اقتباس
الدعاة والعلماء هم ورثة الأنبياء ويقومون في الأمة مقامهم ويضطلعون بنفس أدوارهم، فالدعاة ورثة تراث الهداية في البشرية، وحتى يقوموا بواجبهم تجاه الأمة والبشرية جمعاء لابد لهم من إدارة هذا التناقض البشري والتباين الأممي بالارتكاز على عدة محاور خلال اضطلاعهم بواجبهم الدعوي، ومن أهم هذه المحاور:
كلما اتسعت المجتمعات كلما زادت الرغبات المتضاربة والمصالح المتقاطعة بين أفراد المجتمع، فثمة تناقض مستمر بين الأفراد داخل الأمة الواحدة وبين الأمم بعضها البعض، وهذا التناقض أحد أكبر المشاكل الحضارية في عالمنا المعاصر المليء بالمتغيرات المتسارع في وتيرة أحداثه ومتقلباته، وإذا لم تكن هنالك منظومة ثابتة وقوية من جانب الدعاة لدين الله عز وجل لإدارة هذا التناقض واحتوائه وتوجيهه، بحيث يكون التناقض إيجابيا تنتفع به الأمة، وسلما للتمايز بين الكيانات وتشعر المجتمعات من خلاله بالخصائص والمميزات الفارقة بينها، وبغير هذا الجهد الدعوي سيتحول التناقض لمشكلة حضارية واجتماعية كبرى تعيق تقدم البلاد، وتسبب صراعات متزايدة في جوانب كثيرة، تضيع معها أمانة مسئولية الدعوة والهداية ونشر الرسالة الخاتمة للعالمين.
الدعاة والعلماء هم ورثة الأنبياء ويقومون في الأمة مقامهم ويضطلعون بنفس أدوارهم، فالدعاة ورثة تراث الهداية في البشرية، وحتى يقوموا بواجبهم تجاه الأمة والبشرية جمعاء لابد لهم من إدارة هذا التناقض البشري والتباين الأممي بالارتكاز على عدة محاور خلال اضطلاعهم بواجبهم الدعوي، ومن أهم هذه المحاور:
المحور الأول: التركيز على الهوية
الدعاة مطلوبون دوما بالتركيز على الهوية الإسلامية للمجتمعات، الهوية التي تبرز مميزات الأمة العقائدية والأخلاقية والسلوكية، وهذا التركيز يحتاج لنقلة نوعية في الخطاب الدعوي، بنقله من طور الكلام والخطب والدروس والمواعظ لطور التطبيق العملي والفعلي المتجسد في آداب وعلاقات وسلوكيات ومعاملات يتبلور بها شكل المجتمع المسلم ويتمايز عن غيره من المجتمعات المعاصرة، فالهوية الإسلامية لمجتمعاتنا قد تعرضت عبر السنين لتجريف شديد استأصل غالب أجزائها وشوه معظم معالمها، فأصبحت هوية مجتمعاتنا اليوم مسخ هجين حائر بين أصوله الإسلامية ومظاهره الغربية المستوردة، فتجد الجامعات بجوارها المسارح والسينمات، والمساجد بجوارها المراقص والحانات، فلا هي مجتمعات إسلامية ولا هي غربية، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، مما أوجد حيرة وتناقضا ضاع بين رحاه كثير من شبابنا وأبنائنا، وإعادة اصطفاف الأمة من جديد في إطار قيمي وأخلاقي واحد لن يتم إلا بإعادة الوجه الحقيقي لهذه الأمة والمجتمعات، وتجسيد هويتها في حياة أكبر شريحة ممكنة من المسلمين.
المحور الثاني: أمانة التبليغ
ينبغي أن ترتبط علاقة المجتمعات المسلمة بغيرها برابط أولي وأساسي لا يتنازل عنه قط مهما كان ضعف الأمة المسلمة، هذا الرابط هو أمانة التبليغ وواجب نشر الرسالة الحقة، فأمتنا منوطة بهذا الدور وهي حريصة على وصول الدعوة إلى كل شخص على وجه الأرض، وإن الأزمات العنيفة التي يحيها البشر اليوم على الصعيد الأخلاقي والإنساني لن تجد طريقها للحل إلا على يد رسالة السماء ونور الهداية؛ الإسلام.
المحور الثالث: أيدلوجية الصراع
الصراع أبرز أشكال التناقض المجتمعي، وهذا الصراع قد يأخذ أشكالا كثيرة من العداء العنصري والقبلي والعقدي، والشواهد التاريخية والمعاصرة على ذلك كثيرة جدا، ولكن الصراع العقدي ظل الأبرز تاريخيا والأعمق تأثيرا، ومع تطور العصر ودخول آليات جديدة لإدارة الصراع غيرت من بواعثه واتجاهاته تحول الصراع من شقه العقدي إلى صراع مصالح بحت تتنافس فيه القوى العالمية من أجل تمرير مصالحها، وفي هذا الصراع الجديد اختفت التباينات العقدية، فوجدنا تحالفات غير مقدسة بين مسلمين وغير مسلمين ولو على حساب مسلمين آخرين، مما أفقد الأيدلوجية أثرها ودورها، وأفقد الصراع مشروعيته وتعاطف عموم الأمة معه، وعلى الدعاة واجب إبقاء الصراع مرتبطا بجانبه العقدي، لأن ذلك يكسب الصراع بعدا أخلاقيا وإنسانيا، وينبه الخصم إلى أننا نتصارع من أجل القيام بواجب ديني دعوي وليس من أجل تحقيق مصلحة مادية خاصة، وهذا يظهر جليا في أخلاقيات الحرب عند المسلمين، وأدبيات الصراع عندهم، فالمسلمون لا يبدءون الحرب أو الصراع مع خصومهم قبل دعوتهم لدخول الإسلام، وفي وصية الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى قادة جيش الفتح الشامي بيانا شافيا كان الغرض الأساسي منه الحفاظ على هوية الصراع وأيدلوجيته، بحيث لا تضيع الرسالة الحقيقية للجهاد في الإسلام، فعصم دماء غير المحاربين ألبته مثل النساء والأطفال والشيوخ، وحرم هدم البيوت والمنافع العامة وقطع الأشجار المثمرة وردم الآبار إلا إذا كانت تستخدم لحرب المسلمين.
المحور الرابع: بيئة الدعوة
الصراع عادة ما تحدث فيه تطورات تأخذه إلى مناحي عاطفية أكثر منها منهجية وعقلانية مما يفتح المجال لولوج الحدة والتسرع وقصر النفس، هذه التطورات غالبا ما تكون نتيجة التغييرات الحادثة في بيئة الصراع، فعلى الدعاة توفير البيئة الدعوية وتهيئة الأجواء الملائمة لتبليغ الرسالة وتحقيق استفاضة البلاغ، بتهدئة وتيرة الصراع في أحيان كثيرة، فالصراع الشديد الطويل عادة ما يطمس التناقض بين الأمم والمجتمعات، وبالتالي تضيع شرعية الصراع، ولعلنا نلحظ ذلك في قبول النبي صلى الله عليه وسلم بشروط صلح الحديبية المجحفة من وجهة نظر الكثيرين من الصحابة من أجل توفير البيئة الملائمة والهادئة لنشر الإسلام، وحتى تتعرف القبائل في شبه الجزيرة العربية على رسالة الإسلام، وقد سمى القرآن هذا الصلح بالفتح المبين.
المحور الخامس: الحفاظ على نقاط التفوق
هذه النقطة تحديدا هي أهم محاور إدارة التناقض المجتمعي والأممي، فالأمة الإسلامية تعتبر بالمعايير المادية متخلفة في الميادين التعليمية والاقتصادية والعسكرية والتقنية، وهي عالة على الدول الكبرى في هذه الميادين، ونقطة التفوق الكبرى لهذه الأمة تكمن في منهجها الرباني الذي تشرفت بحمله والانتساب إليه، في حين الدول الكبرى فقيرة وحائرة وتائهة فيما يتعلق بالجانب الروحي ويتجلى ذلك في الأعداد المتزايدة للمنتحرين سنويا في العالم الغربي، وهذا التباين بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم يتوجب على الدعاة أن يكثفوا المجابهة ويركزوها على جانب القوة لدى الأمة، كما عليهم أن يقفوا حجر عثرة أمام مشروعات التغريب القوية والتي تستهدف جر الأمة إلى الميادين التي لا تحسنها أمام أعدائها مما يفقدها سر تميزها ومصدر قوتها.
التعليقات