التشبيه
التشبيه فَنُّ جميل من فنون القول، وهو يدل على دقة مُلاحظة الأشباه والنظائر في الأشياء، سواءٌ أكانت مادّيات تدرك بالحواس الظاهرة، أو معنويات.
ويُقْصَد التشبيه لتحقيق غرض بياني فكري أو جمالي، أو فكري وجمالي معاً.
أغراض التشبيه ودواعيه :
يرجع اختيار أسلوب التشبيه في الكلام إلى الدواعي والأغراض الرئيسة التالية:
الغرض الأوّل: استخدام الأسلوب غير المباشر للتعبير عن المراد، إذْ هو أكثر تأثيراً في النفوس من الأسلوب المباشر غالباً، وذلك في المجالات الأدبيّة، وفي الموعظة، وفي كثير من صُوَر الإِقناع، وفي نحو ذلك.
فعندما تريد أن تنصح مسلما أن يكون داعية إلى الخير يحسن أن تقول : كن كالغيث أينما حل نفع. فإن تأثيره في النفس أكثر من قولك كن نافعا لدينك.
الغرض الثاني: ما في التشبيه من طرق متعدّدة، وصور كثيرة، تعطي المعبر البليغ مجالاً واسعاً لانتقاء ما يراه أكثر تأثيراً فيمن يوجّه له الكلام، أو أكثر إبداعاً، وهذا أمْرٌ يشعر فيه المتكلّم بلذّة الإِبداع والابتكار وإيجاد ما لم يُسْبَقْ إليه، وهي نزعة موجودة في طبائع الناس الفطريّة، تنمو عند الأذكياء والعباقرة، وتضمر عند غيرهم.
كما أن فيه جمالا يرضي أذواق المتلقين ويُمتعهم، إذ يقدم لهم لوحات جمالية مختلفة.
الغرض الثالث : الإقناع بفكرة من الأفكار، وهذا الإِقناع قد يصل إلى مستوى إقامة الحجّة البرهانية، وقد يقتصر على لفت النظر إلى الحقيقة عن طريق صورةٍ مشابهة، ومنه تشبيه من يدعو غير الله بباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه.
الغرض الخامس: الترغيب بالتزيين والتحسين، أو التنفير بكشف جوانب القبح، فالترغيب يكون بتزيين المشبَّه وإبراز جوانب حسنه، عن طريق تشبيهه بما هو محبوب للنفوس مرغوبٌ لديها.
والتنفير يكون بإبراز جوانب قبحه، عن طريق تشبيه بما هو مكروه للنفوس، أو تنفر النفوس منه.
وقد يكون كل من الترغيب والتنفير عملا إيهاميا معتمدا على صناعة كلامية مبالغ فيها.
الغرض السادس: إثارة محور الطمع والرغَب في النفس، أو محور الخوف والحذر، إذا كان في المشبه مطامع تطمع فيها النفوس، أو مخاوف تحذرها.
كتصوير المنفق في سبيل الله بزارع الحب الذي تنبت كل حبة منه سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة.
وكتصوير أعمال الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، برماد اشتدت به الريح، فسفته، فجعلته هباء منبثا، فهم لا يقدرون على إمساك شيء مما كسبوا.
فلدى إثارة محور الطمع والرغَب في النفس يتجه الإنسان بمحرض ذاتي إلى ما يراد توجيه له. ولدى إثارة محور الخوف والحذر في النفس يبتعد الإنسان بمحرض ذاتي عما يراد إبعاده عنه.
وتأمل هذه التشبيهات وما يفوح منها من جمال، لتدرك أثر استعمال هذا الفن من فنون البلاغة في التأثير.
? قال تعالى :( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ )
? يَهُزُّ الجَيشُ حَوْلَكَ جانِبَيْهِ كمَا نَفَضَتْ جَناحَيْها العُقابُ
? أنا كالماءَ إِنْ رَضيتُ صفاءً وإذَا مَا سَخطتُ كُنتُ لهيبا
? العالِمُ سِراجُ أُمَّته في الهِداية وَتبديدِ الظلاَم.
? وصفَ أعرابيٌّ رجلاً فقال:كأنَّه النهار الزاهر، والقمرُ الباهر الذي لا يخفى على كل ناظر.
التعليقات