عناصر الخطبة
1/من صفات الحوض 2/من أسباب الورود على الحوضاقتباس
إِنَّهُ يَوْمُ العَطَشِ الأَكْبَر؛ حِيْنَ يَخْرُجُ النَّاسُ مِنْ قُبُوْرِهِمْ يَوْمَ القِيَامَة؛ وَيَحْصُلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الهَمِّ وَالغَمِّ، والكَرْبِ والعَرَقِ والحَرِّ؛ ما يَجْعَلهمْ في أَشَدِّ الضَّرُوْرَةِ إلى...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
عِبَادَ الله: إِنَّهُ يَوْمُ العَطَشِ الأَكْبَر؛ حِيْنَ يَخْرُجُ النَّاسُ مِنْ قُبُوْرِهِمْ يَوْمَ القِيَامَة، وَيَحْصُلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الهَمِّ وَالغَمِّ، والكَرْبِ والعَرَقِ والحَرِّ ما يَجْعَلهمْ في أَشَدِّ الضَّرُوْرَةِ إلى الماء؛ فَيَكُونُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ سَبَقَهُمْ إلى حَوْضٍ عَظِيمٍ، مَلِيءٍ بِمَاءٍ بَارِدٍ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ –أي سابِقُكُمْ إِلَيْه- مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا"(رواه البخاري ومسلم).
وَهَذَا الحَوْضُ مَوْجُودٌ الآن، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ"(رواه البخاري ومسلم).
وَبَشَّرَ -صلى الله عليه وسلم- المُؤْمِنِيْنَ "الَّذِيْنَ لَمْ يَرَوْه"؛ بِأَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ عِنْدَ حَوْضِه؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا"، قَال الصَّحَابَة: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟، قال: "بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ"(رواه النسائي وصحّحه الألباني).
وَمِنْ صِفَاتِ حَوْضِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أَنَّهُ حَوْضٌ وَاسِع؛ طُوْلُهُ شَهْر، وَعَرْضُهُ شَهْر، وآنِيَتُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ في اللَّمَعَانِ والحُسْنِ والكَثْرَة، وَمَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَن، وأَحْلَى مِنَ العَسَل، وأَطْيَبُ رِيْحًا مِنَ المِسْك، وأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْج، وهَذَا الحَوْضُ يَصُبُّ فِيْهِ مِيْزَابَانِ مِنْ نَهْرِ الكَوْثَر: أَحَدُهُمَا: مِنْ ذَهَب، والثَّانِي: مِنْ فِضَّة.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الوُرُوْدِ عَلَى الحَوْض: الثَّبَاتُ على الدِّيْن، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ"، فَأَقُوْلُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي"(رواه البخاري ومسلم)، وفي الحَدِيثِ الآخَر: "هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ"؛ فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا!"(رواه البخاري ومسلم).
قال القُرْطُبِي: "كُلُّ مَنِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ، أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ مَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ؛ فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ، وَأَشَدُّهُمْ طَرْدًا: مَنْ خَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا الظَّلَمَةُ الْمُسْرِفُونَ، وَالْمُعْلِنُونَ بِكَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْبِدَعِ".
وَمِنْ أَسْبَابِ الوُرُوْدِ عَلَى الحَوْض: الصَّبْرُ على أَذَى النَّاس! قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ"(رواه البخاري ومسلم). قال ابنُ عُثَيْمِينَ في مَعْنَى قَوْلِه: "سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً" -يُرِيْدُ بِذَلِكَ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ سَيَسْتَوْلِي وُلَاةٌ يَسْتَأْثِرُوْنَ بِأَمْوَالٍ المسلمين، وَيَمْنَعُوْنَ حَقَّهُمْ فِيْهَا؛ فَأَرْشَدَ -صلى الله عليه وسلم- إلى أَنْ يَصْبِرُوا وَلَوْ وَجَدُوْا الأَثَرَة؛ فَإِنَّ صَبْرَهُمْ على ظُلْمِ الوُلَاة؛ مِنْ أَسْبَابِ الوُرُوْدِ على الحَوْض"، قال ابنُ القَيِّم: "إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ يَسْتَأْثِرُونَ عَلَيْكَ -مَعَ كَوْنِكَ مِنْ أَهْلِ الْإِيثَارِ- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لِخَيْرٍ يُرَادُ بِكَ!".
وَمِنْ أَسْبَابِ الوُرُوْدِ عَلَى الحَوْض: المُحَافَظَةُ على الوُضُوْء؛ قال -صلى الله عليه وسلم- -في وَصْفِ مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْ اَتْبَاعِه-: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ"(رواه مسلم) والغُرَّة: بَيَاضٌ في وَجْهِ الفَرَس، والتَّحْجِيل: بَيَاضٌ في قَوَائِمِه.
وَمِنْ أَسْبَابِ الوُرُوْدِ عَلَى الحَوْض: الحَذَرُ مِنَ الظُّلْمِ أو الإِعَانَةُ عَلَيْه؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهَا سَتَكُونُ أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنَّي، وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ"(رواه أحمد وإِسْنَادُهُ صحيحٌ).
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
عباد الله: وُرُودُ النَّاسِ لِحَوْضِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَشُرْبُهُمْ مِنْهُ؛ بِحَسَبِ وُرُوْدِهِمْ على سُنَّتِه، وَالتَّمَسُّكِ بِشَرِيْعَتِه، قال ابنُ القَيِّم: "فَلَهُ -صلى الله عليه وسلم- حَوْضَانِ عَظِيمَانِ! حَوْضٌ فِي الدُّنْيَا: وَهُوَ سُنَّتُهُ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَحَوْضٌ فِي الْآخِرَةِ، فَالشَّارِبُونَ مِنْ هَذَا الْحَوْضِ فِي الدُّنْيَا: هُمُ الشَّارِبُونَ مِنْ حَوْضِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ! فَشَارِبٌ وَمَحْرُومٌ، وَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ، فَمَنْ ظَمِأَ مِنْ سُنَّتِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؛ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ ظَمَأً".
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْر.
وَصَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنِا مُحَمَّد، وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن
التعليقات