اقتباس
والعلاقة بين الرجل والمرأة عمومًا والعلاقة بين الزوج وزوجه خصوصًا مجال يطول البحث فيه، ولكنها المحاولة لتذكير رجال العلم والدعاة والخطباء بأن عليهم مسؤولية غير يسيرة في تبيان هذه العلاقة بمفهومها الواسع؛ سعيًا...
الحديث عن المرأة حديث غير منضبط في كثير من الأحيان؛ فالكثيرون يتحدثون عليها، وتتحدث هي على نفسها، وقد واجهت وتواجه كثيرًا من التحديات في كثير من المجتمعات، التحديات هذه ناتجة عن عدم فهم شامل للمرأة وما تريده من الحياة وما يراد منها في الحياة..
وكثيرًا ما أسيءَ فهم المتحدثين على المرأة بسبب حساسية الحديث عليها، فنرى البعض يخطب ودها إما بالتلطف لها أو بالقسوة عليها أو بتحميلها أكثر مما تحتمل، مع أنها تحتمل الكثير من صفات الجمال في الطباع والتعقل أو بالقدح فيها باسم خدمتها، وليس هذا بالجديد على المرأة.
والمرأة امرأة قبل كل شيء، هي أمٌّ وزوج وبنت، ثم هي مربية أو عاملة بالمعنى الذي يحدده دينها للمرأة العاملة، ولكل جزئية من هذه الجزئيات وقفة خاصة يتوقع من رجال العلم والخطباء والوعاظ إعطاؤها ما تستحق من الاهتمام والتوعية، بحيث يتضح تمامًا أمام الناس النظرة الصحيحة غير المغلوطة للمرأة في هذا المجتمع أو ذلك.. فتنتزع منه بعض المفهومات الموروثة أو الوافدة التي لا تفتأ تسيء للمرأة وتملي على أفراد من المجتمع الإسلامي الواسع الإساءة إليها حسب ما قد تستغله من مفاهيمَ مغلوطة عنها.
وتجزئة المرأة إلى أمٍّ وزوج وبنت إنما هو فقط لتسليط الضوء على كل جزئية على حدة، ولا يعني هذا بحالٍ تصنيفَ المرأة؛ فالأم زوجة ثم أم والبنت ستكون زوجًا ثم أمًّا وهكذا.
وجزئية المرأة كزوجة هي التي تحتاج إلى وقفات طويلة جدًّا، على اعتبار أن هناك فهمًا خاطئًا لوظيفة الزوجة في كثير من البلدان الإسلامية، وهي حقًّا زوج وليست زوجة، وعلينا ألا نغفل ما وراء هذا التعبير الدقيق، وإنما قلنا زوجة وكررنا كلمة زوجة كجزء من هذا المفهوم العام الخاطئ لوظيفة الزوجة.
وفي الوقت الذي نحاول فيه الابتعاد التام عن المثالية و"القولبة" والنظرة القاصرة أو العاطفية للزوجة لا نملِك إلا أن نصر على أن هناك فهمًا خاطئًا لمفهوم الزوجة، على أن القارئ لن يجد محاولة لوضع المفهوم الصحيح للزوجة، فيترك هذا لرجال العلم والخطباء والوعاظ المتوقع منهم أن يكونوا قدوة، ليس في معلوماتهم عن مفهوم مهام الزوجة فحسب، ولكن أيضًا في بث الوعظ والإرشاد التربوي المنطلق من قواعد السلوك الإسلامي الرشيد لرسالة المرأة كزوجة وكأم يقع على عاتقها تربية النشء الإسلامي المتمسك بدينه وخُلقه وسلوكه السوي.
وعندما ينقلون المفهوم الصحيح للزوجة في المجتمع العربي المسلم سوف يوجهون الأنظار إلى هذا المفهوم مع التوجيه المتكرر للمرأة ولولي أمر المرأة - الزوجة هنا - من السفور ومحاكاة الأخريات من الأجنبيات، وذلكم أنها عندما تدرك تمامًا مفهوم الزوجة، وعندما تدرك أن المجتمع يدرك مفهوم الزوجة عندها لن تنظر إلى الأخريات، ولن يكون لديها القابلية لأن تتقمص شخصية غريبة عليها وعلى مجتمعها.
قد يفهم البعض أن مقصد هذه الحروف أن مفهوم الزوجة غير معروف في المجتمع الإسلامي بحدوده الشرعية، ولكن ليس الحال كما يتصورون، ولكن الواقع الذي لا بد من التعامل معه ومواجهته أن هناك قصورًا في المجتمعات الإسلامية فيما يتعلق بمفهوم الزوجة، إما بسبب من موروث خاطئ، أو بسبب من عدم الفهم الدقيق للتعاليم التي تتعلق بالعلاقة بين الزوجين، كأن يساء فهم القوامة التي لا بد من وجودها حتى يستقيم البيت ومن ثم يستقيم المجتمع.
نحتاج إلى التركيز المباشر على علاقة الأسوة محمد صلى الله عليه وسلم بأزواجه أمهات المؤمنين، والعلاقة هذه كانت واسعة وعريضة شملت جميع جوانب العلاقة بين الزوجين، نحتاج إلى كشف هذه العلاقة أكثر للناس على أنها علاقة كانت يتأسى بها، وليست علاقة كانت خاصة به وبأزواجه عليه السلام، ونحتاج إلى أن يدعى الناس إلى تمثُّل هذه العلاقة في حياتهم، ونحتاج إلى أن نفهم القوامة من خلال قوامته عليه السلام على أزواجه، نحتاج إلى أن نرد عمليًّا على أولئك الذين لم يرتاحوا لمبدأ القوامة بسبب من سوء الفهم، ونرد عمليًّا على أولئك الذين أكدوا على مبدأ القوامة بالمفهوم الذي رغبوا فيه ولم يكن حقيقة بالمفهوم الصادق لمبدأ القوامة في الدين.
جميل جدًّا أن تسلط الأضواء على الأوضاع الاجتماعية في المجتمعات غير الإسلامية التي يذكر فيها أن المرأة تنال حقوقًا في الحياة أكثر من المرأة المسلمة، والأجمل من هذا أن نحاول أن نفهم ونسلط الأضواء على طبيعة هذه الحقوق لنرد بالتصور الأكثر صوابية وحكمة، هذا في مجال المرأة عمومًا، فما بالكم بمجال الزوجة في دار زوجها؟ فنحتاج إلى أن نسلط الضوء على طبيعة هذه العلاقة، ومن يحكمها وما يحكمها!
ولعل من المؤلم حقًّا أن هذا التسليط قد يوحي بالمقارنة بين زوجة وأخرى، والواقع أن مبدأ المقارنة غير وارد تمامًا؛ لأننا حينما نقارن لا نستطيع أن نستل جزءًا من مجتمع ونقارنه بنظيره في المجتمع الآخر، والزوج جزء من المجتمع، فإذا أردنا المقارنة فلا بد أن نقارن مجتمعًا بآخر، وهذا غير وارد أصلًا؛ لأن المفهومات مختلفة تمامًا، قد نقارن بين مجتمع مسلم وآخر مسلم فنعثر على نقاط ضعف فيهما أو في أحدهما بعد أن نعرضهما على المجتمع القدوة، لكن أن يقارن مجتمع غير مسلم بآخر مسلم في مجال واحد وهو العلاقة الزوجية فتلكم مقارنة غير علمية وغير واردة؛ لأن أي مجتمع مسلم غني كل الغنى بمقوماته ورؤيته، وإنما هي تظل محاولات يقصد من ورائها تبيان أن الآخرين على خطأ ونحن على صواب، وهذا ليس بالضرورة صحيحًا على إطلاقه، في كل المجتمعات الإسلامية، بل قد يكون هناك أخطاء ناتجة عن سوء الفهم يجب ألا ننكر وجودها، وعلينا التنبيه إليها والتأكيد على اقتلاعها من جذورها بالوعي أولًا وبالوعي ثانيًا وبالوعي ثالثًا.
وفي سبيل اقتلاعها من جذورها نحتاج أيضًا، وبعد معرفة العلاقة الأسوة، أن نتعرف على علاقة الصحابة بأزواجهم وعلاقة التابعين وعلاقة العلماء والخلفاء والولاة والأمراء، فنرد على من يريد سوءًا بطرح بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام وشموليته لنظام الأسرة والعلاقة فيما بين أفرادها لتكون علاقة مثالية مسؤولة.
والعلاقة بين الرجل والمرأة عمومًا والعلاقة بين الزوج وزوجه خصوصًا مجال يطول البحث فيه، ولكنها المحاولة لتذكير رجال العلم والدعاة والخطباء بأن عليهم مسؤولية غير يسيرة في تبيان هذه العلاقة بمفهومها الواسع؛ سعيًا وراء تجنب أي تصدع في البناء الأسري الإسلامي، وتجنب تبني النظريات والآراء البشرية التي قد تصلح في حال ولا تصلح في جميع الأحوال، وسعيًا وراء الحد من النظر إلى هذه العلاقة من منطلقات أخرى إذا ما قصَّر رجال العلم والخطباء والدعاة في إعطاء هذا الموضوع ما يستحقه.
ولعل هناك وقفات أخرى عند العلاقة بين الأب وابنته والابن وأمه، وربما يتسع المقام للوقوف عليها، وعلى العلاقة بين الشباب والأمة وما يراد من رجال العلم حيال هذه العلاقات جميعًا، سيما وأننا أمة مستهدفة في توجهاتها الخيِّرة من قبل الأعداء المتربصين بكل انطلاقة رشيدة، وكان الله في عون الجميع!
التعليقات