الحب قبل الزواج أم بعده؟ - عبدالله الجعيثن

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات:

اقتباس

الحب قبل الزواج أم بعده؟

الحب قبل الزواج أم بعده؟ - عبدالله الجعيثن

صحيفة الرياض - الاثنين 12 جمادى الأولى 1439هـ -29 يناير 2018م

 

يقولون إن المحبين نيام فإذا تزوجوا استيقظوا.. بمعنى أن الحب يقضي على الزواج..

 

وهذا قول متشائم.. وغير صحيح.. أو أنه يصف شيئاً غير الحب الحقيقي.. فإن حبا يزول بعد الزواج لم يكن في واقع الأمر حبا في يوم من الأيام.. وإنما هو نزوة أو مجرد شهوة عابرة.. أو وهم من الأوهام..

 

في كل الأحوال فإن الحب الذي يتبخر بعد الزواج لم يبن على أساس.. ولذلك فإنه ينهد.. فهو يشبه البناء الذي أقيم على غير قواعد.. أو شيِّد على جرفٍ هارٍ لا يحتمل..

 

@@@

 

وعن الحب قبل الزواج أو بعده يفضل كثيرون الحب بعد الزواج.. وأفضل شخصياً الحب قبل الزواج.. بشرط أن يكون حبا لا مجرد إعجاب أو وهم من الأوهام..

 

فإذا لم يكن هناك حب قبل الزواج.. فمن يضمن أن يأتي الحب بعد الزواج؟ ومن يتحمل نتائج تلك المغامرة الخطيرة؟

 

إن الذين يفضلون الحب بعد الزواج يفترضون أنه - أي الحب - سوف يأتي الزواج، وهو افتراض خطير، لا يصدق في أكثر الحالات..

 

هذا عن الموضوع بشكل عام..

 

أما من حيث الحالات الفردية فإن الحب إذا تم بعد الزواج يكون أقوى وأبقى ويكون مبنياً على الحقائق.. أما مجرد الحب قبل الزواج فقد يكون مبنياً على الخيالات وتوهم محاسن في الطرف الآخر لن يجدها الذي تخيلها بعد أن يتزوج..

 

وهنا تكون صدمة..

 

وقد يبدو في قولنا تناقض.. فقد فضلنا الحب قبل الزواج على الحب بعده ثم ذكرنا أن الحب بعده يكون أقوى وأبقى، ولا تناقض في هذا، لأن الحب الذي يتم بعد الزواج قد تم قبله في الواقع ولكن الظروف لم تتح له الظهور، فالحب الحقيقي هو الحب، والوهم يظل وهما، ومحظوظ جداً من يجد الحب بعد الزواج مع أنه تزوج بناء على الحظ وحده، ولكننا لا نستطيع أن نبني الآراء على الحظ، فمن ينتظر مائدة الحظ يمت جوعاً..

 

وبمعنى آخر فإن الذي يتزوج وهو لم يجد الحب فمن يتزوجها مقدماً، يغامر، فقد يجده بعد الزواج أو لا يجده، وعدم وجوده أقرب، والآراء لا تبنى على نتائج المغامرات حين تنتهي سعيدة، والمثل الشعبي يقول: "لا تمدح مخاطراً ولو سلم"..

 

@@@

 

ومع هذا فإن هنالك كثيرين يتزوجون عن حب قوي، ومتبادل، ثم يفتر حبهم بعد الزواج بشكل لا يطاق، وقد يموت ذلك الحب وينتهي بالطلاق، أو يستمر الزواج على ألم وشقاء..

 

والسبب في هذا على ما أعتقد هو السحب من رصيد الحب بدون الإضافة إليه، وأي رصيد يسحب منه بدون أن يضاف إليه.. ينتهي..

 

إن الاعتقاد بمجرد "العشق" قبل الزواج يعني رصيداً لا نهائياً من البهجة والمتعة والوئام بعد الزواج اعتقاد خاطئ تماماً وخطير، ويدل إما على الأنانية، أو على الجهل، أو على عدم النضوج، وكلها لا تصلح لاحتضان الحب واستمرار الحياة في أوصاله، فضلاً عن نموه وازدهاره..

 

فإن الحب قبل الزواج يشبه الأمل، وبعد الزواج يشبه العمل، بمعنى أن يعمل الزوجان بتصميم وإرادة على إنجاح ذلك الحب وتغذيته بمختلف المشاعر الجميلة والتصرفات اللائقة به والإضافات التي تعوضه عن خروجه من عالم الأحلام إلى عالم الواقع وكأن تلك الإضافات مظلة تحميه من الشمس والمطر، أما أن يعتمد المحب على أنه "أحب" ويريد أن يجد ثمار هذا الحب في الزواج يانعة دائمة الخضرة، بدون مجهود، وكأن الحب نفسه هو كل المجهود، فهذا وهم.. وأنانية.. وجهل بواقع النفس والحياة والاجتماع البشري..

 

الحب يشبه الرصيد في البنك: خد منه وأضف إليه واستثمره وثمره واجعله ينمو..

 

أما الذي يكتفي بالأخذ فقط فإنه سائر في طريق الإفلاس..

 

والحب يشبه الحديقة اليانعة، وقد صارت هذه الحديقة ملكك، فالذي يكتفي بالتنزه فيها والاستمتاع بها ويريد استمرار هذا الاستمتاع بدون مجهود فإنه جاهل مركب..

 

ومع بداهة هذا الأمر فإن كثيرين يمارسونه في حياتهم الزوجية، يريدون أن يأخذوا دون أن يعطوا، وبعضهم يبلغ به الحمق أن يعتقد داخلياً أن الأخذ هنا يعني العطاء، قد أعمته أنانيته!

 

@@@

 

الحب قبل الزواج شوق وتطلع وحماسة وخيال وعذاب وباقة من هذه المشاعر.. والحب بعد الزواج عمل وعطاء ونية طيبة وبرنامج يومي يفترض أن يتسابق فيه الاثنان لاسعاد بعضهما، فإن من يسابق الآخر لاسعاده كأنما هو في الواقع يسرع إلى إسعاد نفسه..

 

أما الأنانية فهي عدو الحب رقم واحد.. وعدو الزواج.. وعدو كل علاقة جميلة في هذه الحياة..

 

@@@

 

إن الحب الذي يأتي بعد الزواج يجعلنا نتنفس الصعداء وكأنما نجحنا في الامتحان، ولكنه - في الواقع - كان حبا قبل الزواج أيضاً، وكانت المصادفة طيبة والحظ سعيداً ليس أكثر.. ولكن تنفسنا الصعداء سروراً وارتياحاً لا يعني الركون إلى هذه الراحة فحديقة الحب تحتاج إلى رعاية يومية وري وعناية، كما أن ظفرنا بشهادة النجاح لا يعني أننا تخرجنا من مدرسة الحب ولم نعد نحتاج للمذاكرة والمثابرة والجهد.. كلا.. فهذه المدرسة تفتح أبوابها كل يوم.. لا تغلق أبداً.. ولا تزال تحتاج إلى الإرادة والمثابرة والجهد.. وهي تستحق ذلك.. وأكثر..

 

شهادة النجاح بداية العمل لا نهايته!

 

@@@

 

ورود من حديقة الحب

 

(1)

 

"ما كنتُ أعرفُ أنني

 

سأكون كالطفل الحيي

 

ويخور عزمي لحظة

 

وأصير أبكم لا أعي

 

ويخور مني ساعدي

 

فأكون كالجسم العيي

 

حتى لقيتك صدفة

 

هل صدفة أن نلتقي؟!

 

د. إبراهيم العواجي

 

(2)

 

"أي سر فيك إني لست أدري

 

كل ما فيك من الأسرار يغري

 

خطر ينساب من مفتر ثغر

 

فتنة تعصف من لفتة نحر

 

قدر ينسج من خصلة شعر

 

زورق يسبح في موجة عطر

 

في عباب غامض التيار يجري

 

واصلاً ما بين عينيك وعمري

 

د. إبراهيم ناجي

 

(3)

 

"أنا أنثى فاغتفر للقلب زهوه

 

كلما دغدغه همك:

 

في عينيك عمق

 

أنت حلوه!"

 

فدوى طوقان

 

(4)

 

"يا رب لا تحرمني حبها أبداً

 

ويرحم الله عبداً قال آمينا..!"

 

مجنون ليلى

 

(5)

 

"أيا من كان لي بصراً وسمعاً

 

وكيف الصبر عن بصري وسمعي

 

يقول العاذلون: نأت فدعها

 

وذلك حين تهيامي وولعي

 

أأهجرها وأقعد لا أراها

 

وأقطعها وما همت بقطعي؟

 

وأقسم لو حلمت بهجر هند

 

لضاق بهجرها في النوم ذرعي!"

 

عمر بن أبي ربيعة

 

(6)

 

"صافية أراك يا حبيبتي كأنما كبرت

 

خارج الزمن

 

وحينما التقينا يا حبيبتي أيقنت أننا

 

مفترقان

 

وأنني سوف اظل واقفاً بلا مكان

 

لو لم يعدني حبك الرقيق للطهارة

 

فنعرف الحب كغصني شجرة

 

كنجمتين جارتين

 

كموجتين توأمين

 

مثل جناحي نورس رقيق

 

عندئذ لا نفترق

 

يضمنا طريق

 

يضمنا طريق.."

 

صلاح عبدالصبور

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life