الرزق.

 

أيها المسلمون، أيها المؤمنون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن المسلم المؤمن الذي يقتنع ويؤمن إيمانًا قاطعًا بأن الرزق بيد الله وحده، وليس بيد الإنسان، فأجيبوني، أجيبوني أيها المصلون: مَنِ الرزاقُ؟ الله، مَنِ المعطي؟ الله، مَنِ المانع؟ الله، مَنِ المحيي؟ الله، مَنِ المميتُ؟ الله، مَنِ المطعِمُ؟ الله، مَنِ الساقي؟ اللهُ. لا إله إلا الله.

 

أيها المسلم: ارفع رأسك فإن الله رب العالمين قد حفظ كرامتك؛ لأنه ربطك به، ولم يربطك بأي إنسان مهما كانت منزلته، وفي الوقت نفسه على المسلم أن يعمل بجد وإخلاص بعيدا عن الكسل والتواكل، وعن الغش والسرقة، وأن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، والله -سبحانه وتعالى- يقول في سورة هود: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هُودٍ: 6].

 

أيها المصلون: يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: في هذا المقام تقام مسألة الرزق مع أداء صلاة الجمعة، فالعُمَّال أو الموظَّفون الذين يعملون يوم الجمعة إنهم يتخلَّفون عن أداء صلاة الجمعة، فكيف يتصرَّفون؟ والجواب عن هذه المسألة أقول وبالله التوفيق: انتبِهوا إلى الإجابة؛ إن رسولنا الكريم الأكرم، محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قد حثَّ على أداء صلاة الجمعة؛ لِمَا فيها من الثواب العظيم، في الوقت نفسه حذَّر من تركها ثلاثَ مرات تهاونًا بها، فيقول: "مَنْ ترَك ثلاثَ جُمَعٍ تهاوُنًا بها طَبَعَ اللهُ على قلبه"، نعم طبَع اللهُ على قلبه، وعليه نقول لإخوتنا العمال -حفظهم الله-: احرِصوا على حضور صلاة الجمعة، حتى ولو أدَّى ذلك إلى خصم ساعات غياب عن العمل، أو أن يتم تعويض الساعات في يوم آخر، ولكن في حالة أن رَبَّ العمل قد رفَض السماح للعمال بالمغادرة أثناء العمل لأداء صلاة الجمعة، فعليهم حينئذ أن يصروا على الحضور لأداء الجمعة ولو أدى هذا إلى فصلهم عن العمل.

 

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: أحب أن أطمئن كل مسلم بأن ترك العمل أو الفصل من العمل بسبب أداء صلاة الجمعة طاعةً لله، فإن الله رب العالمين لن يتخلى عنه، وسيعوضه بعمل أفضل من العمل السابق، هذا وأنصح أي مسلم قبل أن يمضي على عقد العمل أن يشترط على رب العمل سلفا بأن يكون هناك شرط بأن يؤدي صلاة الجمعة، وإذا رفض رب العمل هذا الشرط فليبحث عن عمل آخر؛ فإن الله ييسر له عملا أفضل؛ لأن الرزق بيد الله وحده، ويقول -عز وجل- في سورة الطلاق: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطَّلَاقِ: 2-3].

 

هذا وأطالب كل مسلم أن يضع هاتين الآيتين الكريمتين في قلبه وفي عقله أثناء عمله، وبهذا نفتي، فليبلغ الحاضر منكم الغائب؛ اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

 

جاء في الحديث النبوي الشريف: "عينانِ لا تمسُّهما النارُ: عينٌ بكَت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله"، صدَق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا، النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنكَ حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنكَ حميد مجيد.

 

أيها المصلون، أيها المرابطون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: أتناول في هذه الخطبة أربع رسائل بإيجاز، فصبركم معنا لأن الأحداث متوالية.

 

الرسالة الأولى: بشأن الأسرى الأبطال الأشاوس الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية الاحتلالية، والذين يمارس بحقهم أساليب البطش والعنف والانتقام؛ مما يُعرِّض حياتَهم للخطر، ويجب على سلطات الاحتلال أن تعامل أسرانا معاملةً إنسانية، تحفظ كرامتهم، كما يجب على سلطات الاحتلال أن تحافظ على أرواح الأسرى إلى أن يتم إطلاق سراحهم، في أي أقرب فرصة إن شاء الله، اللهم فك أسرهم يا رب العالمين. قولوا: آمين.

 

أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: هذا ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك، نُحيِّي أسرانا الأبطال على ثباتهم، وعلى جرأتهم وعلى شجاعتهم، كما نُحيِّي شعبَنا الفلسطيني الأصيل، من البحر إلى النهر؛ لوقوفهم إلى جانب الأسرى، وبهذه المناسبة، فإنه يتوجب على المنظَّمات الحقوقية، ومنظَّمات حقول الإنسان الدولية أن تتحرك، وأن تأخذ دورها الفعَّال في حماية الأسرى، حتى تُثبِت هذه المنظماتُ مصداقيتَها، وحتى تُثبِتَ حِيادِيَّتها في موضوع أسرى فلسطين، وإننا لَمنتظرون.

 

أيها المصلون، أيها المرابطون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: الرسالة الثانية بشأن مشروع تسوية الأراضي في مدينة القدس، نعم مشروع تسوية الأراضي في مدينة القدس، والملاحَظ أن انشغال الناس بالأحداث الساخنة المتعاقبة قد أشغلهم عن هذا الموضوع الخطير، هذا الموضوع المتعلق بتسوية الأراضي، هذا المشروع الذي يستهدف الوجود الفلسطيني في مدينة القدس، وذلك بوضع اليد على مساحات واسعة من الأراضي، وعلى المئات من البيوت، والعقارات المقدسية، إزاءَ هذا ينبغي على المقدسيينَ أن يتنبهوا إلى هذا الخطر الداهم، وأن يكونوا على تواصُل مستمرّ مع المحامينَ الثقاةِ؛ حتى يعطوهم النصيحة الصادقة الأمينة في هذا المجال.

 

وفي هذه المناسبة، فإنا نحيي المقدسيين على ثباتهم في حي الشيخ جرَّاح، وفي سلوان، وفي غيرهما من الأحياء، ونؤكد أيها المقدسيون على ندائنا السابق بضرورة وقف البيوت وقفا عاما، أو وقفًا جزئيًّا، اللهم هل بلغتُ؟ اللهم فاشهد.

 

أيها المصلون، أيها المرابطون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: الرسالة الثالثة: بشأن الذكرى التاسعة والثلاثين، لمجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان، والتي صادفت ذكراها أمس الخميس، والتي وقعت عام (1982م)، وما أدراكم ما مجزرة صبرا وشاتيلا؟! إنها تُعَدّ من أبشع الجرائم الوحشية في تاريخ البشرية، والتي اجتمعت فيها أحقاد الصليبين والصهيونيين بحقِّ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وقد زاد عدد الضحايا عن ثلاثة آلاف رجل وامرأة وطفل فلسطيني مسلم، ونحن إذ نترحم على شهداء فلسطين في هذه المجزرة، التي ستبقى وصمةَ عار في تاريخ المجرمين المتوحشين إلى يوم القيامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

أيها المصلون: الرسالة الرابعة بشأن المسجد الأقصى المبارك، كما عوَّدناكم، لماذا؟ لأن الأخطار مُحدِقة بهذا المسجد، وبشكل مستمر، وبشكل تصاعديّ، من زيادة عدد المتطرفين، ومحاولات المقتحِمين من إقامة صلوات تلموديَّة في باحات الأقصى، وذلك تحت الحراسة المشدَّدة، مِنْ قِبَل الأجهزة الأمنية الاحتلالية، والسؤال: هل يتجرأ هؤلاء المقتحمون أن يقتحموا الأقصى بدون حراسة؟ وهذا يعني أن الأقصى ليس لهم، وأن الإجراءات العدوانية، والاقتحامات الاستفزازية لن تُكسِبهم أي حق، نعم، لن تكسبهم أي حق؛ وعليه فإننا نؤكد على حقنا الشرعي في فلسطين، بعامة، وعلى القدس والأقصى بخاصة، والمستنِد على القرار الرباني الإلهي من فوق سبع سموات، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول: حماكَ اللهُ يا أقصى، قولوا: آمين.

 

أيها المصلون: الساعة ساعة استجابة فأَمِّنوا من بعدي، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفرِّج الكربَ عنَّا، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِقْ سراحَ أسرانا، اللهم هيِّئ مَنْ يُوحِّد المسلمين، ويحذو حذو صلاح الدين.

 

اللهم إنا نسألك عيشَ السعداء، ومنازلَ الشهداء، ومجاورةَ الأنبياء، والصبرَ على البلاء، والنصرَ على الأعداء، اللهم إنا نسألك توبةً نصوحةً، توبةً قبل الممات، وراحةً عند الممات، ورحمةً ومغفرةً بعدَ الممات.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وأقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

المرفقات
S4pB0ZBiFzjdLXgrmLxpZi7YVis247cn0EXmE8wY.doc
gDaLtcCPJTChIAUy9N5RoDEIJ0qSkReQCKuo6YqD.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life