اقتباس
من يقيننا بوعد الله ينبثق الفجر وينداح، نعيش لنرقب هذا الفجر الوضيء والأفق العالي والمثال السامي، عندما نعيش مع هذا الفجر ولهذا الفجر عندما نعيش من أجل مجد الإسلام فإننا نعيش حياة مضاعفة بقدر ما...
تخيم على المسلمين هذه الأيام أجواء غاية في الكآبة والحزن، تبعث على كثير من اليأس والقنوط، فالمسلمون ما بين شهيد ومصاب ومعتقل في كثير من بلدان الأرض، أموالهم منهوبة، وإرادتهم مسلوبة، وعرضهم منتهك، إلا أن المسلم الحق لا ييأس ولا يقنط من رحمة الله -عز وجل-، فهو يوقن بأن ما يقع في الأرض الله لم يقع إلا بقدره، ووفق إرادته، وهو خير في جانب من جوانبه، فيتفاءل بموعود الله، ويسعى لتحقيق النصر ودفع الظلم وإزالة الباطل..
وبعد أن اتضحت المعالم، وتواطأ الكل مع الظالم، وتغلبت لغة المصالح، وغض الطرف عن المذابح، بعد أن أصبح القتل مباحًا والعرض مستباحًا، بعد أن مدت الروافض لنصرة الكفرة والروافض، بعد أن أسلمت الشام للقتلة واللئام، بعد أن أصبح ملء السمع والبصر سب أبي بكر وعمر، بعد أن أصبح الحوار يترجم بلغة المدافع وينصر الظالم ويلام المدافع..
بعد أن أصبح الدين إرهابًا، والانحراف صوابًا، والصمت جوابًا، بعد هذا كله نرفع رؤوسنا ونمد أبصارنا إلى خيط الأمل المنسل من بين ثنايا الظلام، ونلقي بأسماعنا إلى نداء شفّاف فيه ما فيه من الانعطاف والألطاف.. نداء يمد حبال الأمل منتشلاً قاصديه من براثين اليأس والأمل؛ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[يوسف: 110].
فما أحوجنا إلى الأمل في دنيا البغي، لذلكم نكتب اليوم هذه الكلمات التي هي عصارة قلب تسيل من قلمه الدمعات؛ لتبتسم على الورق الكلمات، وما أجمل أن تكون الكلمات عصارة قلب، فكل إنتاج لم تذب فيه حشاشة النفس إنما هو ضرب من العبث.
نكتب هذه الكلمات ليعقل ساذج، ويتململ راقد، ويتنافس قاعد، ويتأنى متهور، ويفرح هامد يائس بائس، لتغمر القلب برودة السكينة بوعد الله بعد حرارة القلق ولذعة الحيرة ومرارة اليأس والقنوط، نثبّت أفئدة المؤمنين بتجلية حقيقة هذا الدين العظيم، وشرف الانتساب إليه.
ولا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفاف عندما نستطيع أن ندخل الثقة، ونبث الأمل في نفوس المسلمين، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحق الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة".
من يقيننا بوعد الله ينبثق الفجر وينداح، نعيش لنرقب هذا الفجر الوضيء والأفق العالي والمثال السامي، عندما نعيش مع هذا الفجر ولهذا الفجر عندما نعيش من أجل مجد الإسلام فإننا نعيش حياة مضاعفة بقدر ما يتضاعف إحساسنا بالمسلمين.
فالتفاؤل يقوي العزائم، ويبعث على الجد، ويعين على الظفر، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتفاءل ولا يتطير، وكان يعجبه الاسم الحسن"(رواه الإمام أحمد). وهذه القرائن لغة قائمة بذاتها، ولا يفهمها إلا أهلها الذين يرزقهم الله إياها، وقاموسها ضخم ونحوها فيه رفع ونصب، ولا مكان فيه للخفض والكسر والمبتلى بالموازين المادية هو عن هذا الذوق معزل.
إذًا فإن التفاؤل في ظل الأزمة وفي قلب الغمة هو من الإيمان، وهو من التوكل على الله والثقة بوعده. وفي مختاراتنا لهذا الأسبوع انتقينا لخطبائنا الكرام مجموعة من الخطب المختارة حول التفاؤل، لنذكّر الناس بأهمية هذا الخلق لا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب والتشكي أحوال العباد، متتبعين أهم الطرق التي يمكن من خلالها التخلق بالتفاؤل والأمل لمواجهة الحياة، محذرين من التشاؤم والتطير وأثره المدمر على حياة الفرد والمجتمع.
التعليقات