عناصر الخطبة
1/ تأملات في عظمة الله تبارك وتعالى 2/ وجوب حمد الله تعالى على كماله وجلاله وإنعامه 3/ تقصير العباد وغفلتهم عن حمد الله وشكره وتعظيمه.اهداف الخطبة
اقتباس
له الحمد؛ أسماؤه دالة على الحمد، صفاته دالة على الحمد، فِعَاله دالة على الحمد، آياته المتلوة والمشاهدة دالة على حمده، مخلوقاته دليل على حمده.. إن من تمام التقوى أن تكون حامدًا لربك فهو -سبحانه- يستحق الحمد؛ لأنه -جل في علاه- الذي خلق فسوَّى وعدلك هو -سبحانه- الذي يسمع الدعاء ويجيب المضطرين، وهو يهب لمن يشاء ذكورًا ، ويعطي من يشاء إناثًا، ويهب العقيم ويعطي المكلوم، ويرزق الصغير ويطعم الكبير...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: من منبر التوحيد والإيمان نتحدث في هذه الخطبة عن الحمد لله كما ورد في القرآن.
فنقول عباد الله: الحمد على الكمال لمن له الحمد، وهو على الدوام أهل لكل حمد، نحمده سبحانه؛ لأنه المحمود في كل زمان والمنزَّه عن كل نقص بأيّ حال ذي الجلال والإكرام، فله الحمد وهو المستحق للحمد؛ لأنه أرحم الراحمين وهو الموصوف بالحمد ولو جحده الجاحدون؛ لأنه رب العالمين وله الحمد في الدنيا والآخرة فهو مالك يوم الدين له الحمد؛ لأنه هادي المستهدين، له الحمد لأنه المنعم على المنعمين.
فله الحمد لأنه لا يغضب إلا على من يستحق الغضب من المخلوقين، وله الحمد لأنه لا يضل إلا من استحق الإضلال من العالمين، فله الحمد لربوبيته على العالمين خلقًا وإيجادًا وتربية وإنشاءً ورزقًا وتدبيرًا (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) [الأنعام:1].
فله الحمد لجميل فعاله وعظيم صفاته، وهو الخالق وحده -سبحانه- السماوات والأرض والظلمات والنور، وهو الموُجد للأشياء وحده وهو الحليم الغفور (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فاطر:1].
عباد الله: كيف يعبد العابدون مخلوقًا لا ينطق ولا يقدر ولا يرزق، ويتركوا توحيد الخالق القادر الرزاق (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [النحل:75].
كيف يُترَك القادر المحمود الذي ليس له وزير ولا مشير ولا ولد ولا والد، وهو القوي القدير ولا شريك له وهو السميع البصير ولا ولي له من خوف وذل؟! فكيف يُترك توحيده إلى وسطاء وشفعاء ومعبودين معه كانوا هم بحاجة إلى مشاورين ولهم أولاد وأولياء من الذل ووسطاء وشفعاء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء:111].
فحمد الله لذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه، (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجاثية: 36- 37]، (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التغابن:1].
الحمد لمن شرع الشرائع فأرسل الرسل وأنزل الكتب (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) [الكهف:1].
الحمد لمن ينجي من ظلمات البر والبحر، فنجى نوحًا ومن معه من المؤمنين (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون:28].
ونجا لوطًا ومن معه وأهلك الظالمين (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ * قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ –أي المحمود- خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل:59].
عباد الله : الحمد لمن؟ نعماءه سابقة وآلاءه عظيمة وآياته شاهدة (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل:93].
وهو -سبحانه- لو شاء لجعل آياته أكثر بين عباده فيؤمنوا به كما يؤمن النساء بالمشاهدات من مخلوقاته، ما أحد يشك أن السماء فوقه لأنه مريء مشاهد فهو -جل وعلا- بحكمة بالغة أنزل من الآيات ما دل على الغيبيات وله الحجة الكاملة (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام:149].
له الحمد؛ أسماؤه دالة على الحمد، صفاته دالة على الحمد، فِعَاله دالة على الحمد، آياته المتلوة والمشاهدة دالة على حمده، مخلوقاته دليل على حمده.
أيها المسلمون : لله الحمد؛ فهو المختار على الحقيقة والإطلاق وحده -تبارك وتعالى- (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص:68].
من الذي له الاختيار في الدنيا؟ لا أحد منا يملك يوم ولادته، ولا يوم وفاته، ولا صورته ولا شكله وربك المحمود (يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ).
فله الحمد على علمه ودلائل كمالاته، وله الحمد على تمام علمه وجمال صفاته (سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص: 68- 70].
فكيف لا يُحمد من علمه عن الشمول لا يقدر عليه الذهول؟! أم كيف لا يُحمد من الحكم إليه والمرجع إليه؟! (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 65].
عباد الله: الحمد لمن هو موصوف بالكمال، الحمد لله الحسن ملازم لفعاله في كل حال (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [العنكبوت:63].
كيف تنشغل عن حمده والأمكنة كلها تحمده؟! والأزمنة كلها منشغلة بحمده؟! (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) [الروم:18].
واعجباً كيف يُنسى الإله أو كيف يجحده الجاحدون؟! والكون كله بسمائه وأرضه بحمده شاهد (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [لقمان:25].
أنت أيها الحامد المقر بوحدانية المعترف بفضله المتعبد لإلهيته وحده لا شريك له لا تكون أبدًا كمن جعل له شركاء (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر:29].
رحماك يا حكيم يا خبير؛ يعيشون في ملكك وهم يعصونك بالأقوال والأفعال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [سبأ:1].
الحمد لله لمن يعلم وعلم ويرزق ويفضل (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) [النمل:15].
فاحمد الله يا عبد الله على خلقه إياك، ونعمته عليك، فأتم عليك العافية، وأتم عليك السمع والبصر والعقل والفؤاد والبصر، وجعلك مؤمنًا؛ فهي نعمة عظيمة من حمد الله -تبارك وتعالى- عليك، وأنت ينبغي أن تحمد الله دائما (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) [الأعراف: 43].
أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله محمود في كل حال، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات أحمده -سبحانه- وهو المعبود في السماوات والأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد:
عباد الله: فإن من تمام التقوى أن تكون حامدًا لربك فهو -سبحانه- يستحق الحمد؛ لأنه -جل في علاه- الذي خلق فسوَّى وعدلك هو -سبحانه- الذي يسمع الدعاء ويجيب المضطرين، وهو يهب لمن يشاء ذكورًا ، ويعطي من يشاء إناثًا، ويهب العقيم ويعطي المكلوم، ويرزق الصغير ويطعم الكبير، (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء) [إبراهيم:39].
ربنا -تبارك وتعالى- إذا شاء فبحمده لا أحد يخلف عن أمره (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء:52]. ذلك بأن له الحمد وله الملك.
إن من أعظم ما يتجلى فيه حمد ربنا -تبارك وتعالى-: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الزمر:75].
وحينها يحمده بعين اليقين الحامدون، فينادون ويدعون ويهللون (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:34].
يدخل الحامدون الجنة بحمد الله (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [الزمر:74].
ودعاء أهل الجنة في الجنة على الدوام (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
اللهم اجعلنا من عبادك الحامدين ..
التعليقات