عناصر الخطبة
1/أجود الناس على مر الدهور 2/صور من جود النبي صلى الله عليه وسلم 3/ كثرة صور القطيعة والهجر والنزاعات 4/شهر رمضان فرصة لنزع فتيل العداوات 5/فرص كثيرة للجود بغير المال.

اقتباس

كان -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس في نفع الناس؛ مِن بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله -تعالى- في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع لهم بكل طريق؛ من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم....

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ذي المنة والفضل، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له أحمده وأشكره وهو للحمد أهل، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله نبي الهدى والسلام والرحمة والعدل؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقى والنهى والتضحية والبذل وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى، وكونوا عباد الله إخواناً.

 

ما أعظم الفرق بين الثرى والثريا، وهل تستوي الجداول والأنهار؟ ما أظلم الناس حينما يقولون: أكرم الناس حاتم، وينسون أجود الناس ذلكم الجبل الأشم والنهر المتدفق من الرحمة والجود والكرم ذلكم هو النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم-.

 

لقد كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة.

 

كان أجود الناس بكل أنواع الجود؛ كان أجود الناس بالمال زكاةً وصدقةً، فكان يعطي عطاء مَن لا يخشى الفقر، وما سُئِلَ على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، أعطى رجلاً غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه قائلاً: "يا قوم أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة"، وكان لا يدخر شيئاً لغد.

 

إن الفقر معرَّة إذا لصقت بالإنسان أحرجته، وهبطت به دون المكانة التي كتب الله للبشر، وإنها لتوشك أن تحرمه الكرامة التي فضَّل الله بها الإنسان عن سائر الخلق، وإنه لعزيز على النفس أن ترى شخصاً مشقوق الثياب تكاد فُتُوقه تكشف سوءته أو حافي الأقدام أبلى أديم الأرض كعوبه وأصابعه، أو جوعان يمد عينيه إلى شتَّى الأطعمة ثم يردُّه الحرمان وهو حسير، والذين يرون هذه الصور المؤلمة ثم لا يكترثون بها ليسوا بمؤمنين، كيف والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، كيف ونحن نرى ونسمع من هذه الصور ما يؤلم القلب ويقرح العيون.

 

فما أحوجنا إلى الاقتداء به؛ فنبذل من أموالنا لنصرة ضعيف أو كفالة يتيم أو سعيًا على أرملة ومسكين أو إغاثة لملهوف، وإطعامًا لجائع ورعاية لفقير.

 

كان -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس في نفع الناس؛ مِن بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله -تعالى- في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع لهم بكل طريق؛ من إطعام جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم.

 

فيا أيها الصائم: هل خطر ببالِكَ هذا الشهرَ أن تكون جوادًا فتُواسيَ المسلمين وتتجاوز عن المَدِينِين؟ وترحم الفقراءَ قبل أن يسألوك؛ أم تنتظرُ إخوانَك المساكين حتى يستعطفوك

ماذا لو تأدَّبنا هذه الأيّامَ بأدبِ عبادِ الله الصالحين؟ وتنعَّمْنا بلذَّةِ مُواساةِ المساكين؟

 

مَنْ لِفقراء المسلمين في زمانِ الجشعِ والبخل بمثل مَن حكى عنه القشيري أنّ صديقاً دقَّ عليه الباب، "فلما خرج إليه قال: لماذا جئتني؟ قال: لأربعمائة درهمٍ دَيْنٍ ركِبَتْنِي؛ فدخل الدارَ  ووزن له أربعمائة درهم، وأخرجها إليه ودخل الدارَ باكياً، فقالت له امرأتُهُ: هلا تعلَّلْتَ حين شقَّتْ عليك الإجابة؟ فقال: إنما أبكي؛ لأنِّي لم أتفقدْ حالَهُ حتى احتاج إلى مفاتحتي به".

 

ولله دَرُّ مطرِّف بن الشخِّير، حيث قال لأصحابِهِ: "إذا أراد أحدُكم منِّي حاجةً فلْيرْفعْها في رُقعةٍ؛ فإنِّي أكره أن أرى في وجهِهِ ذُلَّ الحاجة".

 

كان -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالعفو والصفح وتحمل هفوات الناس وأخطائهم

تقول عائشة -رضي الله عنها- في وصفه -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح"، وكم في أقواله وأفعاله وسيرته من المواقف ما تعجز عن تسطيره الأسفار!

 

فما أجدرنا أن نتأسى برسولنا في هذا الجود! فنعفو عمن ظلمنا، ونحلم على من جهل علينا. كم في عالمنا اليوم من صور القطيعة والهجر والصراعات والنزاعات بين أخ وأخيه وبين ابن وأبيه وبين جار وجاره.

 

وكم في المسلمين من التقاطع والتدابر بسبب خلافات يمكن علاجها، وإزالة أسبابها؟! كم في القرابات والأرحام والأصهار من الشحناء والبغضاء، والحسد والهجران، بسبب إرث لم يُقسّم، أو مزارع ميتة لا تساوي شيئًا، يدفعون أضعاف أثمانها للغرباء عنهم، ويعزُّ على الواحد منهم أن يتنازل عن شبر واحد منها لقريبه، ولم تكن الأرض هي السبب، ولا الإرث هو المشكلة، إنْ هي إلا تعلات تجعل في الواجهة، وأعذار تبدى للناس عند المناقشة، ولكن المشكلة الحقيقية هي في قلوب امتلأت بالضغائن، واسودت بالأحقاد، فتمنى القريب معها لقريبه كل سوء، وحسده على كل خير.

 

ما أجمل أن نجعل من رمضان فرصة لنزع فتيل العداوات وتصفية القلوب من الشحناء؛ ألا تحبون أن يغفر الله لكم، إذن فاعفوا واصفحوا. ألا تودون عزًّا ونصرًا، فاعفوا واصفحوا؛ فما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا. ألا تودون سلامة لقلوبكم وراحة لأبدانكم وسعة لصدوركم، اعفوا واصفحوا فذاك هو الطريق لما تريدون.

 

هذا شهر الجود؛ فجودوا بأعراضكم لمن نال منها، وكونوا كعلبة بن زيد الأنصاري -رضي الله عنه- لَمَّا لم يجد ما يتصدق به فقال: "اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدّق بعِرْضي على مَن ناله مِن خلقك"، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مناديا فنادى: "أين المتصدق بعرضه البارحة"؟ فقام علبة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "قد قُبِلَتْ صدقتك".

 

إن قلوب العباد تُفْسِدها الضغائن والشحناء والحسد والأحقاد؛ حتى يشقى بها أصحابها في الدنيا، فلا يهنأون بعيش، ولا يرتاح لهم بال، ولا ترفع لهم أعمال، مع ما يفوتهم من الخير الكثير، بل ويفوتون الخير على غيرهم بسبب ما في قلوب بعضهم على بعض، ولتعلموا -يا مسلمون- أن ليلة القدر رُفِعَ العلم بها في سنة من السنوات بسبب خصومة وقعت بين رجلين؛ كما صح ذلك في الأثر وفي الحديث "تُعْرَض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله -عز وجل- لكل عبد لا يشرك به شيئًا إلا المتشاحنين، يقول الله للملائكة: ذروهما حتى يصطلحا"، و"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال".

 

اللهم ارزقنا الجود والكرم، وطهرنا من الشحناء. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد..

 

فيا أخي المسلم: إذا عزَّ الجود بالنفس، وهو أقصى غاية الجود وضعفت الهمم عن بلوغه. وإذا قلّت ذات يدك فلم تستطع أن تجود بمالك، فجُدْ بما تملك إن كنت ذا موهبة وطاقة فجُد بطاقتك ومواهبك في خدمة أمتك، وإن كنت من أهل القرآن فجُد بمقدرتك على حلقة تحييها، وجُدْ بوقتك على أبناء المسلمين تُعلّمهم كتاب الله.

 

وإن كنت من أهل الجاه والمكانة فجُدْ بجاهك في خدمة إخوانك واشفعوا تؤجروا وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً".

 

وإن كنت عالماً فجُدْ بعلمك وابذله لمن يسأله، ومَن صعب عليه الجود بماله فليَجُدْ بالصبر والاحتمال والإغضاء، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيّره من الحور العين يزوجه منها ما شاء".

 

وفوق الجود بالصبر جُود بالخلق والبِشْر والبسطة، وهو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم وهو أثقل ما يُوضَع في الميزان، و"لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط إليه".

 

وإن عز هذا وذاك فليكن جودك بتركك ما في أيدي الناس عليهم، فلا تلتفت إليه ولا تستشرف له بقلبك، ولا تتعرض له بحالك ولا لسانك، وقد قال ابن المبارك: "سخاء النفس عما في أيدي الناس أفضل من سخاء النفس بالبذل".

 

وأخيرًا: كان -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس في الدعاء للمسلمين، ورفع أكف الضراعة إلى الله بأن يهدي هذا وينصر ذاك، وينجي هذا ويفك أسر ذاك.

 

إنه النبي الرحيم الذي يستشعر رابطة الدين ووشيجة العقيدة هو القائل: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام"، إنه القائل: "اللهم اهد دوسًا وائت بهم"، إنه القائل: "اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار".

 

إنه النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ادخر دعوته شفاعة لأمته يوم القيامة؛ فما أحرانا أن نتأسى به -عليه السلام-، ونجود بالدعاء؛ إذ عز الجود بالنفس والمال نصرة لإخواننا المستضعفين وإظهارًا لروح التلاحم والتواد والتراحم.

 

اللهم صَلِّ وسَلِّم على عبدك ونبيك ورسوك وعلى آله وصحبه أجمعين.

المرفقات
m4CcjIZYrCAUQnAIAeNCoaAry7rRhbTsb2ctMW0P.doc
التعليقات
زائر
07-05-2021

ي سلااااام خطبه في الصميم ربنا يتقبل

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life