الترغيب في الحج - د. فهد القرشي

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2024-02-20 - 1445/08/10
التصنيفات:

الترغيب في الحج

 

د. فهد القرشي

 

سبحان من جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمناً، يترددون إليه ولا يرون أنهم قضوا منه وطراً، لما أضاف الله تعالى ذلك البيت إلى نفسه، ونسبه إليه بقوله عز وجل لخليله إبراهيم: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾ [الحج: 26]، تعلقت قلوب المحبين ببيت محبوبهم، فكلما ذكر لهم ذلك البيت حنُّوا، وكلما تذكروا بعدهم عنه أنُّوا. ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97].

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمانٌ بالله ورسوله))؛ قيل: ثم ماذا؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))؛ قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حجٌّ مبرورٌ)) رواه البخاري (رقم: 1519)، ومسلم (رقم: 83).

 

وعنه، قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - يقول: ((مَنْ حَجَّ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ؛ رجع من ذنوبه كيوم وَلَدَتْهُ أمُّه))؛ رواه البخاري (رقم: 1521)، ومسلم (رقم: 1350).

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شُعْثًا غُبْرًا))؛ رواه أحمد (رقم: 7049)، وابن حبان (رقم: 3841) في "صحيحه"، والحاكم (1 /465)، وقال: "صحيحٌ على شرطهما".

 

أيّها المسلمون:

ماذا ينتظر القادر على الحج فلم يحج، ولماذا يؤجل الحج من استطاع إليه سبيلاً، إن لم يجذبه حنين الشوق لتلك البقاع أفلا يخاف أن يكون تسويفه وبالاً عليه؟

 

كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه وهو يعلم أنّه من فرائض الإسلام وأركانه؟

كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو ينفق المال الكثير في ما تهواه نفسه؟

كيف يوفر نفسه عن التعب في الحج وهو يرهق نفسه في التعب في أمور دنياه؟

كيف يتثاقل عن فريضة الحج وهو لا يجب في العمر إلاّ مرةً واحدة؟!

كيف يتراخى في تأخيره وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد؟!

 

عن أبي أُمامة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((مَنْ لم تحبسه حاجةٌ ظاهرةٌ، أو مرضٌ حابِسٌ، أو سلطانٌ جائرٌ، ولم يَحُجَّ؛ فليَمُتْ إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا))؛ رواه البيهقي (السنن الكبرى: 4 /334)، (شعب الإيمان، رقم: 3979).

 

وعن أبي سعيد الخُدْرِي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: ((يقول الله - عزَّ وجلَّ -: إنَّ عبدًا صحَّحْتُ له جسمَه، ووَسَّعْتُ عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ - لَمَحْرُومٌ))؛ رواه ابن حبَّان (رقم: 3695) في "صحيحه"، والبيهقي (السنن الكبرى: 5 /262).

 

فاتقوا الله عباد الله، وأدوا ما فرض الله عليكم من الحج؛ تعبدًا لله ورضًا بحكمه وسمعًا وطاعةً لأمره إن كنتم مؤمنين، ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

 

يحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق، ولمن شاهد السائرين إلى دار الأحبة وهو قاعد أن يحزن.

ألا قل لزوار دار الحبيب

هنيئًا لكم في الجنان الخلود

أفيضوا علينا من الماء فيضاً

فنحن عطاش وأنتم ورود

 

لئن ساروا وقعدنا، وقربوا وبعدنا، فما يؤمننا أن نكون ممن كره الله انبعاثهم فثبطهم، ﴿ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46].

لله در ركائب سارت بهم

تطوي القفار الشاسعات على الدجى

رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا

قلب المتيم منهم ما قد شجا

نزلوا بباب لا يخيب نزيله

وقلوبهم بين المخافة والرجا

 

لقد حن المؤمنون الصادقون لتلك البقاع، فسارت بهم أشواقهم قبل أقدامهم، قد لبسوا الإحرام ليطوفو بالبيت الحرام، يذرفون الدمعات على أرض عرفات، ويرمون الحصيات عند الجمرات، وينالون المنى على أرض منى، قلوبهم بالحب مرهفه ليلة مبيتهم بمزدلفه، كل آمالهم أن يرجعوا كما ولدتهم أمهاتهم.

يا راحلين إلى منى بقيادي

هيجتموا يوم الرحيل فؤادي

سرتم وسار دليلكم يا وحشتي

الشوق أقلقني وصوت الحادي

وحرمتمو جفني المنام ببعدكم

يا ساكنين المنحنى والوادي

ويلوح لي مابين زمزم والصفا

عند المقام سمعت صوت منادي

ويقول لي يانائما جد السرى

عرفات تجلو كل قلب صادي

من نال من عرفات نظرة ساعة

نال السرور ونال كل مرادِ

تالله ما أحلى المبيت على منى

في ليل عيد أبرك الأعيادِ

ضحوا ضحاياهم وسال دماؤها

وأنا المتيم قد نحرت فؤادي

 

أيها المسلمون:

ربكم يدعوكم لزيارته ليهبكم من عظيم هباته، من لم يحج منكم فليبادر بالحج ومن حج فليعاود الكرة فالأجر عظيم والأيام معدودات فلا تحرموا أنفسكم تلك البركات. إن كان الغافلون يسيحون سياحة أجساد، فضيوف الرحمن يسيحون سياحة أرواح وشتان بين السياحتين. إن كان الضائعون تضج الأرض بضحكاتهم، فالموفقون تبتل الأرض بدمعاتهم بين يدي ربهم، إن اقعد الوهن الكسالى في بيوتهم فقد حفز الجد المثابرون لبيت ربهم ينهلون من عطاياه وينالون من فيض سجاياه.

 

أيها الموفقون:

إياكم والتواني عن الحج، اقضوا فريضة ربكم وأعينوا من تحت ولايتكم على الحج، لاتسمعوا لتثبيط المثبطين ووسوسة الشياطين بأن الأمر صعب والزحام كثير والحر شديد، إياكم أن تستسلموا لنداء المسوفين بالانتظار حتى يحل الحج في موسم الشتاء أو غيرها من المثبطات فسكينة القلب، وحلاوة المناجاة، ولذة القرب من الله، وارتفاع مستوى الإيمان، واستشعار الأنس بالله، والسير في ركاب الصالحين، وكثرة الذكر والدعاء، وتتابع المناسك، تنسيك كل تعب وتخفف عليك كل نصب. بادر قبل أن تبادر فالمقبل على الله ليس كالمدبر عنه وأنت في ضيافة الله فكيف يخيب مسعاك إن صدقت نيتك وهو القائل من أتاني يمشي أتيته هرولة.

قد أفلحَ الماضون في ركبِ الهدى ♦♦♦ و تحرروا من قبضةِ الشيطانِ

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life