عناصر الخطبة
1/ التفكر في الدنيا وحقيقتها 2/ قِصَر أعمار بني آدم 3/ أهمية اغتنام الأوقات في الطاعات 4/ وجوب هجر المعاصي والسيئات 5/ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله 6/ إياك أن تغلق على نفسِك باب الرحمة.اقتباس
يا من أطغَتْه صحَّتُه فعصَى .. يا من أفسَدَه فراغُه فلهَى .. يا من فتَنَه مالُه فتردَّى .. يا من اتَّبعَ هواه فهوَى .. يا من غرَّه شبابُه فنسِيَ البِلَى. يا من جرَّأَه على ربِّه فُسحةُ الأجل .. وبلوغ الأمل .. حتى اختطفَه الموتُ .. فأنَّى له أن يرجِعَ إلى الدنيا.. أما آن لك - أيها الغافل المُعرِضُ العاصِي - أن تتوبَ إلى ربِّك وتُنيب؟! أما آن لك أن تستيقِظَ من هذه الغفلة المُطبِقة وتَستَجيب؟! ألا تعتبِرُ بالقرون الخالية والمساكِن الخاوِية .. كيف صارُوا بعد عينٍ أثرًا، وبعد عزٍّ خبرًا؟!
24/12/1435هذه الخطبة تم إلقاءها أيضا بتاريخ
الخطبة الأولى:
الحمد لله العزيز الغفَّار، يُقلِّبُ الليلَ على النهار ويُقلِّبُ النهارَ على الليل وكل شيءٍ عنده بمِقدار، أحمدُ ربي وأشكرُه على نعمه وفضلِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحدُ القهَّار، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُصطفى المُختار، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه الأخيار.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعُوه؛ فإن طاعتَه أقومُ وأقوى، وتزوَّدوا لآخرتكم فإن خيرَ الزاد التقوى.
عباد الله: تفكَّروا في مُدَّة الدنيا القصيرة، وزينتها الحقيرة، وتقلُّب أحوالها الكثيرة؛ تُدرِكوا قدرَها، وتعلَموا سرَّها. فمن وثِقَ بها فهو مغرور، ومن ركَنَ إليها فهو مثبُور.
فقِصَرُ مُدَّة الدنيا بقِصَر عُمر الإنسان فيها، وعُمرُ الفرد يبدأُ بساعات، ويتبَعُ الساعات ساعات، وبعدَها الأيام، وبعد الأيام الشهور، وبعد الشهور العام، وبعد العام أعوام، ثم ينقضِي عُمر الإنسان على التمام، ولا يدرِي ماذا يجري بعد موتِه من الأمورِ العِظام.
وهل عُمرُ من بعدَك - أيها الإنسان - عُمرٌ لك؟! فعُمرُ المخلوق لحظةٌ في عُمر الأجيال، بل الدنيا متاع، قال الله تعالى: (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر: 39]، وقال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا) [الكهف: 45].
وأخبرَنا ربُّنا عن قِصَر مُدَّة لُبث الناس في قُبورهم إلى يوم بعثِهم للحساب، بأن هذه المُدَّة الطويلة كساعة، قال الله –تعالى-: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ) [يونس: 45]، وقال –جل وعلا-: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) [الروم: 55]، وقال –سبحانه-: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) [الأحقاف: 35].
فما عُمرُك - أيها الإنسان - في ساعة؟! وما نصيبُك من هذه الساعة؟!
فطُوبَى لمن فعل الأعمال الصالحات، وهجَرَ المُحرَّمات، ففازَ برِضوان الله في نعيم الجنات. وويلٌ لمن اتَّبعَ الشهوات، وأضاعَ الصلوات والواجِبات، فهلَكَ في الدَّرَكات.
يا من أطغَتْه صحَّتُه فعصَى .. يا من أفسَدَه فراغُه فلهَى .. يا من فتَنَه مالُه فتردَّى .. يا من اتَّبعَ هواه فهوَى .. يا من غرَّه شبابُه فنسِيَ البِلَى.
يا من جرَّأَه على ربِّه فُسحةُ الأجل .. وبلوغ الأمل .. حتى اختطفَه الموتُ .. فأنَّى له أن يرجِعَ إلى الدنيا.
وفي الحديث: «اذكُروا هاذِمَ اللذَّات؛ فإنه ما ذُكِر في كثيرٍ إلا قلَّله، ولا في قليلٍ إلا كثَّرَه»، وفي الحديث أيضًا: «كفَى بالموت واعِظًا».
أما آن لك - أيها الغافل المُعرِضُ العاصِي - أن تتوبَ إلى ربِّك وتُنيب؟! أما آن لك أن تستيقِظَ من هذه الغفلة المُطبِقة وتَستَجيب؟! ألا تعتبِرُ بالقرون الخالية والمساكِن الخاوِية .. كيف صارُوا بعد عينٍ أثرًا، وبعد عزٍّ خبرًا؟!
إن في إقبالِ عامٍ وإدبارِ عامٍ عِبَرًا .. فيومٌ تُخلِّفُه، ويوم تستقبِلُه، حتى ينقضِيَ الأجل، وينقطِعَ الأمل، قال الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) [النجم: 39- 42].
فاعمَل لدار الخُلد التي لا يفنَى نعيمُها ولا ينقُص ولا يَبيد، قال الله فيها: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق: 34، 35].
واتَّقوا النارَ التي لا يُفتَّرُ عن أهلها العذاب، بامتِثال أمر الله الأكيد، واتِّقاءِ غضبِه الشديد، (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج: 19- 22].
قال الله تعالى: (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة: 223].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يعلمُ السرَّ وأخفَى، قائمٌ على كل نفسٍ بما كسَبَت يُحصِي الأعمال ويجزِي عليها الجزاءَ الأوفَى، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الأسماءُ الحُسنَى، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُجتبَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبه ذوِي الحلمِ والتُّقَى.
أما بعد: فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
عباد الله: إن الله قد فتَحَ لكم أبوابَ الرحمة بما شرعَ لكم من فعلِ الخيرات وتركِ المُنكَرات، فلا يُغلِق أحدٌ على نفسِه بابَ الرحمة بمُحاربَة الله بالذنوب، فقد قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].
واغتنِم - أيها العبد - زمن العافية؛ فإن يومًا يمضِي لن يعودَ أبدًا. فاستودِع أيامَك بما تقِرُ عليه من الحسنات .. واحفَظ صحيفتَك من السيئات.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ».
وعن ابن عُمر - رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابِرُ سبيل». وكان ابن عُمر - رضي الله عنهما - يقول: "إذا أصبحتَ فلا تنتظِر المساء، وإذا أمسَيتَ فلا تنتظِر الصباح، وخُذ من صحَّتك لمرضِك، ومن حياتِك لموتِك".
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا»، فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين يا رب العالمين،اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم أظهِر أنوارَ الإسلام في كل مكان يا رب العالمين، اللهم أظهِر عزَّ الإسلام في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم طهِّر قلوبَنا من النفاق، وأعمالَنا من الرِّياء، اللهم اغفِر لنا ذنوبَنا، ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت.
اللهم أحسِن عاقِبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم إنا نعوذُ بك من سُوء القضاء، ومن درَك الشقاء، ومن جهد البلاء، ومن شماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذُ بك من شماتة العباد يا رب العالمين.
اللهم أعِذنا وذريَّاتنا من إبليس وجنوده وشياطينه وشياطين الجن والإنس يا رب العالمين، اللهم أعِذ المسلمين من إبليس وشياطينه وذريَّته يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اهدِ شبابَنا، اللهم اهدِ شبابَنا وشبابَ المسلمين، اللهم اهدِ شبابَنا وشبابَ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أعِذنا والمسلمين من مُضلاَّت الفتن، اللهم أعِذنا والمسلمين من مُضلاَّت البِدع يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم ارزُقنا التمسُّك بسُنَّة رسولِك - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم ربَّنا لا تُزِغ قلوبَنا بعد إذ هديتَنا، وهبْ لنا من لدُنك رحمةً، إنك أنت الوهاب.
اللهم اقضِ الدَّينَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضَى المسلمين، اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، وأصلِح ذات بينهم، واهدِهم سُبُل السلام، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رِضاك، وأعِنه على كل خيرٍ يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقهما لما فيه الخيرُ يا رب العالمين للإسلام والمسلمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذابَ النار.
اللهم إنا نعوذُ بك من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذُ بك من شرِّ كل ذي شرٍّ، اللهم إنا نعوذُ بك من شرِّ كل ذي شرٍّ.
اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبَا والرِّبا والزِّنا والزلازِل والمِحَن، وسُوء الفتن ما ظهر منها وما بطَن برحمتِك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90- 91].
التعليقات