الترغيب في مصاحبة الأخيار والبعد عن الأشرار

الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل

2024-07-21 - 1446/01/15
عناصر الخطبة
1/المصاحبة والاختلاط أمر لابد منه 2/تهاون الناس في مصاحبة الأشرار 3/أثر الصاحب على صاحبة نفعًا وضررًا 4/التحذير من إهمال الآباء في مراقبة أولادهم

اقتباس

أبناؤكم أمانةٌ في أعناقكم، فاتَّقوا الله في أمانتكم، اعرفوا مدخلهم ومخرجهم، ومَنْ يجالسون ويخالطون؛ فصلاحهم خيرٌ لكم ولهم، وفسادهم شرٌّ لكم ولهم، ولن تسلَموا من فَسادهم في الدُّنيا والآخِرة؛ ففي الدنيا عار، وفي الآخرة نار، فاحذَروا أسباب العار والنار...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ لله نحمَدُه، ونستعِينُه ونستَهدِيه، ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمَّا بعدُ:

 

فيا عبادَ الله: اتَّقوا الله -تعالى- وتوبوا إليه، وحاسبوا أنفسكم قبل القدوم عليه، واعلَموا أنَّ لمصاحبة الأخيار آثارًا طيِّبة، ولمصاحبة الأشرار آثارًا سيِّئة على المصاحب، وقد كثُر الخبث، ولا بُدَّ لكلِّ شخصٍ من مصاحبة واختلاط، فلينظُر العبد لنفسه مَن يصاحب؛ فإنَّ صُحبة الأخيار ومعاشرتهم والاختلاط بهم من أربح البضائع، فلا بُدَّ أنْ تَنال منهم خيرًا؛ كتعلُّم علم نافع، ودلالة على خير ممَّا يلزم العبد معرفته والتخلُّق به، وكالمحافظة على الصلاة بأركانها وواجباتها وسنَّتها، والحضور إليها في المساجد، وأدائها مع الجماعة، وكمعرفة ما يلزَمُ في البيع والشراء، من حلال وحرام؛ حتى يكونَ العبد على بصيرةٍ من أمر دِينه ودُنياه.

 

فقد تساهَل الكثيرُ في أمور الدِّين، من تكاسُلٍ عن الصلاة وأدائها في أوقاتها مع الجماعة، وقلَّ الإنكار والاستنكار، وأصبح الكثير في حاجةٍ إلى مَن يدلُّه على الخير، ويحمله عليه، ويُبيِّن له الشر ويُحذِّره منه، كثُر التعامُل بالربا، ظهَر الجشع والحِرص على جمع المال والتحيُّل عليه، وضعُف الوازع في النفس، وقلَّ الخوفُ من العقوبات العاجلة والآجلة، وأثْري الكثير من الناس على حِساب الآخرين، وتضرَّر أناس بأعمال أناس بسبب الغفلة، وقلة التوجيه، وكثرة اختلاط الأشرار بالأشرار، وقلَّة اختلاط الأشرار بالأخيار للتأثُّر باختلاطهم؛ فإنَّ المصاحبة والاختلاط لها أثرٌ في المخالط، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر، والعاقل والناصح لنفسه لا يَرضَي لها إلا بالخير والسلامة والنَّجاة من المهالك، فلو وجد مَن يقتحم في النار ويقذف نفسه في حُفرة عميقة، لاتُّهم بالجنون وقلَّة العقل، ولو وجد معه مَن يمنعه وينقذه بعد الوقوع، لكان للمُنقِذ فضلٌ عظيمٌ على ذلك المقتحم والقاذف لنفسه، ولعرف هو أيضًا فضلَ المنقذ له، بخِلاف ما لو كان الذي معه مثله فإنَّ الجميع يهلكون.

 

وقد وصف نبينا -صلواتُ الله وسلامُه عليه- الجليس الصالح والجليس السوء فقال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إمَّا أنْ يحْذيك، وإمَّا أنْ تبتاع منه، وإمَّا أنْ تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير إمَّا أنْ يحرق ثيابك، وإمَّا أنْ تجد منه ريحًا خبيثة"(رواه البخاري ومسلم).

 

فانظُروا -يا عبادَ الله- إلى هذا الوصف البليغ من نبيِّنا -صلواتُ الله وسلامُه عليه- من طبيب الأرواح والأجسام، من الناصح للأمَّة، كيف وصَف الجليس الصالح لمجالسه؟ ماذا نالَه من فوائد بسبب مجالسته لحامل المسك؟ أقلها أنْ يجد ريحًا طيِّبة، نفْع ظاهرٌ مع السلامة، وكيف وصَف الجليس السوء بأخبث الأوصاف؟ ضرر ظاهر، إحراق أو خبث رائحة، فمَن يرضى لنفسه بالضرر والخبث، ويفرط في الطيب ويهمله؟!.

 

 إنَّه الغبن الفاحش والخسارة الظاهرة أنْ يختار العبدُ الخبيثَ على الطيب لنفسه أو لأبنائه أو لا يهتم لذلك، فالكثير والكثير يُخالِط الأشرار مع خبثهم وضررهم عليه في دِينه ودُنياه، ويعلم علمًا يقينًا أنَّ أبناءه يخالطون الأشرار مع خبثهم وضررهم على أبنائه، ومع هذا لا يهتمُّ ولا يحاول إنقاذهم!.

 

عباد الله: إنَّ كسر الدِّين والأخلاق لا يُجبَر، والكلُّ مسؤولٌ ومُحاسَب، وكلُّ راعٍ مسؤولٌ عن رعيته، فما هذه الغفلة والإهمال وعدم المبالاة؟! والعجب ممَّن يعمِّر دُنياه، ويُخرِّب آخرته، ويُؤثِر الفاني على الباقي.

 

فاتَّقوا الله -يا عبادَ الله- في أنفسكم وفيمن تحت أيديكم، اختاروا لأنفسكم ولأبنائكم مصاحبةَ الأخيار؛ لتستفيدوا الخير وتسلَموا من الشر، أبناؤكم أمانةٌ في أعناقكم، فاتَّقوا الله في أمانتكم، اعرفوا مدخلهم ومخرجهم، ومَنْ يجالسون ويخالطون؛ فصلاحهم خيرٌ لكم ولهم، وفسادهم شرٌّ لكم ولهم، ولن تسلَموا من فَسادهم في الدُّنيا والآخِرة؛ ففي الدنيا عار، وفي الآخرة نار، فاحذَروا أسباب العار والنار، واغتَنِموا فُرصة الإصلاح لما فسد، وحافِظوا على صَلاح ما استَقام من أموركم، واعلَموا أنَّ العبدَ مأمورٌ بفِعل الأسباب والبُعد عمَّا يضرُّ، وإبعاد الآخَرين عمَّا يضرُّهم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه"(متفق عليه).

 

وفَّقنا الله جميعًا لما يحبُّه ويَرضاه، وحفظنا من كلِّ سوء ومكروه، إنَّه سميع مجيب.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ قال الله العظيم: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الكهف: 28].

 

بارَك الله لي ولكُم في القُرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم، أقول هذا وأستغفِرُ الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

واعلَموا أنَّ كثيرًا من الشرور قد انتشرَتْ بين شَباب المسلمين؛ من شُرب مسكرات، وتَعاطي مخدرات، وفساد أخلاق، وسُوء سلوك، ومن أسباب ذلك الاختلاط بالأشرار، وقد سمعتُم ما أخبر به نبينا -صلواتُ الله وسلامُه عليه- من تأثير المخالِط على المخالَط، فاتَّقوا الله في أنفسكم وفي أولادكم، أنقذوا من وقع، وحافظوا على مَن سلم من الوقوع.

 

يخرج الابن من بيت أهله ويذهب إلى أماكن الريبة والشبهة، ويسهر مع قُرَناء السوء إلى قبيل الفجر على لهوٍ ولعب وفساد أخلاق، وسبٍّ وشتم، ثم يعود إلى بيت والده، ويَنام أكثر النهار لا يهتمُّ بصلاةٍ ولا دراسةٍ نافعة تكون سببًا في إصلاح ما فسَد من حاله، ومع هذا فوالده لا يهتمُّ بمدخله ولا مخرجه، ولا يسأل عن صاحبه ومُخالِطه، بل ربما وفَّر له وسيلة النقل لأماكن الفساد، وهيَّأ له النقود لشِراء آلات اللهو والمجون، والمسكرات والمخدرات، وأعانَه على ذلك بإهماله، وعدم السؤال عن حاله!.

 

فاتَّقوا الله في فلذات الأكباد، وفي أصل وثمر غرس غرَسْتموه، واتَّقوا الله في أنفُسكم؛ فإنَّكم مسؤولون عنهم ومُحاسَبون، فهم أمانةٌ في أعناقكم، واتَّقوا الله -أيها الأبناء- في أنفسكم، وفي والديكم، لا تكونوا شرًّا على أنفُسكم، وأُسَركم في دُنياكم وفي أخراكم، ارجعوا إلى الله، وتوبوا إليه.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life