عناصر الخطبة
1/كل ما شرعه الله لعباده فلحكمة 2/من تشريعات الإسلام لحماية المجتمع من الفساد 3/تحريم الإسلام للتبرج والسفور وأدلته 4/وجوب الاستسلام لشرع الله 5/أهمية الحجاب وفضائلهاقتباس
فالحجابُ دينٌ واعتقادٌ وعِبادةٌ, وليسَ مجردَ لباسٍ وعادة, ومعنى هذا أن تنفيذهُ على الوجه المطلوبِ واجبٌ شرعيٌ؛ تثابُ المحافِظةُ عليهِ أعظمَ الثواب، وتعاقبُ المقصِرةُ فيهِ عقاباً شديداً؛ ففي سورة النساء (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ العليِّ الكبير، العزيزِ القدير، العليمِ الخبير، (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11], وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ مطلقُ الأمرِ وكامِلُ التدبيرِ، (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)[البقرة: 107], وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، ومصطفاهُ وخليلهُ، خيرُ البريَّةِ وأزكاهَا، وأبرّهَا وأتقاهَا، وأطهرهَا وأنْقاهَا، وأصْدقُهَا وأنْصحُهَا وأوفاهَا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبهِ والتابعين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فأوصيكم -عبادَ اللهِ- ونفسي بتقوى اللهِ والعملَ بطاعته، والمجانبةَ لسخطهِ ومعصيتهِ، واستعِدُّوا -رحِمكمُ اللهُ- ليومٍ بضاعتُه الأعمالُ، وشهودُه الجوارِحُ والأوصالُ؛ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران: 30].
معاشرَ المؤمنينَ الكرام: من الأمور المستقرةِ في القلوبِ والعقول، أنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- لم يخلُق خلقهُ عبثاً ولم يتركْهم سُدًى؛ بل شرعَ لهم شريعةً كامِلةً شامِلة، رتّبت كلَّ شأنٍ من شؤونِ حياتَهم، ونظمتَ جميعَ علاقاتهِم ومُعاملاتهِم وعباداتهِم.
وممَّا استقرَّ في القلوب والعقولِ -أيضاً- أنَّ الخالقَ العظيمَ، والمشرعَ الحكيمَ -سبحانهُ-, إنما يُريدُ بعباده اليُسرَ، ولا يُريدُ بهم العُسرَ، وأنَّهُ ما جعلَ عليهم في الدين من حرجٍ, وأنَّ هذه التشريعاتِ الربانيةِ الحكيمةِ إنما هيَ حمايةٌ للمجتمع، وسدٌّ لأبواب الفتنةِ والفسادِ، ومحافظةٌ على صلاحِ الأُسر واستقامةِ الأفرادِ, ومُساهمةٌ في تكوينِ مجتمعٍ مُحافِظٍ؛ لا تُثارُ فيه الغرائزُ, ولا تُأجَّجُ فيه الشَّهَوات؛ لذا أَمَرَ الربُّ -تبارك وتعالى- الجانبَ الأضعفَ والأكثرَ عاطفيةٍ أن لا يَخْضعْنَ بالقول؛ (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)[الأحزاب: 32]، وأن لا يَتَبَرَّجْنَ تبرُّج الجاهليةِ الأولى، وأنْ يضْربْنَ بِخُمرهنَّ على جُيُوبهنَّ، ولا يُبْدينَ زينتهنَّ قدر استطاعتهن، وأمرَهن -تباركَ وتعالى- أن: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ)[الأحزاب: 59].
ونهى -صلى الله عليه وسلم- الرجالَ عن الدخول على النساء، حتى ولو كان أخَو الزَّوج وقريبه، وقال: "الحمو الموت"، وأمَرَ -صلى الله عليه وسلم- الجنسينِ بغَضِّ البصر، وأن لا تُتبعَ النظرةُ بالنظرةَ, وحذَّرَ -عليه الصلاة والسلام- أمَّتهُ عن كلَّ طريقٍ تُؤدِّي إلى الفاحشة، أو مُقدِّماتها؛ فحَرَّم الخلْوةَ بالمرأة الأجنبيةِ، ومَنَعَ سفَرَ المرأةِ بلا مَحْرمٍ، ونهى أن تخرجَ المرأةُ مُتَعَطِّرةً مُبدِيةً زينَتَها.
وجاءتْ نُصوصُ الشريعةِ واضحةً صريحةً تمنعُ السفورَ والاختلاط, واتَّفَقَتْ كلمةُ علماءِ الأمَّةِ الربانيينَ سلَفًا وخلفًا على تحريمه, واتضحَ لطالب الحقِّ، ولكلِّ عاقلٍ مُنصفٍ، أنَّ هذا هو حُكْمُ الله، وهذه هيَ شريعتهُ, وأظهرت حقائقُ الواقِع، وتجاربُ الآخرين أنَّ التبرجَ والاختلاطَ إذا حلَّ في مجتمعِ أمرضَ قلوبَ أهلِهِ، وأماتَ حياءهُم، وقتَلَ غَيْرَتهُم، وهدمَ أخلاقَهُم، ونشرَ بينهم الفواحِشَ والموبِقاتِ، والأمراضَ المهلِكات, وصدقَ المولي الكريم: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الإسراء: 16], وقال -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور: 19].
ولا شك -يا عباد الله- إن اعتيادَ المسلمِ على رُؤيةِ مناظرِ التبرجِ والسفور، يُهوِّنُ في نفسهِ هذا المنكرَ العظيمَ ويُخفِفُهُ؛ بل ويحولهُ من معصيةٍ قبيحةٍ إلى أمرٍ عاديٍّ لا حرجَ فيه, بل ربما انحدرَ التهوينُ والتَّسهيلُ إلى تسويغٍ وتحليل؛ فيُجيزُونَ للمرأة السفرَ بلا محرم، ويبيحُونَ اختلاطها بالأجانب، ويزعمُونَ أنَّ الحجابَ عادةٌ وليسَ عِبادة، ويحلِّلونَ ويحرِّمُون على هواهم، ويحرِّفُونَ الكلِمَ عن مواضِعه، ويقولُونَ على الله بغير علمٍ, عياذاً باللهِ!.
فيا طالب الحقِّ، ويا أيُّها العاقِلُ المنصف: تأمَّل جيداً؛ فاللهُ -تباركَ وتعالى- يأمرُ المرأةَ المسلمةَ بأن تُطِيلَ لباسها شبراً أو ذراعاً؛ حتى تُغطي كُلَّ بدنها وإلى أخمُصِ قدميها، بل وينهاها -جلَّ وعلا- عن مُجردِ الضربِ بقدمِها؛ لكي لا يُسمعَ صوتُ مِشيتِها، وينهاها -تبارك وتعالى- عن التَّعطُرِ لكي لا يشمَّ الرجالُ رائِحتها، ويأمُرها -سبحانه- بعدم الخضوعِ في القول؛ لكي لا يطمعَ بها من في قلبهِ مرض، وينهاها -عزَّ وجلَّ- عن إبداءِ زينتِها قدرَ استطاعتها، ويأمرَها -جلَّ وعلا- أن تضربَ بخمارها فتنزلهُ من فوقِ رأسِها حتى يُغطي صدرها مُبالغةً في الحشمة والستر, فكيف يجوز لها بعد كُلِّ هذا أن تكشفَ وجهها؟! وأيُّ زينةٍ تستُرها إن لم تسترُ وجهها، وهو مجمعُ الحسنِ, وأكثرُ ما يجذبُ النظرَ إليها؟!.
تأمَّل أيضاً قولَ الحقَّ -جلَّ وعلا-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب: 53]؛ فهذا الخطاب الرباني الكريم موجهٌ لأطهرِ هذه الأمَّةِ قلوبًا، وأكثرِهِم تقوىً وصلاحاً, ونبيُهم حيٌّ بين أظهرهم -صلواتُ ربي وسلامهُ عليه ورضي الله عنهم وعنهنَّ أجمعين-؛ فكيف الشأنُ بمَن هو دونهم؟!.
تأمَّل -أيضاً- قولَ الخالقِ العظيم والمشرعِ الحكيم: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)[النور: 30]، وفي الآية التي بعدها: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)[النور: 31]، وفي الصحيحين يقولُ -عليه الصلاة والسلام-: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ", فلو كانَ السفورُ والاختلاطُ وكشفُ الوجهِ جائزاً في الشَّرع؛ لكانَ في هذه الأوامرِ تكليفٌ بما لا يُطَاق.
تأمَّل -أيضاً-: ففي صحيح البخاري أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابتهُ الكرام كانوا لا ينصرفونَ من المسجد إلى بيوتهم إلا بعد انصرافِ النساء أولاً؛ وذلك حتى لا يختلطوا في الطريق, فإذا كان هذا في حقِّ الصحابةِ الأخيار، وعقِبَ عبادةٍ جليلة، فكيفَ بغير ذلك من الأحوال، وبغيرهم من النساء والرجال!.
تأمَّل -أيضاً-: ففي صحيحِ مُسلم يقول -صلى الله عليه وسلم-: "خيرُ صُفُوف الرِّجالِ أَوَّلها, وشَرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النِّساء آخرُها, وشَرُّها أوَّلها", هذا في داخل المسجد، وهو مظنةُ الأمانِ والطمأنينةِ وقوةِ الإيمان، ومع ذلك فقد سُدَّت فيه الذرائع، واغلقت منافذُ الفتنة؛ بل وحتى في صحنِ البيتِ العتيق، وبجوار الكعبةِ المشرفة، وأثناءَ عبادةٍ من أجلِّ العباداتِ، وهي عبادةُ الطواف، ورغمَ مشقةِ التحرزُ من الاختلاط، يقول -عليه الصلاة والسلام- لزوجته أُم سلمةَ -رضي الله عنها-: "طُوفِي من وراء الناسِ وأنتِ راكِبَةٌ".
إنها -يا عباد اللهِ- نُصوصٌ صحيحةٌ صريحةُ، دِلالاتها واضحةٌ مُحْكَمَةٌ، فهل يَلِيقُ بالمؤمن والمؤمنةِ أن ينساقوا وراء دعواتٍ مُضللة؛ فيتساهلوا في الستر والحشمةِ والحجاب؟! كيف وربنا -جلَّ وعلا- يقول: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65]، ويقول -تبارك وتعالى-: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 26 - 28].
أقول ما سمعتم, وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولوالديكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلاماً على عبادةِ الذين اصطفى.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
معاشرَ المؤمنين الكرام: يقولُ الحقُّ -جلَّ وعلا-: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)[الأنعام: 116], ومع الأَسَف الشديد فإنَّ أكثرَ وسائلِ الاعلامِ تُرَبِّي المُتَلَقِّي على التَّمَرُّدِ على شرعِ اللهِ -تعالى-، وانتهاكِ حُرُماتهِ، ومخالفةِ أوامرهِ ونواهيهِ, ألا وإنَّ من دلائِل صدقِ الإيمانِ وقوته، استسلامُ المؤمنِ لأمر اللهِ ونهيهِ في الأمور كلها، وتقديمِ قولِ اللهِ وقول رسولهِ على أقوالِ أياً مَن كان؛ (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[النور: 51].
والمرأةُ المؤمنةُ بربِّها، المستمسكةُ بدينها، الملتزِمةُ بحجابها، تقولُ بلسان حالها: لبيك يا ربّ لبيك، سمعتُ أمرك واطعت، ورضيتُ بحُكمك وأذعنت، واستسلمْتُ لك واستجبتُ؛ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[الأحزاب: 36].
نعم -يا عباد الله- فالحجابُ دينٌ واعتقادٌ وعِبادةٌ, وليسَ مجردَ لباسٍ وعادة, ومعنى هذا أن تنفيذهُ على الوجه المطلوبِ واجبٌ شرعيٌ؛ تثابُ المحافِظةُ عليهِ أعظمَ الثواب، وتعاقبُ المقصِرةُ فيهِ عقاباً شديداً؛ ففي سورة النساء: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النساء: 13، 14].
الحجابُ -أيها الكرام- ثغْرٌ من ثُغُور الإسلام، والمحافظة عليه جِهادٌ ورباطٌ في سبيل الله، وذبٌ عن حِمى الإسلام، ودفاعٌ عن شعيرةٍ من شعائرهِ العِظام؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران: 200], وفي الحديث الصحيح: "سيأتي زمانٌ القابضُ على دينهِ كالقابض على الجمر".
الحجابُ -أيُّها المؤمنون- اعلانٌ وتوضيح، يُفهمُ منهُ كما يُفهمُ من لباس الدبلوماسي، وبدلةِ العسكري، وبالطو الطبيب وغيرهم من الشخصيات المعتبرة, فالحجابُ إعلانٌ بأنَّ من ترتديهِ مٌسلمةٌ مُحافظة، مُعروفةٌ بالعفةِ والحشمة، لا يُسمحُ بأذيتها ولا يُطمعُ في النيلِ منها؛ (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب: 59], فهي معروفةٌ بلباسها المحتشم فلا تُؤذَى.
الحجابُ -أيها الأحباب- عزٌّ وشرفٌ وكرامة، ورمْزٌ للعفةِ والحِشمة والطهارة، ومظنةٌ للبعد عن الريبةِ والشُبهةِ وسوءِ الظنِّ، ودليلٌ على الالتزام بالدين والثباتِ على قِيمه ومبادئهِ؛ (يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف: 26].
الحجابُ -يا عباد الله- مَعلمٌ من معالم شريعتنا، وتميزٌ للشخصية المسلمة؛ (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)[المائدة: 48].
الحجابُ -معاشر المؤمنين والمؤمنات- تمحيصٌ وابتلاء، وتمييزٌ للصف واصطفاء؛ (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)[الأنفال: 37], (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الأنفال: 42]، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[التوبة: 115].
الحجابُ -حفظكم الله- سترٌ في الدنيا والآخرة؛ (يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الأعراف: 27]، وفي صحيح مسلم, قال -صلى الله عليه وسلم-: "صنْفان من أهل النار لَم أرهما"؛ وذكر منهما: "ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ".
فيا عباد الله: لئن فُتحت أبوابُ الحريةِ على مِصراعيها، وزالت رقابةُ البشرِ وحُدودِهم, ولئن حصلَ تساهُلٌ كبيرٌ في الحجابِ، وانساقَ الكثيرونَ نحو السفورِ والتبرجِ والاختلاط, فستبقى حُدودُ اللهِ كما هيَ, وسيظلُ الخطأُ خطأً ولو كثرُ الواقِعون فيهِ، وسيظلُ الباطلُ باطلاً ولو زيَّنهُ المبطلونَ بزُخْرُفِ القولَ وغرورهِ, وسيظلُ الواجبُ واجباً ولو قلَّ فاعِلوه والآمِرونَ بهِ.
ولن يكونَ انتشارُ الباطلِ وتمكُنِ أهلهِ، وغُرْبَةُ الحقِّ وضعفُ أهلهِ مُسوغاً ولا نافعاً لأهل الباطل يومَ القيامة؛ (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[البقرة: 166، 167].
فاتقوا الله -عباد الله-، و(قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أدم علينا أمننا وعافيتنا, وارفع عنا وعن المسلمين البلاء والمرض, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
التعليقات