الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/فضيلة العشر الأواخر 2/ الاعتكاف مقصوده وأحكامه 3/ فتنة التكفير واستباحة الدماء 4/ خطر التفرق والتشرذم
اهداف الخطبة

اقتباس

ولنعلم أن مما ينافي مقاصد الاعتكاف فتحَ المجال من قبل المعتكفين لمن يأتيهم من الزوار أثناء الليل وأطراف النهار، مما يحصل معه تضييع الأوقات لما لا فائدة فيه، بل وقد يتخلله ما لا يحل من الأحاديث المحرمة؛ كالغيبة ونحوها .. والشيطانُ حريصٌ، وإلا فلا بأس أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر ..

 

 

 

الحمد لله وحده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله.. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد: أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ ففيها السعادة والفلاح والنجاح.

إخوة الإسلام: ما أسرع ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجل ما ينصرم الزمان.. فها هو شهر رمضان تقوَّضت خيامه وتصرَّمت أيامه..

ترحل الشهر والهفاه وانصـرما *** واختص بالفوز في الجنات من خدما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته *** في شهره وبحبل الله معتصما

فليحرص كل منا على اغتنام ما بقي من أيامه ولياليه بما يقربنا إلى المولى -جل وعلا- ويكون سبباً للفوز في الدنيا وفي الأخرى؛ فمن شغلته عن دينه دنياه فمتى يقبل على مولاه.

إخوة الإسلام: نحن في العشر الأخيرة من رمضان، عشر عظيمٌ فضلُها وكبيرٌ أجرُها.. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها، وكان إذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله، فيها ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، من قامها إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه، وهي في الأوتار آكدُ كما صحت بذلك الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ومن آكد ما يجتهد به فيها الإكثار من الدعاء، كما صح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو؟ قال:" قولي: " اللهُمَّ إنك عفُوٌّ تحب العفو فا عفُ عني ".

 

معاشر المسلمين: ومما يسن في هذه العشر الاعتكاف، وهو لزوم المسجد لطاعة الله -جل وعلا- فقد جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأواخر في رمضان، ثم اعتكف أزواجه في حياته ومن بعده ، والاعتكاف مقصوده حبس النفس على العبادة، وقطع العلاقة عن الخلق، والبعد عن شئون الدنيا، وعكوف القلب على طاعة الله -جل وعلا- وإخلاء القلب عن الشواغل عن ذكر الله، مع التحلي بأنواع العبادة وسائر القرب، وأقل مدة الاعتكاف -على الصحيح من أقوال العلماء- يومٌ أو ليلةٌ، ولا يجوز للزوجة الاعتكاف بغير إذن زوجها، ولا يصح الاعتكاف إلا بمسجدٍ تقام به الجماعة، والأفضل في مسجد تقام فيه الجمعة -إذا كان اعتكافه تتخلله الجمعة-.

 

وإن كان ممن لا تلزمه الجماعة كالمرأة، فيصح في كل مسجد سوى مسجد بيتها، وينبغي للمعتكفة أن تكون في أكمل الأحوال من الاحتشام والحياء، ولا يخرج المعتكف من معتَكفه إلا لما لابدَّ له شرعاً؛ كالخروج لصلاة الجمعة أو حساً كقضاء حاجة أو الإتيان بمأكل ونحوه؛ لعدم من يأتيه بهما.. قالت عائشة -رضي الله عنها-:" السنة للمعتكف ألا يخرج إلا لما لا بد له منه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان " متفق عليه، ولا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة أو يزور قريباً، إلا إذا اشترطه في اعتكافه؛ أي عند بداية اعتكافه.

والأفضل عند جمهور أهل العلم لمن أراد اعتكاف العشر أن يدخل المسجد عند غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين، ويستحب أن يبيت ليلة العيد في معتكفه ليخرج إلى المصلى -كما ورد عن السلف-، ولا يجوز لمسلم أن يضيع واجباً عليه لأجل الاعتكاف المسنون، ومن كان في خدمة المسلمين وقضاء حوائجهم، فالأفضل له الاستمرار في عمله؛ لأن العمل المتعدي أفضل من القاصد، ومن منعه والده من الاعتكاف فينبغي له طاعته كما دلت على ذلك الأدلة الصحيحة والقواعد الشرعية.

وينبغي على الوالدين أن يرعيا أولادهما من ذكور وإناث في حال الاعتكاف، وأن يشرفا بنفسيهما على ذلك؛ حتى تتحقق المقاصد المشروعة، وتنتفي المفاسد المحتملة .. خاصة إذا كانوا صغاراً.

ولنعلم أن مما ينافي مقاصد الاعتكاف فتحَ المجال من قبل المعتكفين لمن يأتيهم من الزوار أثناء الليل وأطراف النهار، مما يحصل معه تضييع الأوقات لما لا فائدة فيه، بل وقد يتخلله ما لا يحل من الأحاديث المحرمة؛ كالغيبة ونحوها .. والشيطانُ حريصٌ، وإلا فلا بأس أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر؛ لأن صفية -رضي الله عنها- زارته -عليه الصلاة والسلام- فتحدثت معه كما صح بذلك الحديث.

ويستحب للمعتكف اجتناب فضول المباحات؛ من مخالطة الأنام، وفضول الكلام والمنام التي لا يحتاج إليها حتى تكمل خلوته ويحصل مقصود اعتكافه على الكمال والتمام، وليحرص المعتكف على أن يكف أذاه عن المصلين، وأن يتأدب بآداب المسجد وأن يحرص على نظافته.. خاصة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وينبغي للمعتكف أثناء الصلاة التجملُ بما لديه من الملابس غيرِ ملابس النوم، والأفضل أن يتجنب التجمع، ولو كان ذلك في التباحث في مسائل علمية أو فقهية؛ لأن الاعتكاف خلوة، وقد نقل عن الإمام مالك وأحمد أنه لا يستحب للمعتكف إقراء القرآن، ولا تدريس الفقه والحديث؛ حتى لا يؤثر ذلك على المقصود الأعظم من الاعتكاف.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وزدنا علما وفقهاً وتوفيقاً.

 

الخطبة الثانية:

 

أحمد ربي وأشكره، وأصلي وأسلم على من لا نبيَّ بعده.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: مما يُحزنُ المسلمَ ما وصلت إليه حال الأمة المسلمة، وما وقع لرمز من رموز الأمن في هذه البلاد في هذا الشهر العظيم إلا صورةٌ من صور المآسي المؤلمة لما يقع في هذه الأمة.. ألا وإن أضرَّ شيءٍ على الإسلام والمسلمين عبر التاريخ تكفيرُ المسلمين بعضهم لبعض، واستباحة بعضهم دماء بعض.

ومن قرأ التاريخ جيداً يجد العجب العجاب من الشرور المستطيرة والبلاء العظيم الذي وقع على أمة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- بسبب ذلك وبسبب فتن التفرق والتحزب، وهذا كله قد أفرح ويُفرح أعداءَ الإسلام؛ ففي قصة الأمير مودود -أحد ملوك السلاجقة - وهو من خيار الملوك ديناً وجهاداً ضد الصليبيين، ومع هذا قُتِِل بسبب الفتن، قتل في جامع دمشق على أيدي بعض الفئات من المسلمين، وكان في يوم وهو صائم فكتب أحد ملوك الإفرنج إلى ملك السلاجقة يقول له ناقماً وساخراً: " إن أمة -يريد بها أمة الإسلام - إن أمةً تقتل أحد قادتها في بيت معبودها، في يوم عيدها لحريٌّ أن الله يبيدها "..

نعم إن الأمة لا يضرها إلا التفرق والتشرذم والفتن التي لا يحكمها كتاب الله -جل وعلا- ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول الحسن -ناصحاً الناس بعدم الانخراط في فتنة ابن الأشعث- فعندما سمع من يدعو على الحجاج، قال له: " لا تفعل إنكم من أنفسكم أُوتيتم إننا نخاف إن عُزل الحجَّاج أو مات أن يستولي عليكم القردة والخنازير "، ويقول في مقام آخر:" لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبَل سلاطينهم صبروا، ما لبثوا حينئذ أن يفرج الله عليهم، ولكنهم يجزعون إلى السيف فيوكلون إليه، فو الله ما جاءوا بيوم خير قط ". ويقول أيضا: " فإن الله إنما يغير بالتوبة ولا يغير بالسيف ".

وكتب أحد السلف إلى ابن الأشعث قائلا له:" إنك يا ابن الأشعث قد وضعت رحلك في ركاب طويل.. أبقِ على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- انظر إلى نفسك فلا تهلكها، ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تفارقها، والبيعة فلا تنكثها.."

فالله اللهَ في لزوم سنة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ففيها النجاة والعصمة من الشرور، ومن الآثام في هذه الدنيا والآخرة.

ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بالصلاة والسلام عليه.. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا وقرة عيوننا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين. اللهم اجمع كلمتهم على الحق. اللهم اجمع كلمتهم على الحق. اللهم ألِّف بين قلوبهم. اللهم اجمعهم على محبة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم اجمعهم على محبة الله -جل وعلا- وعلى محبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-اللهم جنبهمُ الفتنَ والشرور. اللهم جنب شبابنا الفتن والشرور يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.... ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [البقرة: 102]، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات
758.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life