عناصر الخطبة
1/مكانة دين الإسلام من بقية الأديان 2/دين الأنبياء واحد 3/تبعية الأنبياء عليهم السلام لدين محمد صلى الله عليه وسلماقتباس
أنَّهُ إِمامُ الأنبياءِ، ودِينُهُ نَاسِخٌ للأديانِ، وكِتَابُهُ هو المُهيمِنُ على الكُتُبِ، وهَذا مِصدَاقُ المِيثاقِ الذي أخَذَهُ اللهُ تَعَالى عَلى الأنبياءِ جَميعاً بالإيمانِ بِمُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ واتِّباعِهِ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ، شَرعَ الشَّرائعَ، وسَنَّ الأديانَ، وأَنزلَ الكُتبَ، وأَرسلَ الرُّسلَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، هُو أَعلمُ بما كَانَ ومَا يَكونُ، ولَهُ الحُكمُ في الأولى والآخرةِ، وهو الغَفورُ الرَّحيمُ، وأَشهدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُهُ ورَسولهُ، أَكملَ اللهُ بِهِ الدِّينَ، وخَتمَ بِهِ الرِّسالاتِ والمُرسلينَ، وكَانتْ بِعثَتُهُ إلى النَّاسِ أَجمعينَ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلمَ عَليهِ وعَلى إخوانِهِ من النَّبيينَ وعَلى آلِهِ وصَحبِهِ أَجمعين، ومَنْ تَبعَهم بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعدُ: فَعِندَما أُسريَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ إلى بَيتِ المَقدِسِ، قَالَ: “وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي: نَفْسَهُ -، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ”، أَيْ: صَلَّيتُ بِهم إمَامَاً، أَتَعلمونَ ما مَعنى هذا؟.
أَيْ: أنَّهُ إِمامُ الأنبياءِ، ودِينُهُ نَاسِخٌ للأديانِ، وكِتَابُهُ هو المُهيمِنُ على الكُتُبِ، وهَذا مِصدَاقُ المِيثاقِ الذي أخَذَهُ اللهُ تَعَالى عَلى الأنبياءِ جَميعاً بالإيمانِ بِمُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ واتِّباعِهِ إذا بُعِثَ، كَما قَالَ سُبحَانَهُ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)[آل عمران: 81].
وَذلِكَ لأنَّ دِينَ الأنبياءِ وَاحدٌ، ألا وَهو الإسلامُ، كَمَا قَالَ تَعَالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ)[آل عمران:19]، والشَّرائعُ مُختَلفةٌ، كَما قالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: “الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ”، فَدِينُهم هُوَ الإسلامُ بِمَعنَاهُ العَامِ: وهو الاستِسلامُ للهِ بالتَّوحيدِ، والانقيادِ لَهُ بالطَّاعةِ، والبَراءةُ من الشَّركِ وَأَهلِهِ.
فَهَا هو نُوحٌ عَليهِ السَّلامُ أولُ الرُّسلِ يَقولُ لِقَومِهِ: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[يونس: 72]، واسمعْ إلى وَصيَّةِ أبو الأنبياءِ إبراهيمُ وأبو أنبياءِ بَني إسرائيلَ عَليهما السَّلامُ إلى ذُريَّاتِهم: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وهَا هو يُوسفُ عَليهِ السَّلامُ يَقولُ: (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[يوسف: 101]، وتَأملْ في دِينِ مُوسى عَليهِ السَّلامُ: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)[يونس: 84]، وأما دِينُ عِيسى عَليهِ السَّلامُ الذي أوحاهُ اللهُ تَعالى إلى أتباعِه: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ)[المائدة: 111]؛ فالإسلامُ هو دينُ الأنبياءِ.
ولِذلكَ لو بُعِثَ مُوسى عَليهِ السَّلامُ، هَل تَعتَقِدونَ أن يَكونَ على مَا عَليهِ اليَهودُ اليَومَ؟، يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، وَإِمَّا أنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، وَإِنَّه -واللهِ- لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي”.
وَهَلْ تَتَوقعونَ إذا نَزَلَ عِيسى عَليهِ السَّلامُ فِي آخِرِ الزَّمانِ، أنَّهُ سَيُصلي في الكَنيسةِ؟، جَاءَ في الحَديثِ: “يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ”، فلا يَقبلُ إلا الإسلامَ دِيناً، وَيُصلي خَلفَ رَجُلٍ مِن هَذِهِ الأمَّةِ، ويَقتلُ مَسيحَ اليَهودِ الدَّجالَ، ويَكشِفُ حَقيقةَ مَسيحِ النَّصارى.
هَلْ عَلِمتُم الآنَ ما مَعنى قَولَهُ تَعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)[آل عمران:85]؟، ومَعنى قَولَهُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ: “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ”؟.
نَفَعني اللهُ وإياكم بهَدي القُرآنِ، أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولَكم ولِسائرِ المُسلمينَ، فاستغفروهُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ، أَكملَ الدِّينَ، وأَتَّمَ النِّعمةَ على المسلمينَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ في رُبوبيتِهِ وأُلوهيتِهِ وأَسمائه وصِفاتِهِ، وأَشهدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُهُ ورَسولُهُ خَتمَ اللهُ بِهِ الأنبياءَ، وجَعلَ رِسالتَهُ للنَّاسِ كَافةً، ونَسَخَتْ شَريعتُه الشَّرائعَ السَّماويةَ السَّابقةَ كُلَّها، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّم عَليهِ وعَلى سَائرِ الأنبياءِ.
أَمَّا بَعدُ: يَقولُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: اجتمَعتْ نَصارَى نَجرانَ وأَحبارُ اليَهودِ عِندَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ، فَتَنازعوا عِندَهُ، فَقَالتْ الأحبارُ: مَا كَانَ إبراهيمُ إلا يَهودياً، وقَالتْ النَّصارى: مَا كَانَ إبراهيمُ إلا نَصرانياً، فَأَنزلَ اللهُ تَعالى الحُكمَ الفَصلَ في هَذهِ المَسألةِ فَقَالَ: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آلِ عِمْرَانَ:67-68].
فَمَنْ يَتَوقَّعُ أنَّ إبراهيمَ عَليهِ السَّلامُ، إمامَ المُوحِدينَ، الذي تَبرأَ مِن أبيهِ وقَومِهِ لأنَّهم كَفروا باللهِ تعالى، أن يُواليَ اليَهودَ الذينَ يَقولونَ: (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)[آل عمران: 181]، وَيَقولونَ: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)[المائدة: 64]، وَهل تَتَصورونَ أَن يُواليَ النَّصارى الذينَ يَقولونَ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة: 17]، وَيَقولُونَ: (إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ)[المائدة:73]، كَلَّا، واللهِ، فَدينُ إبراهيمَ عَليهِ السَّلامُ دِينُ الإسلامِ والتَّوحيدِ، ودِينُ أولئكَ دِينُ الكُفرِ والشّركِ بِربِّ العَبيدِ ، وصَدَقَ اللهُ تَعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[البقرة: 135]، والعَجبُ مِمَّنْ تَخفَى عليهِ هَذهِ المَسألةُ الخَطيرةُ، وهِيَ في كُلِّ صَفحَةٍ مِن كِتابِ اللهِ واضِحةٌ بَصيرةٌ.
اللهمَّ أَرِنا الحَقَّ حَقًّا وارزقنا اتباعَه، وأرِنا البَاطلَ بَاطلاً وارزُقنا اجتنابَه، ولا تجعله مُلتبِسًا عَلينا فَنَضِلَّ يَا رَبَّ العَالمينَ.
اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الكُفرَّ والكَافرينَ، اللهمَّ انصر دينَك وكتابَك وسُنةَ نَبيِّكَ يَا قَويُ يَا عَزيزُ، اللهمَّ أَصلِح أَحوالَ المسلمينَ، اللهمَّ ألِّف بينَ قُلوبِ المسلمينَ، اللهمَّ أَصلِح ذَاتَ بَينِهم، واجمعهم عَلى كَلمةِ الحَقِّ إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ.
اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمينَ، اللهم اقضِ الدَّينَ عن المَدينينَ، اللهمَّ واشفِ مَرضانا ومرضى المسلمينَ يَا رَبَّ العَالمينَ، اللهم أعِذنا وأعِذ المسلمينَ من إبليسَ وذريتِهِ وشَياطينِهِ وجُنودِهِ يَا ربَّ العَالمينَ إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ.
اللهمَّ أَحسِن عَاقبتَنا في الأمورِ كُلِّها، وأَجِرنا مِنْ خِزي الدُّنيا وعَذابِ الآخرةِ.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح اللهمَّ ولاةَ أُمورِنا، وأصلِح بِطانتَهم، ووفِّقهم لما فِيهِ رِضاكَ إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ.
اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ يَا ذا الجَلالِ والإكرامِ أَنْ تَختِمَ لنا بخَواتيمِ الخَيرِ، وأَنْ تَجعلَنا ممن خَتمتَ لَهُ بالسَّعادةِ يَا رَبَّ العَالمينَ.
التعليقات