التجارة مع الله وأمثلة يسيرة عليها

عبد الوهاب العمري

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/عظم نعمة الإسلام 2/الحث على التمسك بالسنة وفضل ذلك 3/المقصود بالمتاجرة مع الله وفضل ذلك 4/بعض صور المتاجرة الرابحة مع الله 5/المحروم من حرم الدعاء 6/دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة على المنبر
اهداف الخطبة

اقتباس

اتجر مع الله، بالتقرب إلى الله بالاحسان إلى خلق الله بأي أمر يكون فيه الاحسان إلى الخلق مهما قل، فإن في التسليم على الناس صدقة، وإن في معاونتك للضعيف صدقة، وإنك بأخذك بيد الاعمى ليجتاز الطريق صدقة، وإن في صناعتك للأخرق الذي لا يستطيع أن...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

 

أيها المسلمون: يا أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد منَّ عليكم بمنَّة تقصر عنها كل المنن، ونعمة تصغر عندها كل النعم: أن جعلكم مسلمين، وأن جعلكم من أتباع محمد الامين، فلم يجعلكم كافرين، ولم يجعلكم من أهل البدع الضالين، فاستطعموا نعمة الله عليكم، وتلذذوا بها: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].

 

نعم -والله- إنها النعمة التي لا نعمة مثلها، ولا يعادلها ما جمعه أهل الارض كلهم منذ خلقت وإلى يوم يبعثون، أن يجعلك الله على صراط محمد -صلى الله عليه وسلم-، وسنته يحييك عليها، ويتوفاك عليها، ويبعثك يوم القيامة عليها، فترد حوضه، وتشرب منه شربة لا تضمأ بعدها أبدا، تحشر في زمرته، وتكون معه في الفردوس الاعلى.

 

اللهم حقق لنا ذلك بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

إنها النعمة العظمى حينما تفوز بها، ويطرد أقوام عن حوضه هم من أمته، وهم على دينه، ولكنهم يضربون، تضربهم الملائكة، تطردهم عن حوضه، كما يضرب راع الابل الغريبة أن ترد على حوض إبله، فيقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لما أودع الله فيه من الرحمة والشفقة، والحرص على أمته: "إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا، سحقا، لمن غير بعدي".

 

التغيير، والتبديل هو في الرغبة عن سنة رسول الله، في الزهد عن سنة رسول الله، في الترافع عن منهج محمد خير خلق الله.

 

الخسارة العظمى أن يذهل المرء عما بين يديه مما يسر الله من وسائل الثبات على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيشغل بتوافه الامور، وبتقليل ما يرد على قلبه من الوساوس والشبهات والشهوات، فتصده عن ذكر الله، وتصده عن اتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].

 

إن استمساكك بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحتاج إلى الصبر، فإذا صبرت واستمسكت بسنة محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يروعك كثرة مخالفيها، ولا يزلزل قلبك كثرة من يدعي خلافها، ويدعو إليه، صبرت، كنت في صف الصابرين، والله يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10].

 

وأعظم درجات الصبر: الصبر على طاعة الله، هي أعظم الدرجات، هي أعظم درجات الصابرين، دونها الصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة.

 

عباد الله: إن الله يقول: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 40].

 

إنك -يا عبد الله- إن تعمل لله حسنة تبتغي بها وجه الله، فإنها تقع من الله بمكان قبل أن تقع حسنتك على من وقعت عليه، فتتجر مع الله، يضاعف حسناتك أضعافا كثيرة، وإنك ما تقربت به من حسنة أفضل من حسنة على سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، مصدقا له، متبعا لاثره، سائرا على منهجه، فأنعم وأكرم بها من حسنات تأتيك من اتباع السنة، وابتعادك عن البدعة والمخالفة والضلالة: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) [النساء: 31].

 

هذه أول سننه -اجتنب، وجاهد نفسك في البعد عن الكبائر-، فإذا سلمت منها كفرت سيئاتك الصغائر، وخرجت من الدنيا، ولا سيئة لك.

 

اتجر مع الله بمداومتك على ذكره سبحانه وتعالى، فإن لك بكل تسبيحة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وكل كلمة طيبة صدقة.

 

اتجر مع الله بالتقرب إلى الله بالاحسان إلى خلق الله بأي أمر يكون فيه الاحسان إلى الخلق مهما قل، فإن في التسليم على الناس صدقة، وإن في معاونتك للضعيف صدقة، وإنك بأخذك بيد الاعمى ليجتاز الطريق صدقة، وإن في صناعتك للأخرق الذي لا يستطيع أن يصنع صنعته صدقة، وإن في كل معروف صدقة، ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها، وتصديق موعدها، إلا أدخله الله بها الجنة".

 

قال حسان بن عطية أحد رواة الحديث: فعددنا ما دون منيحة العنز، من رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الاذى عن الطريق، وغيره، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة من دقها وصغرها.

 

عنز فيها شربة من حليب تعطيها لمحتاج ليحتلبها ويردها لك إذا كف حليبها كم هذه؟

 

اعلم أن دونها أربعين خصلة أقل منها كل واحدة تبتغي بها وجه الله يدخلك الله بها الجنة، ما أعظم فضل الله؛ لكن ما أعظم خسارة من لم يتعرض لفضل الله، فيتجر مع الله -عز وجل-، فيجعل عمله كله قوله، وفعله، واعتقاده ممايريد به وجه الله: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) [البقرة: 272].

 

(وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ) [البقرة: 272].

 

لست تنفق على الله، وليس في حاجتك؛ ولكنك أنت المحتاج إليه سبحانه وتعالى، فاتجر مع الله تجد الخير بين يديك إلى لقاء الله -عز وجل-.

 

عبد الله: أرأيت كل يوم يناديك المؤذن: "حي على الصلاة، حي على الفلاح".

 

"حي على الفلاح" هل استطعمت هذه الكلمة؟ ما معناها؟

 

الفلاح كل الفلاح يناديك إليه.

 

السعادة المؤبدة في الدنيا والاخرة، هي أن تأتي مجيبا إلى هذا الداعي، الحسنات المتراكمة التي لا يحصيها إلا الله هي في إجابتك لهذا الداعي.

 

السنة العظمى التي تركنا عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وآخر وصاياه قبل موته: "الله الله في الصلاة، وما ملكت أيمانكم".

 

أن تجيب هذا الداعي.

 

حين تتوضأ في بيتك موافقا لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تتنظف، تتبرد، تبعد عن قلبك الران، تبعد عن أطرافك القذر، تتخفف من ذنوب لا يعلم مداها إلا الله، وضوءك هذا أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنك إن ابتغيت به وجه الله خرجت به من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، غفر لك به ما تقدم من ذنبك.

 

فإذا خرجت تبتغي وجه الله، فتجارتك مع الله أن بكل خطوة إلى المسجد حسنة، ويمحى بها سيئة، ويرفع لك بها درجة، لذا كان السلف -رضوان الله عليهم- يقاصرون الخطى بدل أن يخطوا خطوة اقتسمها ثلاث خطى، حتى يستكثر من فضل الله، حتى إذا وصلت المسجد فعلى قدر تبكيرك يكون فضل الله عليك؛ لانك حينما تدخل فتصلي ركعتين تحية المسجد، متعبدا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين".

 

"بينا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: "قم واركع ركعتين، وتجوز فيهما".

 

حتى يوم الجمعة لا تجلس، حتى تصلي ركعتين، هاتان الركعتان أتدري ما أثرهما؟

 

أخبرنا صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمرو بن عبسة: أنه يخرج بها من ذنوبه كيوم ولدته أمه، إذا لم يحدث فيها نفسه,

 

كيف لا أحدث نفسي؟

 

أي لا تتفاعل مع حديث النفس، كلما أوردت نفسك حديث أقفل الموضوع، وواصل تفكيرك في صلاتك.

 

وهذا يسير على من يسره الله عليه.

 

تخرج بها من ذنو بك كيوم ولدتك أمك.

 

هاتان مغفرتان في ساعة واحدة.

 

ثم تجلس تنتظر الصلاة، أتدري ماذا يحصل لك؟

 

إنك في بيت الله، إنك زائر لله، وحقك على المزور أن يكرم الزائر، فإن الله أكرم الاكرمين، وأجود الاجودين، وأرحم الراحمين، ورب العالمين، وأنت في بيته، ضيف عنده كيف تتوقع ضيافتك؟

 

إنك تخرج من المسجد ولا خطيئة لك.

 

ثم إن من ضيافته لك سبحانه وتعالى: أن يجعل على رأسك ملك خاص بك لا يزال واقفا عند رأسك يرفع يديه: "اللهم اغفرله، اللهم ارحمه، اللهم صل عليه".

 

يستمر لك في الدعاء ما دمت جالسا تنتظر الصلاة، وما دام في صلاة فهو في صلاة.

 

أنت في جلستك ما زلت تصلي ولو كنت تلتفت يمينا شمالا، وتفعل ما تشاء، ما أكرم مجلسك بين يدي الله -عز وجل-.

 

أرأيت من كان في مثل هذا الحال، الملائكة تدعوا له، وغفر له ذنبه، ورفعت له درجته كلما رفع يديه بالدعاء إلى الله لن يرده الله، فقد وعدنا الله -عز وجل- على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- أنه بين الدعاء والاقامة دعوة مستجابة، لا يرد الدعاء، هذه كرامة الله، أو شيء من كرامة الله لك، فلماذا نتقاعس؟ لماذا نتأخر عن الصلاة؟ لماذا لا يأتي أكثرنا إلا إذا أقيمت الصلاة، يأتي وهو يلهث أخذ الخمس خطوات في خطوة واحدة، كم خسر؟ ودخل المسجد ونفسه يرقع، وينزل، فقد خشوعه، ودخل المسجد ولم يصل النافلة كم خسارته؟ ودخل في صلاة الفريضة وهو يلهث كم فقد من الخشوع؟ واستحضار القلب؟ وكم؟ وكم؟ وكم؟ كم الفرق بين هذا وهذا؟

 

صلاة الجمعة التي كانوا يتنافسون في صلاة الجمعة من بعد طلوع الشمس؛ لان النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن من جاء في الساعة الاولى، فكأنما قرب بدنة.

 

قرب بدنة! بدنة هينة عند الله؟

 

إن التجارة مع الله ليست كالتجارة مع الخلق، إن لكل شعرة حسنة، ويضاعف الله لم يشاء.

 

من جاء في الساعة الثانية كأنما قرب بقرة، هذا علاوة على الاجور التي سبق ذكرها، والاشارة إليها.

 

من جاء في الساعة الثالثة كأنما قرب كبشا أقرن، من جاء في الساعة الرابعة كأنما قرب دجاجة، من جاء في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، لا يظلم ربك أحدا: (لَيْسُواْ سَوَاء) [آل عمران: 113].

 

التفاوت شيء دقيق بين الناس، ولا يبخس الله الناس أشياءهم، فهو سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد، هل من جاء في الاولى كمن جاء في الخامسة؟

 

دعهم، هل من جاء والمؤذن يؤذن كمن جاء قبل؟ دعه هل من جاء بعدما كبر الامام تكبيرة الاحرام وصلى ركعة كمن سبق؟ تفاوت، وفضل الله يؤتيه من يشاء، ولكن هل ظلمك ربك؟ أنت الظالم لنفسك ما الذي أشغلك؟ نوم، ثرثرة فيما لا فائدة فيه، تقاعس وتكاسل، جر للشيطان، يجرك للخلف، يثقل عليك طاعة الله، هل أنت عبد الله أم عبد للشيطان؟ مع من تتجر؟ من سيعطيك الحسنات؟ من يمح عنك السيئات؟ من أنت إليه راجع؟ أنت إلى الله راجع، ففر إلى الله لا تفر إلى الشيطان، لماذا نتقاعس ونتساهل، وتثقل علينا الصلوات، اسألوا المساجد عندما أقيمت صلاة الفجر اليوم كم في المسجد؟

 

إلى الله المشتكى!.

 

إخوانكم في بلاد المسلمين يذهبون إلى المساجد تحت إطلاق النار، وتحت الرعب والخوف، وتحت الجوع والظمأ والظلمة، ونحن نتقلب في نعمة الله، وكأنما قيدت أقدامنا بالسلاسل في خطواتنا إلى الصلاة، هل هذا جزاء الاحسان الذي آتانا الله إياه؟

 

سنة أخرى أسهل ما يتصوره العبد: كم رأيتم في مسجدنا اليوم من حامل للسواك يتسوك؟

 

قليل أصبحت سنة تكاد تكون مهجورة، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة".

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستاك على كل أحواله، وكان يقول: "لقد أمرت بالسواك حتى خشيت أن أدرد أسناني".

 

"أدرد" أي تنمحي، من كثرة ما يتسوك صلى الله عليه وسلم.

 

بل تقول عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر لحظات حياته اشتدت به سكرات الموت -عليه الصلاة والسلام-، قالت: فرفعته على صدري صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، فدخل أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر، وفي يده سواك رطب، فما أن رآه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأمده بصره، أي: أطال النظر في السواك، قالت: فعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه، قد منع الكلام صلى الله عليه وسلم من شدة المرض، قالت: فأخذت السواك، فنقضته، وقضمته، وطيبته -كسرت الرأس الذي استخدمه عبد الرحمن- وعضت المسواك حتى أصبح لينا، ورطبته بريقها رضي الله عنها وأرضاها، ثم ناولته إياه، فاستن استنانا لم أره استنه قط عليه الصلاة والسلام تسوك، حتى إذا ما رضيت نفسه منه أخرجه من فمه، وقال: "في الرفيق الاعلى، في الرفيق الاعلى، في الرفيق الاعلى" وفاضت روحه صلى الله عليه وسلم.

 

آخر سننه، أحرص ما كان يحرص عليه السواك، فكانت تقول رضي الله عنها: "مات بين حاقنتي وذاقنتي صلى الله عليه وسلم" وكانت تفاخر بقية أزواجه، فتقول: "وآخر ما خالط ريقه ريقي رضي الله عنها وأرضاها، ولعن الله من آذاها.

 

سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- نرغب عنها.

 

يقول الكثير: نحن نستخدم المعجون والفرشاة.

 

نعم استخدمها -بارك الله لك فيها-، لكن لم ترغب عن سنة رسول الله؟

 

في قضيب من أراك، أو عود رطب تستاك به اتباعا لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال عنه عليه الصلاة والسلام: "السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب".

 

مرضاة للرب يرضي الله عنك، زهد أصبحنا فيه في أكثر سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لن أطيل عليكم، ولكنها أمثلة يسيرة، قس عليها ما هو أهم منها، من سنن تركناها، وهي أيسر ما تكون، وسنن رغبنا عنها، وهي أوفر ما يكون لعافيتنا ولصحتنا ولديننا، لاستقامتنا ولثباتنا، وهي أرغب ما يكون؛ لان أول من يرد الحوض هم اتباع سنته، ومن يبعد عن الحوض هم من غيروا وبدلوا، أتريدون أن تطردوا عن الحوض؟ ما بينكم وبين ذلك إلا الرغبة عن سنته، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "فمن رغب عن سنتي فليس مني".

 

اللهم أحيينا ما أحييتنا على سنته، وتوفنا إذا توفيتنا على سنته، وأوردنا اللهم حوضه، فنشرب ولا نضمأ، اللهم أحيينا مسلمين وتوفنا مؤمنين، غير خزايا ولا مبدلين.

 

استغفر الله لي ولكم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والتعاون على البر والتقوى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 104 -105].

 

تقوى الله، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر؛ من أعظم مظاهر سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

ثم -يا عباد الله- المحروم كل الحرمان من حرم الدعاء، فإن الله -عز وجل- يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].

 

ويقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].

 

وإن رسولكم -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الاخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" قالوا: إذاً نكثر؟ قال: "الله أكثر".

 

والرب يغضب إن تركت سؤاله.

 

والله -عز وجل- يصطفي من الناس من يشاء، فكم من خلي من ذنب بسبب عمل ما حسب له حساب، رفع يديه، وهو مغفور له، فدعا دعوة استجاب الله له بها ما كانت تخطر له على بال.

 

فلا تحقر نفسك -يا عبد الله- في الدعاء مهما كثرت ذنوبك، ومهما كثرت خطاياك، فإنك تدعو كريما وهابا، يده سحاء الليل والنهار، لا يتعاظمه شيء، فاسأل ربك، فإن الدعاء هو العبادة، كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

اعلم أن إبليس الملعون الطريد المغضوب عليه دعا واستجاب الله دعاءه: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [ص: 79 - 81].

 

دعا أن يخلد إلى يوم القيامة، فأعطاه الله إياه؛ لان الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

 

أنت -يا عبد الله- لا تدعو للدنيا، أنت تدعو للدنيا وللآخرة، فاستكثر، فهذه من أعظم سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدعاء.

 

لا تحمل هم الاجابة؛ احمل هم الدعاء، افتتح دعاءك بالحمد لله، صل على رسول الله، اذكر حاجتك مهما كانت، يقول أحد السلف: "والله إني أسأل الله في صلاتي حاجتي حتى شراك نعلي، وحتى الملح لطعامي".

 

لو منعك الله الملح، من أين تأتي به؟ لو منعك رمشة عينك أن تفتح من يفتحها؟

 

أنت بالله ولا حول لك ولا قوة إلا بالله.

 

سل ربك في كل حاجتك، فإنك بقدر سؤالك تكون عظيم المكانة عند ربك: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90].

 

هكذا مدح الله عباده الصالحين، ادع الله، ثم ادع في صلاح المسلمين: "فرب أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع بالابواب لا يؤبه له، لو أقسم على الله لابره".

 

لعل الله -عز وجل- أن يفتح على قلبك في لحظة من لحظات عفوه ومغفرته، فتدعو الله فيستجيب الله، فيصلح بدعوتك حال المسلمين في جميع أصقاع الارض، وما ذلك على بعزيز.

 

اللهم لا تخيب ظننا في دعائنا يا رب العالمين.

 

إلا -ويا عباد الله- إن بلادكم في حاجة إلى المطر إنسها، وجنها، وعجماواتها، وحتى ترابها الجاف، كلها في أمس الحاجة إلى أرحم الراحمين، والمطر بيد الله هو الذي ينزل الغيث لا ينزله إلا هو، وإنه أمرنا أن نستسقيه، وأن ندعوه ليستجيب لنا، وأن نرفع إليه ضرنا وحاجتنا ليكشفه عنا، صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عجب ربنا من قنوط عباده، وقرب خيره، ينظر إليهم أزلين قنطين، فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب".

 

فالفرج بيد الله، والله لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء.

 

فادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة، واستجيبوا لدعوة ولي أمركم، إذ أمر بالصلاة يوم الاثنين القادم، فهي سنة من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خرج بهم، فصلى بهم، فقال: "إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله -عز وجل- بأن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم".

 

فصلى بهم ركعتين، ودعا الله، فما رجعوا حتى مطروا صلى الله عليه وسلم.

 

وكان من سننه: الدعاء يوم الجمعة على المنبر، قد حكى أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما، فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا؟  قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، فقال: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا" قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت.

 

قال: والله ما رأينا الشمس سبتا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله هلكت الاموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها؟ قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الاكام والظراب والاودية، ومنابت الشجر" قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس".

 

إن رب محمدا هو ربكم، وإنه القدير يوم ذاك وهذا اليوم، وهو الذي أمركم بالدعاء ووعدكم بالاستجابة، والله لا يخلف الميعاد، ولكن إن كان لكم فيه خير عجله لكم، إن كان لكم فيه شر أجله، وعوضكم خيرا منه، فادعوا فإن الله أكبر، وخيره أكثر، وفضله أعظم، وهو أعلم بكم من أنفسكم، فاستجيبوا داعي الله، ولا تتقاعسوا عن إحياء هذه السنة، والخروج يوم الاثنين القادم -إن شاء الله- صباحا إلى المساجد لصلاة الاستسقاء، واليوم ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة.

 

اللهم صل على محمد وعلى آل محمدكما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

 

المرفقات
التجارة مع الله وأمثلة يسيرة عليها.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life