عناصر الخطبة
1/ كمال الإسلام 2/ افتتان كثير من المسلمين بالكفار 3/ من مظاهر التشبه بالكفار 4/ أسباب التشبه بالكفار 5/ المخرج من هذه الفتنة
اهداف الخطبة

اقتباس

وحتى لا يكون كلامنا هذا ضربًا من القيل والقال، ولا تلاعبًا بالأقوال؛ فهلمَّ إلى شارع حياتنا لنلقي الضوء على شواهد ظاهرة، وخواطر شاهدة على انسياق بعض بني جلدتنا خلف تقليد الكفار والتشبه بهم؛ فمنها ..

 

 

 

 

أما بعد: فاتقوا الله أيّها المسلمون: وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.

عباد الله: دينكم الذي تدينون به قد أكمله ربكم وبه أتم نعمته عليكم، ورضيه لكم شرعة ومنهجًا وسلوكًا، وجرت نواميس الكون وتقلبات التاريخ؛ ليثبت بكل وضوح وجلاء أن من تمسك بهذا الدين أعزه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، ومن تركه ورغب عنه قصمه الله.

وكتب الله على عباده أن كل أمة تستبدل الضلال بالهدى، وتتخلى عن خصائصها وتخجل من مبادئها - أنها أمة لا تزال في تقهقر وانحطاط، وتلاش واضمحلال في فكرها وقوتها وسلوكها.

معاشر الإخوة: وإنه مما ابتلي به السواد العظيم من أمة الإسلام في هذا الزمن أنها أصبحت تأخذ كل ما يساق إليها، وتعبُّ من كل وارد يأتيها، ناسية أو متناسية أن لديها ثوابت عقدية، وقواعد شرعية وضوابط ربانية، تضبط ما يؤخذ من الأمم الأخرى ويُقبل، وما يحذر منه ويعرض عنه ويُهمل.

ومما يزيد الظلام ظلمة والعقدة عُقَدًا: أن يكون ميل الآخذين من الغير إلى التافه الحقير من فنون ما يسلب الأخلاق، ويدمر القيم ويُذل الأمة ويكرّس العبودية، أما أن يأخذ من غيرنا سرّ التفوق وإكسير القوة والنافع المفيد؛ فذاك القوم عنه غافلون.

عباد الله: إنه التشبه بالكفار وتقليدهم، والسعي وراءهم في استعباد فكري وخنوع معنوي وتبعية مهينة، والله سبحانه ينادي: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].

ولكن صدق رسول الله كما في الصحيحيـن: "لتتبعنَّ سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جُحر ضبّ لسلكتموه"، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟!".

لله درك قلت -يا رسول الله- حقًا، وتلفّظت صدقًا، خرجت أجيال من المسلمين لا تفكّر إلا بعقول الأعداء، ولا تبصر إلا بأعينهم، راسخٌ في نفوسها -شعرت أم لم تشعر- أن الحق ما جاء من عند عدوها، والباطل لا يكون عندهم، مقاييس الحق والصدق والأدب ما قررته نظريات الغرب ومناهجه.

وحتى لا يكون كلامنا هذا ضربًا من القيل والقال، ولا تلاعبًا بالأقوال؛ فهلمَّ إلى شارع حياتنا لنلقي الضوء على شواهد ظاهرة، وخواطر شاهدة على انسياق بعض بني جلدتنا خلف تقليد الكفار والتشبه بهم؛ فمنها:

1- العصبية إلى قوم أو إلى مذهب أو إلى بلد أو قبيلة، وهذه العصبيات البغيضة جعلت المسلمين في هذا الزمن يرفعون لواء القوميات المقيتة والوطنيات الضيقة، التي جعلت المسلمين شعوبًا وفرقتهم أممًا، ناهيك عمّن يشمخ بأنف الكبر والخيلاء لأنّه من قبيلة كذا وكذا، يوالي ويعادي على ذلك، وفي الحديث الصحيح في سنن أبي داود وغيره يقول: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل لعصبية، وليس منا من مات على عصبية".

2- تبرج النساء والافتتان بهن، وهذا -وربي- من أفتك الأمراض الخلقية التي تبتلى بها الأمم وتنهار بسببها الحضارات، وتبرّجُهن سمة الكفار، (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) [الأحزاب:33].

والفتنة بهن سنة بني إسرائيل، "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"، ولا يخفى على من له أدنى بصر السباقُ المحموم الذي تتسابقه كثير من النساء لهثاً وراء تقليعات الغرب، وركضًا في كشف ما أمرت بستره، رويدًا رويدًا حذو القذة بالقذة.

3- الاحتفال والاحتفاء بأعياد الكفار، وكذا الأيام والأسابيع التي ابتدعوها، وهي من أشد وأخطر ما تساهل فيه المسلمون، فمن الاحتفال بالمولد النبوي، إلى الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وهذه كلها أحدثت محاكاة للكفار.

وكذلك الأعياد الوطنية والقومية التي تزداد يومًا بعد يوم بين المسلمين، وكذا أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، وعيد الحب وهو من آخر ما ابتليت به أمة الإسلام، الذي يحتفي به قِطاع من شباب الأمة وفتياتها، يرتدون فيه الملابس الحمراء ويتبادلون الورود الحمراء، سبحان ربي، تشبّه ظاهر، وتفرنج معلن، يقول سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان:72].

قال جمع من السلف: "أي: لا يحضرون أعياد الكفار"، بل وبعضهم يستسهل تهنئتهم، يقول ابن القيم -رحمه الله- فيمن هنأهم بأعيادهم: "إنه إن سلم من الكفر قائله فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئهم بسجودهم للصليب".

4- تقليد الكفار بلباسهم، ويا لله هذا -وربي- بحر لا ساحل له، ألوانه شتى، ونماذجه هنا وهناك، نرى بأم أعيننا محاكاتهم للكفار وتقليدهم فيها.

إنك لتأسى أشدَّ الأسى ويُكلم فؤادك عندما ترى عددًا من شباب الأمة الذين هم أملها يرتدون ملابس الكفار، بل يشهرونها ويعدّونها تحضراً ومدنية، وأناقة وتقدمية.

انظر إلى قبعاتهم التي يرتدونها على رؤوسهم؛ بل حتى مع الثياب؛ ألا فليعلموا أن هذه من خصائص بني يهود في لباسهم، انظر إلى فنايلهم التي تعجّ بالكلمات الأعجمية، وقد يكون منها ما هو دعوة للزنا أو الحرام وهو لا يعلم.

بل يعلق بعضهم على صدره صور أهل الشذوذ الجنسي والعفن الفني، ووالله إنّ قلبك ليتقطع مرارة عندما ترى إمعان هؤلاء الشباب في ذلك، سلاسل حول رقابهم، وأشكال مراكبهم، فأين العزة يا مسلمون؟! إنا لله وإنا إليه راجعون.

وكذا النساء، وكفاك أن مجلات الأزياء اللاتي يسمرن أعينهم فيها تؤخذ موديلاتها من الغرب والله المستعان، فأين هؤلاء من رسول الله، كما في صحيح مسلم عندما رأى على رجل ثوبين معصفرين قال له: "إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها". وهذا فاروق الأمة عمر بن الخطاب كتب للمسلمين المقيمين ببلاد فارس: "إياكم وزي أهل الشرك" رواه البخاري.

5- تعلم لغة الكفار من أجل الشهرة لا من أجل الدعوة، وسبحان ربي أصبح بعض المسلمين يحيي بها ويختم لقاءه بها، بل بدأت بعض كلماتهم تتخلل بعض كلمات المسلمين، ولكأنه يرى هذا تمدّناً وتقدماً؛ بل تجده يتكلم الأعجمية مع بعض أهلها الذين يجيدون العربية، ولكن يتحدث بها فخرًا وإعجابًا بها وإظهارًا لمعرفته بها.

سبحان الله أين هؤلاء من قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إياكم ورطانة الأعاجم"؟! والسلف رحمهم الله كانوا يكرهون التكلم بغير العربية أشدّ الكراهية وينهون عنه إلا إذا كان في تعلمها مصلحة وحاجة فهذا جائز، ويتبع تعلم لغتهم والتحدث بها التسمّي بأسماء الغرب، والتكني بكناهم، والتلقب بألقابهم.

6- وصل الشعر وتقليد الكفار بتسريحات الشعر. فيا مسلمون، من منّا يرى نساءه وبناته وأهل بيته ماذا يتعلق بشعورهن؟! قصات عجيبة وتسريحات غريبة تُعدّ لهن بمال كثير، وما علمن -والله- أنهن يحصدن الذنوب بها.

رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ناهيك عن شباب الأمة الذين يفترض فيهم الخشونة، والله إنك لترى أشكالاً غريبة من قصات رؤوسهم، حتى إنك لتشكّ هل هذا من أبناء البلد أم من غيرها.

7- تقليد الكفار بما يحصل في حفلات الزواج، وقد سبق الحديث عن هذا في خطب ماضية.

8- حلق اللّحى وإعفاء الشوارب، وهذا تشبه بالمشركين والمجوس وغيرهم، وفي صحيح مسلم يقول: "جزّوا الشوارب وأرخوا اللحى"، يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "إن إعفاء الشوارب واتخاذ الشنبات ذنب من الذنوب ومعصية من المعاصي، وهكذا حلق اللحية وتقصيرها من جملة الذنوب والمعاصي التي تنقص الإيمان وتضعفه ويخشى منها حلول غضب الله ونقمته" اهـ.

9- الاعتماد في التاريخ على الميلاد والأشهر الإفرنجية أي: ميلاد عيسى -عليه السلام- متابعةً للنصارى، وإن أعداءنا يسعون لذلك سعيًا حثيثًا، وقد نجحوا في كثير من بلاد الإسلام، لماذا؟

يريدون أن ننسى الأشهر الهجرية؛ لأنها تاريخنا وجهادنا وعبادتنا، يريدون أن ننسى المحرم وصفر ورمضان شهر القرآن وذو الحجة شهر الحج والنسك وغيره.

10- تربية الكلاب واقتناؤها لغير حاجة، ولا شك في حرمة ذلك إلا كلب الصيد والماشية أو الحرث،كفاك أن من رباه لغير حاجة ينقص من أجره كل يوم قيراط، كما في الصحيحين.

11- الموسيقى والغناء، ولا يشك شاك في حرمتها؛ لتوافر الأدلة في ذلك، سواء كانت عربية أم عجمية؛ وإنك لا تدري أتضحك أم تبكي عندما ترى شابًا يرفع صوت مسجله على أغنية غربية لا يعلم معناها ولكن الشيطان يحركه، بل قد يكون فيها سب لدينه وأهله وهو لا يعلم.

أصلح الله الحال، وهدى النفوس لطاعته والجوارح لمرضاته، إنه ذو العزة والقدرة والجلال.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل الضلال، وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله شريف النسب وكريم الخصال، صلى الله عليه وآله وصحبه خير صحب وآل.

ثم أما بعد: لو تفحّصنا تلك المظاهر الماضية وغيرها لعلمنا منشأ أدوائنا وأسباب عللنا ولوجدناها عدّة كثيرة ولكن من أهمها:

1- الانحراف العام عن الكتاب والسنة، ولقد ذاق المسلمون -والله- ويلات ذلك من الذل والعبودية، والهزائم المتتالية، والتفرق والتبعية.

2- جهل المسلمين وعدم تفقههم في الدين، فيقعون في التشبه من حيث علموا أم لم يعلموا، بل وبعضهم يستسهل القضية.

3- انبهار المسلمين بالتقدم المادي، مع جهلهم بحقيقة الحضارة الغربية، فظاهرها بريق ولمعان، وباطنها دمار للأخلاق والقيم، ومن عاش هناك ولو يسيرًا عرف ذلك وأيقنه.

4- ضعف التربية والتوجيه للأجيال المسلمة الناشئة؛ نعم إذا تخلّى المربون الصادقون والدعاة المخلصون عن مِقود التربية؛ بدأت فئام عريضة من شباب الأمة تتجه إلى القنوات الفضائية وشلل الفساد؛ لتربيها وتخرّج جيلاً يتنكر لدينه، ويدين بالولاء والحب لعدوه.

5- القنوات الفضائية؛ فهذه أسطح كثير من المسلمين تستقبل لوثات الشرق والغرب؛ لتخرج جيلاً ممسوخًا في خلقه وعقيدته، وغيرها كثير.

ولكن -إخوة الإسلام-، من أجل عودة صادقة وأوبة حقيقية، علينا أن نربي نفوسنا وأجيالنا على الاعتصام بالكتاب والسنة، وجعلهما حقًا لا رسمًا منهاج حياتنا، علينا أن نعرف حقيقة الحظيرة الغربية، ونكشف عوارها لأمة الإسلام.

علينا أن نربي أنفسنا ومن تحت أيدينا على العلم والتفقه في الدين، علينا أن نعيش مع شباب الأمة تربية وتوجيهًا وتعليمًا وتأديبًا، وفطرةُ الخير ما زالت ولكن أين من ينميها ويحييها؟!

علينا أن نربي أنفسنا وأجيالنا على عزة الإسلام وعظمته، وعلى كره الكفار وبغضهم، والتبصر بما يحيكونه ضد أهل الإسلام، والله المستعان.

 

 

  

المرفقات
1223.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life