عناصر الخطبة
1/ من معالم الخير في شهر رمضان 2/ سعة مفهوم الجود والكرم 3/ دلائل الإنفاق والجود 4/ ثمرات الإنفاق والتوسعة على المحتاجين 5/ ذم الإسراف والتبذير.اهداف الخطبة
اقتباس
في دينِنا شرائِعُ مُحكَمة لتحقيقِ التكافُل بين أبناءِ الأمة، وتنشِئةِ النفوسِ على فعلِ الخير، وإسداءِ المعروف، والوعد على ذلك بعظيمِ الأجر وجزيلِ الثوابِ. وشهرُ رمضان المُبارَك هو شهرُ البذل والجُود والكرم والمُواساة. والحديثُ عن الجُود في شهرِ الجُود حديثٌ لا ينقضِي منه العجَب، وكيف ينقضِي منه العجَب، ونبيُّ الجُود - عليه الصلاة والسلام - جُودُه كالريحِ المُرسَلة، وهو أجوَدُ ما يكونُ في شهرِ رمضان...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، الحمدُ لله خلقَ الخلقَ ليعبُدوه، وشرعَ لهم الدينَ ليتَّبِعوه، ورزقَهم وأنعمَ عليهم ليشكُروه، أحمدُه - سبحانه - على ما هدَى وكفَى، وأشكرُه على ما أجزلَ وأعطَى، ونِعمُ ربي لا تُحصَى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ توحيدٍ وإخلاص، تُؤنِسُ الوحشةَ في ظُلُمات القبور.
وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المبعوثُ بالحقِّ والهُدى والنور، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه أصحابه منائِر الهُدى ومصابِيحِ الدُّجَى والفضلِ المشهُور، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم النُّشُور.
أما بعد: فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتَّقوا الله - رحمكم الله -، واستعِدُّوا ليومٍ بضائِعُه الأعمال، وشهودُه الجوارِحُ والأوصال، وحاكِمُه الله الواحِدُ القهَّار. يومٌ لا يُقالُ فيه من ندِم .. ولا عاصِمَ فيه من الله إلا من رحِم.
تزوَّدوا - رحمكم الله -، فقد دنَت الآجال، وجِدُّوا واجتهِدُوا، فقد أزِفَ الارتِحال، وادَّخِروا لأنفُسِكم صالحَ الأعمال، (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 6]، ويُجيبُون الداعِي مُستمِعِين مُهطِعين، ويتعلَّقُ المظلُومون بالظالِمين، والحسابُ عند أسرعِ الحاسِبين، (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: 3- 8].
أيها المسلمون: تقبَّل الله منَّا ومنكم الصيامَ والقيامَ، وسائرَ الطاعات وصالحَ الأعمال.
في دينِنا شرائِعُ مُحكَمة لتحقيقِ التكافُل بين أبناءِ الأمة، وتنشِئةِ النفوسِ على فعلِ الخير، وإسداءِ المعروف، والوعد على ذلك بعظيمِ الأجر وجزيلِ الثوابِ.
وشهرُ رمضان المُبارَك هو شهرُ البذل والجُود والكرم والمُواساة. والحديثُ عن الجُود في شهرِ الجُود حديثٌ لا ينقضِي منه العجَب، وكيف ينقضِي منه العجَب، ونبيُّ الجُود - عليه الصلاة والسلام - جُودُه كالريحِ المُرسَلة، وهو أجوَدُ ما يكونُ في شهرِ رمضان.
معاشر المسلمين:
ليس الجُودُ بذلَ المال فحسب؛ بل هو أوسعُ وأشملُ؛ فالجُودُ والكرمُ والسخاءُ كلماتٌ يُفسِّرُ بعضُها بعضًا، ويدلُّ بعضُها على بعضٍ. كلماتٌ كريماتٌ تُطلَقُ على كل ما يُحمَدُ من أنواعِ الخير والشرفِ والعطاءِ.
قال بعضُ أهل العلم: "الكرمُ اسمٌ واقعٌ على كل أنواعِ الفضائل، ولفظٌ جامعٌ لمعاني السماحةِ والبذلِ والنوائِلِ".
الكرمُ - أيها الصائِمون الكرام -، والجُودُ - أيها القائِمون الأجواد - مفهومٌ واسِع، يكونُ العبدُ كريمًا مع ربِّه بصلاحِ العقيدةِ، وإحسانِ العبادة، وتجريدِ الإخلاص.
وكريمًا مع نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بحُسن الاقتِداء والمُتابعَة والحبِّ والتوقيرِ، وكريمًا مع نفسِه، يضعُها في مواضِع النُّبلِ والشرفِ والعزَّة، وإبعادِها عن مواطِنِ الذلِّ والمهانة، (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان: 63]، (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان: 72].
وكريمًا مع أهلِه وأقارِبِه ومع الناسِ أجمعين، يُحسِنُ المعاملةَ والبذلَ والبرَّ والتحمُّل؛ فمن ضحَّى براحةِ جسمِه وبذلَها في مصالِح الناسِ ومصالِحِ إخوانِه، فقد بذلَ غايةَ الكرم. ومن صرفَ الأوقاتَ في خدمةِ المُحتاجِين فهو الجوادُ الكريم.
ومن بذلَ جاهَهُ في سبيلِ الخير، والشفاعة الحسنة، ونُصرة المظلُوم، ورفعِ المظالِم، وإعانةِ الضعيفِ، ومشَى مع الضُّعفاءِ لذوِي السلطان والجاهِ فهو الكريم.
ومن أسقطَ دَينَه الذي على أخيه، وأبرأَ ذمَّتَه، فهذا غايةُ الجُود.
ناهِيكم بسخاءِ النفسِ، بسُمُوِّ أخلاقها بِشرًا، وتبسُّمًا، وصبرًا، ورفقًا، وعفوًا، وتحمُّلاً، وبُعدًا عن الحسَد والغلِّ والشَّحناء. شِعارُه ودِثارُه: حبَّ لأخيكَ ما تُحبُّ لنفسِك. يفرحُ لفرح إخوانه، ويحزَنُ لحزنهم، ويتعفَّفُ عما في أيدِيهم.
كرمٌ في المال وبذلِه، وكرمٌ في العلم ونشرِه، وكرمٌ في النصيحةِ وتقديمِها، وكرمٌ في النفسِ وجاهِها، وأكرمُ الكرمِ حُسن الخُلُق.
معاشر الصائِمين القائِمين:
الكرمُ والجُودُ والسخاءُ صفاتٌ تحمِلُ صاحبَها على بذلِ الخير من غيرِ منٍّ.
يقول جعفرُ بن محمد الصادقُ - رضي الله عنه وعن آبائِه -: "إن لله وُجوهًا من خلقِه، خلقَهم لقضاءِ حوائِجِ عبادِه، يرَون الجُودَ مجدًا، والإفضالَ مغنَمًا، والله يُحبُّ مكارِمَ الأخلاق".
معاشر المسلمين:
الكرمُ والجُودُ والبذلُ والعطاءُ من حُسن إسلامِ المرء، ومن كمالِ إيمانِه، ودليلٌ على حُسن الظنِّ بالله.
ومن فقهِ بعضِ الصالِحين قولُه: "إنني أسألُ الجنةَ لإخوانِي في صلاتِي، أفأبخلُ عليهم في صِلاتي؟!".
ويقول عبدُ الله بن جعفر: "أمطِر المعروفَ مطرًا؛ فإن أصابَ الكرامَ كانوا له أهلاً، وإن أصابَ اللِّئامَ كنتَ له أهلاً، ومن أكرمكَ فأكرِمه، ومن استخفَّ بك فأكرِم نفسَك بالكفِّ عنه".
ويقولُ عليٌّ - رضي الله عنه -: "إذا أقبلَت عليك الدنيا فأنفِق، فإنها لا تفنَى، وإذا أدبرَت فأنفِق، فإنها لا تبقَى، وأنت للمالِ إذا أمسكتَه، والمالُ لك إذا أنفقتَه، وكرمُ الرجلِ يُحبِّبُه إلى عُبَّاده، وبُخلُه يُبغِّضُه إلى أولادِه، ومن جادَ سادَ، والجُودُ حارِسُ الأعراض".
ويقول ابن السماك: "عجِبتُ لمن يشتري الممالِيكَ بمالِه، ولا يشترِي الأحرارَ بمعروفِه".
معاشر الإخوة:
ويتجلَّى الكرمُ ويتبيَّنُ في الهيئةِ والحالِ التي يكونُ عليها الكريمُ، من الحِرصِ على السريَّة في الإنفاق، واستِصغارِ ما يبذُل، والمُبادرةِ وعدم التباطُئِ، وتجنُّب المنِّ، مع ما تقرُّ به النفسُ من التلذُّذ بالإعطاءِ والسهولةِ في البذل، مع التواضُع وفتح الأبواب أمام أصحابِ الحوائِج، وتخيُّر الألفاظ والأساليبِ التي تحفظُ الكرامةَ للسائلِين.
ناهِيكم بمن تسمُو به نفسُه، ويرقَى به سخاؤُه وكرمُه، ليرى أن الفضلَ والمنَّ لصاحبِ الحاجة وطالِبِ المعروف، فهذا من نوادِر الرجال وغرائِبِ الكرام، ثم يترقَّى ويترقَّى ليصِلَ إلى مرتبة الإيثارِ وتقديمِ حاجةِ غيرِه على حاجةِ نفسِه، أولئك أصحابُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - الذين يُؤثِرُون على أنفُسِهم ولو كان بهم خصَاصَة، (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].
وفي كلمةٍ جامعةٍ: السخاءُ أن تكون بمالِك مُتبرِّعًا، وعما في يدِ غيرِك مُتورِّعًا.
وفي المُقابِل - حفِظَكم الله، وبارَك لكم فيما آتاكم - فليحذَر السخِيُّ النبيلُ أن تكون المهانةُ طريقًا إلى سخائِه، والخوفُ سبيلاً إلى عطائِه، وليكُن جُودُه كرمًا ورغبَة، لا لُؤمًا ورهبَة.
وقد قالوا: "لا تكُن مثلَ الصائِد يُلقِي الحَبَّ للطائِر وهو لا يُريدُ نفعَه، بل يُريدُ نفعَ نفسه".
ولهذا قال عليٌّ - رضي الله عنه -: "السخاءُ ما كان ابتِداءً، فأما ما كان عن مسألةٍ فحياءٌ وتذمُّم".
أمة الإسلام:
هذا الشهرُ الكريمُ هو شهرُ البذلِ والجُودِ والإحسانِ، فإن مشاهِدَ الفُقراءَ والمُحتاجين واليتامَى والأيامَى تستثيرُ في نفسِ المُؤمن جَذوَة الإيمان، وتُثيرُ مشاعِرَ العطف، فلا يهدَأُ بالُ المُؤمن ولا تستقِرُّ نفسُه حتى يذهبَ ما بهم من حاجة، ويرتفِعَ ما حلَّ بهم من عَوَز.
وبمثلِ هذا كانت دعوةُ دينِنا إلى التنافُسِ في الخيرات، والتسابُقِ إلى المكرُمات.
معاشر الصائِمين الكُرماء:
عملُ الأجواد الأسخِياء هو - بعَون الله - اليدُ الحانِية التي يسُوقُها المولَى - جل وعلا -، لتمتدَّ عل كل أرضٍ، وتجُوبَ كل قُطر، لتمسَحَ دموعَ اليتامَى، وتُبدِّدَ أحزانَ الثَّكلَى، وتُبدِّدَ مآسِي الأرامل، وترعَى الأطفال، وتحنُو على المُشرَّدين والمنكُوبين، وتُعالِجَ المرضَى، وتنشُرَ العلمَ في الجاهِلين.
في فلسطين، وفي ديار الشام، وفي العراق، وفي اليمَن، وفي بُورما، وفي أفريقيا الوُسطى، وفي أماكن أُخرى في الداخِل والخارِج.
نعم، أيها الأجواد .. أخلفَ الله عليكم ما أنفقتُم. كم للحروب من ضحايا؟! وكم للصيفِ اللاهِبِ من رزايا؟! وكم للفقرِ من أنيابِ؟! وكم للتشريدِ والتهجيرِ من مآسٍ؟! وكم للظُّلم من مُعدَمين؟!
فيأتي الإخوةُ الخيِّرُون الكرام المُنشِرون برجالِهم ونسائِهم ومُؤسَّساتهم، ليحمِلُوا - بعون الله - الفرجَ بعد الشدَّة، والسُّرورَ بعد الحزَن، والبسمةَ بعد الدمعة، في لمسةٍ حانِية، ويدٍ مُشفِقة، وتصرُّفٍ كريمٍ، ليُنسُوهم قسوةَ الأيام الضارِية.
فهنيئًا لهم ما بذَلُوا، وهنيئًا لهم ما يرجُون من البرِّ الكريم، (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].
وبعدُ، معاشر الأحبَّة:
فالبذلُ مع السماحةِ دليلٌ على صفاء النفسِ، ونقاءِ السَّريرة، وطِيبِ المعدَن، والخلقُ كلُّهم عِيالُ الله، وأحبُّ الخلقِ إليه أنفعُهم لعِياله.
ولا تستقِلَّ إعطاءَ القليل، فالحِرمانُ أقلُّ منه، ولا تستكثِر إعطاءَ الكثير، فأنت أكثرُ منه.
والبذلُ واسعٌ - حفِظَكم الله - في إخلاصٍ ورحمةٍ، يغسِلُ الذنوبَ، ويمحُو الخطايا، وصنائِعُ المعروف تقِي مصارِعَ السُّوء، وصدقةُ السرِّ تُطفِئُ غضبَ الربِّ، وصِلةُ الرَّحِم تزيدُ العُمر.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 274].
نفعَني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله الواسِع الجُود، الكريمِ الوهَّاب، أحمدُه وأشكرُه يرزقُ من يشاءُ بغير حساب، يدُه ملأى، لا تنقصُها نفقة سحَّاء الليل والنهار، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمدُ في الآخرة والأولى.
وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه جاءَ من ربِّه بالهُدى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه ذوي الفضلِ الأسمَى، وأصحابِه ذوي الخُلُق الأسنَى، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسارَ على نهجِهم فاهتدَى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا أبَدًا.
أما بعد .. معاشر المُسلمين:
إذا أرادَ الله بعبدِه خيرًا استعملَه في قضاءِ حوائِجِ الناس، وإطعامُ الطعام طريقُ الكرامِ إلى دارِ السلام، والإنفاقُ يزيدُ البركةَ في الرِّزقِ وفي العُمر، ويُزكِّي النفسَ ويُطهِّرُها من أدرانِ الأنانيةِ والشُّحِّ.
أيها الإخوة في الله:
غيرَ أنه يُخطِئُ من يظنُّ أن الكرمَ بالكثرة، أو أن من أكثرَ فهو الكريم؛ بل الكرمُ نزاهةُ النفس عن الحرام، وسخاؤُها بما تملِك، وإذا كان ذلك كذلك، فمعاذَ الله أن يكون الإسرافُ كرمًا، والتبذيرُ جُودًا وسخاءً.
فكثيرٌ من مفاهيمِ بعضِ الناسِ للكرمِ والجُودِ اليوم مُخالِفٌ لمفهُوم الشرعِ القَويم والعقل السليم؛ فصنيعُهم سرَفٌ مذمُوم، وتبذيرٌ ممقُوت، إنفاقٌ غيرُ رشيد، وولائِمُ باذِخة، وأنواعٌ من الأطعِمة والموائِد يُدعَى لها من لا يحتاجُها، ويُمنَعُ منها مُحتاجُها.
مع ما يُقارِنُ ذلك من التطلُّع للمديح والمُباهاة والفخر والسُّمعَة، يُقدِّمُ ما يُقدِّمُ من الأنواع والكميات لا يقصِدُ إلا محمَدَة الناس، فإذا أشبعَ نفسَه من المدائِح ألقَى أكوامَ الطعامِ في النِّفاياتِ والبرارِي - عياذًا بالله من كُفر النِّعمة -.
وفي ديارِ المُسلمين من يتضوَّرُ جُوعًا، ويعيشُ بُؤسًا، ويُعانِي فقرًا وحرمانًا. يأبَى الله والمُؤمنون، وتأبَى الفِطرةُ السليمةُ أن يكون هذا كرمًا، فوربِّك ليُسألُنَّ هؤلاء عن هذا النعيم.
ومن يستَهينُ بهذا ويجعلُه ميدانَ الإنفاقات الكاذِبة، والرِّياء والسُّمعة، فقد كفرَ النِّعمةَ، وتعرَّضَ لحُلُول النِّقمة، وعرَّضَ نعَمَه للزوال إن لم يتُبْ إلى الله ويرجِع إليه ويستغفِره. هذه سُنَّةُ الله في الإسرافِ والمُسرِفين، والله لا يُحبُّ المُسرِفين، والمُسرِفون هم أصحابُ النار، وشهرُ رمضان هو شهرُ الصوم وليس شهرَ الأكل.
ألا فاتَّقوا الله - رحِمكم الله -، فما أنفقَ مُنفِقٌ من نفقةٍ إلا والله يعلمُها، وعليه خلَفُها. فاتَّقوا الله في بذلِ المعروف قبل السُّؤال، والإطعام وقت الشدَّة والحاجة، والرأفة بالسائِل، فلا خيرَ في المال إلا مع البذلِ والجُود في نفسٍ سخِيَّة، ويدٍ ندِيَّة.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنِّعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسولِ الله؛ فقد أمرَكم بذلك ربُّكم في مُحكَم تنزيلِه، فقال - وهو الصادقُ في قِيلِه -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعةِ الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاةَ والملاحدةَ وسائرَ أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافَك واتَّقاك، واتَّبَع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتَك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، ووفِّقه ونائِبَيْه وإخوانَه وأعوانَه لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى.
اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ والهُدى يا رب العالمين.
اللهم وأصلِح أحوال المُسلمين، اللهم أصلِح أحوال المُسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، واجمع على الحقِّ والهُدى والسنَّة كلمتَهم، وولِّ عليهم خيارَهم، واكفِهم أشرارَهم، وابسُط الأمنَ والعدلَ والرخاءَ في ديارهم، وأعِذهم من الشُّرور والفتن ما ظهرَ منها وما بطَن.
اللهم من أرادَنا وأرادَ دينَنا وديارَنا وأمَّتنا وأمنَنا وولاةَ أمرنا وعلماءَنا وأهلَ الفضل والصلاح والاحتِساب منَّا ورجالَ أمننا وقواتنا ووحدتَنا واجتماعَ كلمتنا بسوءٍ، اللهم فأشغِله بنفسِه، اللهم فأشغِله بنفسِه، واجعَل كيدَه في نحرِه، واجعَل تدبيرَه تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم يا ناصِر المُستضعَفين، ومُنجِي المؤمنين! انتصِر لإخوانِنا المُستضعَفين المظلُومين في فلسطين، وفي سُوريا، وفي بُورما، وفي إفريقيا الوسطى، وفي العراق، وفي اليمن، قد مسَّهم الضُّرُّ، وحلَّ بهم الكربُ، واشتدَّ عليهم الأمر، اللهم فانتصِر لهم، وتولَّ أمرَهم، واكشِف كربَهم، وارفع ضُرَّهم، وعجِّل فرَجَهم، وألّّف بين قلوبهم، واجمع كلمتَهم، اللهم مُدَّهم بمددك، وأيِّدهم بجُندك، وانصُرهم بنصرِك.
اللهم إنا نسألُك لهم نصرًا مُؤزَّرًا، وفرَجًا ورحمةً وثباتًا، اللهم سدِّد رأيَهم، وصوِّب رميَهم، وقوِّ عزائِمَهم.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن شايعَهم، ومن أعانَهم، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّت شملَهم، ومزِّقهم كلَّ مُمزَّق، اللهم واجعَل تدميرَهم في تدبيرهم يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين، اللهم عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم وأنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القومِ المُجرمِين، اللهم إنا ندرأُ بك في نُحورِهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.
اللهم وفِّقنا للتوبةِ والإنابة، وافتَح لنا أبوابَ القَبول والإجابة.
اللهم تقبَّل صيامَنا، وقيامَنا، ودعاءَنا، وسائرَ طاعاتنا، وأصلِح أعمالَنا، وكفِّر عنَّا سيئاتِنا، وتُب علينا، واغفِر لنا وارحَمنا، يا أرحم الراحِمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
سُبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.
التعليقات