عناصر الخطبة
1/النهي عن موالاةِ الكفار 2/المقصود بموالاة الكفار وتساهل الناس في ذلك 3/مفاسد موالاة الكفار 4/وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين 5/بعض مظاهر موالاة الكفار 6/وجوب معاداة المرتد عن الإسلام 7/بعض المعاملات الجائزة مع الكفاراهداف الخطبة
اقتباس
عبادَ الله: أنه يَجِبُ على كل مسلم يَدينُ بدين الإِسلام، ويعتقدُ عقيدةَ التوحيد: أن يُواليَ أهلَ هذا الدين، أصحابَ هذه العقيدة، ويعاديَ أعداءها، فيُحِبَّ أهلَ الإِخلاص والتوحيد ويُواليَهم، ويُبْغِضَ أهلَ الشِّرْكِ والنفاق ويُعاديَهم. ومحبةُ الكفارِ، وإنْ كانت عملاً قلبيّاً خفيّاً إلا أنها يُعَبِّرُ عنها اللسانُ، وأعمالُ الجوارح، ولها علاماتٌ ومظاهر تُعْرَفُ بها، فمن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رَبِّ العالمين، أَمَرَ بموالاةِ المؤمنين وعداوة الكافرين.
وأشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له مخلصين له الدين، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين، وقد أمره الله بجهادِ الكفار والمنافقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
أيُّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتذكَّروا أنه سبحانه وتعالى قد نَهَاكُم عن موالاةِ عدوِّه وعدوِّكم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) [الممتحنة:1].
وأخبر سبحانه أنَّ من تولاهم، فإنَّه منهم، وأنَّه ليسَ مِنَ الله في شيء.
وموالاتُهم معناها: محبتُهم في القلوب، أو استحسانُ ما هم عليه من الكفرِ، أو مدحُهم، والثناء عليهم، أو مناصرتُهم ومعاونتهم، أو الفرحُ بانتصارِهم على المسلمين، وما أشبهَ ذلك من كل ما فيه تعظيمهُم واحترامهُم.
وقد خَفِيَ هذا الأمرُ على كثيرٍ من المسلمين لقلةِ التحدث عنه وبيانه، أو للتساهُلِ فيه، أو لضعفِ الإِيمان، أو لكثرة اختلاط المسلمين بالكفار، بسبب قُدومهم إلى بلادِ المسلمين، أو سفرِ بعضِ المسلمين إلى بلادِهم، أو غير ذلك من الأسباب.
وهذا أمرٌ خطير، وشرٌّ كبير، ينتج عنه فسادُ العقيدة، وعدمُ التمييز بين المؤمن والكافر، والبَرِّ والفاجر، وانتشارُ الشر، وقلة الخير، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73].
وقد نفى الله الإِيمانَ عمَّن تولَّى الكافرَ ولو كانَ أقربَ قريبٍ إليه، فقال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22].
عبادَ الله: أنه يَجِبُ على كل مسلم يَدينُ بدين الإِسلام، ويعتقدُ عقيدةَ التوحيد: أن يُواليَ أهلَ هذا الدين، أصحابَ هذه العقيدة، ويعاديَ أعداءها، فيُحِبَّ أهلَ الإِخلاص والتوحيد ويُواليَهم، ويُبْغِضَ أهلَ الشِّرْكِ والنفاق ويُعاديَهم.
وهذه ملةُ إبراهيمَ التي أمرنَا باتباعِها، قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة:4].
ومحبةُ الكفارِ، وإنْ كانت عملاً قلبيّاً خفيّاً إلا أنها يُعَبِّرُ عنها اللسانُ، وأعمالُ الجوارح، ولها علاماتٌ ومظاهر تُعْرَفُ بها، فمن مظاهرِ موالاة الكفار: التشبُّهُ بهم فيما هو من خصائِصهم من العادات والسَّمْتِ والأخلاق، كحلق اللحى، وإطالةِ الشوارب، واستعمالِ لغتهم في التخاطُبِ والكتابةِ من غيرِ حاجةٍ، والتشبُّهِ بهم في الزي واللباس، وفي كيفية الأكل والشرب، فإنَّ التَّشبه يدل على محبة المتشبه به، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تشبَّهَ بقومٍ فهو منهم".
لأنَّ التشبهَ بهم في الظاهر يدُلُّ على محبتهم في الباطنِ.
وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة:51].
ومن مظاهرِ مُوالاةِ الكفار: الإِقامةُ في بلادهم، والتجنسُ بجنسيتهم، وتركُ الهجرةِ من بلادهم إلى بلادِ المسلمين مَعَ القدرة عليها، فقد حَرَّمَ الله الإِقامةَ في بلاد الكفار مع القُدرة على الهجرة منها إلى بلاد المسلمين، وتوَّعدَ عليها بأشدِّ الوعيد، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) [النساء:97-99].
فلم يعذُرِ الله في الإِقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرةَ، وكذلك يعذر من كان في إقامتِه مصلحةٌ دينية كالدعوة إلى الله -تعالى-، ونشر الإِسلام في بلادِهم.
ومن مظاهرِ مُوالاةِ الكُفَّار: السفرُ إلى بلادهم لغرض النزهة، ومتعة النفس؛ لأنَّ السفرَ إلى بلاد الكفار محرمٌ إلا عند الضرورة، كالسفرِ لأجل العلاج، أو لأجلِ التجارة، أو لأجلِ تعلُّمِ التخصصات التي يحتاج المسلمون إليها.
فيجوزُ السفر إلى بلاد الكفار لتحقيقِ هذه الأغراض بقدرِ الحاجة، وبشرطِ أن يكونَ المسلم مُظْهِراً لدينهِ، معتزّاً بإسلامِه، مُبتّعداً عن مواطنِ الشرِّ، حذِراً من دسائس الأعداء ومكائدهم.
وكذلك يجوزُ السفر إلى بلادِ الكفار، إذا كان لأجلِ الدعوة إلى الله، ونشر الإِسلام.
ومن مظاهرِ موالاة الكُفَّارِ: إعانَتُهم ومناصرتُهم على المسلمين، ومدحُهم، والثناء عليهم، وهذا من نواقضِ الدين، والرِّدَّةِ عن الإِسلام -نعوذُ باللهِ من ذلك-.
ومن مظاهرِ مُوالاةِ الكفار: الثقةُ بهم، وتوليتُهم المناصبَ التي فيها أسرارُ المسلمين، أو اتخاذُهم بِطانةً ومستشارين، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ) أي من غيركم (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) [آل عمران:118-120].
فقد بَيَّنَ الله في هذه الآيات: دخائلَ الكُفَّارِ، وما يُكنُّونَه نحوَ المسلمين، من بُغْضٍ وما يُدَبِّرونه ضدَّهم من مكرٍ وخيانة، وما يُحِبُّونه من مضرةِ المسلمين، وإلحاقِ الأذى بهم، وأنَّهم يستغلُّون ثقةَ المسلمين وغِرَّتَهم للتخطيطِ ضدَّهم، وهذا واقعٌ اليوم ومشاهَدٌ من مكر الدول الكافرة بالمسلمينَ، وعَمَلِ المخططات الإِجرامية ضدَّهم.
ومن مظاهرِ مُوالاةِ الكفار: التأريخُ بتاريخِهم خصوصاً التاريخ الذي يُعَبِّرُ عن طقوسهم وأعيادهم، كالتاريخِ الميلادي الذي هو عبارة عن ذكرى مولد المسيح -عليه السلام-، والذي ابتدعوا الاحتفال به سنويًّا، فاستعمالُ هذا التاريخ فيه تشبهٌ بهم، ومشاركةٌ لهم في إحياء شعارِهم وعيدهم، ولتجنُّبِ هذا لَمَّا أرادَ الصحابةُ -رضي الله عنهم- عَمَلَ تاريخٍ للمسلمين يؤرخون به أعمالهم، ويعرفون به آجالَ معاملاتِهم، عَدَلُوا عن تواريخِ الكُفَّارِ، وأرخوا بهجرةِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مما يدُلُّ على وجوبِ مخالفة الكفار.
ومن مظاهر موالاة الكفار: تهنئتهُم بمناسبة أعيادهم، وتعطيلُ الأعمال الرسمية في أيامها، أو حضورُ احتفالاتهم، وقد قال الله -تعالى- في وصف عبادِه المؤمنين: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان:72] أي: لا يحضرون أعيادَ الكفار.
ومن مظاهر مُوالاةِ الكفار: مدحُهم والإِشادةُ بما هم عليه من المدنية والحضارة والإِعجاب بأخلاقهم ومعاملاتهم، حتى قال بعضُ الجهال لما ذهب إليهم: وجدت مسلمين بلا إِسلام، قال هذا دون نظر إلى عقائدهم الباطلة، ودينهم الفاسد وخلاعتهم، وانحلالِهم الخُلُقي.
وأما ما عندهم من القوة المادية والتقنية الصناعية، فالواجبُ على المسلمين أن يسبِقوهم إليها؛ لأنهم أولى بذلك، قال الله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال:60].
وقال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الأعراف:32].
فهذه الأسرارُ والمنافع الكونية خَلَقَها الله للمؤمنين، ويشاركُهم فيها الكفار في هذه الحياة الدنيا، وفي الآخرة تَخْلُصُ للمؤمنين لا يشارِكُهم فيها أحدٌ غيرهم.
ومن مظاهر موالاة الكفار: التسمي بأسمائِهم، كما يحصُلُ من بعض المسلمين أنهم يُسَمُّونَ أولادهم بأسماءٍ أجنبية مستوردة في مجتمعهم، وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "خيرُ الأسماء: عبدُ الله، وعبدُ الرحمن".
وبسبب تغييرِ الأسماء وُجِدَ جيلٌ يحمِلُ أسماءَ غريبة؛ مما قد يُسَبِّبُ انفصالاً بين هذا الجيل والأجيال السابقة للمسلمين.
ومن مظاهر موالاة الكفار: بَداءتُهم بالسلام، وقد نهانا الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: "إذا لَقيتُم المشركينَ في الطريق فلا تبدؤوهم بالسلامِ، واضطرُّوهم إلى أضيقِها" [رواه البخاري في الأدب المفرد].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تبدؤوا اليهودَ والنصارى بالسلام، وإذا لقيتُم أحدَهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه"[رواه مسلم].
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سَلَّمَ عليكم أهلُ الكتاب، فقولوا: وعليكم"[رواه البخاري ومسلم].
ومن مظاهرِ مُوالاةِ الكفار: مخاطبتُهم بألفاظِ الاحترام والتبجيل، وقد نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: "لا تَقُولوا للمنافقِ: يا سيدُ، فإنَّه إن يَكُ سَيِّداً، فقد أسخَطْتُم ربَّكُم -عزَّ وجل-" [رواه البخاري في الأدب المفرد].
ومن مظاهر موالاة الكفار: تشييعُ جنائزهم، وتولي دفنهم، وإلقاءُ الزهورِ على قبورهم، أو دفنُهم في مقابرِ المسلمين، وقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) [الممتحنة:13].
وهذا يشمَلُ حملَ الكافر وتشييعَه، أو تكفينَه، أو الصلاةَ عليه، وقد قال الله -تعالى-: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة:84].
ومن مظاهرِ موالاةِ الكفار: الترحُّمُ على أمواتِهم، والاستغفار لهم، وقد نهى الله عن ذلك، فقال: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [التوبة:113].
ومن مظاهر موالاة الكفار: ما ابتُلي به كثيرٌ من المسلمين اليوم من استقدامِهم إلى بلاد المسلمين وبلادِ الحرمين، بصفةِ عُمَّالٍ وسائقين ومستخدمين، وإدخالِهم في بيوت المسلمين وبينَ عوائلهم وتسكينِهم بجوار المساجد، حتى يكونَ منهم مظهرٌ سَيِّيءٌ حين تُقامُ الصلاةُ وهم يتجمهرون في الشوارعِ، فيراهم الكُسالى من المسلمين وشبابهم، فيقتدون بهم، ولا يحضُرون الصلاةَ.
مع ما يُخْشَى مِنْ أنَّهم يأتونَ دُعاةً إلى كفرهم وعقائدهم، ويحاولون تغييرَ عقائِد أولادِ المسلمين، إلى غيرِ ذلك من المحاذير الشديدة.
فيا مَنْ تستقدمون العمالَ، ويا أصحابَ مكاتب الاستقدام: اتقُوا الله -تعالى-، لا تجلِبُوا على المسلمين وبلاد المسلمين شرّاً تتحملون إثمَهُ، وتأكلون في مقابله أموالاً حراماً، وإذا اضطُرِرتم إلى الاستقدام، فاستقدموا من المسلمين الصالحين.
وهم كثيرٌ -والحمد لله- وفيهم الكفايةُ، ولكنَّ الأمرَ يحتاج إلى اهتمام ومراقبة لله -سبحانه وتعالى-.
فاتقوا الله في أنفسكم، وفي إخوانكم المسلمين، وفي بلاد المسلمين.
واعلموا أنه كما تَجِبُ معاداةُ الكافر الأصلي، فكذلك تجبُ معاداة الكافر المرتَدِّ عن دينِ الإسلام، ولو كانَ أقربَ قريب، قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22].
ومن أشدِّ المحادين لله ورسوله الذي يترُكُ الصلاة متعمداً.
وقد كَثُرَ هذا النوعُ في بلادِ المسلمين، ولم نَرَ مَنْ يُعاديهم ويقاطعُهم، بل نرى الكثيرَ منهم يعيشون في بيوت المسلمين وفي بلادِ المسلمين مُعَزَّزين مكرمين، مع أنَّ الواجبَ استتابتُهم فإن تابوا وإلاَّ قُتلوا مرتدين، وإن بَقُوا على قَيْدِ الحياة، فإنَّه يجبُ طردهم وإبعادُهم، ولا تجوزُ مساكنتُهم في البيوت، ولا تزويجهم من نساءِ المسلمين، ولا معاشرتهم ومخالطتهم؛ لأنَّهم محادون للهِ ولرسولِهِ وأعداءٌ لله ولرسوله، فأينَ الحبُّ في اللهِ والبغض في الله؟
يا عبادَ الله: أين الغيرةُ لله؟ أين العملُ بكتاب الله وسنة رسوله؟
فاتَّقُوا في هذا الأمر، ولا تساهلوا فيه، فإنه خطير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51].
بارَكَ الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جَعَلَ لنا من أمرِنا رَشَدا. ونهانا أن نَتَّخِذَ المُضِلِّين عَضُداً.
وأشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، ولم يتخذْ صاحبةً ولا ولداً، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله أرسلَه بدين الحق والهدى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّمَ تسليماً كثيراً دائماً ومستمراً أبداً.
أما بعد:
أيها الناسُ: اتقوا الله -تعالى-، واعلَمُوا أنَّ عداوتَنا للكفار، ووجوبَ بُغْضِنَا لهم، وما يتبَعُ ذلك من الامتناع من مظاهر موالاتهم التي سبقَ بيانُها، فإننا مع ذلك لا يجوزُ لنا أن نظلمهم أو نَجُورَ عليهم في الحكم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].
وقال تعالى: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) [المائدة:42].
وكذلك عداوتُنا لهم لا تمنعُنا من عقد المعاهدات معهم والاتفاقيات التي هي في صالحِ المسلمين، ولا من التعاملِ التجاري معهم واستيرادِ ما يحتاجُه المسلمون من منتجاتهم، ولا البيعِ والشراء معهم ومشاركتِهم في حدود ما تُبيحه الشريعة الإسلامية؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يَستدينُ من اليهودِ، وكذلك لا يمنَعُ بُغْضنا لهم مِنْ مكافأةِ مَنْ أحسَنَ منهم إلينا، قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8].
وهذا من باب المكافأةِ والعدلِ، لا من باب المحبةِ والموالاة لهم.
ومِنْ ذلك: إحسانُ الولدِ المسلم إلى والديه الكافِرَيْنِ، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) [لقمان:14-15].
كما أنه يجبُ علينا مع بُغض الكفار وعدمِ موالاتهم: أن ندعُوَهم إلى الله، وننصَحَهم بالدخولِ في الإسلام، لعلَّ الله يهديهم، ونكونُ سبباً في ذلك، ولنا مثلُ أجرِ مَنِ اهتدى منهم.
وهكذا يجبُ علينا: أن نُفَرِّقَ بين هذه الأمور وبينَ المحبة والموالاة، كما يجبُ علينا: أن نعلَمَ أنَّ الله -سبحانه وتعالى- مع أمرهِ لنا بمعاداة اليهود والنصارى، فقد أباحَ لنا التزوجَ من نسائهم المحصنَات، والأكلَ من ذبائِحهم المُذَكَّاةِ بالذكاةِ الشرعية، وأن نأخُذَ الجزية منهم إذا أعطوهَا وهم صاغرون، ونتركَهم على دينهم.
كلُّ هذه تعاملاتٌ مع الكفار قد شَرَعَها الله -سبحانه- مع ما شرعه من معاداتها، وعدمِ موالاتهم؛ لأنَّ التعامُلَ الظاهريَّ الذي فيه مصلحة للمسلمين لا يتعارَضُ مع وجوبِ بُغضهم، وبُغْضِ ما هم عليه من الكفر والضلال، كما أنَّ بغضَنا لهم وعدمَ موالاتِهم لا يمنَعُ من استئجارِهم للقيام ببعض الأعمال التي يُحسنونها ونحن بحاجة إليها.
كل ذلك من التعامل الدنيوي لا التعامل القلبي.
فلننتبه لهذه الأحكام المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله.
فإنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-...
التعليقات