عناصر الخطبة
1/عظم شأن الموت 2/الموت حقيقة حتمية مدركة لكل مخلوق 3/الموت قيامة صغرى 4/الاستعداد للموت والتزود ليوم المعاد 5/حتى الموت سيذوق الموتاقتباس
عباد الله: حدثٌ عظيم وخطبٌ جسيم جاء في كتاب الله -عز وجل- وورد في القرآن ذِكره مراراً وتكراراً، وكثير من الناس عن هذا الحدث في غفلة وعن الاستعداد له في فتورٍ وتوان، ذلكم -عباد الله- هو الموت، وما أدراك ما الموت وما يكون بعده! والموت حدثٌ عظيم يفضي بالعبد إلى أول منازل الآخرة، ومن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
عباد الله: حدثٌ عظيم وخطبٌ جسيم جاء في كتاب الله -عز وجل- وورد في القرآن ذِكره مراراً وتكراراً، وكثير من الناس عن هذا الحدث في غفلة وعن الاستعداد له في فتورٍ وتوان، ذلكم -عباد الله- هو الموت، وما أدراك ما الموت وما يكون بعده!
عباد الله: والموت حدثٌ عظيم يفضي بالعبد إلى أول منازل الآخرة، ومن مات قامت قيامته وبدأ في حقه الحساب والنعيم أو العذاب.
عباد الله: والموت هو الفيصل بين هذه الدار ودار القرار، والفاصل بين وقت العمل والجزاء عليه، وهو الحد الفارق بين تقديم الزاد وملاقاة جزائه.
وبعد الموت -عباد الله- ليس لأحد مستعتب ولا اعتذار، وما له من سبيل إلى عودةٍ إلى هذه الدار، وفي باب الحسنات لا مجال له إلى زيادةٍ أو استكثار، وفي باب السيئات لا مجال له إلى توبة أو استغفار، فليس بعد الموت -عباد الله- إلا حفرة يُدرَج فيها العبد تكون له روضةٌ من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار؛ يبقى في هذه الحفرة إلى يوم القيامة يوم ملاقاة العزيز الغفار.
حدثٌ عظيم فأين الاتعاظ والاعتبار والادِّكار؟!
عباد الله: والموت مدركٌ كل عبدٍ لا محالة وملاقيه بلا ريب، يقول تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ)[النساء: 78]، ويقول تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ)[الجمعة: 8].
عباد الله: والموت له أجلٌ محدود وأمدٌ معدود، فإذا جاء الأجل فلا استئخار عنه ولا تقدم: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)[الأعراف: 34]، وقال جل وعلا: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)[الرعد: 38].
عباد الله: والله -جل وعلا- وكَل بالموت ملَكٌ واحد، وكل إليه قبض الأرواح: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)[السجدة: 11]، ولهذا الملَك أعوانٌ من الملائكة: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)[النحل: 28]، وقال جل وعلا: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا)[الأنعام: 61].
عباد الله: والموت لا يفرِّق بين صغير وكبير، وذكر أو أنثى، وبين مريض وصحيح؛ فقد يدخل الموت إلى البيت ويكون فيه رجلاً مسناً وشخصاً آخر مريضا فيأخذ من البيت أصح من فيه؛ فلا يميز الموت بين صغير ولا كبير، ولا علم لأحد بنهايته ولا أجله، فالعلم بالموت أمر مغيَّب لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-، ولهذا قد يقرر بعض الأطباء عن شخص مريضٍ اشتد مرضه بأنه قد قربت منيَّته ودنى أجله فيكتب الله -عز وجل- للمريض حياة وللطبيب موتاً، فالأمر لله -جل وعلا- من قبل ومن بعد.
عباد الله: ومن مات فقد مات بأجله وفارق الدنيا بما كتبه الله -جل وعلا- له في علمه الأزلي، وبما كتبه في اللوح المحفوظ، وبما أمر به الملَك أن يكتبه على الإنسان وهو في بطن أمه أياً كانت صفة موت الإنسان، سواءً مات بحرق أو مات بغرق أو مات بقتل أو مات بأي حتف كان فموته بقدَر الله وموته هو أجله الذي أجَّله الله له، قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا)[آل عمران: 145].
عباد الله: هذا الحدث العظيم عندما يكون العبد في ذكرٍ له فإن هذا يبعثه إلى الاستعداد والتزود ليوم المعاد، وفي الحديث الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ" يَعْنِي الْمَوْتَ. فإذا كان العبد على ذكر للموت صلحت حاله، وحسُنت صلته بربه، وقويَ استعداده لملاقاته سبحانه.
عباد الله: ويأتي على الموت نفسه زمان يُذبح فيه الموت فيكون الأمر بعد ذلك للجميع حياة بلا موت، ففي الصحيحين -صحيحي البخاري ومسلم -عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ"، ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ)، وَهَؤُلَاءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا (وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[مريم: 39].
اللهم انفعنا بهدي كتابك ووفقنا لاتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأعنا إلهنا على الاستعداد ليوم المعاد.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله، واعلموا -رعاكم الله- أن في ذكر العبد للموت منفعة عظيمة، وفائدة جليلة؛ إذ بذكره تستيقظ القلوب الغافلة، وتحيا القلوب الميتة، ويحسن إقبال العبد على الله، وتزول الغفلة والإعراض عن طاعة الله.
عباد الله: يقول الله -جل وعلا-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: ١٨٥]؛ حقيقةٌ عظيمة لا بد أن ندركها، وخطبٌ جسيم لا بد أن نستحضره.
أحد السلف أراد أن يعظ رجلاً فأخذه إلى المقابر، وقال له: "أرأيت يا هذا لو كنت مكان هؤلاء فماذا تتمنى؟ قال: أتمنى أن أعود إلى الحياة الدنيا ثانية لأعمل صالحاً غير الذي كنت أعمل، قال: يا هذا أنت الآن فيما تتمنى".
نعم -عباد الله- نحن فيما نتمناه، نحن الآن نعيش في هذه الحياة بصحة وعافية وأمنٍ وأمان، ثم يؤول الأمر إلى مفارقة هذه الحياة بحلول الأجل ومجيء الموت، ألا فهل من استعداد وتهيؤ؟!
اللهم أصلح أحوالنا أجمعين واهدنا إليك صراطاً مستقيماً.
واعلموا -رعاكم الله- أن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه امتثالاً لأمر الله بقوله جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦].
ولو كان الموت -عباد الله- تاركاً أحداً لترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)[الزمر: 30].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه وأعنه على البر والتقوى.
اللهم وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لكل قولٍ سديدٍ وعملٍ رشيد.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم واغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
التعليقات