عناصر الخطبة
1/ الصراع بين الحق والباطل سنة كونية 2/ حملات التشكيك في الدين 3/ وجوب التصدي للطاعنين في الشريعة 4/ استِغلال وسائل الإعلام الجديد في النَّيل من الدين القَويم 5/ جهود بلاد الحرمين في الدفاع عن الإسلاماهداف الخطبة
اقتباس
وفي زمنٍ انتشرَت فيه ظواهِرُ اختِطافِ العقول باسم الدين، والصِّراع بين الأيدلوجيَّات والأجندات، مما أفرزَ تناقُضاتٍ سُلوكيَّةً وانتِماءاتٍ فكريَّة، تحتَّم معرفةُ الضوابط والأصول، والمقاصِد الشرعيَّة للتمسُّك بالثَّوابِت في زمن المُتغيِّرات، وللسلامة من عواصِفِ الحَيرَة، والحِفاظ على الهويَّة الإسلاميَّة الصحيحةِ التي يدَّعِيها أهتارٌ وأغمار، وكلُّ من ليس له في الإسلام سابِقةُ إعمار، أو مكنُونةُ فَخَار. وحتى يسلَمَ أبناءُ الأمة من نفَثَات من يتوشَّحُون رِداءَ الدين، وهم هوادِي الضالِّين، وأئمةُ المُضلِّين الذين حازُوا في الافتِراء قصَبَ السَّبقِ، وانحرَفُوا عن أداء واجبِ الحقِّ. يُتاجِرون بالدين، ويُخالِفون سُنَّةَ سيِّد المُرسَلين، يمتَطُون الإسلامَ لتحقيقِ مآرِب سياسيَّة، وأطماعٍ توسُّعيَّة خفيَّة.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، نحمدُه - سبحانه - وهو للحمدِ أهل، ومنه الابتِداءُ والفضل، جعلَ الحمدَ لبابِ الشُّكرِ مفتاحًا، نحمدُك اللهم على ما أوليتَ من المِنَن والنَّعماء، وأفضلتَ من الإحسان والآلاء، حمدًا لا تحوِيه الجِهات، ولا تُحيطُ به الكلمات.
الحمدُ لله حمدَ من *** لم يجِد جزاءً ولا شُكورًا
وإنما العبدُ قيل له: *** قُل، فقالَ ما قالَه خبيرًا
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحكمَ الشريعةَ وجلَّاها، فسعِدَت أمَّتُنا في دينِها ودُنياها، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المبعوثُ بأكمل الشرائِع وأسماها، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه خيرُ من زكَّى النفوسَ وبالإيمان أحياها، وعلى آله وصحبِه أبرِّ الأمةِ أفئدةً وأتقاها، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -؛ فالتقوى خيرُ ما يزدلِفُ به العبدُ لمولاه، ومن اتَّقى الله كفاه ووقاه، وعافاه وأغناه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
فعليكَ تقوَى الله فالزَمها تفُز *** إن التقِيَّ هو البهِيُّ الأهيَبُ
واعمَل لطاعتِه تنَلْ منه الرِّضا *** إن المُطيعَ لربِّه لمُقرَّبُ
معاشر المسلمين:
من أطلقَ مسارِحَ لمحاته، وأطرقَ في مسايِحِ غدَواته ورَوحاته، وتألَّقَت بصيرتُه في السعيِ والجَوَلان بين أحداث التأريخ ووقائِع الزمان، ترأرأَت له الأخبار، وانكشَفَت له بعد ازوِرار، أنه منذ بِعثة النبي - عليه الصلاة والسلام - وأمةُ الإسلام المرهُوبة تُعاني ممن يتلوَّنون تلوُّنَ الحِرباء، وينفُثُون سُمومَهم كالحيَّة الرَّقطاء، ينتسِبُون إلى دينِها وهم خِنجرٌ مسمُومٌ في ظهرها، وطَعَناتٌ نجلاءُ في خاصِرَتها. وأخطرُ الأعداء، وألدُّ الألِدَّاء من يتسمَّى بالإسلام وهو منه براء.
ورغم أن أمَّتنا بحرٌ لا تُكدِّرُه الدِّلاء، إلا أن هؤلاء الضِّغنَة الضالَّة كالعُرِّ يكمُنُ حينًا ثم ينتشِرُ، والحازِمُ من يعرفُ عدوَّه ويحذَره على كلِّ حالٍ.
وإن من سُنن الله الكونيَّة ما يكونُ بين الحقِّ والباطلِ من نزاعٍ، وبين الهُدى والضلال من صِراع، ولكلٍّ أنصارٌ وأتباع، وذادَةٌ وأشياع. وكلَّما سمَقَ الحقُّ وازداد اتِّضاحًا، ازداد الباطلُ ضراوةً وافتِضاحًا.
وهكذا بعد المِحَن المُطوِّحة، والصُّروف الدُّهم المُصوِّحة، يذهبُ النُّورُ بذُيُول أهل الفُجور، فتنكشِفُ مخازِيقُهم الزِّمِعة، وتعودُ النُّبلُ إلى النَّزعَة، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرعد: 17].
ولن يضُرَّ البحرَ أمسَى زاخِرًا *** أن رمَى فيه غلامٌ بحجَر
أمة الإسلام:
إن الدينَ الإسلاميَّ الحقَّ دينُ الجلال والجمال والكمال، لا يقبَلُ التشكيكَ أو التقليلَ أو المُزايَدَة، ولا يصحُّ بل ولا يُقبلُ من أحدٍ أن ينتقِصَه أو يُسيءَ إليه، فهو دينُ الله الذي ارتضاهُ للعباد، وشريعتُه إلى يوم المعاد، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
قال الإمام الطبريُّ - رحمه الله -: "يعني - جلَّ ثناؤُه -: اليوم أكملتُ لكم أيها المُؤمنون فرائِضِي عليكم وحُدودي، وأمري إياكم ونهيِي، وحلالِي وحرامِي، وتنزيلِي من ذلك ما أنزلتُ منه في كتابِي، فلا زيادةَ فيه بعد هذا اليوم". اهـ كلامُه - رحمه الله -.
فمن رمَى الشريعةَ بالنُّقصان فهو من عقلِه في حِرمان، ومن دينِه في ضلالٍ وخُسران. ولقد حوَت شريعتُنا في أصُولِها ومبادِئِها ما يتواكَبُ ومصلحةَ البشريَّة في كل زمانٍ ومكان، وما يُحقِّقُ مصالحَ العباد في المعاشِ والمعاد.
أمة الإيمان:
لقد تركَنا المُصطفى - صلى الله عليه وسلم - على محجَّةٍ بيضاء، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «قد تركتُكم على البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغُ عنها بعدِي إلا هالِك، من يعِش منكم فسيرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكُم بما عرفتُم من سُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشِدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجِذ» (رواه ابن ماجه، وسنَدُه صحيح).
سلْهُم عن الحبِّ الصحيحِ ووصفِهِ *** فلسوفَ تسمعُ صادقَ الأخبارِ
إحياءُ سُنَّته حقيقةُ حبِّه في القلبِ *** في الكلماتِ في الأفكارِ
فمن ادَّعى محبَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صحابتِه أو آل بيتِه، ولم يتَّبع سُنَّته وسُنَّة الخلفاء الراشِدين المهديِّين، فقد تجاوزَ الفِرَى عدًّا، وجاء أمرًا إدًّا، وجارَ عن القصدِ جدًّا، ولم يُصدَّق في جليلٍ ولا حقيرٍ. وأنَّى له بالصِّدقِ وليس من أحلاسِه؟!
والقولُ ما لم يكُن بالفعلِ مُقترِنًا *** فإنه عرَضٌ في حيِّزِ العدَمِ
وإننا لنُشهِدُ اللهَ وملائكتَه والناسَ أجمعين على حبِّه وحبِّ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - وآلِ بيتِه وعِترتِه الأطهار، وأزواجِه الطاهِرات أمهاتِ المُؤمنين، وصحابتِه الأبرار المُهاجِرين منهم والأنصار.
وإن العاقلَ ليعجَبُ من ضلالِ تلك العُقولِ التي اتَّخذَت وراءَها ظهريًّا المعقُولَ والمنقُول، قلوبُهم بالأذخالِ ممنُوَّة، وبالمُشاقَّة مملُوَّة، مُخطَّطاتُهم واضحةٌ مكشُوفة الأهداف، وضلالُ منهجهم بادٍ ليس بخافٍ، ولكنَّها سُنَّةُ الله في الكَون، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة: 251]، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].
معاشر المؤمنين:
وفي زمنٍ انتشرَت فيه ظواهِرُ اختِطافِ العقول باسم الدين، والصِّراع بين الأيدلوجيَّات والأجندات، مما أفرزَ تناقُضاتٍ سُلوكيَّةً وانتِماءاتٍ فكريَّة، تحتَّم معرفةُ الضوابط والأصول، والمقاصِد الشرعيَّة للتمسُّك بالثَّوابِت في زمن المُتغيِّرات، وللسلامة من عواصِفِ الحَيرَة، والحِفاظ على الهويَّة الإسلاميَّة الصحيحةِ التي يدَّعِيها أهتارٌ وأغمار، وكلُّ من ليس له في الإسلام سابِقةُ إعمار، أو مكنُونةُ فَخَار.
وحتى يسلَمَ أبناءُ الأمة من نفَثَات من يتوشَّحُون رِداءَ الدين، وهم هوادِي الضالِّين، وأئمةُ المُضلِّين الذين حازُوا في الافتِراء قصَبَ السَّبقِ، وانحرَفُوا عن أداء واجبِ الحقِّ. يُتاجِرون بالدين، ويُخالِفون سُنَّةَ سيِّد المُرسَلين، يمتَطُون الإسلامَ لتحقيقِ مآرِب سياسيَّة، وأطماعٍ توسُّعيَّة خفيَّة.
وصفَ أوائِلَهم الإمامُ عليٌّ - رضي الله عنه - بأنهم: حُلومُ الأطفال، وعقولُ ربَّات الحِجال. لودِدتُ أنِّي لم أرَكم ولم أعرِفكم، واللهِ معرفةً جرَّت ندمًا، وأعقبَت سدَمًا.
وسُئِلَ الإمامُ مالكٌ - رحمه الله - عن بعضِهم، فقال للسائل: "لا تُكلِّمهم ولا تروِ عنهم؛ فإنهم يكذِبُون".
وأسقَونا شرابَ النَّحلِ حُلوًا *** وممزُوجًا به السُّمُّ الزُّؤامُ
وفتُّوا لُحمةَ الإسلام فتًّا *** فعمَّ البُغضُ فينا والخِصامُ
فهل يعِي ذلك الزاعِمون التحقُّقَ بالدين، وهم طعَّانون في فُضلاء الأمة وأخيارِها، مُنتقِصُون لسلَفِها ورُموزِها؟!
والأدهَى والأمرُّ: مُناصرتُهم البُغاةَ الطُّغاةَ الذين أحالُوا شعوبَهم للدمارِ والبوارِ، واعتسَفُوهم بالحَديدِ والنار، وغير ذلك من مظاهِر تَخفَى وراءَها عُرَرٌ تقشعِرُّ لها الأبدان، وعِللٌ تثلِمُ الأديان. فيا غربَ الأحزان لهذا العُتُوِّ والطُّغيان!
وما أفعالُهم الشنيعَة في بلادٍ مُتعدِّدةٍ في المنطقةِ بخافيةٍ على كلِّ ذِي عينَين، في بثِّ الفُرقة والخلافات، والإرهابِ والنِّزاعات، والعُنصريَّة والطائفيَّة والصِّراعات، والعُنف وسَفك الدماء، والأطماع الخفيَّة في المنطقة برُمَّتها. وما المجازِرُ الوحشيَّة بأخَرة عنَّا ببعيدٍ! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونارُهمُ تبدَّت في خفاءٍ *** فأوجسَ أن يكون لها ضِرامُ
إخوة الإسلام:
إن من الواجبِ الوقوفَ بحزمٍ وعزمٍ في التعامُل مع هؤلاء الأفَّاكين، ولا يجوزُ أن نُعطِيَ آذانًا لكل من هبَّ ودبَّ، أو تطاولَ بعُنقِه واشرأبَّ، فكيف بمن افترسَتهم أفكارُ الضلال، واستقطبَتهم موجاتُ الوَبال؟! وضجَّت الخضراءُ والغَبراءُ من جرائِمهم، وعانَت الأمةُ من أحقادِهم وجرائِرهم.
فلم يتَّخِذهم التأريخ إلا مثالاً قاتمًا للطُّغيان الغَشُوم، ومسردًا للاستِبداد الظَّلُوم، يتوارَى قادتُهم خلفَ شِعاراتٍ برَّاقة، وكلماتٍ مُستعذبَاتٍ رقراقة، ظاهرُها الرحماتُ الغدَّاقة، والقلوبُ المُشفِقةُ العلاَّقةُ، وما هي إلا كشيشُ أفعَى أجمعَت لعَضِّ، فهي تحُكُّ بعضَها ببعض.
إن القبيحَ إذا أصلحتَ ظاهرَه *** يعودُ ما لمَّ منه مرَّةً شعِثًا
كم زخرَفَ القولَ ذُو زورٍ ولبَّسَه *** على العقولِ ولكن قلَّما لبِثَا
انعدَمَت غرائِرُهم، وأقبلَت علينا بكَلكَلِها هرائِرُهم، تنبُو عن قَبولِهم صحائِحُ الطِّباع، وتتجافَى عن استِماع كلماتهم الأسماع. فأقوالُهم كهذَيَان المحمُوم، وسَوداء الهُموم، أثقلُ من الجَندَل، وأمرُّ من الحَنظَل.
ومن شناعات أولئك: استِغلالُ وسائل الإعلام الجديد في النَّيل من الدين القَويم، وبلاد الحرمين ومُقدَّساتها، وقياداتها المُخلِصة، وعلمائِها الربَّانيين، ورموزِها الثِّقات، في حربٍ إعلاميَّةٍ قذِرَة، تُذكِي الحروبَ والصِّراعات، وتعتمِدُ الشائِعات والمُزايَدَات. مما يجبُ أن يُتصدَّى له بخُططٍ إعلاميَّةٍ مُحكَمة، قويَّةٍ وعالميَّةٍ لإحقاقِ الحقِّ ودَحر الضلال والباطل.
فكفَى مُتاجرةً بالدين يا هؤلاء، وكفَى مُخادعةَ للمُسلمين!
ولقد صدقَ ربُّ الأنام - سبحانه -: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 204، 205].
باركَ الله لي ولكم في الوحيَين، ونفَعني وإياكم بهديِ سيِّد الثَّقَلَين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفِرُوه وتوبوا إليه، إن ربي لغفورٌ رحيمٌ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا مُبارَكًا فيه، يُبلِّغُنا من الرحمن رِضًا وقُربَى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً محمُودةَ العُقبَى، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أزكَى البشريَّة رُوحًا وقلبًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد .. فيا عباد الله:
اتَّقوا الله في السرِّ والعلَن، وحذَروا مُخالفةَ الفعلِ الذَميمِ لقولِكم الحسَن؛ تبلغُوا مراضِيَ الرحمن وأعظمَ المِنَن.
إخوة الإيمان:
وإذا كان من سُنن الله الكَونية وجودُ بعض الفِرَق والمناهِج الضالَّة، فقد سخَّر الله لدينِه من يحمِيه، ويذُودُ عنه ويَفدِيه، وإن اشتدَّ الوَطيس بنفسِه وما ملَكَ يفتَدِيه.
وإن من ورائِع الأمل وبديعِ التفاؤُل: ما سطَّرَته مواقِفُ بلاد الحرمين الشريفين - حرسَها الله - في هذا المِضمارِ الأشَمِّ من الحَزم والعَزم والجَزم، لردِّ عُدوان عِصابات البغي والطُّغيان التي مردَت على الظُّلم والطُّغيان.
ثم هذا التحالُفُ الإسلاميُّ العسكريُّ أداءً لواجبِ حمايةِ الأمة ممن يعِيثُ في الأرض فسادًا، فكان - بفضل الله - تحالُفَ خيرٍ وبركةٍ على الأمة؛ ليُعلِنَ بجلاءٍ براءةَ الإسلام من إلصاقِ تُهمةِ الإرهاب به، لاسيَّما منهج أهل السنة والجماعة، السائرين على عقيدة السلَف الصالِح، ومنهج الدعوة الإصلاحيَّة التجديدية في هذه البلاد المُبارَكة.
وقد سطَّرَت "عاصفةُ الحزم" و"رعدُ الشمال" أنموذجًا مُشرِّفًا في رَدع الظالِم، ونصر المظلُوم، وردِّ الإرهاب وفُلُولِه، والتصدِّي لمُحاولات نشر العُنف والفوضَى، والغلوِّ والتطرُّف، وتقوِيض الوَحدة والأمن والاستِقرار، والتنمية والمُقدَّرات والمُكتسَبَات، ولتحقيق الأمن والسِّلمِ الإقليميَّين والدوليَّين.
فهنيئًا لجنودِنا البواسِل، وأبطالِنا الأشاوِس، جنودِ الإسلام، وصِمام الأمن والأمان. هنيئًا لكُم الجهادُ والرِّباط في حمايةِ الثُّغور، وعظيم الأُجور، فأنتم أقوياءُ بربِّكم، ناصِرون لمُقدَّساتكم. نِلتُم ثقةَ وُلاةَ أمركم، مخلُوفون في أهلِكم وأولادِكم، مُسدَّدون في رأيِكم ورميِكم. لا لانَت لكم قناة، ولا فُتَّ لكم عضُد، ولا شُلَّت لكم يد، ولا أخطأَت لكم رميَة، ولكم علينا حقُّ الدعاء، والمُؤازرة والنُّصرة. فأبشِروا وأمِّلُوا.
واعلَموا بكل يقينٍ وقناعة أن النصرَ صبرُ ساعة. فاثبُتوا واذكُروا اللهَ كثيرًا لعلَّكم تُفلِحون.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على خيرِ الورَى: نبيِّنا محمدِ بن عبد الله، كما أمرَكم بذلك المولى الكريم - جل وعلا -، فقال - سبحانه -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فواللهِ ما ذَرَأَ الإلهُ ولا برَى *** خلقًا ولا خُلُقًا كأحمَدَ في الورَى
فعليه صلَّى الله ما قلَمٌ جرَى *** أو لاحَ برقٌ في الأباطِحِ والقُرَى
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيِّد الأولين والآخرين، ورحمةِ الله للعالمين: نبيِّنا محمدِ بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين، وأزواجِه الطاهِرات أمهات المُؤمنين، والتابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم، وارضَ اللهم عن الخُلفاء الراشدين الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمانَ، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنَّا معهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَه وأعوانَه إلى ما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين.
اللهم كُن لإخواننا المُستضعَفين في دينهم والمُضطهَدين في كل مكان، اللهم انصُرهم في فلسطين، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصَى من براثِن الصهاينة المُعتَدين المُحتلِّين، اللهم كُن لإخواننا في بلاد الشام وفي الغُوطة الشرقيَّة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كُن لهم في سُوريا، وفي العراق، وفي اليمن، وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبَا، والرِّبا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهر منها وما بطَن.
اللهم فرِّج همَّ المهمُومين، ونفِّس كربَ المكرُوبين، واقضِ الدَّينَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين.
اللهم كُن لإخواننا وجُنودِنا المُرابِطين على ثُغور حُدودِنا، اللهم سدِّد رميَهم ورأيَهم، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكُروا الله العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعون.
التعليقات