عناصر الخطبة
1/حكمة الله في تقدير أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر 2/تفاوت الجزاء على الذنوب بحسب تفاوت الذنوب 3/بعض صور ومظاهر الجزاء من جنس العمل في الخير والشر 4/ابتلاء الأمة بالحكام الظلمة وخطر الانقلابات العسكريةاهداف الخطبة
اقتباس
اعلموا أن الله بحكمته قضى أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر؛ ليُعرِّفَ العبادَ أنه حليم عليم، رؤوف رحيم، وليرغبوا في الخير ويحذروا من أسباب العذاب الأليم: (جَزَاءً وِفَاقًا) [النبأ: 26]. فالذنوب تتفاوت، والجزاء عليها كذلك يتفاوت، فأصحاب السيئات سيجازون بما يسوؤهم. فالسيئة بالسيئة، وأهل الرحمة سيرحمون. والجزاء من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي من حكمته جعلَ الجزاء من جنسِ الأعمال، وأرى العباد من ذلك نموذجا ليحدوهم به إلى أكمل الخصال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكرم والجلال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فاق الخلق في كل كمال، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل.
أما بعد:
أيها الناس: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
واعلموا أن الله بحكمته قضى أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر؛ ليُعرِّفَ العبادَ أنه حليم عليم، رؤوف رحيم، وليرغبوا في الخير ويحذروا من أسباب العذاب الأليم: (جَزَاءً وِفَاقًا) [النبأ: 26].
فالذنوب تتفاوت، والجزاء عليها كذلك يتفاوت: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].
فأصحاب السيئات سيجازون بما يسوؤهم: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) [الروم: 10].
فالسيئة بالسيئة: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا).
وأهل الرحمة سيرحمون، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" [سنن أبي داود (4941)، سنن الترمذي، ت شاكر (1924)، الصحيحة (925)].
"أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51]. وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 172].
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟" [مسلم (1015)].
والجزاء من جنس العمل.
إن الله طيب لا يقبل من الأعمال والأقوال والنفقات إلا طيبا خالصا، ف "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: "أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ، فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِيَ شَرِيكًا فَهُوَ لِشَرِيكِي" يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, فَإِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ إِلا مَا أُخْلِصَ لَهُ, وَلا تَقُولُوا: هَذَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ؛ فَإِنَّهَا لِلرَّحِمِ وَلَيْسَ لِلَّهِ مِنْهَا شَيْءٌ, وَلا تَقُولُوا: هَذَا لِلَّهِ وَلُوُجُوهِكِمْ؛ فَإِنَّهَا لِوُجُوهِكِمْ وَلَيْسَ لِلَّهِ مِنْهَا شَيْءٌ" [رواه الدارقطني في سننه (1/ 77) (133) واللفظ له، والبزار بإسناد لا بأس به، والبيهقي، صحيح الترغيب (1/ 3) (7) والصحيحة (2764)].
والجزاء من جنس العمل.
إن أهل الكرم والجود وأرباب الأخلاق العالية؛ يجزون من جنس أعمالهم، ف "إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ؛ يُحِبُّ الكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا" [سكت عنه الذهبي في التلخيص، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 111) (151) الصحيحة (1378)].
و "إِنَّ اللهَ جَوَادٌ؛ يُحِبُّ الْجُودَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفَافَهَا" [شعب الإيمان للبيهقي (13/ 287) (10346) وحلية الأولياء لأبي نعيم (5/ 29) الصحيحة (1627) صحيح الجامع (1744)].
و "إنّ الله كَرِيمٌ؛ يُحِبُّ الكُرَماءَ، جَوَادٌ؛ يُحِبُّ الجَوَدَةَ، يُحِبُّ مَعالِيَ الأَخْلاقِ، ويَكْرَهُ سَفْسافَها" [ابن عساكر والضياء، الصحيحة (1378 و1626)].
والجزاء من جنس العمل.
واعلموا أنه ما نقصت صدقةٌ من مالٍ بل تزيده، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عِزًّا، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ" قَالَ: "مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا؛ إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ؛ إِلاَّ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ" أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا [سنن الترمذي، ت شاكر (4/ 562)(2325) صحيح الترغيب والترهيب (1/ 5)(16)].
حقًّا: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ؛ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ؛ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ" [مسلم (2588)].
والجزاء من جنس العمل.
ومَن أَحسَنَ إلى الخلق؛ أحسَنَ الله إليه، فقد أمر الله بذلك، فقال: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [القصص: 77].
وقال: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) [يونس: 26].
وقال: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم: 31].
والجزاء من جنس العمل.
ف "المُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ، وَلا يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ؛ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ" [المعجم الأوسط (6/ 58) (5787) وانظر الصحيحة (426)].
ومن عفا عن المسلمين عفا الله عنه، ومن غفر لهم غفر الله له: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40].
(إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء: 149].
(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن: 14].
والجزاء من جنس العمل.
إنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؛ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ؛ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا المَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ المَدِينَةِ- شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ؛ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ. وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ؛ مَلأ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَلبَهُ أَمْنًا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ؛ أَثْبَتَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ" [المعجم الأوسط (6/ 139) (6026) الصحيحة (906)].
والجزاء من جنس العمل.
ومن تكبَّر على الناس؛ وضعه الله، و "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا؛ نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ؛ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا؛ سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ؛ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلتَمِسُ فِيهِ عِلمًا؛ سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ؛ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ" [مسلم (2699)].
والجزاء من جنس العمل.
قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رأيتُ جعفرَ بنَ أبي طالبٍ مَلَكاً -أي على صورة ملك من الملائكة- [فيض القدير (4/ 8)]- يطيرُ في الجنةِ مع الملائكةِ بجناحَينِ" [الصحيحة (1226)].
"قَالَ الْحَافِظ -المنذري-: كَانَ جَعْفَرُ -رَضِي الله عَنهُ- قد ذهبت يَدَاهُ فِي سَبِيل الله يَوْم مُؤْتَة، فأبدله بهما جناحين، فَمن أجل ذَلِك سمي جعفرا الطيَّار" أ. هـ [الترغيب والترهيب للمنذري (2/ 206)].
لذلك، كان ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: "السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الجَنَاحَيْنِ" [البخاري (3709)].
والجزاء من جنس العمل.
ومن أنفق لله أخلف الله عليه، ومن أمسك عمَّا عليه أتلفه الله، والجزاء من جنس العمل، ف "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا" [البخاري (1442) ومسلم (1010)].
والجزاء من جنس العمل.
ألا واعلموا أنه: "لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا؛ إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا.
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ؛ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ؛ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ؛ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ" [سنن ابن ماجة (4019) الصحيحة (106)].
والجزاء من جنس العمل.
ومن وصل رحمه؛ وصله الله، ومن قطعها قطعه الله: "إنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ؛ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: "هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ" قَالَ: "نَعَمْ! أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟" قَالَتْ: "بَلَى!" قَالَ: "فَذَاكِ لَكِ" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)" [محمد: 22- 23]. [مسلم (2554)].
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "مَنِ اتقى ربَّه، ووصل رحمه، نُسّىءَ في أجله" -وفي لفظ: "أُنسيء لَهُ فِي عُمُرهِ"- وَثَرَى مَالُهُ، وأحبَّه أهله" [صحيح الأدب المفرد (24) بَابُ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ أحبه أهله (29) (43/58) حسن].
والجزاء من جنس العمل.
ف "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ" [قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ" سنن الترمذي، ت شاكر (1924)].
والجزاء من جنس العمل.
ومن أوى إلى الله آواه الله، ومن أعرض عن الله أعرض عنه الله، عن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ؛ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا؛ فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ: فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟! أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ؛ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا؛ فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ؛ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ" [البخاري (66) ومسلم (2176)].
الخطبة الثانية:
حقًّا، ومن استحيا من الله؛ استحيا الله منه، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه، فالجزاء من جنس العمل.
ومن تقرَّب إلى الله؛ تقرَّب اللهُ منه أكثرَ من ذلك، يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي؛ إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" [مسلم (2675)].
والجزاء من جنس العمل.
"مَنْ نَصَرَ أَخَاهُ بِالْغَيْبِ؛ نَصَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" [شعب الإيمان (10/ 102) (7231)، الصحيحة (1217)].
والجزاء من جنس العمل.
ومن خذل مسلما خذله الله، إن المسئولين وأولياءَ الأمور جزاؤهم عند الله من جنس أعمالهم، و "مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الحَاجَةِ وَالخَلَّةِ وَالمَسْكَنَةِ؛ إِلاَّ أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ" [سنن الترمذي، ت شاكر (1332) الصحيحة (629)].
ومن زار المرضى رافقته الملائكة ودعت له: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا؛ إِلاَّ ابْتَعَثَ اللهُ لَهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ أَيَّ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ كَانَتْ حَتَّى يُمْسِيَ، وَأَيَّ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ كَانَتْ حَتَّى يُصْبِحَ" [مسند أحمد، ط الرسالة (2/ 265) (955) الصحيحة (1367)].
والجزاء من جنس العمل.
والمرأة التي تنزع ملابسها، وتتجرد من ثيابها فيما حرم الله؛ جازاها ربها بفضحها وهتكها في الدنيا والآخرة، ف "مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا؛ إِلاَّ هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى" [سنن أبي داود (4010) آداب الزفاف (60 – 61) صحيح الترغيب (165)].
والجزاء من جنس العمل.
ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وأظهر عيوبه، ومن سترهم وأغضى عن معائبهم ستره الله: "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ! لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ؛ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ؛ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ" [سنن أبي داود (4880)].
والجزاء من جنس العمل.
"وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ" [البخاري (2442) ومسلم (2580)].
"وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ؛ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ؛ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ؛ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ" [البخاري (1469) ومسلم (1053)].
والجزاء من جنس العمل.
و "مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا؛ أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [سنن أبي داود (3460) وابن ماجة (2199) واللفظ له، ونحوه في الصحيحة (2614)].
ومعنى: "أقاله": "وافَقَه على نَقْض البيع وأجابه إليه" [النهاية في غريب الأثر، مادة: "قيل"].
و "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا؛ أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ" [البخاري (2387)].
والجزاء من جنس العمل.
أيها الناس: إياكم والطلاق، والتفريق بين الأم وولدها ظلما وعدوانا، ف "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا؛ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ" [سنن الترمذي، ت شاكر (1566) وحسنه في صحيح الترغيب (2/ 165)(1796)]. اقتباس بتصرف من [الفواكه الشهية في الخطب المنبرية، لابن سعدي، ص: 131- 133].
والجزاء من جنس العمل.
وما ابتلينا به من حكام ظلمة؛ إلاَّ جزاء وفاقًا على أعمالنا التي لا ترضي الله -تعالى-، ولا رسولَه -صلى الله عليه وسلم-، ولا المؤمنين، فالتغيير لا يكون بالإفساد بل بالإصلاح، قال الطحاوي: "وَأَمَّا لُزُومُ طَاعَتِهِمْ وَإِنْ جَارُوا؛ فَلأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ مِنَ الْمَفَاسِدِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ مِنْ جَوْرِهِمْ، بَلْ فِي الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِمْ؛ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَمُضَاعَفَة الأُجُورِ، فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- مَا سَلَّطَهُمْ عَلَيْنَا إِلاَّ لِفَسَادِ أَعْمَالِنَا، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَعَلَيْنَا الاجْتِهَادُ بالاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَة، وَإِصْلاحِ الْعَمَلِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشُّورَى: 30].
وَقَالَ تَعَالَى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آلِ عِمْرَانَ: 165].
وَقَالَ تَعَالَى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النِّسَاءِ: 79].
(وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأَنْعَامِ: 129].
فَإِذَا أَرَادَ الرَّعِيَّة أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ ظُلْمِ الأَمِيرِ الظَّالِمِ. فَلْيَتْرُكُوا الظُّلْمَ" [شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية، ص: 373].
قال الألباني: "وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم "من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" وهو أن يتوب المسلمون إلى ربِّهم، ويصحِّحوا عقيدتَهم، ويربُّوا أنفسَهم وأهليهم على الإسلام الصحيح، تحقيقا لقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
وإلى ذلك أشار أحدُ الدعاةِ المعاصرين، بقوله: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم؛ تقُمْ لكم على أرضكم".
وليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس؛ وهو الثورة بالسلاح على الحكَّام، بواسطة الانقلابات العسكرية، فإنها مع كونها من بِدعِ العصر الحاضر، فهي مخالفة لنصوص الشريعة التي منها الأمر بتغيير ما بالأنفس، وكذلك فلا بدَّ من إصلاح القاعدة -أي عموم الأمة- لتأسيس البناء عليها: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]. [متن الطحاوية بتعليق الألباني، (ص: 69)].
وفي الختام، المتحابون في الله يجمعهم الله في دار كرامته: "إنّ للهِ عباداً؛ ليسُوا بأنْبياءَ ولا شهداءَ، يغبِطُهم الشهداءُ والأنبياءُ يومَ القيامةِ؛ لقربِهم مِنَ الله -تعالى- ومجلِسهم منه".
-إنهم- "قومٌ من أفْناءِ النّاسِ- "رجُل من أفْنَاء الناس" أي لم يُعْلم ممن هو. الواحد: فِنْوٌ" [النهاية في غريب الأثر في "فنا"].
مِن نُزَّاعِ القَبائلِ، تصادقُوا في اللهِ، وتحابُّوا فيه، يضعُ اللهُ -عزّ وجلّ- لهم يومَ القيامةِ منابرَ من نورٍ، يخافُ الناسُ ولا يخافونَ، هم أولياءُ اللهِ -عزّ وجلّ- الذين : (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس: 62]. [الحاكم في المستدرك (4/170- 171) الصحيحة (3464)].
ف "الْمُتَحَابُّونَ فِي اللهِ؛ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ".
-وفي الحديث القدسي-: "حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَحَابُّونَ فِي اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ" [مسند أحمد، ط الرسالة (36/ 383) (22064) ونحوه في صحيح الجامع (4321) ورمز له "حم، طب، ك" الترغيب (4/ 47)].
التعليقات