عناصر الخطبة
1/ وجوب محبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وطاعته واتباع أمره 2/ الحث على لزوم شرع المصطفى وسلوك هداه 3/ علامة صدق المحبة للرسول 4/ التحذير من البدع وبيان خطرها الشديد على الأمة 5/ بدعة الاحتفال بالمولد النبوي.
اهداف الخطبة

اقتباس

من يتأمل في واقع الناس ولاسيما في الأزمنة المتأخرة يرى فيهم أمورًا عجيبة وأعمالًا محدثة لم يكن لها أيُّ وجودٍ في زمن الصحابة -رضي الله عنهم-، وما من ريبٍ -عباد الله- أن هذه الأعمال التي يمارسها المتأخرون ليست خيرًا ادَّخره الله لهؤلاء وصرف عنه الصحابة، وإنما هو شرٌ وقى الصحابة منه وابتُلي به هؤلاء. فلا خير -عباد الله- ولا فلاح ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا بلزوم هدي الصحابة الكرام ولزوم النهج الذي كانوا عليه -رضي الله عنهم وأرضاهم-، ومن ذلكم عباد الله: ما يفعله بعض الناس من إقامة احتفال بمناسبة مولد النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-..، فإن القرون المفضلة قرن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن تبعهم من أتباع التابعين كل هؤلاء لم يقع عندهم ولا في زمانهم شيئا من هذه الاحتفالات...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إله الأولين والآخرين، وقيُّوم السماوات والأرضين، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وسفيرُه بينه وبين عباده، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة،  ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دل أمته عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله -تعالى-؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله جل وعلا: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

 

أيها المؤمنون عباد الله: لقد بعث الله جل وعلا رسوله المصطفى ونبيه المجتبى عليه صلوات الله وسلامه، بعثه إلى الله -تبارك وتعالى- داعيًا، وللإيمان مناديا، وإلى دار الخلد مرشدًا وهاديا، وبكل معروف آمرًا، وعن كل منكرٍ ناهيا؛ فبلَّغ -عليه الصلاة والسلام- البلاغ المبين، وكان نبيًا ناصحا وهاديًا مصلحا وقدوةً مرشدا، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه، بلَّغ البلاغ المبين. وقد بعثه الله -جل في علاه- بشريعةٍ اتصفت بالشمول والبقاء والكمال؛ فهي شاملة لأنه عليه الصلاة والسلام بُعث رحمةً للعالمين (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)[الأعراف:158]، وهي باقية إلى قيام الساعة فلا دين ولا شرع إلا ما جاء به -عليه الصلاة والسلام-.

 

والله جلَّ وعلا سدَّ كل طريق إلى الجنة إلا من طريقه، فمن طلب الجنة من غير طريقه -عليه الصلاة والسلام- أو استفتح بابها بغير هداه فإنه لن يكون من أهلها ولن يلِجها حتى يكون خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- لها من الداخلين.

 

ولهذا -عباد الله- افترض الله -جل وعلا- على العباد محبة هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- وطاعته واتباع أمره ولزوم شرعه وسلوك هداه، وحذَّر -جل وعلا- من معصيته -عليه الصلاة والسلام- ومخالفة هديه القويم بركوب الأهواء المضلة والبدع المطغية التي ما أنزل الله بها من سلطان.

 

أيها المؤمنون عباد الله: بل إن الله -جل وعلا- جعل هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه، فالحق نحوه والواجب تجاهه -عليه الصلاة والسلام- أن يحَب محبةً مقدمةً على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين، ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي»، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ"، فقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: « فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي»، فقَالَ: "الآنَ يَا عُمَرُ". وثبت في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".

 

معاشر المؤمنين: إن هذه المحبة للنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- ليست مجرد أمرٍ يقال أو دعوى تدَّعى، وإنما حقيقة هذه المحبة وصدق قيامها في قلب العبد أن يكون متبعًا للنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- مؤتمًا به مهتديًا بهداه (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )[الأحزاب:21]. وعلامة صدق هذه المحبة وبرهان تمكُّنها من القلب: اتباعُ الرسول -عليه الصلاة والسلام-، كما قال الله -جل وعلا-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران:31].

 

معاشر المؤمنين عباد الله: ومن ينظر إلى حال الرعيل الأول والصدر المبارك لهذه الأمة؛ الصحابة ثم من اتبعهم بإحسان يرى العلائم الواضحة والبراهين الصادقة في حياتهم المباركة اتباعًا لهدي النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- ولزومًا لصراطه المستقيم وبُعدًا عن الأهواء والمحدثات والبدع، والله -جل وعلا- يقول: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة:100].

 

فيا معاشر المؤمنين: إن من لم يسعْه ما وسع الصحب الكرام ومن اتبعهم بإحسان لم يكن من أهل الفوز والرضوان، وإنما يكون عياذًا بالله من أهل الخيبة والخسران. ولهذا وجَب على كل مسلم أن يحرص على مجاهدة نفسه على حسن الاتباع وتمام الاقتداء وكمال الاهتداء بهدي النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، فإن شريعته كما أنها شاملة وباقية إلى قيام الساعة، فهي كاملةٌ ليس فيها نقصان، تامةٌ ليس فيها خلل فالله -جل وعلا- يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3]، فما لم يكن دينًا زمن محمد -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه فلن يكون دينًا إلى قيام الساعة، ولن يصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

 

اللهم يا رب العالمين نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت أن ترزقنا أجمعين حسن الاتباع لنبيك الكريم -عليه الصلاة والسلام- وأن تحشرنا في زمرته يوم القيامة وتحت لوائه غير مغيِّرين ولا مبدِّلين.

 

اللهم ووفقنا للزوم هداه واتباع هديه، وأعذنا يا ربنا من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء إنك سميع الدعاء وأنت أهل الرجاء وأنت حسبنا ونعم الوكيل.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 أما بعد عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.

 

عباد الله: لقد تكاثرت الأحاديث عن نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام- في التحذير من البدع والنهي عنها وبيان خطرها الشديد على الأمة، فمن ذلكم عباد الله: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خطب الناس يوم الجمعة قال في خطبته: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".

 

 وجاء في السنن من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه- في مقام تحذير الأمة من الاختلاف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ".

 

وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- -وهو يُعَد قاعدةً جامعة وأصلًا عظيما في هذا الباب- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ "، وفي رواية: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " أي مردود على صاحبه غير مقبولٍ منه.

 

أيها المؤمنون عباد الله: ومن يتأمل في واقع الناس ولاسيما في الأزمنة المتأخرة يرى فيهم أمورًا عجيبة وأعمالًا محدثة لم يكن لها أيُّ وجودٍ في زمن الصحابة -رضي الله عنهم-، وما من ريبٍ -عباد الله- أن هذه الأعمال التي يمارسها المتأخرون ليست خيرًا ادَّخره الله لهؤلاء وصرف عنه الصحابة، وإنما هو شرٌ وقى الصحابة منه وابتُلي به هؤلاء. فلا خير -عباد الله- ولا فلاح ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا بلزوم هدي الصحابة الكرام ولزوم النهج الذي كانوا عليه -رضي الله عنهم وأرضاهم-.

 

ومن ذلكم عباد الله: ما يفعله بعض الناس من إقامة احتفال بمناسبة مولد النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-؛ فإنك إذا نظرت في تاريخ هذا العمل وبدأ نشأته ووجوده فإنك لا ترى له وجودًا إلا في القرن الرابع الهجري، وأما قبل ذلك في القرون المفضلة قرن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن تبعهم من أتباع التابعين كل هؤلاء لم يقع عندهم ولا في زمانهم شيئا من هذه الاحتفالات.

 

فالخير عباد الله باتباعهم -رضي الله عنهم وأرضاهم-؛ فإن محبتهم للنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- هي المحبة الصادقة القائمة على حسن الاتباع وتمام التأسي بالرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-.

 

اللهم ارزقنا لزوم هدي الصحابة الكرام أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة، ووفقنا للزوم نهجهم يا رب العالمين، وأعذنا من البدع المردية والأهواء المطغية يا ذا الجلال والإكرام.

 

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيدا. اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال ، اللهم وألبسه ثوب الصحة والعافية يا رب العالمين، اللهم وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع شرعك.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

عباد الله اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

 

 

 

المرفقات
التحذير من البدع2.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life