الكاتب : تيار الاصلاح
إن الله عز وجل أودع في قلوب الأبوين حبًا، ورحمة، ورأفة، وعاطفة جياشة تجاه أبنائهما؛ فقلب الأبوين مفطور على حب الأبناء، وهذا الحب متأصل بالمشاعر النفسية، والعواطف الأبوية لحماية الأبناء، والرحمة بهم، والعطف عليهم، والشفقة بهم، والاهتمام لأمرهم.
ولولا هذه الرحمة وتلك الشفقة لما صبر الأبوان على رعاية أبنائهما، وكفالتهما، والإنفاق عليهما، والسهر على أمرهما، والنظر في مصالحهما.
وقد صور المولى عز وجل الأبناء في القرآن بأحسن صورة، فتارة يصفهم المولى عز وجل بأنهم زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46]، وتارة يعتبرهم المولى عز وجل نعمة تستحق الشكر والثناء، فقد منَّ المولى عز وجل على بني إسرائيل بأن جعل لهم أبناء كُثر، وأن هذا من دواعي الشكر على تلك النعمة العظيمة، قال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء:6]، وتارة يصفهم المولى عز وجل بأنهم قرة العيون إن كانوا من الصالحين، قال تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].
ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم رحمة الآباء بالأبناء من أعلى مراتب الرحمة، حتى إنه صلى الله عليه سلم كان يدلل بها على عظيم رحمة الله بعباده، وأنه سبحانه وتعالى أرحم بعباده من الأم بولدها، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا: لا والله، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها»(1).
ومن معاني تلك الرحمة حرص الآباء على تقويم سلوك الأبناء؛ حتى يكونوا على أحسن خلق وسلوك، فإذا ما رأى الوالد من ابنه سلوكًا خاطئًا فإنه يسارع إلى معالجة هذا السلوك، وكذلك الأم إذا ما رأت من أبنائها سلوكًا خاطئًا فإنها تسارع إلى تقويم هذا الفعل الخاطئ، لكن المعضلة الكبيرة هي أن كلًا من الأب والأم يظنان دائمًا أن الحل الأمثل لمثل هذه المواقف هو الضرب، وهذا من أبشع الأخطاء التي يقع فيها الوالدان في تعاملهما مع أخطاء الأبناء.
إن استخدام الوالدين للضرب، كمعالجة لخطأ الأبناء، هو هدم لصرح التربية وجسر التواصل بين الوالدين والأبناء، ولا يُلجأ إلى الضرب إلا في آخر الطريق؛ حيث إن المعالجة الصحيحة لخطأ الأبناء، وخصوصًا الأطفال، تمر بمراحل عدة قبل أن تصل إلى الضرب، فكثيرًا من الأطفال أصيبوا بأمراض نفسية نتيجة لتلك المعاملة غير الصحيحة، وأقل الأطفال ضررًا هم المصابون بالعصبية الشديدة، وذلك نتيجة طبيعية لما تم ممارسته عليهم من قبل آبائهم.
وأرى أن الأطفال لا يضربون إلا عند بلوغ عشر سنين؛ وهذا ظاهر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين بيَّن أن على الآباء أن يعلموا أبناءهم الصلاة لسبع سنين، وأن يضربوهم عليها لعشر، فإذا كانت الصلاة، وهي عمود الدين، يتم المحاسبة وإنزال العقوبة بسببها عند سن عشر سنين، فما كان أقل منزلة منها أولى.
فالتعامل مع أخطاء الأطفال لا يكون أبدًا بالضرب أولًا؛ بل له خطوات، منها:
1- التغافل:
ويقصد به الغض عن الهفوات، والتغافل عن الزلات، أحيانًا، وذلك من أجل ترك مساحة للأبناء لمصارحة أنفسهم ومعاتبتها، وأيضًا حفظًا لمشاعرهم، وتعويدًا لهم على إصلاح أخطائهم، وهذا الأسلوب يؤدي إلى كسب قلوب الأبناء؛ فهو لم يجد أمامه من يعنفه بشدة ويرهبه عند أول خطأ عادي.
2- تصحيح الخطأ قبل المحاسبة عليه:
ونقصد به الخطأ الذي لا يمكن التغافل عنه، ومع ذلك لا يعدو كونه خطأً عاديًا، ولكن يُخشى من التعامل مع مثل تلك الأخطاء بالتغافل أن يظن الطفل أن فعله هذا صحيح، وبالتالي ففي مثل تلك المواقف يجب على الوالدين أن يتعاملا مع خطأ الطفل بتبيين أن ما فعله خطأ أولًا، وهذا أيضًا لا يكون بالتوبيخ؛ وإنما يكون بأسلوب القدوة.
ولأجل التوضيح نذكر مثالًا:
إذا قام طفل بإلقاء كتاب من المكتبة على الأرض، فلا ينبغي للأب أو الأم المبادرة بتوبيخ الطفل؛ بل يقوم الأب أو الأم بحمل الكتاب من الأرض ووضعه في مكانه في المكتبة، وهذا كله أمام الطفل، وإعلامه بأن إلقاءه على الأرض خطأ، وحينها يترسخ في ذهن الطفل أن المكان الطبيعي للكتاب هو المكتبة، وعليه، إذا وجد الطفل أي كتاب ملقى على الأرض فستجده، بصفة تلقائية، يأخذه ويضعه في المكتبة.
إن الطفل حين يرتكب خطًا ما، ثم يقوم الأب أو الأم بتوبيخه أو ضربه، فإن الطفل لا يدري حينها لِمَ يُضرب أو يُوبخ؛ لأنه بالأساس لا يعلم ما مدى صحة الفعل الذي قام به، أما حين يعلم الطفل فإنك تستطيع أن تحاسبه؛ لأنه حينها سيعلم لِمَ يُحاسب، فتصحيح الخطأ قبل المحاسبة.
3- تجنب البذاءة:
حين تغضب بعض الأمهات أو بعض الآباء فيعاتبون أطفالهم فإنهم يوجهون إليهم ألفاظًا بذيئة، أو يذمونهم بعبارات وقحة، وهذا له أثره في تعويدهم على المنطق السيئ.
والعاقل لا يخرجه غضبه عن أدبه في منطقه وتعامله مع الناس، فضلًا عن أولاده.
4- تجنب الإهانة:
من الأمور المهمة في علاج أخطاء الأطفال أن نتجنب إهانتهم، أو وصفهم بالفشل والطفولة والفوضوية والغباء... الخ، فهذا له أثره البالغ على فقدانهم للثقة بأنفسهم، وعلى تعويدهم سوء الأدب والمنطق.
5- تجنب إحراجه أمام الآخرين:
إذا كنا لا نرضى أن ينتقدنا أحد أمام الناس فأطفالنا كذلك، فحين يقع الطفل في خطأ أمام الضيوف فليس من المناسب أن تقوم أمه أو يقوم والده بتأنيبه، أو إحراجه أمامهم، أو أمام الأطفال الآخرين.
6- التوازن في العقوبة:
قد تضطر الأم أو الأب لعقوبة طفلهما، والعقوبة حين تكون في موضعها مطلب تربوي، لكن بعض الآباء والأمهات حين يعاقبون أطفالهم فإنهم يعاقبونهم وهم في حالة غضب شديد، فتتحول العقوبة من تأديب وتربية إلى انتقام، والواقع أن كثيرًا من حالات ضربنا لأطفالنا تشعرهم بذلك.
لا تسأل عن تلك المشاعر التي سيحملها هذا الطفل تجاه الآخرين، حتى حين يكون شيخًا فستبقى هذه المشاعر عنده، ويصعب أن نقتلعها فيما بعد، والسبب هو عدم التوازن في العقوبة(2).
____________________________________________
(1) رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم.
(2) تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان، ص 144 -145.
التعليقات