عناصر الخطبة
1/تضحيات شعب فلسطين في عيد الأضحى المبارك 2/التضرع إلى الله تعالى بأن يفرج كرب شعب فلسطين 3/الحث على اغتنام الأيام المباركة 4/بعض أحكام الأيام العشر 5/من أحكام الأضحية وفضائلها 6/بعض سنن العيد ومستحباتهاقتباس
لنا أيها الأحبابُ، أيها المرابطون في المسجد الأقصى وفلسطين، أن نجأر إلى الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء الخالص، في هذه الأيام المباركة، أن يفرج كرب شعبنا، وأن يرفع عنه البلاء واللأواء، وأن يثبته مرابطًا صابرًا، في أرض الإسراء والمعراج، فالرحمة لكل الشهداء الأبرار...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، وعَد المؤمنينَ بنصره، وتوعَّد الكافرينَ بخزيه وقهره، فقال -جلَّ مِنْ قائلٍ-: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غَافِرٍ: 51]، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا، وشفيعنا وقدوتنا، محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم، واستن سنتهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والراكعين الساجدين، في المسجد الأقصى المبارَك، والذاكرين الله والذاكرات، في دُنيا المسلمين.
وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: أيام عظيمة مباركة، نحياها اليوم وغدا وبعد غد، أيام باركها الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز، فقال عنها: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)[الْبُرُوجِ: 3]، (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)[الْفَجْرِ: 3]، وقال في الأضحى والأضحية: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)[الْكَوْثَرِ: 1-3]، ومع هذه الأيام الفضيلة، بما فيها من ذكر الله، والدعاء إليه في يوم عرفة، وهو أفضل الدعاء عند الله -تعالى-، وتقديم الأضاحي في يوم النحر، وما يتلوه من أيام التشريق، إلَّا أن شعبنا الصابر المرابط، الثابت في هذه الديار، يقدم مع الأضاحي تضحيات جسام.
نعم، تضحيات من النساء والأطفال والشيوخ والركع السجود، آلاف الشهداء نزفهم إلى الله -تعالى- في هذه الأيام، ونستذكرهم في يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفي هذه الليالي والأيام المبارَكة، فلك الله يا شعبنا الصابر، يا شعبنا الثابت، يا شعبنا المرابط، هناك في غزة هاشم، وهنا في القدس الشريف، وفي كل مدينة وقرية ومخيم وريف، من أرض فلسطين الحبيبة، فلسطين المقدَّسة، فلسطين التي جعلها الله جزءًا من عقيدة كل مسلم، في هذا العالم.
ولنا أيها الأحبابُ، أيها المرابطون في المسجد الأقصى وفلسطين، أن نجأر إلى الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء الخالص، في هذه الأيام المباركة، أن يفرج كرب شعبنا، وأن يرفع عنه البلاء واللأواء، وأن يثبته مرابطًا صابرًا، في أرض الإسراء والمعراج، فالرحمة لكل الشهداء الأبرار، والدعاء الخالص للجرحى والمرضى بالشفاء العاجل، والحرية كل الحرية لأسرانا ومعتقَلينا البواسل، وما ذلك عليك يا ربَّنا بعزيز، فأنتَ وحدَكَ القادرُ على كل شيء.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نعم، إن يوم عرفات، وهو الذي يصادف يوم غد التاسع من الأيام المبارَكة الكريمة، من العشر الأوائل من شهر ذي الحجة الحرام، موقف فيه يضرع حجاج بيت الله الحرام، ويشاركهم الصائمون تطوُّعًا لله -تعالى-، في سائر ديار الإسلام والمسلمين، ندعو الله -تعالى- أن يكشف الغم، وأن يزيل الهم، وأن يجبر كسر المكسورين، وأن ينتصر لعباده المظلومين.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: في هذا اليوم من أيام شهر ذي الحجة، وهو ما يُعرَف بيوم التروية، يبدأ صعود حُجَّاج بيت الله الحرام، إلى منى ليبيتوا فيها، والمبيت فيها سنة، ثم يصعدون إلى عرفات الطاهر؛ ليقفوا الموقف العظيم الأكبر، ملبِّينَ داعينَ متضرِّعينَ، إلى الله -تعالى- أن يتقبَّل حَجَّهم، وأن يغفر ذنبَهم، نسأله -تعالى- أن يجعلنا من المقبولينَ، وأن يغفر لنا ذنوبنا، إنه على كل شيء قدير.
عرفات -أيها المسلمون- أكرم يوم من أيام الله -تعالى-، يباهي الله به أهل السماء، بحجيج بيت الله الحرام، يقول مخاطِبًا ملائكته: "انظروا إلى عبادي، جاءوني شعثًا غُبرًا ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم".
نعم، أيها المسلمون: إن وقفة عرفات، ويوم عرفات هو يوم الحج الأكبر، وهو الركن الأعظم، من أركان الحج، وقف في ذاك الصعيد الطاهر نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ملبِّيًا، مُكبِّرًا، مُهلِّلًا، داعيًا الله -تعالى- غفران الذنوب، وستر العيوب، اللهمَّ نسألك غفران الذنوب، وستر العيوب، يا ربَّ العالمينَ.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وبعد وقفة عرفة، والصلاة فيها ظهرًا وعصرًا قصرًا وجمعَ تقديمٍ، ينفر الحجيج دافعين إلى مزدلفة، وقد أدوا الركن الأكبر من أركان الحج، هذه الإفاضة التي سطرها القرآن الكريم، آيات كريمة، في محكم تنزيل رب العالمين، ثم يأتي يوم النحر، وهو اليوم الثاني من أيام الحج، والعاشر من أيام شهر ذي الحجة، هذا اليوم الذي يرمي فيه الحجيج جمرة العقبة الكبرى، ويحلقوا أو يقصروا شعورهم، ويطوفوا بالبيت العتيق؛ (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[الْحَجِّ: 29]، يطوفون طواف الإفاضة، وهو ركن كذلك من أركان الحج، ثم يتحللون من إحرامهم بعد ذبح الهدي والأضاحي، وقد تم حجهم، وما بقي عليهم إلا رمي الجمرات، في اليوم الثاني والثالث من أيام عيد الأضحى المبارك، ثم يودعون بيت الله الحرام قافلين إلى ديارهم وأوطانهم، بعد السلام والصلاة على نبينا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، في المدينة المنوَّرة، هناك حول ضريحه الشريف، وروضة الله المباركة، التي هي روضة من رياض الجنة، نسأل الله أن يبلغ حجاجنا وحجيج المسلمين آمالهم، ويغفر لنا ولهم ذنوبهم، وأن يجعلنا من حجاجه وزوار نبيه، في سنوات قادمة، بإذنه -تعالى-، جاء في الحديث الشريف، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أول نسكنا في يوم النحر هو أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله"، أو كما قال، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبيَّ بعدَه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا، محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد، أيها المسلمون: من أذكار الله -تعالى- في هذه الأيام المباركة: التكبير والتهليل والتحميد، لله -سبحانه وتعالى-، ويبدأ من صباح الغد؛ أي بعد أذان الفجر من يوم عرفة، وصيغة هذا التكبير والتهليل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله وأكبر ولله الحمد، فنسأل الله -تعالى- أن يجعلنا من الذاكرين الشاكرين، في هذه الأيام المباركة، ويستمر التكبير إلى عصر يوم الرابع من أيام العيد؛ أي اليوم الثالث من أيام التشريق.
ومن أحكام هذا العيد واليوم العاشر لذي الحجة: هو نحر الأضاحي، والتقرب إلى الله -تعالى- بها، عسى أن يغفر الله -سبحانه- للمتقربين بها إلى الله، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)[الْحَجِّ: 37]، فلنقدم هذه الأضاحي خالصة لله، تقربًا إلى الله -تعالى-، وإحياء لسنة سيدنا إبراهيم، وابنه إسماعيل -عليهما السلام-، واقتداء بسنة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ويبدأ وقت النحر من بعد صلاة العيد؛ أي عيد الأضحى المبارك، ووقت صلاة العيد هنا في المسجد الأقصى المبارَك وفي أرض فلسطين، هو الساعة السادسة وخمس دقائق، من صباح يوم الأحد، يوم عيد الأضحى المبارك، وقت الصلاة الساعة السادسة وخمس دقائق بالتوقيت الصيفيّ الحالي.
ثم -أيها المسلمون- هذه الأضاحي السُّنَّة فيها أن تُقسَّم أثلاثًا؛ فثلث لأهل بيت المضحي، وثلث للفقراء، وثلث للأقارب والأصدقاء، هكذا وردت السنة بذلك، وقد ضحى رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أبيضين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر؛ ولذلك -أيها المسلمون- يُسَنُّ لمن يُحسِنُ الذبحَ أن يَذبَحَ ويتولَّى نحرَ أضحيتِه بنفسه، ومَنْ كان لا يعرف ذلك فله أن يُوَكِّلَ غيرَه، كما يجوز التوكيلُ بذبح الأضحية في أرض فلسطين أو في أيِّ مكانٍ آخَرَ، يراه المسلمُ أنفعَ للمسلمينَ.
وفي هذا اليوم أيها المسلمون، يوم العيد، الذي أصاب الشاعر حين قال:
عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ *** لِمَا مضى أَمْ لأمرٍ فيكَ تجديدُ
نسأل الله -تعالى- أن يثبِّتنا وينصرنا في هذه الأيام المباركة، وأن يجعل أيامنا القادمة خيرًا من هذه الأيام، وأن يحقن دماء أبناء شعبنا في كل مكان، وأن يحقن دماء المسلمين هناك في السودان وغيرها من ديار المسلمين، وأن يردنا إليه ردًّا جميلًا، ويهيئ لنا ولأمتنا قائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا.
أيها الأحبابُ، أيها الكرام، أيها المرابطون في المسجد الأقصى وأرض فلسطين: في أيام العيد يُسَنُّ لنا أن نزور أسر الأسرى والشهداء، والمحتاجين، وما أكثرهم بين أبناء شعبنا الصابر المرابط، في هذه الأيام علينا بالتواصل والتراحم، والتكاتف عسى الله -تعالى- أن يفرج كربنا، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، وتقبل مع المقبولين يا ربَّ العالمينَ.
عبادَ اللهِ: سنقيم بعد أداء صلاة الجمعة صلاة الغائب عن أرواح الشهداء، وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ: أقمِ الصلاةَ.
التعليقات