عناصر الخطبة
1/ الأمنية العمرية 2/ أهمية الرجال 3/ صفات الرجولة 4/ الرجولة المزيفةاهداف الخطبة
اقتباس
مَا في الدُّنيَا مِن ذَكَرٍ إِلاَّ وَهُوَ يَدَّعِي الرُّجُولَةَ، وَمَا ذُكِرَتِ الرُّجُولَةُ في مَجلِسٍ إِلاَّ اشرَأَبَّتِ الأَعنَاقُ وَاتَّسَعَتِ الأَحدَاقُ مُعَبِّرَةً عَنِ حَملِهَا وَالاتِّصَافِ بها، غَيرَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ العَظِيمَةَ وَالسِّمَةَ الكَرِيمَةَ -وَإِن حَاوَلَ كُلُّ فَردٍ أَن يَنسِبَهَا إِلى نَفسِهِ أَو يَنسِبَ نَفسَهُ إِلَيهَا- قَد ضَاعَت مَضَامِينُهَا وَفُقِدَت أَركَانُهَا عِندَ فِئَامٍ مِنَ المُدَّعِينَ لها، فَصَارُوا أَشبَاهَ رِجَالٍ وَلا رِجَالَ؛ ذَلِكَ أَنَّ لِلرُّجُولَةِ خَصَائِصَ وَصِفَاتٍ ..
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: يُروَى عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّهُ قَالَ لأَصحَابِهِ يَومًا: تَمَنَّوا، فَتَمَنَّوا مِلءَ البَيتِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ مَالاً وَجَوَاهِرَ يُنفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "لَكِنِّي أَتَمَنَّى رِجَالاً مِثلَ أَبي عُبَيدَةَ وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَحُذَيفَةَ بنِ اليَمَانِ، فَأَستَعمِلُهُم في طَاعَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".
رَضِيَ اللهُ عَن عُمَرَ، مَا كَانَ أَصوَبَ رَأيَهُ وَأَدَقَّ فَهمَهُ! فَلَقَد تَمَنَّى حِينَ تَمَنَّى وَبَلَغَ الغَايَةَ في ذَلِكَ، وَلِمَ لا وَهُوَ المُلهَمُ المُوَفَّقُ الَّذِي يَعلَمُ المُقَوِّمَاتِ الَّتي تَنهَضُ بها الدُّوَلُ وَالحَضَارَاتُ وَالأُسُسَ التي تَحيَا بِوُجُودِهَا الأُمَمُ وَالمُجتَمَعَاتُ؟! إِذْ مَا قِيمَةُ المَعَادِنِ وَالثَّرَوَاتِ، وَما تُغني الأَموَالُ وَالتِّجَارَاتُ، مَا لم يَكُنْ ثَمَّةَ رِجَالٌ يَحفَظُونَهَا وَيَرعَونَهَا وَيَستَثمِرُونَهَا الاستِثمَارَ الصَّحِيحَ الأَمثَلَ؟! مَا قِيمَتُهَا مَا لم تَتَوَافَرْ عُقُولٌ زَاكِيَةٌ تُخَطِّطُ وَأَيدٍ عَامِلَةٌ تُنَفِّذُ؟!
إِنَّ رَجُلاً وَاحِدًا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الرُّجُولَةُ الحَقِيقِيَّةُ لَهُوَ أَعَزُّ مِن كُلِّ مَعدِنٍ نَفِيسٍ، وَأَغلَى مِن كُلِّ جَوهَرٍ ثَمِينٍ، وَإِنَّ الرَّجُلَ الصَّالحَ التَّامَّ الرَّجُولَةِ الَّذِي يَعلَمُ مَا عَلَيهِ فَيُؤَدِّيهِ وَمَا لَهُ فَيَقِفُ عِندَهُ لَهُوَ عِمَادُ الأُمَّةِ وَرُوحُ نَهضَتِهَا وَمِحوَرُ التَّغيِيرِ فِيهَا وَمُنطَلَقُ إِصلاحِهَا.
لا يَهُولَنَّكُم مَا في البِلادِ مِن مَكَاتِبَ وَإِدَارَاتٍ وَمُؤَسَّسَاتٍ، وَلا يَغُرَّنَّكُم مَا يُفتَتَحُ فِيهَا مِن مَرَاكِزَ وَمَصَانِعَ وَشَرِكَاتٍ، وَلا مَا يُوَفَّرُ لهَا مِن أَجهِزَةٍ حَدِيثَةٍ وَوَسَائِلَ وَأَدَوَاتٍ، وَلا تَفرَحُوا بِكَثرَةِ التَّغيِيرِ في مَنَاهِجِ التَّعلِيمِ وَالتَّنوِيعِ في طُرُقِ التَّدرِيسِ، وَلا بِمَا يُقَامُ هُنَا وَهُنَاكَ مِن دَورَاتٍ تَدرِيبِيَّةٍ، وَلا مَا يُوفَّرُ فِيهَا مِن وَسَائِلِ تَوصِيلِ المَعلُومَةِ، فَلَن تَنفَعَ المَنَاهِجُ وَلا المُقَرَّرَاتُ وَلا الدَّورَاتُ، وَلَن تُغنِِيَ الوَسَائِلُ وَلا الطُّرُقُ وَلا الأَدوَاتُ، وَلَن تُنَفَّذَ خِطَطٌ وَلَن تُقَامَ مَشرُوعَاتٌ إِلاَّ عَلَى أَيدِي رِجَالٍ أَشِدَّاءَ أَقوِيَاءَ، صَادِقِينَ مُخلِصِينَ أُمَنَاءَ، تُستَخرَجُ عَلَى أَيدِيهِم الكُنُوزُ وَتُفتَحُ بِسَبَبِهِمُ البَرَكَاتُ، وَتَنمُو بِعُقُولِهِم البِلادُ وَتَقُومُ عَلَى سَوَاعِدِهِم الحَضَارَاتُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مَا في الدُّنيَا مِن ذَكَرٍ إِلاَّ وَهُوَ يَدَّعِي الرُّجُولَةَ، وَمَا ذُكِرَتِ الرُّجُولَةُ في مَجلِسٍ إِلاَّ اشرَأَبَّتِ الأَعنَاقُ وَاتَّسَعَتِ الأَحدَاقُ مُعَبِّرَةً عَنِ حَملِهَا وَالاتِّصَافِ بها، غَيرَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ العَظِيمَةَ وَالسِّمَةَ الكَرِيمَةَ -وَإِن حَاوَلَ كُلُّ فَردٍ أَن يَنسِبَهَا إِلى نَفسِهِ أَو يَنسِبَ نَفسَهُ إِلَيهَا- قَد ضَاعَت مَضَامِينُهَا وَفُقِدَت أَركَانُهَا عِندَ فِئَامٍ مِنَ المُدَّعِينَ لها، فَصَارُوا أَشبَاهَ رِجَالٍ وَلا رِجَالَ؛ ذَلِكَ أَنَّ لِلرُّجُولَةِ خَصَائِصَ وَصِفَاتٍ، مَدَحَهَا الشَّرعُ وَأَثنى عَلَى أَهلِهَا، وَأَشَادَ بِذِكرِهِم وَرَفَعَ مَكَانَتَهُم، وَمَعَ هَذَا أَضَاعَهَا كَثِيرُونَ وَافتَقَدُوا الحَدَّ الأَدنى مِنهَا.
وَإِنَّ نَظرَةً في كِتَابِ اللهِ بِتَدَبُّرٍ وَتَأَمُّلٍ لَتُثبِتُ قِلَّةَ الرِّجَالِ في هَذَا الزَّمَانِ، وَاقرَؤُوا إِن شِئتُم قَولَهُ تَعَالى: (لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ) [التوبة: 108]، وَقَولَهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَومًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبصَارُ * لِيَجزِيَهُمُ اللهُ أَحسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ وَاللهُ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ) [النور: 36-38].
فَفِي هَذِينِ المَوضِعَينِ نَجِدُ أَنَّ مَكَانَ الرِّجَالِ هُوَ المَسَاجِدُ، يَأتُونَ إِلَيهَا طَاهِرَةً أَعضَاؤُهُم، صَافِيَةً قُلُوبُهُم، خَاشِعَةً أَفئِدَتُهُم، سَاكِنَةً جَوَارِحُهُم، خَائِفِينَ وَجِلِينَ مُخبِتِينَ، يَذكُرُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ، وَيُقَوُّونَ صِلَتَهُم بِهِ في كُلِّ وَقتٍ، فَأَينَ مِن هَذِهِ الصِّفَةِ مَن تَهَاوَنُوا بِصَلاةِ الجَمَاعَةِ وَتَشَاغَلُوا؟! أَينَ مِنهَا مَن نَامُوا عَنهَا وَتَكَاسَلُوا؟! هَل عَرَفَ أُولَئِكَ مَعنى الرُّجُولَةِ أَو ذَاقُوا طَعمَهَا؟! هَل عَرَفَ الرُّجُولَةَ مَن شَغَلَهُ الفِرَاشُ الوَثِيرُ عَن صَلاةِ الفَجرِ؟! هَل عَرَفَ الرُّجُولَةَ مَن لا يَأتي الصَّلاةَ إِلاَّ دُبُرًا؟! هَل عَرَفَ الرُّجُولَةَ مَن لا يُؤَدِّي نَافِلَةً وَلا يَحرِصُ عَلَى التَّزَوُّدِ بِسُنَّةٍ؟! وَأَينَ مِنَ الرُّجُولَةِ مَن لا يَسعَى إِلى ذِكرِ اللهِ يَومَ الجُمُعَةِ، تَفُوتُهُ الخُطبَةُ وَلا يَكَادُ يُدرِكُ الصَّلاةَ؟!
إِنَّ ممَّن يَتَسَمَّونَ بِالرُّجُولَةِ اليَومَ أَفرَادًا تَشغَلُهُم عَنِ الصَّلاةِ قَنَاةٌ مَاجِنَةٌ، وَتُلهِيهِم عَن المَسَاجِدِ مَسرَحِيَّةٌ فَاجِرَةٌ، وَيُنسِيهِمُ الذِّكرَ مَجلِسُ لَعِبٍ وَلَهوٍ، فَمَا أَبعدَهُم عَن أُولَئِكَ الرِّجَالِ المُتَطَهِّرِينَ الذَّاكِرِينَ، الرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ القَائِمِينَ، الَّذِينَ لا تَشغَلُهُم عَن صَلاتِهِم تِجَارَةٌ، وَلا يُلهِيهِم عَن طَاعَةِ رَبِّهِم بَيعٌ وَلا شِرَاءٌ.
وَإِنَّ مَن لم يَحرِصْ عَلَى مَا يَنفَعُهُ في آخِرَتِهِ وَفَرَّطَ في سَبَبِ نَجَاتِهِ -وَهِيَ الصَّلاةُ-، وَزَهِدَ في مَوَاضِعِ إِقَامَتِهَا -وَهِيَ المَسَاجِدُ-، لَهُوَ لِمَا سِوَاهَا مِن أَمرِ دِينِهِ وَدُنيَاهُ أَضيَعُ، وَلَهُوَ في أَمَاكِنِ العَمَلِ وَالإِنتَاجِ أَزهَدُ، وَكَيفَ يُؤتَمَنُ تَارِكُ صَلاةٍ عَلَى أَدَاءِ عَمَلٍ أَو إِنجَازِ مُهِمَّةٍ، فَضلاً عَن أَن يَكُونَ صَاحِبَ قَضِيَّةٍ أَو حَامِلَ رِسَالَةٍ؟!
إِنَّ تَارِكَ الصَّلاةِ المُتَهَاوِنَ في أَدَائِهَا مَعَ الجَمَاعَةِ لم يُفلِحْ في قِيَادَةِ نَفسِهِ فَيَحمِلَهَا عَلَى مَا يُنجِيهَا، فَكَيفَ يَقُودُ مُجتَمَعًا أَو تَسِيرُ وَرَاءَهُ أُمَّةٌ؟! كَيفَ يُدِيرُ مَصنَعًا أَو شَرِكَةً أَو مَركَزًا؟! كَيفَ يُوصِلُ رِسَالَةَ مَدرَسَةٍ أَو مَعهَدٍ أَو جَمعِيَّةٍ؟! بَلْ كَيفَ يَرعَى زَوجَةً وَيُكَوِّنُ أُسرَةً، أَو يُرَبِّي أَبنَاءًَ وَيَحفَظُ إِخوَةً، أَو يَكُونُ قُدوَةً لِطُلاَّبٍ وأُسوَةً لِمُوَظَّفِينَ؟! إِنَّ شَيئًا مِن ذَلِكَ لا يَكُونُ وَلَن يَكُونَ.
وَمِن صِفَاتِ الرِّجَالِ المَذكُورَةِ في القُرآنِ صِدقُ العَهدِ وَالثَّبَاتُ عَلَى المَنهَجِ وَعَدَمُ المُرَاوَغَةِ وَالتَّقَلُّبِ وَالنُّكُوصِ، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ- مَادِحًا صِنفًا عَزِيزًا مِنَ الرِّجَالِ: (مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً)، لم يُبَدِّلُوا وَلم يُغَيِّرُوا، وَلم يَنحَرِفُوا أَو يَمِيلُوا، بَلِ استَقَامُوا عَلَى المَنهَجِ وَثَبَتُوا عَلَى الصِّرَاطِ، فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَهُوَ عَلَى عَهدِهِ، وَمِنهُم مَن هُوَ سَائِرٌ عَلَى أَمرِ رَبِّهِ لا يَلتَفِتُ عَلَى شَيءٍ إِلاَّ عَلَى مَا يُرضِيهِ، يَنتَظِرُ أَن يَتَوَفَّاهُ رَبُّهُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ.
إِنَّهُ الثَّبَاتُ عَلَى المَنهَجِ الَّذِي افتَقَدَهُ كَثِيرٌ مِنَ المُسلِمِينَ اليَومَ حَتى ممَّنِ اشتَغَلُوا بِالعَمَلِ لِلإِسلامِ، فَنَشَأَ عِندَهُم قُصُورٌ في التَّصَوُّرِ، وَانحِرَافٌ في السُّلُوكِ، وَبُلُوا بِكَثرَةِ التَّغَيُّرَاتِ وَتَعَدُّدِ الاتِّجَاهَاتِ، وَمَالُوا عَن مَنهَجِ اللهِ في عَدَدٍ مِنَ القَضَايَا إِلى مَنَاهِجَ مُستَورَدَةٍ أَو آرَاءٍ مُلَفَّقَةٍ، وَأَضَاعُوا أَهدَافَهُمُ السَّامِيَةَ وَغَايَاتِهِمُ النَّبِيلَةَ، في خِضَمِّ طَلَبِهِم أَهدَافًا قَرِيبَةً، وَابتِغَائِهِم مَتَاعًا زَائِلاً، أَلا فَمَا أَجمَلَهُ بِالمُسلِمِ إِذْ عَرَفَ أَن يَلزَمَ! مَا أَجمَلَهُ بِهِ إِذْ آمَنَ أَن يَستَقِيمَ! وَمَا أَحرَاهُ وَقَد عَمِلَ أَن يُدِيمَ العَمَلَ! قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- لِمَنِ استَوصَاهُ: "قُلْ: آمَنتُ بِاللهِ ثم استَقِمْ"، وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "أَحَبُّ العَمَلِ إِلى اللهِ أَدوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ". وَكَانَ مِن أَخلاقِهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَن يُثبِتَهُ.
وَقَد دَلَّتِ الدَّلائِلُ وَأَثبَتَتِ التَّجَارِبُ في مَنَاحِي الحَيَاةِ المُختَلِفَةِ أَنَّهُ لا يُنتِجُ إِنتَاجًا نَافِعًا إِلاَّ الثَّابِتُونَ في طَرِيقِهِم، فَلَم تَكُنْ كَثرَةُ العَمَلِ يَومًا بِمُغنِيَةٍ عَمَّنِ انقَطَعَ، وَلم تَكُنْ قِلَّتُهُ بِضَارَّةٍ مَن ثَبَتَ وَدَاوَمَ، وَلَكَم يُحسِنُ إِلى نَفسِهِ وَمُجتَمَعِهِ وَأُمَّتِهِ مَن لَزِمَ طَرِيقًا مِن طُرُقِ الخَيرِ وَبَابًا مِن أَبوَابِ البِرِّ، فَفَرَّغَ لَهُ مِن نَفسِهِ وَوَقتِهِ وَجُهدِهِ جُزءًا، وَثَبَتَ فِيهِ وَصَبَّ عَلَيهِ جُلَّ اهتِمَامِهِ، إِمَّا في جَمعِيَّةِ بِرٍّ أَو جَمعِيَّةٍ تَحفِيظٍ، أَو في مَكتَبِ دَعوَةٍ أَو شُعبَةِ تَوعِيَةٍ، أَو إِمَامَةٍ أَو خَطَابَةٍ، أو في غَيرِهَا ممَّا يَنفَعُ في دِينٍ أَو دُنيا، أَمَّا المُتَرَدِّدُونَ المُتَلَوِّنُونَ المُتَذَوِّقُونَ، الَّذِينَ يُشَرِّقُونَ وَيُغَرِّبُونَ، فَإِنَّهُم لا وَقتًا حَفِظُوا، وَلا بِفَائِدَةٍ خَرَجُوا، وَلا جِيلاً رَبَّوا، فَمَا أَحرَاهُم أَن يَندَمُوا إِذَا رَأَوا مَا وَصَلَ إِلَيهِ غَيرُهُم ممَّن هُدُوا وَاستَقَامُوا وَثَبَتُوا وَدَامُوا.
وَمِن صِفَاتِ الرِّجَالِ في القُرآنِ مَا وَرَدَ في قَولِهِ تَعَالى: (وَجَاءَ مِن أَقصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسعَى قَالَ يَا قَومِ اتَّبِعُوا المُرسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لا يَسأَلُكُم أَجرًا وَهُم مُهتَدُونَ) [يس: 20، 21]، فَهُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ لم يُعرَفِ اسمُهُ، تَكَبَّدَ عَنَاءَ المَجِيءِ مِن أَقصَى المَدِينَةِ، وَسَارَعَ إِلى مَقصُودِهِ وَلم يَتَبَاطَأْ، فَعَلَ ذَلِكَ لِتَأيِيدِ الرُّسلِ وَنَصِيحَةِ قَومِهِ لِيَتَّبِعُوهُم، أَلا فَمَا أَكبَرَ الفَرقَ بَينَهُ وَبَينَ كَثِيرٍ مِنَ المَفتُونِينَ اليَومَ، ممَّن دَرَسُوا في الغَربِ أَو أُعجِبُوا بِأَهلِهِ، أَو رَضعُوا مِن ثُدُيِّ شُبُهَاتِهِ وَتَشَرَّبُوا سُمُومَ شَهوَاتِهِ، فَصَارُوا لا يَتَحَمَّلُونَ عِبَادَةً وَلا يَستَقِيمُونَ في طَاعَةٍ، وَلا يَثبُتُونَ عَلَى فَضِيلَةٍ وَلا يَصبِرُونَ عَن شَهَوَةٍ، ثم لم يَكتَفُوا بِضَلالِهِم في أَنفُسِهِم حَتى عَمِلُوا عَلَى إِضلالِ الآخَرِينَ. وَإِنَّكَ لَتَجِدُ هَؤُلاءِ -لا كَثَّرَهُمُ اللهُ- كُتَّابًا في الصُّحُفِ، أَو مُتَحَدِّثِينَ عَلَى القَنَوَاتِ، أَو مَسؤُولِينَ يَستَغِلُّونَ مَنَاصِبَهُم لِبَثِّ سُمُومِهِم، يَفعَلُونَ كُلَّ ذَلِكَ طَلَبًا لِلشُّهرَةِ وَالشَّهوَةِ، فَأَينَ هُوَ الرَّجُلُ التَّقِيُّ الخَفِيُّ الَّذِي يُدَافِعُ عَنِ الحَقِّ وَيُنَافِحُ وَيَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَى عَنِ المُنكَرِ؟! أَينَ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَتحَرَّكُ سَرِيعًا لِنَصرِ الخَيرِ وَبَذلِ النَّصِيحَةِ لأَهلِهِ وَلَو كَانَ وَحدَهُ، فَيَكُونَ كَمُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنهُ: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِن آلِ فِرعَونَ يَكتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) [غافر: 28]، أَو كَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنهُ: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِن أَقصَى المَدِينَةِ يَسعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ المَلأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ فَاخرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [القصص: 20].
وَمِن صِفَاتِ الرِّجَالِ في القُرآنِ: القِيَامُ عَلَى مَن وَلاَّهُمُ اللهُ أَمرَهُ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ، وَحُسنُ تَوجِيهِهِم وَالاجتِهَادُ في تَربِيَتِهِم، قَالَ سُبحَانَهُ: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم) [النساء: 34].
وَإِنَّ اطِّلاعًا عَلَى حَالِ بَعضِ البُيُوتِ، وَجَولَةً في كَثِيرٍ مِنَ الأَسوَاقِ، لَتُرِيكَ كَم تُقتَلُ الرُّجُولَةُ وَتُذبَحُ عَلَى أَيدِي أُنَاسٍ أَسلَمُوا لِنِسَائِهِمُ القِيَادَ، وَتَرَكُوا لَهُنَّ الحَبلَ عَلَى الغَارِبِ، يَطُفنَ في الأَسوَاقِ كَالهَمَلِ، يَلبَسنَ مَلابِسَ الفِتنَةِ، وَيَظهَرنَ بِمَظَاهِرِ التَّبَرُّجِ، لا يَترُكنَ دُكَّانًا إِلاَّ دَخَلنَهُ، وَلا بَائِعًا إِلاَّ فَتَنَّهُ، وَتَرَى الشَّبَابَ وَرَاءَهُنَّ يُلِينُونَ لَهُنَّ الكَلامَ وَيَرمُونَ عَلَيهِنَّ الأَرقَامَ، وَذَلِكَ الأَبُ أَوِ الزَّوجُ في سَيَّارَتِهِ يُقَلِّبُ جَوَّالَهُ، أَو في سُوقِهِ يُمَارِسُ أَعمَالَهُ، وَقَد يَكُونُ أَرسَلَ أُولَئِكَ النِّسَاءَ مَعَ السَّائِقِ أَو مَعَ طِفلٍ أَو مُرَاهِقٍ.
وَفي صُورَةٍ أُخرَى مِن فُقدَانِ الرُّجُولَةِ وَمَوتِ الغَيرَةِ تَرَى مَن لا يَستَنكُِر دُخُولَ العُمَّالِ وَالسَّائِقِينَ في بَيتِهِ، بَل تَرَى بَعضَ أُولَئِكَ العُمَّالِ وَالسَّائِقِينَ وَكَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِن أَهلِ البَيتِ، يَأمُرُ فِيهِ وَيَنهَى، وَيُضَاحِكُ النِّسَاءَ وَيُمَازِحُهُنَّ، وَيَنظُرُ مِنهُنَّ إِلى مَا لا يَحِلُّ، فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، يَكثُرُ الذُّكُور وَيَقِلُّ الرِّجَالُ، فَتُذبَحُ الفَضِيلَةُ وَتُقتَلُ الرُّجُولَةُ، وَتُغتَالُ المَبَادِئُ وَتُطعَنُ القِيَمُ، وَتُهتَكُ الأَعرَاضُ وَيُعتَدَى عَلَى الشَّرَفِ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد جَعَلَت بَعضُ المُجتَمَعَاتِ لِلرُّجُولَةِ مَقَايِيسَ كَاذِبَةً وَمَعَايِيرَ فَاسِدَةً، ثم قَاسَتِ النَّاسَ عَلَيهَا أَو خَدَعَتهُم بها، فَتَرَاهُم يَعُدُّونَ في الرِّجَالِ كُلَّ مَن طَالَ شَارِبُهُ أَو وَفَرَت لِحيَتُهُ، أَو مَن تَقَدَّمَت سِنُّهُ وَشَابَ عَارِضَاهُ، أَو مَن بُسِطَ لَهُ في جِسمِهِ وَطالَت قَامَتُهُ، أَو مَن فُتِلَت عَضَلاتُهُ وَقَوِيَت بُنيَتُهُ، أَو مَن بَرَعَ في جَمعِ المَالِ وَعَدَّدَهُ، وَلَعَمرُ اللهِ لَو كَانَتِ الرُّجُولَةُ بِهَذِهِ المَقَايِيسِ وَحدَهَا لامتَلأَت بِالرِّجَالِ المَيَادِينُ، وَلَضَاقَت بِهِمُ البُيُوتُ، وَلَكِنَّ الرُّجُولَةَ أَعلَى مِن تِلكَ الصِّفَاتِ وَأَسمَى، فَكَم مِن شَابٍّ في سِنِّ الثَّلاثِينَ، أَو كَهلٍ في سِنِّ الأَربَعِينَ، أَو شَيخٍ في سِنِّ السَّبعِينَ، فَإِذَا فَتَّشتَ قُلُوبَهُم وَجَدتَ قُلُوبَ أَطفالٍ وَأَفئِدَةَ مُرَاهِقِينَ، تَفرَحُ بِالتَّوَافِهِ وَتَبكِي عَلَى الحَقِيرِ، وَتَتَطَلَّعُ إِلى مَا لَيسَ لها وَتَشِحُّ بِمَا في أَيدِيهَا.
وَكَم مِن غُلامٍ في مُقتَبَلِ العُمُرِ دُونَ العِشرِينَ، وَلَكِنَّكَ تَرَى فِيهِ لِلرُّجُولَةِ عَلامَاتٍ وَتَلمَحُ مِنهَا أَمَارَاتٍ، تَلمَسُهَا في قَولِهِ الرَّصِينِ، وَتَرَاهَا في عَمَلِهِ المَتِينِ، وَتَجِدُهَا في تَفكِيرِهِ الرَّزِينِ، وَيُصَدِّقُهَا خُلُقُهُ العَالي وَتَعَامُلُهُ النَّاضِجُ.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَاعلَمُوا أَنَّ الرُّجُولَةَ لَن تَنمُوَ وَلَن تَتَرَعرَعَ وَلَن تَطُولَ شَجَرَتُهَا وَلَن تَتَفَرَّعَ وَلَن يَتَرَبى الرِّجَالُ الصَّالِحُونَ المُصلِحُونَ إِلاَّ في ظِلِّ عَقَائِدَ رَاسِخَةٍ، تَقُومُ عَلَى أُصُولٍ ثَابِتَةٍ، وَتَحفَظُهَا مَبَادِئُ مُتَمَكِّنَةٌ، أَسَاسُهَا التَّوحِيدُ الخَالِصُ، وَبِنَاؤُهَا العَمَلُ الصَّالِحُ، وَتَضبِطُهَا القِيَمُ وَتَرعَاهَا الفَضَائِلُ، أَمَّا في ظَلامِ الشَّكِّ المُزَعزِعِ لِلقُلُوبِ، وَالإِلحَادِ المُحَيِّرِ لِلعُقُولِ، وَمَهَاوِي الشُّبُهَاتِ المُضِلَّةِ، أَمَّا في مُستَنقَعَاتِ الرَّذِيلَةِ وَالانحِلالِ وَالسُّفُورِ الَّتي تَحفِرُهَا وَسَائِلُ الإِعلامِ وَالقَنَوَاتُ وَالفَضَائِيَّاتُ، وَتُغَذِّيهَا الجَرَائِدُ وَتُؤَيِّدُهَا المَجَلاَّتُ، وَتَنقُلُ عَفَنَهَا الجَوَّالاتُ وَالشَّبَكَاتُ، فَلَن يَتَخَرَّجَ لِلأُمَّةِ رِجَالٌ.
وَإِنَّ الدُّنيَا لم تَرَ الرُّجُولَةَ في أَجلَى صُوَرِهَا وَأَكمَلِ مَعَانِيهَا كَمَا رَأَتهَا في تِلكَ النَّمَاذِجِ الكَرِيمَةِ الَّتي صَنَعَهَا الإِسلامُ عَلَى يَدِ رَسُولِهِ العَظِيمِ مِن رِجَالٍ يَكثُرُونَ عِندَ الفَزَعِ وَيقِلُّونَ عِندَ الطَّمَعِ، لا يُغرِيهِمُ الوَعدُ وَلا يُلَيِّنُهُم الوَعِيدُ، وَلا يَغُرُّهُمُ النَّصرُ وَلا تُحَطِّمُهُمُ الهَزِيمَةُ، وَلَن تَستَعِيدَ الدُّنيَا الرُّجُولَةَ إِلاَّ بِإِحيَاءِ تِلكَ النَّمَاذِجِ العَظِيمَةِ في الوَاقِعِ وَعَرضِ سِيَرِهِم عَلَى النَّاشِئَةِ.
فَاتَّقُوا اللهَ أُمَّةَ الإِسلامِ، وَسِيرُوا سِيرَةَ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللهِ، وَتَرَسَّمُوا خُطَاهُ، وَأُحيُوا سُنَّتَهُ، وَاهتَدُوا بِهَديِهِ؛ تَفُوزُوا وَتُفلِحُوا.
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ، وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ، وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد قَالَ تَعَالى عَنِ المُنَافِقِينَ: (وَإِذَا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم وَإِنْ يَقُولُوا تَسمَعْ لِقَولِهِم) [المنافقون: 4]، وَمَعَ هَذَا فَهم كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ عَلَيهِم، وَفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّهُ لَيَأتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَاقرَؤُوا إِنْ شِئتُم قَولَهُ تَعَالى: (فَلاَ نُقِيمُ لَهُم يَومَ القِيَامَةِ وَزنًا)"، وَكَانَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- نَحِيفًا دَقِيقَ السَّاقِينَ، انكَشَفَت سَاقَاهُ يَومًا فَضَحِكَ بَعضُ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ –صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثقَلُ في المِيزَانِ مِن أُحُدٍ"، وَعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبيِّ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِرَجُلٍ عِندَهُ جَالِسٍ: "مَا رَأيُكَ في هَذَا؟!"، قَالَ: رَجُلٌ مِن أَشرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللهِ حَرِيٌّ إِن خَطَبَ أَن يُنكَحَ وَإِن شَفَعَ أَن يُشَفَّعَ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-، ثم مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: "مَا رَأيُكَ في هَذَا؟!"، فََقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: هَذَا رَجُلٌ مِن فُقَرَاءِ المُسلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِن خَطَبَ أَن لاَّ يُنكَحَ وَإِن شَفَعَ أَن لاَّ يُشَفَّعَ وَإِن قَالَ أَن لاَّ يُسمَعَ لِقَولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا خَيرٌ مِن مِلءِ الأَرضِ مِن مِثلِ هَذَا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.
وَفِيهِمَا أَنَّهُ -عَلَيهِ السَّلامُ- قَالَ: "لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ".
إِنَّهَا صُوَرٌ لِمَا قَد يَسِيرُ عَلَيهِ النَّاسُ في قِيَاسِ الرُّجُولَةِ، وَتَوجِيهٌ لَهُم إِلى مَا يَجِبُ أَن يَكُونُوا عَلَيهِ وَيَعتَبِرُوهُ في ذَلِكَ، فَلَيسَت صُورَةُ اللَّحمِ وَالدَّمِ هِيَ المِقيَاسَ، وَمَا كَانَ المِقيَاسُ الجَمَالَ أَو حُسنَ الشَّارَةِ وَالهَيئَةِ، وَمَا هُوَ في القُوَّةِ وَلا الفُتُوَّةِ، وَلا في كِبَرِ البُطُونِ وَلا طُولِ الأَجسَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ في الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاعمَلُوا عَلَى التَّحلِّي بِأَخلاقِ الرِّجَالِ المَذكُورَةِ في كِتَابِ اللهِ، أَو المُجمَعِ عَلَى حُسنِهَا عِندَ عِبَادِ اللهِ.
التعليقات