عناصر الخطبة
1/سبيل السُّنة والاتباع هو أهدَى السُبُل وأقومُها 2/من حكمة أهل السُّنة في التعليم والدعوة 3/وجوب الحرص على الوحدة والحذر من الفُرقة.اقتباس
فلا يَشقَى ظالمُهمْ بالسيرِ مع سابقِهمْ وإن تأخرَ، بل يَحملُ بعضُهمْ بعضاً، ويَجبرُ بعضُهمْ كسْرَ بعضٍ، وكلُّهمْ صائرونَ إلى حُسنِ العاقبةِ، منهمْ مَنْ يَدخلُ مِنْ أبوابِ الجنةِ الثمانيةِ، ومنهمْ مَن يُلازمُ باباً واحداً، ومنهمْ بينَ ذلكَ، ومنهمْ مَن يَدخلُها بتهليلةٍ في ساعةِ صَفاءٍ، أو دمعةٍ في لحظةِ خفاءٍ..
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي وسِعَ كلَّ شيءٍ رحمة وعِلماً، وأفاضَ على عبادهِ عَفوًا وحِلمًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا هوَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ العزيزُ الغفارُ، وأشهدُ أنَّ نبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ، وعلى خيرِ صحبٍ وآلٍ، والتابعينَ ومَن تبِعَهمْ بإحسانٍ إلى يومِ المآلِ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -رحمكمُ اللهُ- وبادِرُوا آجالَكم بأعمالِكم، واستعدُوا للرحيلِ، فقد جَدَّ بكمْ، فالأجلُ فاجِعٌ، والأملُ خادعٌ.
أيُها المسلمونَ: إن أعظمَ نعم اللهِ على عبادِهِ بعدَ الهدايةِ للإيمانِ أن يجعلَهم مِنْ أهلِ التوحيدِ والسنةِ والاتباعِ، لا مِن أهلِ الشركِ والأهواءِ والابتداعِ.
ألا وإنَّ من نِعَمِ اللهِ علينا الظاهرةِ في بلادِنا أن مظاهرَ الإسلامِ -وللهِ الحمدُ- ناصعةٌ أكثرُ مِن غيرِها من بلادِ المسلمينَ، فلا قبورَ ولا أضرحةَ تُعبدُ مِن دونِ اللهِ -تعالى-، ولا طوافَ إلا بالبيتِ العتيقِ، ولا دُورَ زِنًا ولا خَلاعةَ في الشوارعِ، ولا حاناتِ خمورٍ، ولا كنائسَ يُنسبُ فيها الصاحبةُ والولدُ للهِ تعالى، ولا لحومَ خنزيرٍ، ولا عصاباتٍ، ولا أحزابَ ولا مظاهراتٍ. ولو لم يَكنْ إلا هذهِ الخِلالُ لكفَى بها محفِّزًا لنا جميعًا على التمسكِ بتوحيدنا ووِحدتِنا وجماعتِنا.
وعلى من يَنتسبُ إلى السُّنةِ أن يَحذَرَ سِيرةَ الخوارجِ وأشباهِهِم؛ فإنهم قَتلوا عبدَ اللهِ بنَ خبابٍ –رضيَ اللهُ عنهُ- مُستحلِّينَ دمه، وتركُوا النصرانيَ مراعاةً لذِمتِهِ.
ألا إنَّ سبيلَ السُّنةِ والاتباعِ؛ كما هوَ أهدَى السُبُلِ وأقومُها فُهو كذلكَ أوسعُها وأرحمُها، وأهلُ هذا السبيلِ السالكونَ له داخلونَ دُخولاً أوليّاً في الأمةِ المصطَفاةِ: (الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[فاطر:32].
فلا يَشقَى ظالمُهمْ بالسيرِ مع سابقِهمْ وإن تأخرَ، بل يَحملُ بعضُهمْ بعضاً، ويَجبرُ بعضُهمْ كسْرَ بعضٍ، وكلُّهمْ صائرونَ إلى حُسنِ العاقبةِ، منهمْ مَنْ يَدخلُ مِنْ أبوابِ الجنةِ الثمانيةِ، ومنهمْ مَن يُلازمُ باباً واحداً، ومنهمْ بينَ ذلكَ، ومنهمْ مَن يَدخلُها بتهليلةٍ في ساعةِ صَفاءٍ، أو دمعةٍ في لحظةِ خفاءٍ، أو ريالٍ بيدِ مسكينٍ، أو غصنِ شوكٍ أزاحَهُ عن طريقِ المسلمينَ.
وكلُّ مَن صلَّى صلاتَهمْ، واستقبلَ قِبلتَهمْ، وأَكلَ ذبيحتَهمْ فهوَ منهمْ؛ لهُ ما لَهُم، وعليهِ ما عليهِمْ، وحسابُه على اللهِ، وسريرتُه إليهِ، لا تنقيبَ عنْ القلوبِ، ولا شقَّ عنِ السرائرِ، ولا غلَّ على سابقٍ بالإيمانِ.
ومن حِكْمةِ أهلِ السُّنةِ في التعليمِ والدعوةِ: أنهمْ يَدْعُون لأئمةِ العِلمِ والسلطانِ بالتسديدِ، ويُظهِرونَ محاسنَهم، ويُبيِّنونَ أن ما أُوتُوهُ من دُعاءٍ وثناءٍ إنما هوَ بسببِ ما لديهِمْ من اتباعٍ للحقِ ونُصرةٍ للدينِ.
ومِنَ البشائرِ المطَمِئنةِ أن تجِدَ الرسائلَ الإلكترونيةَ تَتْرى تدعُو للتوحيدِ والوِحدةِ والجماعةِ، من جهاتٍ حكوميةٍ وخيريةٍ ودعويةٍ وفرديةٍ، وهذهِ علامةٌ طيبةٌ على صِدقِ الولاءِ وصحةِ الديانةِ بلا ادّعاءٍ، وأخزى اللهُ الدُّخلاءَ والأعداءَ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي هَدانا للإسلامِ والسُنةِ، وجعلَ أمتَنا خيرَ أمةٍ، والصلاةُ والسلامُ على مَن كانتْ بِعثتُهُ خيرَ مِنَّةٍ، أما بعدُ:
أيُها الإخوةُ المؤمنونَ: لقدْ أنعمَ اللهُ على أهلِ هذهِ البلادِ باجتماعِهم حولَ قادَتِهم على هَدْيِ الكتابِ والسنةِ، لا يُشتِّتُ أمرَهم تياراتٌ وافدةٌ، أو أحزابٌ متفرِّقةٌ؛ امتثالاً لقولهِ -سبحانَه-: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)[الروم:31-32].
وإن أعداءَ اللهِ قد عَزمُوا على أن يَجعلُوا المعركةَ القادمةَ حاسمةً في انتصارِهِم؛ فعلَى المسلمينَ كافةً أن يَقِفُوا صَفّاً واحداً، وأن يُعِدُّوا العُدّةَ لمواجهتِهِم بتقوَى اللهِ واجتماعِ الكلمةِ، ووِحدةِ الصفِ، وهذا في حدِّ ذاتِهِ انتصارٌ عظيمٌ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)[الصف:4].
ولنُرْعِ أسماعَنا لكلامٍ جَلَلٍ، من عالمٍ جَبَلٍ، يُحذِّرُ مما يَجريْ من خَطَلٍ، إذ يقول شيخُنا ابنُ عثيمينَ –رحمهُ اللهُ رحمةً واسعةً-: "إن أعداءَ المسلمينَ يقولونَ: إنهُ يجبُ التركيزُ على المملكةِ العربيةِ السعوديةِ؛ لكونِها مهدَ الإسلامِ وقبلةَ المسلمينِ وقدوتَهم.. وإذا لمْ يَقُمْ أهلُ هذهِ المملكةِ، مِن علماءَ ومِن مُخلِصينَ بإيصادِ البابِ أمامَ هؤلاءِ فسوفَ يَجوسونَ خلالَ الديارِ، وسوفَ تجدونَ أمورًا تُنكِرونها غايةَ الإنكارِ".
فاللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِك تَهْدِيْ بهَا قُلُوْبَنَا، وتَجْمَعُ بِهَا أمْرَنَا، وتَحْفَظُ بهَا غائِبَنَا، وتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدَنَا، وتُبَيِّضُ بِهَا وُجُوْهَنَا، وتُزَكِّيْ بهَا أعْمَالَنَا وتُلْهمُنَا بهَا رُشْدَنَا، وتَعْصِمُنَا بهَا مِنْ كُلِّ سُوْءٍ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغَنْى خَلْقِكَ بكَ، وأفْقَرَ خَلْقِكَ إليْكَ. اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْرَ صَبّاً صَبّاً، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدّاً كَدّاً. اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا. اللَّهُمَّ امنُنْ علينا بتوبةٍ نصوحٍ قبلَ الموتِ، وبشهادةٍ عند الموتِ، وبرحمةٍ بعد الموتِ.
اللهم احفظْ بلادَنا وأدِمْ أمنَنا، وثبتْ إيمانَنا، وادحرْ أعداءَنا، وأجبْ دعاءَنا، وادفعْ عنا الوباءَ والغلاءَ. اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ، وارزقهُما باطنةً صالحةً ناصحةً. اللهم واحفظْ جنودَنا المرابطينَ، وأبطالَ الصحةِ المُتفانينَ، وسدِّدْ رجالَ التعليمِ ووفِّقْ فلذاتِ التعلُّمِ.
التعليقات