عناصر الخطبة
العناصر 1/متقاعد اليوم موظف الأمس 2/توجيهات ونصائح للمتقاعدين 3/دعوة لتكريم المتقاعدين 4/التحذير من بدع شهر رجباقتباس
مِنْ حَقِّ إخْوَانِنَا المُتَقَاعِدينَ عَلينَا أَنْ نَعْتَرِفَ بِفَضْلِهِمْ وَحَقِّهِمْ؛ فإنَّهُمْ أَفْنَوا زَهْرَةَ شَبَابِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ طَلَبَاً لِعَيْشٍ كَرِيمٍ، وَسَعْيَاً لِخِدْمَةِ المُسْلِمِينَ وأَولادِهِمْ، وهَا هُمْ بَعْدَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ يَحُطُّونَ رِكَابَهُمْ، وَيُسَلِّمُونَ الزِّمَامَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، ومن جميلِ الوفاءِ الذي نشهدُهُ أن...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ على إمدادِ الأعمارِ، وأمانِ الديارِ، وعلى الغيثِ المِدرارِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العزيزُ الغفارُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه للإنسِ والجانِ، صلى اللهُ وسلمَ عليه ما تَعاقَبَ الليلُ والنهارُ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ؛ فـ(إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)[هود: 49].
واحدْ سبعةْ هوَ منتصَفُ السنةِ الهجريةِ، وهو موعدٌ مرتقبٌ لقومٍ سيبدأُ عُمرُهمُ الثاني، واحدْ سبعةْ موعدٌ مرتقَبٌ لإخوانِنا المتقاعدِينَ عن العملِ الوظيفيِ.
أَيُّهَا المُتَقَاعِدُ الكَرِيمُ: قَدْ كُنْتَ تَنْتَظِرُ تِلْكَ الفُرْصَةِ بِفَارِغِ الصَّبْرِ، وَهَذِهِ هِيَ مَرَاحِلُ الحَيَاةِ فِي تَنَقُّلاتِهَا وَتَقَلُّبَاتِهَا، فأخوكَ ينتظِرُ الفُرصةَ بعدَك، كما كنتَ تنتظِرُ الفرُصةَ ممن قبلَك؛ فمُوظفُ اليومِ مُتقاعِدُ الغدِ، ومُتقاعِدُ اليومِ مُوظَّفُ الأمسِ، ومن الطريفِ المعلومِ أن موعِدَ انتهاءِ الخدمةِ معروفٌ ومحسوبٌ بالشهورِ والأيامِ، فلماذا التضايقُ ولماذا التحزنُ؟! فهذه هيَ مراحِلُ الحياة في تنقُّلاتها وتقلُّباتُها وغِيَرِها وعِبَرِها: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ)[فاطر: 37].
أَيُّهَا المُتَقَاعِدُ المتجدِّدُ: لَئِنْ شَعُرْتَ بِضَعْفِ بَدَنِكَ فَلْتَعْلَمْ أنَّهُ قَدْ قَوِيَ عَقْلُكَ، وَلَئِنْ لاحَ الشَّيْبُ فِي رَأْسِكَ فَلَقَدْ ظَهَرَتْ الحِكْمَةُ فِي رَأْيِكَ؛ (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الروم: 54].
أَيُّهَا المُتَقَاعِدُ العابدُ: كَمْ مْنَ المَشَارِيعِ الأُخْرَويةِ التي كُنْتَ تَتَمَنَّاهَا فَها هِيَ فُرْصَتُكَ؟ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]، واقتَدِ بمثلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ حينَ اجْتَهَدَ بالعِبَادةِ لمَّا كبُرَ، فَقِيلَ لَهُ: "لَوْ أَمْسَكْتَ أَوْ رَفَقْتَ بِنَفْسِكَ بَعْضَ الرِّفْقِ"، فَقَالَ: "إِنَّ الْخَيْلَ إِذَا أُرْسِلَتْ، فَقَارَبَتْ رَأْسَ مَجْرَاهَا، أَخْرَجَتْ جَمِيعَ مَا عِنْدَهَا، وَالَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجْلِي أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ"؛ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ.
وَلنعْلَمْ أَنَّ مَفْهُومَ العِبَادَةِ وَاسِعٌ، لا يَنْحَصِرُ بِكَثْرَةِ صَلاةٍ ولا قِرَاءَةِ قُرْآنٍ، فَأَعْمَالُ البِرِّ -بفضلِ اللهِ- يزيدُ عددُها على أيامِ عُمُرِك، وفرصةٌ طيبةٌ متاحةٌ أن تكونَ عضوًا أو متعاوِنًا معَ جمعيةٍ تطوعيةٍ تناسِبُكَ، واحذرْ البِطالةَ والعَطالةَ، وَمَا أَحْكَمَ ابْنَ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ قَالَ: "إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَرَاهُ فَارِغًا، لَا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ".
أَيُّهَا المُتَقَاعِدُ الواعِدُ: حكيمٌ مَن يَنظرُ إلى التقاعُدِ على أنه بوابةٌ تتفتَّحُ على بيئةِ عملٍ جديدٍ؛ فحياةُ المرءِ وحيويَّتُه ليستْ متوقفةً على عملٍ نظاميٍّ، أو مربوطةً بوظيفةٍ مُؤقَّتةٍ.
أَيُّهَا الفضلاءُ الأوفياءُ: مِنْ حَقِّ إخْوَانِنَا المُتَقَاعِدينَ عَلينَا أَنْ نَعْتَرِفَ بِفَضْلِهِمْ وَحَقِّهِمْ؛ فإنَّهُمْ أَفْنَوا زَهْرَةَ شَبَابِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ طَلَبَاً لِعَيْشٍ كَرِيمٍ، وَسَعْيَاً لِخِدْمَةِ المُسْلِمِينَ وأَولادِهِمْ، وهَا هُمْ بَعْدَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ يَحُطُّونَ رِكَابَهُمْ، وَيُسَلِّمُونَ الزِّمَامَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، ومن جميلِ الوفاءِ الذي نشهدُهُ أن يقيمَ زملاءُ المتقاعدِ حفلَ تكريمٍ له، وربَّما هدايا له ولأهلهِ، فما أجملَ الوفاءَ من أهلِ الوفاءِ! (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[البقرة: 237].
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:
فيَا عِبَادَ اللهِ: يَعْتَقِدُ بَعْضُ النَّاسِ بِلا دَلِيْلٍ أنَّ لشَهْرِ رَجَبٍ بَعْضَ الخَصَائِصِ وَالْعِبَادَاتِ، ومِمَّا أَحَدَثَوُهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ استحبابهُم صِيَامَهُ أَوِ الاعْتِمَارَ فِيْهِ؛ اِعْتِقَادًا مِنْهُمْ أَنَّ لِلْعُمَرَةِ فِيهِ مَزِيَّةً، وَلكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ اِعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ؛ ولِذَا رَدَّتْ عَائِشَةُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لَمَّا قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اِعْتَمَرَ أَرْبَعُ عُمْرَاتِ إحْدَاِهِنَّ فِي رَجَبٍ"، فَقَدْ فقَالَتْ: "يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمَرَهُ إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ"، وَابْنُ عُمَرَ يَسْمَعُ، فَمَا قَالَ: لَا، وَلَا نَعَمْ؛ سَكَتَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
قالَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: "ليسَ لشهرِ رجبٍ مَيزةٌ عن سواهُ من الأشهُرِ الحُرُمِ، فلا يُخَصُ لا بعمرةٍ ولا بصيامٍ ولا بصلاةٍ ولا بقراءةِ قرآنٍ"(مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)، لَكِنَّ لَوْ اعتَمَرَ فِي رَجَبٍ مِنْ غَيْرِ اِعْتِقَادِ فَضْلٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ لِأَنَّهُ تَيَسَّرَ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَلَا إِشْكَالَ.
وأما الإسراءُ والمعراجُ الذي اشتُهرَ عند كثيرٍ من الناسِ أنه في رجبٍ، وفي ليلةِ السابعِ والعشرينَ منه، فلا صحةَ له إطلاقاً، قالَ ابنُ القيمِ: "لَا يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِينَ تَخْصِيصُ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ بِقِيَامٍ وَلَا غَيْرِهِ"(زاد المعاد في هدي خير العباد).
فيا أهلَ التوحيدِ والسُنةِ: "اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا، فَقَدْ كُفِيتُمْ، كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"(المعجم الكبير للطبراني عن ابن مسعود).
فاللهم لكَ الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ، اللهم لك الحمدُ على التوحيدِ والسُنةِ في بلدٍ يُحكّمُ الكتابَ والسنةَ، حيث الأمانُ ومأرِزُ الإيمانِ، اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ، اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللهم أيدْ بالحقِ إمامَنا، ووليَّ عهدِه، وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ، اللهمَ لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من وديانٍ وشِعابٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا رَبِيعَهَا، وَأَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا سَكَنَهَا، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
التعليقات