عناصر الخطبة
1/ تسلط الإعلام المنحرف على مجتمعات المسلمين 2/ دراسة إحصائية حديثة عن أحوال المرأة السعودية 3/ سوء عواقب الاختلاط ومفاسده 4/ طابور خامس في بلاد المسلمين 5/ هموم المرأة السعودية الحقيقية 6/ التعليق على ما جرى في منتدى جدة الاقتصادي 7/ وجوب الامتثال للأحكام الشرعية.اقتباس
كشفت دراسة إحصائية حديثة أن أكثر من 15% من المثقفات السعوديات مدخنات سواء السيجارة أو الشيشة، هكذا أوضح رئيس جمعية مكافحة التدخين في المملكة؛ وخاصة المعلمات والطالبات والأكاديميات والإعلاميات وسيدات الأعمال، وذكر أن أكبر سبب لذلك هو تقليد فنانات الفضائيات المدخنات في حين أنهن لا يجدن من ينصحهن أو يحزم أمام انتشار فتنتهن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته، كما أمرنا بذلك الله -جل وعلا- في كتابه العزيز فقال –سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أيها الأحبة في الله: في ظل تزايد تسلط الإعلام الخارجي المنحرف على مجتمعات المسلمين، وضعف الوازع الديني لدى فئة من المسلمين، وبُعدهم عن مرافئ النور، ومجالي السعادة في المساجد، وعن دفء الكلمة، وأجنحة الرحمة، وأضواء القلوب في أُسَرهم، لا بد أن تستجيب القلوب لأيِّ مؤثر بديل، ولاسيما إذا صحب بوسائل إغرائية كثيرة جدًّا، تُتَابِعُ طرقاتِها حتى تستفتحها بما تريد من المنكر.
وهناك تظهر أمراض المجتمعات الكافرة في مجتمعات المسلمين، حتى المحافظ منها، وهذا ما يقع حاليًا بالقرب منا، وكل منا يستبعد أن يكون بيته هو مشهدَ الجريمة التي يحوك نسيجها قوم يتحدثون بألسنتنا، وهم من بني جلدتنا، وقد يكون بعضنا سمح بمقدماتها، ووضعها بيديه، وربما رقَص لها وصفَّق، وكفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع مَن يعول!!
الانتحار، والاغتصاب، واللواط، وتعاطي المخدرات، وشرب الخمور، واللعب بالقمار، وأخذ الرشوة، والربا، والغناء، وتضييع الصلوات، وشهادة الزور، ومشاهدة العري والسفور على الشاشات، واختلاط النساء بالرجال من غير المحارم، والسفر للحرام، وأمثالها من الكبائر، بدأت تنشط لدى فئات من المسلمين قلَّت أو كثرت، ظهرت أم خفيت، وكل ذلك حين ابتعد هؤلاء عن التربية القويمة، وأخضعوا رقابهم للهوى والرذيلة.
ولا شك أن لذلك أسبابًا، أضع على رأسها هذا الانفتاح غير المحمود على المنافذ الخارجية؛ حيث كسرت شبكة الإنترنت والقنوات الفضائية والسفر المطلق إلى بلاد الكفر حدود الغيرة على الشرع المطهَّر في نفوس الناس، فماذا بعد أن تعتاد المرأة أن ترى من تعجب بهن من الفنانات ومقدمات البرامج وهن في تبرُّج وفتنة، حتى تأنس بشكلهن، شيئًا فشيئًا حتى تشتاق أن تكون مثلهن؟
هل كنا نتوقع -على سبيل المثال- أن تدخن المرأة في مجتمعنا؟
لقد كشفت دراسة إحصائية حديثة أن أكثر من 15% من المثقفات السعوديات مدخنات سواء السيجارة أو الشيشة، هكذا أوضح رئيس جمعية مكافحة التدخين في المملكة؛ وخاصة المعلمات والطالبات والأكاديميات والإعلاميات وسيدات الأعمال، وذكر أن أكبر سبب لذلك هو تقليد فنانات الفضائيات المدخنات في حين أنهن لا يجدن من ينصحهن أو يحزم أمام انتشار فتنتهن.
وفي هذا الإطار نقف موقف الشكر والتقدير لوزارة التربية والتعليم في بلادنا التي أصدرت –قريبًا- قرارًا يقضي بوصول عقوبة المخلات بالآداب العامة كالتدخين والشذوذ، وإشاعة أشرطة الجنس من طالبات الثانويات بالفصل من الدراسة، ولا شك أن ذلك بعد تكثيف حملات التوعية والإرشاد.
وما أردته من إيراد هذه القضية هو الدخول إلى قضية أخطر، وهي: أننا بتنا لا نستبعد أن يمهِّد أهل الفساد والأهواء في بلادنا، لنزع الحجاب نهائيًّا عن المرأة السعودية المسلمة، بعد أن وقع في ذلك معظم البلاد الإسلامية الأخرى؛ فأول الأمر نقاب، ثم لثام ومكياج خفيف، ثم كشف الناصية، ثم كشف الوجه، ثم كشف الرأس كاملاً.. والتدرج يحصل كذلك في نوع اللباس: من اللون الأسود إلى الألوان الزاهية الجميلة، ومن الساتر إلى السافر، والطويل إلى المتوسط إلى القصير إلى المايوه على الشواطئ؛ لا قدر الله.
وإن نتائج الاختلاط المفتوح في البلاد التي كسرت حواجزه لتخيف العقلاء، ففي أحد التقارير السنوية لعدد الجريمة في أمريكا: أن عدد حالات الاغتصاب المبلّغ عنها مائة وثمانون حالةً يومياً.
علماً بأن الحالات المبلغَ عنها أقلُّ من10% من الواقع الفعلي، فالعدد الفعلي إذن على أقل تقدير ألفٌ وثمانُمائة. حتى بلغ عندهم عدد المراكز الطبية لعلاج آثار الاغتصاب وضحاياه أكثر من سبعِمِائةِ مركز.
وجاء في التقرير أن ألفين وسبعَمائةٍ وأربعين مراهقة يومياً يحملن من السفاح. وفي بريطانيا مثلاً هناك حالة طلاق من كل حالتي زواج.
وتقول الإحصاءات: إن هناك 8 ملايين عانس. وجميعهن تقريباً يمارسن الزنا. ويستعملن وسائل منع الحمل، ورغم هذا فقد أجريت في سنة واحدة فقط مائة وعشرون ألف حالة إجهاض، نصفهن تقريباً دون العشرين، ولا يزال العدد في ارتفاع.
أما الوقوع في الزنا بالتراضي، فهذا لا يذكره الغرب في هذه الدراسات؛ لأنه لا يعتبر جريمة عندهم، ولكن بدأ التحذير منه؛ لأنه أعظمُ أسباب انتشار مرض الإيدز.
ونظراً لهذا كله فقد بدأ الاتجاه في بعض المدارس، والجامعات هناك إلى فصل الرجال عن النساء تماماً، ونادى به الرئيس الأمريكي أخيرًا.
كما نقلت إحدى صحفنا المحلية عن إحدى وكالات الأنباء: أن نصف حالات الحمل في الولايات المتحدة الأمريكية غير مرغوب فيها، وأربعين ألف شخص يصابون بفيروس الإيدز سنويًّا، مقابل مائة وأربعة آلاف طفل يتعرضون لاعتداءات جنسية، واثنتين وعشرين في المائة من الأمريكيات يُغتَصبن.
هذه الإحصاءات دعت السلطات الطبية هناك إلى المطالبة بتربية جنسية أفضل للشباب، فيما ذكر المتحدث باسم البيت الأبيض أن الرئيس لا يزال يرى ويؤكد أن العفة والتربية الداعية إليها هي أفضل الطرق لمكافحة الإيدز وحالات الحمل العرضية.
وفيما يدعون في مجتمعهم إلى التربية على العفة؛ فإنهم يخططون لإشاعة الفاحشة في مجتمعات المسلمين، التي بدأ الإيدز يهاجمها كذلك، وحين أرادوا الدخول إلى مجتمعاتنا لم يحتاجوا أن يكتبوا بأنفسهم في صحفنا؛ وقد ملئوها بمئات الآلاف من المقالات ضد بلادنا بالذات كما دلَّت على ذلك إحصاءات حديثة، لعلمهم أنهم لو كتبوا بأقلامهم لن يسمعهم أحد، وإنما استفادوا من تلاميذهم الذين هم من أبناء وطننا، ولكن شخصياتهم صنعت على عين الغرب وتحت تأثيره.
يقول أحد الكتاب الثقات: التقيت بمراسل لإحدى الصحف الأمريكية، كان يدور على بعض المثقفين والأكاديميين.. يحمل كتباً لمقررات مدرسية، ويتحدث عن مواضيع وأسطر بعينها.. من بينها آيات قرآنية وأحاديث شريفة، يزعم أنها تحرّض على الكراهية، وتدعو للعنف. ذكر لي.. لما سألته، أن الذي دلّه عليها (مثقفون) سعوديون..!
لقد أصبح هؤلاء طابوراً خامساً بيننا، يشيعون المنكر ويدافعون عنه بكل حرقة، حتى أحدثوا صخباً وضجيجاً تكتظ به صحافتنا المحلية في أعمدة عدد كبير من الكتاب هذه الأيام، يتحدثون عن بلادنا -حرسها الله- وكأنها بلاد متخلفة حضارياً، لا تزال تعيش بين تلافيف غابات مجهولة تحتاج إلى (كولمبس) جديد ليكتشفها، فتراهم وكأنهم يمسكون بيد ضرير خشية أن يقع في حفرة، أو ليسلكوا به طريقاً لا يعرفه من قبل..!!
إن هؤلاء الكتبة ينادون برفع (الوصاية) من أيدي علماء الشريعة كما يعبرون -بدهاء- بهذا المصطلح غير المرغوب فيه من الناس، عن المصطلح الحقيقي الذي يريدونه وهو: (إلغاء مسؤولية العلماء عن المجتمع)، والتي قررها المولى -جل وعز- في مثل قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [سورة النساء: 59].
فقد فهم أئمة التفسير أن أولي أمر المسلمين في الآية هم الحكام والعلماء، يقول أولئك الكتبة ذلك ليأخذوا هم بالزمام فينصبوا أنفسهم أوصياء عن بلادنا وشعبنا، فيتحدثون باسم جماهير الشعب دون أن يحصلوا على تفويض منه بل ولا قسم ضئيل منه؛ لأنهم لا يمثلون سوى أنفسهم، ويكررون الحديث عن المطالبة بحقوق المرأة السعودية في مطالب لا تمثل هموم المرأة السعودية الحقيقية، وإنما تمثل أحلامهم التي نسجوها خلال تلقيهم ثقافتهم الغربية.
لقد تجرأ كثير من هؤلاء فاتهموا المجتمع كله بالتخلف وكاد بعضهم -ولا سيما من غير السعوديين- أن يصرح بأن المجتمع السعودي للتو بدأ ينهض، ومعنى ذلك أنه كان في تخلف ورجعية، وثان دعا إلى عزل الدين عن الحياة في دعوة صريحة للعلمانية، وثالث استهجن رجوع الشباب إلى العلماء المعتبرين واستشارتهم في أمور حياته وعمله، ورابع يطالب بسفر المرأة دون إذن زوجها لتحقق حريتها، وخامس يضع جميع دعاة البلد من أهل التكفير.
وسادس ينادي ألا يتحدث بعد اليوم أحد باسم الدين؛ فلكل فرد -أيًّا كانت خلفيته العلمية- أن يتحدث بما شاء من أمور الشريعة، ملغياً هيئات حكومية عليا بأكملها كهيئة كبار العلماء، ومقام سماحة مفتي عام المملكة، ومجمع الفقه العالمي، بل وأحقية الشريعة في كونها أشرف علم، وأعظم اختصاص، لا يحق لغير المختصين فيه أن يخوضوا في دقائقه.
وسابع ينادي بإلغاء التعليم الشرعي نهائياً مدعياً أن المساجد تكفي للتثقيف الشرعي، وثامن يفصل في قضايا في منتهى الدقة من أمور العقيدة مما يتصل بالولاء والبراء مما يعجز عنه بعض طلبة العلم الشرعي ولا يفتي فيه إلا كبار العلماء.
وتاسع يرى أنه لا خصوصية لمجتمعنا نهائياً؛ وأن هذا من أسرار تخلفنا، وأنه آن الأوان ألا ننظر إلى الخلف.. ولا أدري ماذا يعني بالخلف؟! وعاشر بل عشرات..!!
كلنا نحب الحرية في طرح آرائنا، ولكن الحرية لا تعني أبداً أن تمس العقيدة في صميمها كما صرح بذلك قبل أيام ولي عهدنا -حفظه الله وجعله عزاً لدينه-، كما أن الحرية لا تعني -كذلك- أن يتحدث أصحاب الثقافة المستوردة بالكامل في قضايا لا يستطيع الخوض فيها إلا أهل الرسوخ في العلم، يقول الله -جل في علاه-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [سورة النساء: 83].
إن الأمر جلل.. فلقد أصبح هؤلاء يتقافزون على الصحف بطريقة مثيرة للراصد، فها أسماء كثيرة جدت على هذه الصفحات خلال الأيام القليلة الماضية، من خارج المملكة وداخلها، تجعلنا نتساءل -ببراءة- من أين أتى كل هؤلاء؟ وكيف خرجوا؟ ولماذا الآن بالذات؟ وإلى ماذا يرمون؟ ولماذا تسمح لهم الصحف بكل هذه المهاترات والاعتداءات على صميم العلم الشرعي وأهله، مشنِّعين بفلان، ومستهزئين بفلان؟! وهل وراء الأكمة ما وراءها؟!
إن الأسئلة أكبر من حجم هذه السطور.. ويبقى السؤال الأكبر منها جميعاً: ألا تمثل هذه الأطروحات المتتابعة تطرفاً آخر قد يثير تطرفاً فكرياً جديداً في مقابله؟! فيخسر الوطن فرصة حوارية؛ كان من الممكن أن توصلنا شفافيتها إلى وضع أفضل.
إن بلادنا كانت ولا تزال تسير في اتجاه حدده المولى الخبير بعباده وبما يصلحهم؛ أوصلها إلى قمة في الأمن لم تحلم به أمريكا منذ أن تكوَّنت من أشتات الأرض، رايتها تخفق بالتوحيد، ومناهجها التعليمية تبني الإنسان دنيا وأخرى في توازن رائع، ولكن ذلك لا يعني أبداً ألا نقبل بالحوار.. بل مرحباً به بكل آدابه، وبكل نتائجه التي لا تمس معتقداً ولا مبدأ ولا كياناً ككيان وطننا الحبيب وشخصيته المتميزة.. نعم المتميزة التي رفضت كل أشكال ما سُمي بالاستعمار الغربي، والتي بُنيت منذ الأساس على هدي الكتاب وسنة الرسول –-صلى الله عليه وسلم-.
إن ذلك ليس خياراً لنا، ولكنه ما اختاره الله لهذه الجزيرة التي لا يجتمع فيها دينان، والتي أراد الله لها -من بين بقاع الأرض قاطبة- أن تكون مأوى الرسالة الخاتم -على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم-، وتسلم فيها الرايةَ ملوك جعلوا خدمة الحرمين لهم شرفاً، وحراسة العقيدة هدفاً، وتطبيق الشريعة معتقداً.
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب: 36 ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، حين حاول هؤلاء المتغربون فكراً وسلوكاً، أن يجسّوا نبض المجتمع المؤمن، هل بقي فيه حياة؟ هل لا يزال يحس بالطعنات التي وجهوها إلى روحه وجسده، فأقاموا مؤتمراً في جدة اختلط فيه الرجال بالنساء دون حجاب، بل كشفوا مخططهم الشيطاني حينما صوروا النساء وهن بلا حجاب على وجوههن، بل بدت بعض رؤوسهن في جلسة غير متحشمة، ونشروها في الصحف وكتبوا تحتها سيدات سعوديات؛ ليعلنوا بداية معركة الحجاب على الملأ بعد أن كانت بطريقة غير معلنة.
وكأن البلد ليس فيها رجال غيورون، ونساء غيورات، وليس فيها عالم رباني يهتز قلبه لدينه، فإذا بسماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية يجدد لنا غيرة العلماء على دين الله بدءًا من الأئمة الأربعة، إلى العز بن عبد السلام إلى شيخ الإسلام ابن تيمية إلى شيخ الإسلام في العصر الحديث الإمام المبجل الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، الذي كان نعم العون لأولياء أمورنا على الحفاظ على الأمن الشرعي والفكري في بلاد الإسلام وحامية حماه، ضد كل الهجمات العلمانية الموبوءة.
وكانت إذاعة استنكار سماحة المفتي في الأخبار الرسمية، استنكاراً من الدولة أيدها الله بالعلماء العاملين، وصفعة في وجوه أهل الزيغ والفساد كبتهم الله.
لقد قام سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ -حفظه الله عزاً للإسلام والمسلمين- بإصدار كلمة الحق التي يجب أن تُقال في وجه كل منكر، قال -بعد حمد الله والصلاة والسلام على نبيه-:
إن الواجب على جميع الثقلين التزام شرع رب العالمين، وتحقيق العبادة له وحده لا شريك له: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، ويجب على الجميع التسليم لحكم الله ورسوله والاستسلام له؛ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65]، ويقول -سبحانه- محذراً من مخالفة أمره وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].
وقد تابعنا في الأيام الماضية ما جرى في منتدى جدة الاقتصادي من أمور توجب علينا الإنكار والبيان، وتوجب على الناس السمع والطاعة لشرع الله والخضوع له، ومما تابعناه في هذا المنتدى اختلاط الرجال بالنساء وخروجهن غير ملتزمات بالحجاب الشرعي الذي أمرهن به الله، وهذا محرم بالإجماع، مع ما نشرته الصحف من صورهن على هذه الحالة السيئة المخالفة للشريعة، وما نشر في بعض الصحف من أن هذه بداية لتحرير المرأة السعودية، وكأنها كانت مقيَّدة بالشرع ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا يقولن قائل: إن هذا تعنُّت وتشدد، وأنه ينبغي أن نعطي المرأة الثقة أو الحرية أو نحو ذلك. فهذا كلام باطل، بل الواجب اتباع الشرع بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، والتسليم والانقياد، وأن نعلم أن الخير والصلاح في متابعة الشريعة.
وأمر الاختلاط بين الرجال والنساء محرم ظاهر التحريم؛ يقول الله -عز وجل- في شأن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- أعف نساء العالمين وأزكاهن (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [النور: 53]، هذا في شأن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- مع صحابته -رضي الله عن الجميع-، أوجب الله أن يكون الخطاب بينهن من وراء حجاب يحجز بين المرأة والرجل، وهذا ظاهر في تحريم الاختلاط ووجوب حجاب المرأة وتحريم سفورها.
ومن الأدلة حديث ابن عباس -رضى الله عنهما- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم" (أخرجه البخاري).
وهذا ظاهر في لعن المرأة التي تتشبه بالرجال في هيئتها ولبسها، ورفع صوتها، ونحوه، فكيف بمن تغشى مجالسهم وتخالطهم وتخاطبهم سافرة حاسرة.
فالواجب على الجميع إنكار هذا المنكر كل على قدر استطاعته وسلطته؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (متفق عليه).
وإني أوصي القائمين على هذا المنتدى بتقوى الله -عز وجل-، والخوف من سخطه وعقابه لمن خالف أمره وحاد عن طريق الهدى والرشاد، وكان سبباً في فتح أبواب الشر على أهل الإسلام.
كما أنبِّه كل من زلَّت قدمه من أهل الصحافة في هذا المرتع الوخيم أن يرجع إلى ربه ويتوب ويظهر ذلك في الصحف ويبيِّن خطورة هذا الأمر إبراء لذمته وخروجاً من العهدة.
كما أوصي عموم المسلمين بالحذر واليقظة وعدم الانسياق وراء هذه الدعايات الهدامة للدين والأخلاق والفضائل.
وإني إذ أنكر هذا الأمر أشد الإنكار وأبيّن حرمته، وأحذر من عواقبه الوخيمة ليزداد ألمي من صدور مثل هذا التصرف المشين في بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية التي دأب ولاة الأمر فيها على القيام بالشرع لا يخافون لومة لائم، وعلى حمل الرعية على ذلك وهم ولله الحمد لا يزالون يسيرون في هذا الطريق المستقيم.
وقد بيَّن هذا جلالة الملك المعظم عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود المؤسس والموحد لأرجاء هذه الدولة المباركة؛ حيث كان فيما قاله في بيان له عام 1356هـ: "أقبح ما هنالك من الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها" انتهى كلامه -رحمه الله-.
والمقصود أن الاختلاط أمر محرم شرعاً ظاهر المفسدة، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المنصلة".
سلك الله بنا جميعاً سبيل مرضاته وجنبنا سبل سخطه وعقابه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات.. لقد بدأ البخاري باب الغيرة بقول سَعْد بْن عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي"، وفي رواية له: "وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"، وقال النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ" (رواه البخاري).
فأي مؤمن لا يجد حرارة الغيرة في صدره فليراجع إيمانه.
اللهم اهد هؤلاء الزائغين عن النهج السوي إلى هدي دينك وشرعك، وأعد قلوبهم للخير والنور، وأبعدهم عن البغي الفجور، وأعز بهم دينك وأمتك.
اللهم واخز كل من أراد بلادنا بسوء، اللهم اكشف خططه، وشتت شمله، واجعل تدبيره تدميرا له، واملأ صدره بالهموم والغموم، وأشغله بنفسه؛ حتى لا تدع له مجالاً ليفرغ ليكيد لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك.
اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيئ لأمة الإسلام أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.
التعليقات