اقتباس
الحب والعشق
الحب والعشق – محمد صالح المنجد
هل إذا أحبت فتاةٌ فتًى من بعيد قد تكون ارتكبت إثما ؟
جاءت الشريعة بالنهي عن أبواب الشر والإثم، وحرصت على سد كل ذريعة إلى فساد القلوب والعقول، والعشق والحب والتعلق بين الجنسين من أعظم الأدواء وأخطر الآفات؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/129): "والعشق مرض نفساني، وإذا قوي أثَّر في البدن، فصار مرضا في الجسم: إما من أمراض الدماغ، ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي، وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك " انتهى.
ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى " (10/132):
" عشق الأجنبية فيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها، ثم قد تفسد عقله ثم جسمه " انتهى.
ويكفي أن نعلم أن من مضار الحب والعشق للجنس الآخر، أسر القلب وعبوديته لمحبوبه، فالحب باب ذل ومسكنة ونصب، وكفي بذلك مُنَفِّرًا من هذا المرض.
ويقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/185): "الرجل اذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها، تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو في الظاهر سيدها، لأنه زوجها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، لا سيما إذا دَرَت بفقره إليها، وعشقه لها، فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن " انتهى.
والتعلق بالجنس الآخر لا يصيب قلبا ملأه حب الله تعالى، إنما يصيب قلبا فارغا ضعيفا مستسلما فيتمكن منه، فإذا قوي واشتد فقد يغلب على حب الله ويخرج بصاحبه إلى الشرك.
ولهذا قيل: إن الهوى حركة قلب فارغ؛ فالقلب إذا فرغ من محبة الرحمن عز وجل وذكره، والتنعم بمناجاته وكلامه سبحانه، امتلأ بمحبة النساء، والتعلق بالصور، وسماع الغناء.
يقول شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/135):
" إذا كان القلب محبا لله وحده مخلصا له الدين، لم يبتل بحب غيره أصلا، فضلا أن يبتلى بالعشق، وحيث ابتُلي بالعشق، فلنقص محبته لله وحده ؛ ولهذا لما كان يوسف محبا لله مخلصا له الدين، لم يبتل بذلك، بل قال تعالى: ( كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ، إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ )، وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها، فلهذا ابتليت بالعشق " انتهى.
فالواجب على المسلم أن ينجو بنفسه من هذه المهلكة، ولا يقصر في حمايتها والخلاص بها، فإن قصَّرَ في ذلك، وسلك سبل التعشق، بمداومة النظر المحرم، وسماع المحرم، والتساهل في مخاطبة الجنس الآخر ونحو ذلك، فأصابه الحب أو العشق، فهو آثم معاقب على فعله.
وكم من الناس ممن تساهل في مبادئ ذلك الداء، وظن أنه قادر على أن يخلص نفسه متى أراد، أو أن يقف عند حد لا يتعداه، حتى إذا استحكم به الداء، لم يفلح معه طبيب ولا دواء، كما قال القائل:
تولع بالعشق حتى عشق****فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة ****فلما تمكن منها غرق
يقول ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147): " فمتى كان السبب واقعا باختياره لم يكن معذورا فيما تولد عنه بغير اختياره، فمتى كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا، ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنزلة شرب المسكر، فهو يلام على السبب " انتهى.
فإن حرص على الابتعاد عن أبواب هذا المرض الخطير، فَغض بَصَرَه عن مشاهدة المحرمات، وأغلق سمعَه عن سماعها، وصرف خواطر قلبه التي يقذفها الشيطان فيه، ثم بعد ذلك أصابه شيء من شرر هذا المرض، بسبب نظرة عابرة، أو معاملة كانت في الأصل جائزة، فتعلق قلبه بامرأة، فليس عليه إثم في ذلك إن شاء الله، لقوله تعالى: ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا ).
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (11/10): " فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله "روضة المحبين" (147): " إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
ولكن عليه أن يعالج قلبه بالانقطاع عن أثر ذلك المحبوب، وبملء القلب بحب الله سبحانه والاستغناء به، ولا يستحي أن يستشير أهل الفطانة والأمانة من الناصحين، أو يراجع بعض الأطباء والمستشارين النفسانيين، فقد يجد عندهم شيئا من العلاج، وهو في ذلك صابر محتسب يعف ويكتم، والله سبحانه وتعالى يكتب له الأجر إن شاء الله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر، فإنه يثاب على تقواه لله، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا، وكتم ذلك فلم يتكلم به، حتى لا يكون في ذلك كلام محرم، إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوع طلب للمعشوق، وَصَبر على طاعة الله وعن معصيته، وعلى ما في قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فان هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، ( إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ ) انتهى.
والله أعلم.
التعليقات