عناصر الخطبة
1/فئة ضالة تهدم أصول الدين 2/خطورة تمييع الدين وإضاعة الولاء والبراء 3/الدين الحق المقبول عند الله هو الإسلام وحده 4/ضلال وكفر اليهود والنصارى 5/الحث على التمسك بالإسلام ورفض دعوات الإبراهيمية.

اقتباس

إِنَّهُ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يَقْبَلُ دِينًا غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ, وَلا يَحِلُّ لِأَحَدٍ سَمِعَ بِهِ أَنْ يَرْضَى بِدِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ, وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لا يَقْبَلُ اللهُ دِينَهُمْ الآنَ إِلَّا أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلامِ وَإِلَّا صَارُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي اهْتَدَى بِهَدْيِهِ وَرَحْمَتِهِ الْمُهْتَدُونَ، وَضَلَّ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ الضَّالُّونَ، (لَا يُسْأَلَ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[الأنبياء:23], وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَتَرَكَنَا عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ دِينَكُمْ وَبِلَادَكُمْ مُسْتَهْدَفَةٌ مِنْ أَعْدَاءِ الدِّينِ, فَبِالْأَمْسِ ابْتُلِينَا بِالْفِئَةِ الضَّالَّةِ الْخَوَارِجِ, وَعَانَى مِنْهُمُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ, رَوَّعُوا الآمِنِينَ, وَقَتَّلُوا الْمُسْلِمِينَ, وَأَخَافُوا الْمُصَلِّينَ حَتَّى فِي مَسَاجَدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَلَكِنْ بِفَضْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَوَّلًا ثُمَّ بِتَكَاتُفِ جُهُودِ الْعُلَمَاءِ وَالْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةِ لِلدَّوْلَةِ تَمَّ الْقَضَاءُ عَلَى هَذِهِ الْفِئَةِ الْمَارِقَةِ, وَعَرَفَ النَّاسُ خَطَرَهُمْ وَانْدَحَرَ شَرُّهُمْ، وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّة.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَلَكِنَّنَا ابْتُلِينَا فِي هَذَا الْوَقْتِ بِفِئَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ أَقَلَّ شَرًّا وَلا خَطَرًا مِنْ أُولَئِكَ الْمَارِقِينَ, إِنَّهَا فِرْقَةٌ تَدْعُو إِلَى تَمْيِيعِ الدِّينِ وَإِلَى نَبْذِ عَقِيدَةِ الْوَلاءِ وَالْبَرَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ, إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَلْبَسُونَ دِثَارَ نَبْذِ التَّطَرُّفِ وَالْإِرْهَابِ، ثُمَّ هُمْ يَدْعُونَ إِلَى هَدْمِ الدِّينِ مِنْ أَصْلِهِ, وَيُنَادُونَ بِطَمْسِ حَقِيقَةِ التَّوْحِيدِ، وَإِلَى التَّخَلِّي عَنِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

 

إِنَّهَا فِئَةٌ ضَالَّةٌ جَدِيدَةٌ تَدْعُو إِلَى تَرْكِ أُصُولِ الدِّينِ, وَتَدْعُو إِلَى مَا يُسَمُّونَهُ "الأُخُوَّة الْإِنْسَانِيَّة", وَإِلَى التَّسَامُحِ الدِّينِيِّ عَلَى حَدِّ تَعْبِيرِهِمْ, إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ جَمِيعَ الْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ مَقْبَولَةٌ عِنْدَ اللهِ, فَالدِّيَانَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالدِّيَانَةُ النَّصْرَانِيَّةُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَلا فَرْقَ, وَيَقُولُونَ: كُلُّ وَاحِدٍ يَعْبُدُ اللهَ بِالطَّرِيقَةِ التِي يَرَاهَا, وَيَخْتَارُ الدِّينَ الذِي يَصْلُحُ لَهُ, وَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ, إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَبْنِي فِي كُلِّ حَيٍّ مَسْجِدًا وَإِلَى جَانِبِهِ كَنِيسَةٌ وَبِيعَةٌ, فَكُلُّ وَاحِدٍ يَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ, وَلا فَرْقَ بَيْنَ النَّاسِ فَكُلُّهُمْ عَلَى حَقٍّ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ فَظِيعٌ، وَلا يَكَادُ الْعَاقِلُ أَنْ يَتَصَوَّرَهُ فَضْلاً أَنْ يُصَدِّقَهُ أَوْ يَقْبَلَهُ, إِنَّ هَذَا هَدْمٌ لِلدِّينِ مِنْ أَصْلِهِ, إِنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ, إِنَّهُ طَمْسٌ لِإْسْلامِنَا وَمَسْخٌ لِعَقِيدَتِنَا, إِنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ الْحَادِثَ خَطَرٌ جَدِيدٌ وَشَرٌّ أَكِيدٌ, إِنَّهُ تَمْزِيقٌ لِلْإِسْلَامِ وَمَحْوٌ لِلْإِيمَانِ, وَفَتْحٌ لِطَرِيقِ الشَّيْطَانِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَتَيَقَّنَ يَقِينًا لا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الدِّينَ الْمَقْبُولَ عِنْدَ اللهِ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَأَنَّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَدْيَانِ فَهُوَ مَرْدُودٌ مَنْسَوخٌ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آل عمران:19], وَقَالَ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران:85].

 

إِنَّهُ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يَقْبَلُ دِينًا غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ, وَلا يَحِلُّ لِأَحَدٍ سَمِعَ بِهِ أَنْ يَرْضَى بِدِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ, وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لا يَقْبَلُ اللهُ دِينَهُمْ الآنَ إِلَّا أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلامِ وَإِلَّا صَارُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

فَإِنْ قَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ دِينُهُمْ بَاطِلًا وَالْيَهُودُ نَبِيُّهُمْ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَكِتَابُهُمُ التَّوْرَاةُ؟ وَالنَّصَارَى نَبِيُّهُمْ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَكِتَابُهُمُ الْإِنْجِيلُ؟ فَالْجَوَابُ: نَقُولُ: نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ, كَانَ دِينُهُمْ فِيمَا سَبَقَ مَقْبُولاً صَحِيحًا, بَلْ وُجِدَ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ عُلَمَاءُ وَصُلَحَاءُ وَمُجَاهِدُونَ, وَكَذَلِكَ وُجِدَ مِنَ النَّصَارَى عُبَّادٌ وَرُهْبَانٌ وَأَخْيَارٌ, وَلَكِنَّهُمْ فِي النِّهَايَةِ حَرَّفُوا كُتُبَهُمْ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ, فَلَعَنَهُمُ اللهُ وَأَخْزَاهُمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ.

 

قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)[المائدة:46], وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[المائدة:78].

 

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَتَاهُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ مِنْ يَهُودَ تُعْجِبُنَا، أَفَتَرَى أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا، فَقَالَ "أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا اتِّبَاعِي"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيّ). وَالْمُتَهَوِّكُ هُوَ الْأَحْمَقُ, وَالْمَعْنَى: هَلْ صِرْتُمْ حَمْقَى فَتَأْخُذُونَ مَا عِنْدَ الْيَهُودِ؟

 

فَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ الذِي اسْتَجَدَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَصَارَ أَهْلُ الْبَاطِلِ يُرَوِّجُونَ لَهُ, وَيَطْرَحُونَهُ بِقُوَّةٍ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ, وَيُنَادُونَ بِمَا يُسَمُّونَهُ دِينَ التَّسَامُحِ وَدِينَ الْمَحَبَّةِ, فَعَسَى اللهُ أَنْ يَحْفَظَ دِينَنَا وَيَكْفِي بِلادَنَا شَرَّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدَ الْفُجَّارِ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: تَعالُوا بِنَا نَقِفُ مَعَ كَلامٍ مَتِينٍ نَفِيسٍ لِلشَّيْخِ الْفَاضِلِ صَالِحِ الْفَوْزَانَ -حَفِظَهُ اللهُ-؛ فَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخَوَارِجَ وَخَطَرَهُمْ وَضَلالَهُمْ؛ قَالَ: "الطَّرْفُ الثَّانِي "الْمُنْحَلُّونَ" الذِينَ لا يَرَوْنَ الْوَلاءَ وَالْبَرَاءَ، وَيَرَوْنَ النَّاسَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ, ويَقُولُونَ مَا عَلِينَا مِنَ الدِّينِ، كُلٌّ لَهُ دِينُهُ, وَلَكِنْ نَحْنُ بَنُو الْإِنْسَانِ وَبَنُو آدَمَ وَنَحْنُ سَوَاءٌ, وَلا يَجُوزُ كُرْهُ الآخَرَ, وَيُسَمُّونَ الْكَافِرَ "الآخَر"، يَقُولُونَ: لا تَكْرَهْ أَحَدًا, عَلَيْكَ بِالْإِنْسَانِيَّةَ وَبَنُو آدَمَ كُلُّهُمْ إِخْوَانٌ "لا فَرْقَ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ" هَكَذَا يُنَادُونَ الآنَ! وَيُطَالِبُونَ بِإِسْقَاطِ الْوَلاءِ وَالْبَرَاءِ مِنَ الْإِسْلَامِ, وَلَوْ تَمَكَّنُوا لَمَسَحُوا الآيَاتِ التِي فِي الْقُرْآنِ، وَحَاوَلُوا أَنْ لا تُكْتَبَ فِي الْمَنَاهِجِ الدِّرَاسِيَّةِ وَلا تُكْتَبُ فِي الْمُقَرَّرَاتِ الْتَعْلِيمِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّ هَذَا يُشَوِّهُ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمينَ.

 

فَهُمْ عَلَى طَرْفِ النَّقْيضِ مَعَ الْغُلَاةِ، هَؤُلاءِ مُفَرِّطُونَ وَأُولَئِكَ مُفْرِّطُونَ, وَالدِّينُ وَسَطٌ، فَأَنْتَ تُحِبُّ مَنْ أَحَبَّهُمُ اللهُ وَتُعَادِي مَنْ عَادَاهُ اللهُ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)[الممتحنة:1], فَاللهُ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ, وَلا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ, فَأَنْتَ لا تُحِبُّهُمْ بَلْ تُحِبُّ مَنْ أَحَبَّهُ اللهُ وَتُبْغِضُ مَنْ أَبْغَضَهُ اللهُ, هَذَا هُوَ الْمِقْيَاسُ فِي الْحُبُّ وَالْبُغْضِ, فَالْوَلاءُ وَالْبَرَاءُ تَابِعٌ لِحُبِّ اللهِ, فَأَنْتَ لا تُحِبُّ مِنَ الْأَشْخَاصِ إِلَّا مَنْ أَحَبَّهُ اللهُ وَلا تُحِبُّ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا يُحِبُّهُ اللهُ.

 

فَهَذَا أَمْرٌ يَجِبُ أَنْ نَتَفَطَّنَ لَهُ غَايَةَ التَّفَطُّنِ؛ لِأَنَّ الآنَ هُنَاكَ حَمْلَةٌ شَرِسَةٌ ضِدَ هَذَا الْبَابِ, يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتَلِعُوا الْوَلاءَ وَالْبَرَاءَ مِنَ الْإِسْلَامِ, وَأَنْ لا يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ فَرْقٌ أَبَدًا.

 

يَقُولُونَ: الْيَهُودُ يَعْبُدُونَ اللهَ وَالنَّصَارَى يَعْبُدُونَ اللهَ وَنَحْنُ نَعْبُدُ اللهَ, فَمَعْنَاهَا: صَارَتِ الْأَدْيَانُ سَوَاءٌ فِي عِبَادَةِ اللهِ.

 

وَنَحْنُ نَقُولُ: لا, الْيَهُودُ لا يَعْبُدُونَ اللهَ, وَإِنَّمَا هُمْ كُفَّارٌ مُشْرِكُونَ, وَالنَّصَارَى أَشَدُّ يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ, وَيَقُولُونَ: اللهُ ثَالِثُ ثَلاثَةٌ, وَيَقُولُونَ عَنْ عِيسَى إِنَّهُ ابْنُ اللهِ, أَوْ إِنَّهُ هُوَ اللهُ , -تَعَالَى- اللهُ عَمَّا يَقُولُونُ..

 

فَهُمْ إِذَنْ لا يَعْبُدُونَ اللهَ, وَلَيْسُوا عَلَى دِينٍ.... وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ: نَرْجِعُ إِلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ لا نُرِيدُ يَهُودِيَّةً وَلا نَصْرَانِيَّةً وَلا إِسْلَامَ. فَنَقُولُ: وَهَلْ دِينُ إِبْرَاهِيمَ غَيْرٌ عَنْ دِينِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ إِنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعِثَ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ وَالرُّسُلَ قَبْلَهُ بُعِثُوا بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ"(انْتَهَى كَلامُ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ).

 

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى- (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران:67-68].

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ, وَاحْذَرُوا طَرِيقَ الْخَوَارِجِ الْغَالِينَ, فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءٌ لِلدِّينِ وَخَطَرٌ عَلَى الْبِلَادِ, وَهُمْ مَصْدَرٌ لِلْإِرْهَابِ وَالتَّرْوِيعِ لِلآمِنِينَ, وَاحْذَرُوا كَذَلِكَ أَهْلَ الزَّيْغِ وَالْفَسَادِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْعَلْمَانِيِّينَ فَهُمْ خَطَرٌ عَظِيمٌ, بَلِ الْوَاقِعُ أَنَّ شَرَّهُمْ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنَ الْخَوَارِجِ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ -بِحَمْدِ اللهِ- قَدِ انْكَشَفُوا وَنَبَذَهُمُ النَّاسُ وَصَارَ يَحْذَرُ مِنْهُمُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ.

 

وَأَمَّا هَؤُلاءِ فَهُمْ لا يَزَالُونَ مُنْدَسِّينَ بَيْنَ النَّاسِ, وَلَمْ يَنْتَبِهْ لِخَطَرِهِمْ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ, بَلْ إِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ الشَّفَقَةَ وَالْإِصْلَاحَ وَنَبْذَ الْعُنْفِ, وَيَدْعُونَ لِلتَّسَامُحِ, وَقَدْ وَصَفَهُمْ رَبُّنَا أَبْيَنَ وَصْفٍ وَأَوْضَحَهُ فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُون)[البقرة:8-12].

 

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرُدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ وَأَنْ يَكْفِيَ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ, كَمَا أَسْأَلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُوَفِّقَ وُلاةَ أَمْرِنَا إِلَى كَشْفِ أَسْتَارِهِمْ وَدَفْعِ أَخْطَارِهِمْ, وَأَنْ يُعِينَهُمْ عَلَيْهِمْ كَمَا أَعَانَهُمْ عَلَى الْخَوَارِجِ الْفِئَةِ الضَّالَّةِ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ, وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنَ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا.

 

اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.

 

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

المرفقات
الخطر-الجديد-الإبراهيمية-المزعومة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life