عناصر الخطبة
1/ دور العلماء في أوقات الفتن 2/ واجب المسلمين هو اتباع العلماء الثقات 3/ وقفات مع التظاهرات والثورات في العالم الإسلام 4/ من واجبات الحاكم والمحكوم إزاء الأحداثاقتباس
إن المسلمين يعيشون في فتن مدلهمة تموج بهم موج البحار، وإن الله تعالى قد رحم هذه الأمة بالعلماء الأخيار الذين هم ورثة الأنبياء -عليهم السلام-، فلا يخلو زمان منهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"، ورحم هذه الأمة ببقاء كلامه -عز وجل- فيهم، وإن الله تعالى قد أخذ الميثاق على أهل العلم بالبيان ..
إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ، وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
إخواني: إن المسلمين يعيشون في فتن مدلهمة تموج بهم موج البحار، وإن الله تعالى قد رحم هذه الأمة بالعلماء الأخيار الذين هم ورثة الأنبياء -عليهم السلام-، فلا يخلو زمان منهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"، ورحم هذه الأمة ببقاء كلامه -عز وجل- فيهم، وإن الله تعالى قد أخذ الميثاق على أهل العلم بالبيان، فقال -عز وجل-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران: 187].
وقال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، ثلاثًا، قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
فيجب على أهل العلم البيان والتعليم، وعلى العامة رد الأمور إلى أهلها كما قال -عز وجل-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].
المسؤلون هم الراسخون في العلم الذين يستنبطون من الكتاب والسنة، قال تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83].
وإذا بُين العلم بدلائله من الكتاب والسنة والإجماع وما كان عليه سلف هذه الأمة، وجب الرضا والتسليم وتعظيم هذه الأصول؛ قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36]، وقال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص: 68]، وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65]، وقال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115].
عباد الله: روى الترمذي عن أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستكون فتن كقطع الليل المظلم، قلت: وما المخرج منا يا رسول الله؟! قال: "كتاب الله".
وفي الحديث المتفق على صحته قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ستكون فتن؛ القاعد خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأً أو مَعَاذًا فليعذ به"، وقال: "إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن ".
عباد الله: ألا وإن من أعظم الفتن في هذه الأزمان هذه التظاهرات والثورات التي جلبت للأمة الويلات والشر العظيم، وإنها من الفتن التي لا يراها إلا العلماء، فإن الفتن إذا أقبلت رآها العلماء، وإذا أدبرت رآها الناس كلهم، ولا ينفع حينئذٍ بعد أن طحنت الناس بأضراسها وداست عليهم بأظلافها.
هذه التظاهرات باب سوء وشر عظيم، ولم يعرفها المسلمون، بل هي من صفات الكفار، ورسولنا يقول: "من تشبه بقوم فهو منهم".
تفكّروا -أيها الناس- وانظروا لما يحصل في هذه التظاهرات من إفساد للأموال والممتلكات، واعتداء على الناس وقطع للسبل واختلال للأمن ونهب وسلب وقتل للنفس.
وفي الصحيح قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه".
وقال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". متفق عليه.
أما الانتحار فمن كبائر الذنوب: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) "ومن قتل نفسه بشيء عُذّب به يوم القيامة".
ناهيك عما يكون فيها من الاختلاط وخروج النساء متبرجات في وسط هذه الحشود بلا وازع من دين ولا رادع من حياء، والله -عز وجل- يقول: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33].
وهذه التظاهرات من فعل الكفار، وقد نهانا الله تعالى عن التشبه بهم، فقال -عز وجل-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105].
بل أمر بالجماعة فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].
فنهى الله تعالى عن الفرقة والجاهلية، وأمر بالجماعة والعصمة بالكتاب والسنة.
وهذه التظاهرات ليست من شريعتنا، والله تعالى يقول لخليله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية: 18، 19].
أيها المسلمون: هذه الأحداث التي جرت في تونس ولا زالت وامتدت إلى مصر وبعض البلاد الإسلامية، لا يفرح بها مسلم عاقل، فلا يجوز تأييدها، والحاصل منها عدم الاستقرار وعدم الأمن والقتل، ولا شك أن الأعداء لهم اليد الطولى في مثل هذه الأحداث، بل كلما سكنت حرضوا عليها وأشعلوها، ولن يحصد المستضعفون من هذه الثورات إلا الفساد والشر العظيم.
ولنا مع هذه الأحداث وقفات:
أولاً: يجب على المسلم الفرار من الفتن ولزوم جماعة المسلمين وما ينفعه؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم بالدجال فانأوا عنه، فوالذي نفسي بيده إن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات"، وقال: "ستكون فتن؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأً أو مَعَاذًا فليعذ به"، وقال: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن". وفي حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما-: "لما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند اختلاف الناس ووجود الدعاة الذين هم على أبواب جهنم، قال: فما تأمرني يا رسول الله؟! قال: "الزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قال: قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟! قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن يأتيك الموت وأنت عاض بأصل شجرة". متفق عليه.
ثانيًا: أن الملك بيد الله، يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء كما قال -عز وجل-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26].
ولا شك أن الظلم والفساد ومخالفة الشرع من أعظم أسباب نزع الملك، ولهذا فإن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة كما قال شيخ الإسلام.
وأعظم الظلم الشرك بالله تعالى، فإذا تمادى العباد في الظلم الأكبر -وهو الشرك وما بعده من أنواع الظلم- فقد أسخطوا ربهم وعرضوا أنفسهم للعذاب؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].
وقال أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة".
ثالثًا: الأمن والصلاح في الدنيا والآخرة لا يكون إلا بتحقيق التوحيد لله -عز وجل- وتطبيق شرع الله على مراده واتباع سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور: 55].
وقال -عز وجل-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
فالتوحيد بركة وحياة، والسنة عصمة ونجاة، بل هي سفينة نوح -عليه السلام-، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك وغرق كما قال الإمام مالك -رضي الله عنه-.
قال -عز وجل-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
عباد الله: استغفروا الله وتوبوا إليه جميعًا -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّدًا عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليمًا كثيرًا.
أَمّا بَعدُ:
رابعًا: يجب على كل حاكم إخلاص النية لله تعالى وإقامة العدل وإزالة الظلم والرفق بالناس، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم اللهم فارفق به، ومن ولي من أمورهم شيئًا فشق عليهم اللهم فاشقق عليه".
وقال: "ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
هذا الحاكم، أما المحكوم -وهم الرعية- فيجب عليهم السمع والطاعة بالمعروف؛ قال -عز وجل-: (أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اسمعوا وأطيعوا، ولو تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة"، وقال: "من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني"، وقال: "ستكون أمراء، وستلقون بعدي أثرة"، قالوا: فما تأمرنا؟! قال: "أدوا الحق الذي عليكم، واسألوا الله الذي لكم".
ولما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن هؤلاء الأمراء الظلمة: أفلا ننابذهم؟! أي نقاتلهم، قال: "لا ما صلوا".
وقال: "إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان". وهذا منوط بالقدرة عليه مع تحقق شروط التكفير وانتفاء موانعه.
خامسًا: يجب بذل النصيحة، وأعظم النصيحة النصيحة لولي الأمر، ومن النصح له الدعاء له بالصلاح والعصمة من السوء وبطانة السوء، قال الفضيل بن عياض والإمام أحمد: "لو كان لنا دعوة مستجابة لجعلناها للسلطان؛ لأن بصلاحه صلاح الرعية".
ومناصحة الحاكم تكون سرًّا وبالرفق؛ فإن الله تعالى أمر موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولاً لينًا لعله يتذكر أو يخشى، فكيف بالمسلم؟! ولهذا لما اشتد رجل في النصيحة لهارون الرشيد قال له: يا هذا: إن الله أرسل من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه: 44]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فليأخذ بيده فليخل به، فإن قبلها قبلها، وإن ردها كان قد أدى الذي عليه". رواه ابن أبي عاصم بسند صحيح.
ولما قال الناس لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: ألا تنصح لعثمان؟! ألا ترى ما فعل؟! قال: أما أني قد بذلت له سرًّا، فلا أكون فاتح باب "فتنة"، "وإن من الناس مفتاح خير ومغلاق شر، وإن من الناس مفتاح شر مغلاق خير". كما ورد في الحديث الصحيح. ومن دعا لهذه التظاهرات فقد فتح باب شر وفتنة.
سادسًا: الغيبة محرمة، وهي في حق ولاة الأمر من الأمراء والعلماء أشد؛ لأنها تنزع هيبة الحكم والعلم.
سابعًا: حرمة اجترار هذه الفتن وتصديرها من بلد إلى بلد وسحبها على كل البلدان، فبعض الشر أهون من بعض، وإن من الجهال من يفرح بهذه الفتن ويطيرها في الآفاق ويسوي بين كل البلدان.
ثامنًا: تحريم التفرق والتحزب، وهذه الأحزاب والجماعات مزقت الأمة وشتت شملها، وأصبحت كما قال تعالى: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53]، والله تعالى يقول: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام: 159]، "ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار".
اللهم قِنا شَرَّ الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة رخاءً، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم.
اللهم أصلح قادة المسلمين، اللهم أصلح حكام المسلمين، واجعلهم لشرعك محكمين، ولسنة نبينا متبعين.
التعليقات