عناصر الخطبة
1/تحريم الإسلام لكل خبيث ضار 2/تحريم الإسراف والتبذير 3/وقفات مع آفة التدخين 4/أضرار التدخين متعددة متنوعة.اقتباس
يظنُّ بعض صغار السنِّ أو المراهقين أنَّ التدخين من علامات الرجولة والقوة وبروز الشخصية، ولو علم أولئك ما فيه من أضرار على المدخِّن وعلى جلسائه، وما فيه من ضياع المال لابتعدوا عنه ابتعادهم من السَّبُع، ولما رأوا المُدخِّن قدوة لهم، ولبذلوا النصيحة له...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أباح الطيبات، وحرَّم كل ضار لما فيه من الآفات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعملوا في داركم الفانية بالأعمال الصالحة فإنَّها الزاد ليوم المعاد.
عباد الله: إنَّ الإسلام أحلَّ الطيبات من الأكل والشرب والمناكح ونهى عن الخبيث منها، ذلك أنَّه دين كامل، بيَّن الحلال والحرام، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)[الأعراف:157]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[البقرة: 168].
أيها المؤمنون: إنَّ من الأشربة المُضرة التي ثبت ضررها وتفاقم خطرها على المال والصحة، التدخين بكافة أنواعه من سجائر وشيشة؛ إذ يُحرِق المدخِّن ماله بتعاطيها، وهو من التبذير الذي نهينا عنه قال الله -تعالى-: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)[الإسراء:26]، قال الإمام الطبري -رحمه الله-: "يقول: ولا تفرّق يا محمد ما أعطاكَ الله من مالٍ في معصيتهِ تفريقاً"، وعن قتادة -رحمه الله- قال: "التبذير: النفقة في معصية الله، وفي غير الحقّ وفي الفساد"(تفسير الطبري 17/ 427).
فإيَّاك إيَّاك يا عبد الله أن تصرف مالك في معصية الله؛ فإنَّ الله أعطاك المال لتنفقه في طاعته لا في معصيته، وإليكم وقفات مع آفة التدخين:
الوقفة الأولى: أنَّ المال الذي يُنفَقُ على التدخين أولى به صاحبُه، يُنفقه على نفسه وأهل بيته أو يَصِل به رحماً أو يتصدق به على محتاج، أو يُفرِّج به كربة، ذلك أن لو جمع المال الذي ينفقه على الدخان مدة عام لأصبح كثيراً ينفعه في دينه ودنياه.
الوقفة الثانية: تأثير المُدخِّن على أهل بيته من زوجة وأبناء وبنات، فإنَّ انتشار الدخان يؤثر على صحتهم فيتضررون به، وقد يقتدي به أحدهم أو بعضهم، وهذا خلل في التربية وإساءة لنفسه ولهم، فآفة التدخين آفة متعدِّية لا تقتصر عليه فحسب، بل عليه وعلى جلسائه.
الوقفة الثالثة: يظنُّ بعض صغار السنِّ أو المراهقين أنَّ التدخين من علامات الرجولة والقوة وبروز الشخصية، ولو علم أولئك ما فيه من أضرار على المدخِّن وعلى جلسائه، وما فيه من ضياع المال لابتعدوا عنه ابتعادهم من السَّبُع، ولما رأوا المُدخِّن قدوة لهم، ولبذلوا النصيحة له، فاحذر أيُّها الشاب أن تُقلِّدَ مدخِّناً أو تُشاركه التدخين، حماك الله وحفظك، وشفى كلَّ مبتلى بالتدخين.
الوقفة الرابعة: عباد الله: إنَّ أضرار التدخين متعددة متنوعة، فمن أضراره على الصحة: أنَّه يسبب مرض القلب وسرطان الرئة والسلِّ والسعال والأمراض الصدرية، ومن لم يُصدِّق حصول هذه الأضرار فعليه أن يزور المستشفيات ليقف على مرضى أقسام أمراض القلب والصدرية، وينظر إلى نسبة المدخنين منهم، وله أن يسأل الأطباء، فكم من مدخِّن أضعف التدخين قلبه وأتلف رئته وغيَّر لون بشرته، والسعيد من وُعظ بغيره، والمعافى يحمد الله على المعافاة، ويسأل الشفاء للمبتلى.
الوقفة الخامسة: إنَّ رائحة الدخان والشيشة منتنة، مما جعلهم يضيفون لها روائح عطرية ترويجاً لها، يظنون أنَّهم بذلك يزيلون ما بها من أضرار وآفات.
الوقفة السادسة: فرقٌ ما بين السجائر والشيشة أنَّ الشيشة أعظم ضرراً وأشدُّ خطراً، وما مُعسِّلاتها إلا مخسِّراتٌ مُمرضاتٌ تُمرض الجسد وتُحرق المال، أمَّا السجائر والشيش الإلكترونية فإنَّ ضررها متحقِّق ولو ادُّعِيَ أنَّها غير مضرة أو ضررها قليل، فإنَّها لا تقل ضرراً غيرها، فاحذر دعاياتها واحفظ عليك الصحة والمال.
الوقفة السابعة يا عباد الله: أنَّ من آفات التدخين الابتعاد عن مجالسة الصالحين في حِلَق العلم وغيرها؛ ذلك أنَّ المدخِّن قد لا يصبر عن التدخين، فيخرج ثم لا يعود؛ لئلا تُشمَّ منه رائحته.
الوقفة الثامنة: من آفات التدخين: تأذي المصلين في المسجد برائحته وتأذي الملائكة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ"(أخرجه مسلم)؛ في هذا الحديث كراهة رائحة ما أُحلَّ لنا أكله وهو البصل والثوم والكراث، وفي أكلها نفع فكيف الحال بما ثبت ضرره وحُرِّم علينا، كشرب الدخان وما فيه من رائحة مؤذية، قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "إذا كان الذي يأكل البصل والثوم لا يدخل المسجد، فكيف بالدخان الذي هو محرم وخبيث وضار بأهله وغيرهم ممن يشم رائحته؟!"(مجموع فتاوى ابن باز 6/ 127).
الوقفة التاسعة يا عباد الله: قد يجر التدخين إلى آفة أخطر وأعظم شرَّاً وهي الخمر والمخدِّرات التي لا يشك عاقل بحرمتها وضررها على العقل والصحة، قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "دلت الأدلة الشرعية على أنَّ شرب الدخان من الأمور المحرمة شرعاً، وذلك لما اشتمل عليه من الخبث والأضرار الكثيرة إلى أن قال: وقد أجمع الأطباء وغيرهم من العارفين بالدخان وأضراره أنَّ الدخان من المشارب الضارة ضرراً كبيراً، وذكروا أنَّه سبب لكثيرٍ من الأمراض كالسرطانِ وموتِ السكتةِ وغير ذلك، فما كان بهذه المثابة فلا شكَّ في تحريمه ووجوبِ الحذرِ منه، فلا ينبغي للعاقل أن يغترَّ بكثرةِ من يشربه، فقد قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه المبين: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)[الأنعام: 116](ينظر مجموع فتاوى ابن باز 23/ 44-45)
الوقفة العاشرة: إيَّاك أيُّها المدخِّن أن تستهين بأمر التدخين وسارع إلى تركه، واعتزل كلَّ سبب يثنيك عن تركه، وجاهد نفسك في ذلك، وها هي عيادات الإقلاع عن التدخين تستقبلك، تمدُّ يدها إليك لتعينك على تركه، فلا تتردد وبادر من الآن عاقداً العزيمة على تركه بلا عودة، فإنَّك إن فعلت ذلك تعافى جسمك إن شاء الله وحفظت مالك.
أخي المدخِّن: إنَّها رسالة محبٍّ يريد لك الخير، فاجعل السواك بديلاً، فإنَّه مطهرة للفم مرضاة للرب، فكرِّم تلك الشفاه بالامتناع عن التدخين، واعلم أنَّ لجسمك عليك حقَّاً، فلا تُدخِل إليه ما يضرُّه، ولا تأكل ولا تشرب إلا طيِّباً مباحاً، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ"(أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني).
اللهم وفق كلَّ مدخِّنٍ إلى تركه وعافه منه، وأعنه وسهِّل عليه ذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
التعليقات