عناصر الخطبة
1/ انتشار التقنية ووسائل الاتصال بخيرها وشرها 2/ مضار ناتجة عن الدخول في مواقع الإنترنت 3/ فوائد لتلك المواقع 4/ استثمار هذه التقنية الحديثة في الدعوة 5/ التحذير من استغلال الفاسدين للتقنيات الحديثة لإيذاء الخلق 6/ خطوات لتخفيف المفاسد الناجمة عن مواقع الإنترنتاهداف الخطبة
اقتباس
من سمات هذا العصر انتشار التقنية الحديثة، تقنية المعلومات، بشكل سريع وكبير، لاسيما وسائل الاتصال والتواصل، كالانترنت وأمثاله؛ ومع غض النظر عن تفاوتها ما بين نافع وضار، لا شك أن هذه التقنية لها فوائد لا تُنكر، ومنافع لا تُجحد؛ ولكنَّ واقع كثير من شبابنا، واقع كثير من أبناء المسلمين أن الاستعمال لهذه التقنية منصبٌّ على الأمور الضارة لا على الأمور النافعة، فاستعملوها فيما يضرهم؛ فجلبت لهم الويلات والبلايا ..
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: من سمات هذا العصر انتشار التقنية الحديثة، تقنية المعلومات، بشكل سريع وكبير، لاسيما وسائل الاتصال والتواصل، كالانترنت وأمثاله؛ ومع غض النظر عن تفاوتها ما بين نافع وضار، لا شك أن هذه التقنية لها فوائد لا تُنكر، ومنافع لا تُجحد؛ ولكنَّ واقع كثير من شبابنا، واقع كثير من أبناء المسلمين أن الاستعمال لهذه التقنية منصبٌّ على الأمور الضارة لا على الأمور النافعة، فاستعملوها فيما يضرهم؛ فجلبت لهم الويلات والبلايا.
وإذا تأمل المسلم بالعدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حقٍ حقه رأى أن لتلك الوسيلة سلبيات وإيجابيات، فواجبُ المسلم أن يأخذ من إيجابياتها وأن يبتعد عن سلبياتها؛ حفظاً على دينه وأخلاقه.
فمن أضرارها إفساد العقيدة، إذ هذه المواقع مفتوحةٌ على مصراعيها، فيها مواقع تحارب الإسلام وتنشر الكفر والضلال والإلحاد، وتروج البدع والشركيات، وتُحدث الشبه التي تتعارض مع مسلِّمات الدين وثوابته من قدحٍ في العقيدة، وقدحٍ في السنة، وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسيرة أمهات المؤمنين، وصحابته الكرام، رضي الله عنهم وأرضاهم، فهذا ضررٌ عظيم، وخطرٌ كبير عند مَن يقل علمه، ويضعف إيمانه، ربما ينخدع بما يشاهد في هذه المواقع، لاسيما إن كان قليل العلم، ضعيف البصيرة.
ومن أخطرها إفساد الأخلاق، حيث إن كثيراً من هذه المواقع تنشر في صحفها صوراً فاضحة، ومقاطع تخدش الحياء، ومشاهد تحارب القِيِم والفضائل، وتدعو إلى المنكرات والرذائل.
ومن أخطارها وسلبياتها ما يحصل من هذه الأجهزة من لقاءٍ بين الفتيان والفتيات، وتبادل الصور والأرقام الجوالية، وربما حصلت لقاءات مشبوهة وعلاقات مشبوهة تُحدث جرائم أخلاقية يندم عليها الشاب المسلم وتندم عليها الفتات المسلمة، وهذا لا شك ضررٌ عظيم، وخطر كبير.
ومن سلبياتها إضعاف التحصيل العلمي لدى شبابنا الذين اشتغلوا بها دائماً فتناسوا منافعهم وفوائد دراساتهم، وأصبحت تلك المواقع شغلهم الشاغل حتى قلَّ تحصيلهم العلمي، بل لو كانوا في ليالي الامتحان اشتغلوا بها تسليةً حتى يضعف إنتاجهم وتحصيلهم العلمي.
ومن سلبياتها أن البعض عزل الكتب، واستغنى بهذه المواقع عن الكتب الموجودة، وظن أنها ثقتهم في كل أحوالها، ولا شك أن هذا تصور خاطئ، فهي -وإن وجدت فيها المعلومات- لكن لا يجوز لك أن تعتقد صحة كل ما يقال مع هجران الكتب، وخير جليس للمسلم كتابٌ يستفيد منه وينتفع منه.
ومن سلبياتها الانزواء والانطواء عند كثيرٍ ممن يستمعها فيشتغل بها عن نفسه وعن أسرته ومجتمعه المحيط به، إذ في مواقعها ما يُشغل عن كل خير، ويُلهي عن كل نافع، فالانزواء والانطواء نحوها ربما عرَّض الإنسان في فكره وتصوراته وميوله أموراً تحدث عليه.
وكم حُدِّثنا عن كثيرٍ من هذه الأمور التي أودت بكثير من الرجال إلى سوء العلاقة بينهم وبين زوجاتهم بأسباب تلك المواقع ومشاهداتها وما فيها من الضرر والأخطار؛ لأن هؤلاء أعرضوا عن الجانب الإيجابي واشتغلوا بسلبياتها الضارة المؤذية، حتى إن بعضهم ربما أجبر امرأته على مشاهدة بعض هذه المواقع السيئة وما فيها من ممارسات خاطئة يريد تطبيقها على نفسه وأهله، وهذا من الجهل!.
ومن سلبياتها أن فيها مواقع تدعو إلى كل رذيلة من تغريب، من المسكرات والمخدرات وصناعتها وكيفية استعمالها وتهوين خطرها على الشباب المسلم، وهذا من أعظم سلبياتها.
ومن سلبياتها وأضرارها يطرحون فيها قضايا سياسية، وقضايا اجتماعية يضخِّمون الأحداث؛ لكي يوقعوا الناس في التحدث بلا فائدة، فيتكلم فيها من لا يحسن القول، ومن لا يدرك أخطارها وأضرارها.
ومن سلبياتها نشر الإشاعات الكاذبة والأراجيف والأباطيل، إذ أحياناً تناقش أحدا أو قضية ثم يستغلها الأعداء لإشاعة الأراجيف والأكاذيب وترويج الشائعات المغرضة في إحداث بلبلة في المجتمع المسلم؛ فتشغلهم عن واجبهم، ويتلهون بذلك، ويتبادلون معلوماتها يظنون أنها مصدر ثقة، وكلها ومعظمها وغالبها كذبٌ وافتراءٌ ودجل.
ومن سلبياتها إضاعة الأوقات، فبعضهم ربما يهتم بذلك، ويجلس عليها معظم ليله أو معظم نهاره؛ بل تراه حتى في مكتبه يشتغل بها عن معاملات الناس، وعن الواجب الوظيفي المفروض عليه؛ لكنه يشتغل تسليةً بها، وتصده عن واجبه، وتضعف أمامه الواجبات، فيراجعه المراجعون ويتلهى عنهم بما يشاهده ويقلبه من صفحات هذه المواقع، وهذا من الخطر العظيم؛ بل بالغ بعضهم في ذلك حتى صار من المدمنين في هذا، وهذا ضارٌ غير نافع.
ومن سلبياتها الطعن في الشخصيات العلمية أو الدينية أو الاجتماعية أوالسياسية بغير حق، وجلب الأكاذيب والأباطيل، وتلفيق التهم التي يعلم الله براءة مَن قيلت فيه؛ لكنها الحماقة والجهالة وضُعف الإيمان، وفي الحديث: "يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه: لا تؤذوا المسلمين، ولا تتتبعوا عوراتهم، فمن تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته أخزاه ولو في جوف بيته".
فكما تبحث عن معايب الناس وأخطاءهم وزللهم يسلط الله عليك من يحرك أخطاءك ويبحث عنك من عيوبك، فاتقِ الله في نفسك، واحمِ أعراض المسلمين قبل أن تعاقب، وفي الأثر: من عيَّر أخاه بذنب لم يمـُتْ حتى يفعله، وفيه: لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك.
ومن سلبياتها ما تفعله بعض الأخوات -هدانا الله وإياهن- من التقاطٍ لصور بعض الفتيات في حفلات الزواج أو المناسبات وهن على أمرٍ قد لا يكون فيه تحشُّمٌ في اللباس؛ فتنشره في هذه المواقع، ويستغله بعض مرضى النفوس وضعفاء الإيمان بالتحرش بتلك الفتيات، أو السعي في التفريق بينها وبين زوجها بما ينشرونه ويدبلجونه من هذه الصور الفاضحة، فلْيتَّقِ اللهَ المسلمُ، ولْيحرص على حماية عرض أخواته، فإنك إذا فعلت ذلك سُلِّط عليك من يبلوك في زوجتك وبناتك، فاتقِ الله في نفسك!.
ويا أيتها الأخت المسلمة، إيَّاك أن تثقي بما يحصل في هذه المواقع من هذه الأضرار العظيمة! إيَّاكِ أن يخدعكِ ذئاب البشر الذين يريدون إفساد عرضكِ، والقضاء على حشمتكِ وعفتكِ بواسطة هذه المواقع، وعرض هذه الصور، والدعوى أنهم يريدون الخِطبة منكِ! فلتُؤْتَ الأمور من أبوابها، ولا تكن تلك المواقع هي الوسيلة؛ فإنها مواقع شرٍ وأذى.
أيُّها الإخوة: وإن الواجب على المسلمين حماية المجتمعات المسلمة من أضرار تلك المواقع وسلبياتها؛ وذلك يكون بطريقة مستمرة، فأعداؤنا لا يفترون عن إضرارنا؛ بل هم دائماً ساعون فيما يضرنا وفيما يؤذينا، وخير عاصمٍ لنا تمسكنا بكتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فهي خير واقٍ لنا من هذه الأضرار المحدقة بنا.
أيها المسلم: إن هناك خطواتٍ مهمةً لو سلكها المسلمون لخفَّ عنهم كثير من أضرار تلك المواقع ومفاسدها، فلابد من توعية المجتمع باختلاف طبقاته، وتحذيره من هذا الغزو الإعلامي الضارِّ الموجّه المنظّم، الذي يستهدف العقيدة والأمن والقِيم والأخلاق، فلابد من تحذير ذلك بمحاضراتٍ وندوات، وكذلك بالكتب والأشرطة النافعة التي تخفف هذه الشرور، وتضعف شأنها.
ولابد للفرد المسلم الذي يحمل همَّ دينه ويتصور مكايد أعدائه أن يحذِّر بيته وأهل بيته وإخوته والمحيطين به، كلٌّ على قدر استطاعته، توعية إسلامية تحذرنا من هذه المواقع التي يصعب حجبها أو تشفيرها، فالتوعية ونشرها بين أفراد المجتمع في جامعاتنا ومدارسنا وتجمعاتنا مهمة، توعية صالحة تبيِّن أخطار هذه المواقع وتصور أضرارها؛ ليهتديَ المسلمون، وليكونوا على بصيرةٍ من أمرهم.
ولابد من إيجاد بديل يعوِّض الناس عن هذه المواقع، من مواقع إسلامية تدعم بالأدلة الشرعية لعلها أن تخفف هذا الضرر، ولعل الناس أن ينظروا إليها فيصغوا إليها، وتخف عنهم وطأة تلك المواقع الضارة وسلبياتها وأذاها.
ولابد من نشر العلم الشرعي الذي يحمله الناس، فالعلوم الشرعية ونشرها في التعليم عموماً يخفف هذه الأضرار ويقلل من شرها.
ولابد من تعيين بعض المواقع السيئة التي يُعرف عنها محاربتها هذه القيم والأخلاق ودعوتها إلى الفوضى والشرور أن يحذَّر الناس منها، ويبيَّن لهم ما فيها من أخطار وأضرار.
ولابد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للتحذير من هذه المواقع، وتبصير الناس حتى يكونوا على بيِّنة من أمرهم، ولابد من الاعتدال في استعمالها.
أيُّها المسلم: وإذ بينا سلبياتها وطريقة التخلص منها، فنحن لا نتجاهل أن هذه الوسائل وسائل علم ومعرفة يمكن من خلالها الاطلاع على بعض المهمات من شؤون هندسية وطبية، وعلوم إنسانية مختلفة، ولغة عربية وتاريخ وأمور عظيمة، لأنها تحتوي على خير وشر؛ لكن المهم أن نحذر من سلبياتها وأضرارها، وأن نسخِّر هذه التقنية فيما يعود علينا بالمنفعة، لا فيما يجمع الضرر، وهي -لا شك- وسيلة للدعوة إلى الله إذا استغلها المسلمون في الدعوة إلى الله، وتضافرت الجهود والأقلام الخيِّرة بكتابة الحق والدعوة إليه، وقمع الباطل، ودحض الحجج الباطلة بالحق، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ) [الأنبياء:18]، وقال تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) [الإسراء:81].
ولابد من توعية الرأي العالمي بذلك من نشر محاسن الإسلام وفضائله، والدعوة إليه، ومناقشة كل الشبه ودحضها بالحق الواضح المبين، وهي وسيلةٌ -بلا شك- تسهِّل اتصال الناس بعضهم ببعض، وهي وسيلةٌ أيضاً في أعمال الأمة ودوائرها في جميع مستلزمات الدولة، فهي وسيلةٌ فيها منفعةٌ لا إشكال في ذلك ولا التباس، لكن التحذير من السلبيات والأضرار التي تحملها هذه الأجهزة واجب.
وهي -لا شك- وسيلةٌ للتجارة، وسيلةٌ لتبادل المعلومات، وهي وسيلة أيضاً لنشر العلم النافع من خلال التعليم عن بُعد، فالتعليم عن بُعد بواسطة هذه التقنيات نافعٌ ومفيد، إنما نحن نحذِّر من سلبياتها وأضرارها، وننشر التوعية الإسلامية بين شبابنا وفتياتنا؛ ليكونوا على بصيرة من هذه المواقع المشبوهة الخطيرة التي وراءها مَن وراءها ممن يريدون إحداث البلبلة، وتفريق الصف، وتشتيت الأمة، وإحداث الضرر، وحقن الأمة بالحقد والبغضاء على شخصياتٍ إسلامية، كل ذلك حرصاً من الأعداء على إلحاق الضرر بنا.
ولكن؛ إذا انتبهنا لأنفسنا، وسعينا في تخليص أمتنا من أخطارها، فعسى الله أن ينفع بالأسباب، (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله: أعراض المسلمين حرام كحرمة دمائهم وأموالهم، وفي الحديث، في خطبة نبينا يوم النحر: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام"، إن سباب المسلم شبيه بقتله، وفي الحديث: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، وفيه: "سبُّ المسلم كقتله"، فلْيَحْذَر المسلم من سباب الناس، ولْيَحْذَر مَن يتفرَّح بعورات الناس والاطلاع على أخطائهم، وليحمد الله على العافية، وليبذل النصيحة حيث كان موضعها.
أيُّها الأخوة: إن من التواصل الاجتماعي بين الناس ما عُرف اليوم في هذا الزمن بما يسمى بــ (التويتر)، هذا الموقع الذي حقيقته أنه تقنيةٌ حديثة قليلة الألفاظ واسعة الانتشار ينخدع به الكثير، يتكلم فيه من لا علم عنده ولا بصيرة ولا اختصاص، فيتكلم فيه العالم والجاهل ومن لا خبرة ولا علم عنده ولا خبرة، فيكتب ما يشاء، ويتَّبِعُ ما يشاء، ويُعَقِّب على مَن شاء، ويؤيد من شاء، ويذم من شاء، بلا روية، بلا ضابط شرعي.
هي مواقع يتكلم مَن فيها مِن غير اختصاص ومن غير علم، والبعض من الناس يثق بها ويعطي الصدق ما فيها من غير روية، وليس كذلك، فكثير منها مبني على الكذب والافتراء لا على الحقيقة، ولكنها نفوس مريضة تُعرِض أن تواجه بالحق فتنشر الباطل والأكاذيب.
فالحذَرَ الحذَرَ من التصديق والانسياق وراء كل ما يُلقى! فيها فإنها وسيلةٌ خاطئة، إنها تضيِّع الأوقات، مع اختلافٍ في الثقافات، وعدم وجود ضوابط في الفرق بين الحق والباطل، إنها تدعو إلى تراشق التهم بين الناس، إنها تدعو إلى تراشق التهم، إنها تروج الأكاذيب والأراجيف، يستعملها البعض لإحداث الشهرة وبروزه وظهوره فيها.
إنها وسيلةٌ -أيضاً- للسلب والسب والطعن في الناس بغير علم، وهذه أمور خطيرة لا يجوز للمسلم الانسياق لها، إنها تحمل أحياناً فتاوى تُنسب للعلم مختزلة، وغير مدعَّمة بالدليل، فيظن الظانّ أنها فتاوى شرعية، وربما تكون من أساليب الأعداء في تحريف الكلم عن مواضعه، نشرٌ للأكاذيب والحكايات التي لا حقيقة لها، فواجب المسلم أن يتثبت فيما يسمع، وأن لا يشيع ما لا علم عنده، فكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].
إن مريدي الإصلاح والنقد البنَّاء الهادف له طرقه ووسائله، أما أن تستعمل هذه الوسيلة التي تنشر فيها الأكاذيب والأراجيف والأباطيل والافتراءات بغير دليل ولا برهان فهذا في الحقيقة أمر خطير.
فعلى المسلم أن يترفَّع عن هذه الرذائل، وأن يسمو بنفسه بأن لا يكون مصدراً لها أو يُمدها أو يرضى بها؛ بل يتقي الله في نفسه، ويحمي أعراض المسلمين، ويحمد الله على العافية والسلامة من البلاء، ويقول الحمد لله الذي عافاني مما ابُتليَ به كثيرٌ من الناس وفضَّلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً؛ أما أن نُصغي لهذا الموقع، وأن نجعله مصدر علمنا، ومصدر تحصيلنا، وننشره ونشيعه...
والبعض كلما جلس قال: سمعت البارحة في هذا الموقع كذا وكذا، وتُحدِّث عن كذا وكذا، ما مصدر هؤلاء؟ ومن الذي بعثك على أن تنشر أقوالهم، وتحبِّذ آراءهم، وأنت لا تعلم الحقيقة؟ أتُصغي لهؤلاء؟.
إن الإصغاء والانسياق وراءهم ووراء ما يفترون ويقولون، إنه لخطرٌ عظيم، فكفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع، بئس مطية قوم قالوا، فليحذر المسلم، وليتق المسلمون ربهم، وليحذروا من الانخداع والوقوع في الآثام من غير ما يعلمون.
إن النقد الهادفة والنصيحة الطيبة لها سبلها وطرقها وأبوابها، لا أن ننشرها في هذه الوسيلة، فتسير بها الركبان؛ كذب وافتراء ودجل وطعن في الناس، وتشكيك في كثيرٍ من الأمور، ودعوة للفوضى والاضطراب والضرر، إن وراءها مَن وراءها من أعداء ديننا يروجون لهذه الوسيلة، ويدعون إليها ويحبذونها.
وللأسف! إن أبناءنا اشتغلوا بها، وأعداءنا اشتغلوا بما ينفعهم، وحصَّلوا منها ما يفيدهم، وبقيت السلبيات والأضرار بأيدنا -معشرَ المسلمين- نتبادل معلوماتها، ويحدِّث بعضنا بعضا بها، ونجعلها كأنها صدقٌ وكأنها حقيقة وهي كذب وباطل وافتراء، نسأل الله السلامة والعافية.
واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى اللهُ عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رَحِمَكُم اللهُ- على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد...
التعليقات