عناصر الخطبة
1/المسلمون بنيان واحد 2/أهمية حق الجوار 3/وجوب الإحسان إلى الجيران 4/رعاية حرمات الجار والتعاون معه 5/تحريم الإساءة إلى الجار.اقتباس
فمن حق الجار على جاره أن يكون له في الشدائد عونًا، وفي الرخاء أخًا يَأْسى لما يؤذيه، ويفرح لما يسرّه ويُرضيه، ويأخذ بيده إذا أظلمت في وجهه الحياة، ويُرشده إذا ضل أو أخطأ الطريق، ويهنئه إذا أصابه خير، ويُبصّره إذا ظُلِم، ويدفع عنه الأذى...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فإن المسلمين في نظر الإسلام بنيان واحد، لبناته أبناء هذه الأمة، وكل لبنة في هذا البنيان تكون دعمًا لأخواتها؛ تشدّ البناء وتُقيمه، بمقدار ما تكون قوية متماسكة، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا وبثبات الإسلام كيان واحد تمده بالحياة روح واحدة هي روح الإيمان التي لا تعرف لونًا أو أرضًا أو لسانًا.
ولقد كانت نظرة الإسلام العلمية في هذا الجانب نظرة واقعية، فعالَج في أبناء هذه الأمة أسباب الضعف والتفكك، ودعاها إلى الأخذ بوسائل القوة، وجاءت تشريعاته من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات تؤكد هذا المعنى في الأمة وتجمعها على كلمة سواء، وكان أهمها: حق الجوار ورعاية حرماته والتعاون معه؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
والقرآن الكريم يفرض على المسلمين الإحسان إلى الجار، قريبًا كان أو بعيدًا، وقد سلكه في سلك واحد مع عبادة الله وبر الوالدين والأقربين؛ (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)[النساء: 36].
فمن حق الجار على جاره أن يكون له في الشدائد عونًا، وفي الرخاء أخًا يَأْسى لما يؤذيه، ويفرح لما يسرّه ويُرضيه، ويأخذ بيده إذا أظلمت في وجهه الحياة، ويُرشده إذا ضل أو أخطأ الطريق، ويهنئه إذا أصابه خير، ويُبصّره إذا ظُلِم، ويدفع عنه الأذى؛ فعن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله: ما حق الجار؟
قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن مرض عُدته، وإن مات شيّعته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عُدت عليه، وإذا أصابه خير هنَّأته، وإذا أصابته مصيبة عزّيته، ولا تستطل عليه بالبُنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تُؤذه بريح قِدْرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له فإن لم تفعل فأدخلها سرًّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده".
وقد بالغ الإسلام في تحذير أولئك الذين يرعون حق الجار حين أعلن أن المسلم الذي لا يهتم بشأن جاره ولا يحسن بإحسان، قد جافَى خُلقه الإيمان؛ قال-صلى الله عليه وسلم-: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه؛ وهو يعلم".
والإحسان إلى الجار برهان قوي على الإيمان بالله، ودليل عملي على صدقه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا".
وقد عظَّم -صلى الله عليه وسلم- حرمة الجار أكثر من غيره؛ فقد سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عن الزنا؟ فقالوا: حرام حرَّمه الله ورسوله؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر من أن يزني بامرأة جاره".
وقد توعَّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولئك الذين يسيئون إلى جيرانهم؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره"، "فليحسن إلى جاره"، "وخير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره".
والمسلم يحرص على المعاملة الطيبة لجيرانه؛ ليكون ذلك سبيلاً إلى الجنة، ويبعد عن السوء لئلا يحجب عن رحمة الله؛ فقد روى الإمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قيل له: يا رسول الله إن فلانة، صوامة قوامة غير أنها تؤذي جيرانها؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "هي في النار.."، ولشدة عناية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحق الجار قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه".
الخطبة الثانية:
وهذا الجار -أيها المسلمون- ليس الذي يلاصقك في المنزل، أو يكون إلى جانبك في العمل أو السفر فحسب، بل الجار فيه معاني إنسانية رائعة؛ ففيه أُنس الوحشة، وراحة البال، واستقرار الحياة، وبه الأمن على كل مرتخص وغالٍ، بل إن الجار الصالح غنًى لجيرانه حين يفتقرون، وأمنهم حين يستوحشون.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، فما أجمل أن يتخلق المسلمون بخُلق الإحسان إلى الجار، ويأخذوا أنفسهم بهذا المبدأ، ويستنوا بسُنّة أكرم الخلق؛ فيكونوا مع جيرانهم الأخيار الأطهار الذين يُرْجَى نفعهم ويُؤْمَن شرهم.
وإن من الواجب أن نأخذ أنفسنا بهذه التعاليم خصوصًا ما كان متعلقًا بالجار، فالفرد بجانبه آخر، والأسرة بجنبها أخرى، والأمة بجانبها أمم، حقٌّ على كل أن يَمُدّ يده للمظلوم حتى ينتصر، وللفقير حتى يغتني، وللعاجز حتى يتقوى، وللمخطئ حتى يرجع إلى الصواب، وبذلك يربط الإسلام بين أبنائه ويجمع كلمتهم على الحق وتكتب لهم عندئذ الكرامة، ويكونون بحق أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويكونون الأمة الثابتة التي أراد الله لها أن تكون خير أمة أو خير الناس.
فاتقوا الله عباد الله، وقوِّمُوا أنفسكم، واعملوا صالحًا يكن لكم؛ (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88- 89].
التعليقات