عناصر الخطبة
1/الصدق مع الله ومع خلقه 2/أهمية الصدق وفضله 3/قصة كعب بن مالك وصاحبيه وما وبعض فوائدها
اقتباس
أيها المسلمون: إن الصدق بجميع أنواعه محمود. إن الصادق محبوب إلى الله وإلى الخلق. إن الله يرفع ذكره، ويزيد أجره، وإن أبين دليل على ذلك ما يحصل من ثناء الناس على الصادقين في حياتهم وبعد مماتهم. أخبارهم مقبولة، وأمانتهم موثوقة، قد ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر بالصدق جميع المؤمنين، ورفع ذكر الصادقين بين العالمين، وأهان الكاذبين، ووضع ذكرهم في الأسفلين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحكم العدل، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل الصادقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وكونوا مع الصادقين.
اصدقوا مع الله، واصدقوا مع عباد الله: "فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا"[مسلم (2607) الترمذي (1971) أبو داود (4989) أحمد (1/432)].
أيها المسلمون: إن الصدق بجميع أنواعه محمود.
إن الصادق محبوب إلى الله وإلى الخلق.
إن الله يرفع ذكره، ويزيد أجره، وإن أبين دليل على ذلك ما يحصل من ثناء الناس على الصادقين في حياتهم وبعد مماتهم.
أخبارهم مقبولة، وأمانتهم موثوقة، قد أفلح الصادقون، وخاب الكاذبون.
هذا كعب بن مالك -رضي الله عنه- صدق الله ورسوله، فرفع الله ذكره، وأنزل في شأنه قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة: "تخلف -رضي الله عنه- عن غزوة تبوك، فلم يخرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا عذر، فلما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء المتخلفون من أهل النفاق يعتذرون كذبًا، فيعذرهم، ويكل سرائرهم إلى الله.
ثم جاء كعب فتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه تبسم المغضب، وقال له: ما خلفك؟ فقال: والله لقد علمت لو حدثتك اليوم بحديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك بصدق تجد عليّ فيه، إني لأرجو عقبى ذلك من الله -عز وجل-، والله ما كان لي من عذر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك".
وكان معه رجلان من المؤمنين تخلفا بدون عذر، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس عن كلامهم، قال كعب -رضي الله عنه-: فاجْتَنَبَنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، ولقد كنت أطوف في الأسواق فما يكلمني أحد، وآتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم عليه، وأقول في نفسي أحرك شفتيه برد السلام عليّ أم لا، حتى إذا طال ذلك عليّ من هجر المسلمين تسلقت حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه، فو الله ما رد عليّ السلام، فقلت: يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت فأعدت عليه، فسكت ثم أعدت فسكت، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، وتوليت.
فبينما أنا أمشي في أسواق المدينة إذا بنبطي معه كتاب من ملك غسان، فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك فالْحَقْ بنا نواسك، أي نجعلك مثلنا، فقلت: وهذا من البلاء فقصدت به التنور فسجرته به، وصدق كعب إن هذا من البلاء والامتحان، ولكن الإيمان الراسخ في قلب كعب، والصدق الثابت في عقيدته، منعاه أن يستجيب لهذه الدعوة المغرية التي جاءت في وقت مناسب، لولا تثبيت الله لكعب بن مالك على أنه -رضي الله عنه- كان في ذلك الوقت في أعز شبابه ابن ثلاث وثلاثين سنة، قال كعب فلما مضت أربعون ليلة، إذا برسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتيني، يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: اعتزلها ولا تقربها، فقلت: لامرأتي الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء.
فلبثنا عشر ليال، حتى كمل لنا خمسون ليلة، فبينما أنا جالس على ظهر بيت من بيوتنا على الحال التي ذكر الله قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صارخًا على جبل سلع، يقول بأعلى صوته: أبشر يا كعب بن مالك، فخررت ساجدًا لله، عرفت أن الله قد جاء بالفرج بالتوبة علينا، وانطلقت أقصد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتلقاني الناس فوجًا فوجًا، يهنئوني بتوبة الله، حتى دخلت المسجد، فسلمت على النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس حوله، فقال وهو يبرق وجهه من السرور: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك".
قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: "من عند الله" قلت: يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت، فوالله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي"[البخاري (4156) مسلم (2769) أحمد (6/390)].
أيها المسلمون: هذه والله الغبطة والنعمة والفائدة الكبيرة، انظروا إلى هؤلاء الثلاثة الذين صدقوا، فأدبهم الله بهذا الهجر من رسوله وأصحابه، وانظروا إلى هذا الإيمان التام من الصحابة هجروا أقاربهم، وبني عمهم امتثالًا لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى إذا ضاقت الحال، وتراكمت الكربات، جاء الفرج من الله، فتاب عليهم، وأعلنت توبتهم في كتاب الله تتلوها الأمة إلى يوم القيامة.
أما الذين نافقوا، وكذبوا، فأنزل الله فيهم: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)[التوبة: 95 - 96].
أيها المسلمون: اعتبروا بهذه الآيات، وانظروا ما تختارون لأنفسكم، فلن يرضى المؤمن إلا أن يكون من الصادقين المتقين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ... إلخ ...
التعليقات