الاستهزاء بالرسل (أتواصوا به)

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-09-30 - 1445/03/15
التصنيفات:

 

 

عبدالسلام بن محمد الرويحي

 

منذ أن بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا والحرب مستمرة قائمة عليه وعلى دينه الذي أرسل به، كم هي حملات التشويه والسخرية والاستهزاء بنبينا التي عشناها في حياتنا وزمننا هذا؟ لا تكاد تخمد حملة إلا وتشتعل أخرى ولن تنتهي هذه الحرب مادام هناك حق وباطل وإسلام وكفر وإيمان ونفاق ومؤمنين وكفار.

 

بل هي سنة قائمة جارية في حق الأنبياء أجمعين والمصلحين منذ أن خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، يتوارث هذه الحرب أعداء الرسل والمصلحين جيلًا بعد جيل، يستخدمون فيها كل الوسائل المادية والمعنوية.

 

ومن أكبر وسائل حربهم الاستهزاء والسخرية والتشويه وقلب الحقائق، مارسها الأولون بوسائلهم البدائية ومورست في عصور الحضارة المتأخرة بوسائل غاية في التأثير وغاية في السرعة وغاية في الانتشار حتى إنهم ﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 116]، وغايتهم في ذلك ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].

 

ومن العجائب أن مدرسة الاستهزاء والسخرية متوارثة عبر الأجيال مع بعد المسافات الزمنية والمكانية بينها واختلاف اللغات والبلاد والألوان والأوطان والتوجهات والملل والطوائف ولكنها واحدة تجاه دين الله تعاد وتكرر مع كل رسول ومع كل مصلح ومع كل رسالة ودعوة مع اختلاف وسائلها كما قال الله سبحانه: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُواسَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [الذاريات: 52-53].

 

﴿ أَتَوَاصَوْا بِهِ ﴾؛ أي: هل أوصى بعضهم بعضًا بهذه الكلمات، فيرددها الأولون والآخرون؟.

 

هل أوصى بعضهم بعضًا بهذه الكلمات المكررة التي يرددها الجميع وجاءت على لسان الكل؟

 

الجواب لا قطعًا؛ لأنهم متباعدون في الفترة والمكان، وخاصة في الأزمنة المتقدمة حيث لا توجد لديهم وسائل اتصالات حديثة حتى يُعلّم بعضهم بعضًا هذه التهم أو يسمعها هؤلاء من هؤلاء، وليس من المعقول أن يعلم الذين في المشرق ما قاله إخوانهم في المغرب لرسولهم فيعيدون له ما قال أولئك.

 

إذن فما السر؟

وكيف توارثت أجيال الكفر والنفاق أساليب السخرية دون أن يكون بينها وصايا مخطوطة أو مسموعة؟

اسمعوا الإجابة: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون ﴾.

 

ليس هناك تواصي ولا اتفاقيات ولا معاهدات: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون ﴾ الطغيان والجحود والكفر والنفاق الذي تجذر في قلوبهم هو الدافع لهم جميعًا، الدوافع واحدة لكل المكذبين والمستهزئين جعلت قلوبهم متشابهة فكان الأسلوب واحدًا وهو السخرية والاستهزاء والتشويه فرددت ألسنتهم ما في قلوبهم من انفعالات باطلة ووساوس متشابهة وأمراض مزمنة: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُون ﴾ [البقرة: 118].

 

والله لكأن التأريخ يعيد نفسه لمن يقرأ التأريخ ويفهم كلام الله سبحانه وتعالى، ومن إعادة التأريخ نفسه وكما تشابهت قلوبهم وأساليبهم ومدارسهم وساروا على قانون الاستهزاء وقاعدة السخرية تشابهت نتيجة أفعالهم فكانت سنة الله فيهم واحدة وقانون الحق واحدًا لم يتغير في حق كل المكذبين والمستهزئين: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [الرعد: 32].

 

سنة الله مع المستهزئين الساخرين بالرسل والمصلحين يملي لهم ويمهد لهم ويمهلهم ثم يأخذهم أخذا أليما وفي "الصحيحين": « إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته »، ثم قرأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].

 

﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام: 10].

حاق بهم أي حل بهم الذي كانوا به يستهزءون من البلاء والعذاب الذي كانت رسلهم تخوفهم نزوله بهم، يستهزئون، فالله يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه لن يعدو هؤلاء المستهزئون بك من هؤلاء الكفرة أن يكونوا كأسلافهم من الأمم المكذبة رسلها، فينزل بهم من عذاب الله وسخطه باستهزائهم بك نظير الذي نزل بهم، ومستهزئو هذا الزمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذين تجرأوا عليه وسبوه وشتموه وصوروا له الصور الساخرة وتبنى هذه السخرية كبراءهم وأئمة الكفر فيهم سينالهم غضب من الله وذلة ويحيق بهم عذاب أليم.

 

بل لقد رأينا في كل حملة استهزاء أنها تأتي بنتائج عكسية بالنسبة للمستهزئين خلاف مرادهم وغاياتهم، فتجد المسلمين يتوحدون صفا واحدا ويقفون مواقف مشرفة في نصرة نبيهم دفاعا عن عرضه وفداء لاسمه وحربا بكل ما يتاح لهم على أعداءه، وأعجب من هذا في تدبير الله الذي يجعل من المحنة منحة ومن تدبير أعداء الله كبتا وذلة لهم أن أقوامهم يحركهم الفضول حول هذا النبي ودين هذا النبي فيتساءلون بدهشة كبيرة:

 

♦ لم تلك المظاهرات الضخمة التي عمت بلاد المسلمين تندد بالرسوم المسيئة لرجل توفي منذ أربعة عشر قرنًا؟

 

♦ ما الذي فعله ذلك الرجل فملأ حبه قلوب مئات الملايين منهم؟

 

♦ ما الذي يجعلهم يعظمونه ويفدونه بأرواحهم، ويقدمونه على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وزوجاتهم؟

 

فيبحث كثير منهم عن الحقيقة وإذا بالنتيجة المذهلة تنقلب على رؤوس من أراد أن يبعدهم عن الحق ويسيء إلى دين الحق ورسول الحق.. فيدخل الكثير منهم هذا الدين ويعتنقه، ويصير من أشد المؤمنين به والمدافعين عنه.

 

وإِذا أرادَ اللّهُ نشرَ فضيلةٍ

طويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ

لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورَتْ

ما كان يعرفُ طِيبُ عَرفِ العُودِ

 

ولذا فإن على المسلمين اليوم أن يجعلوا من هذه المحنة منحة وفرصة عظيمة لنصرة نبيهم وتبليغ دينه ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11]، وتكون لهم مبادرات عملية في ذلك منها ما يلي:

1) مقاطعة المنتجات الاقتصادية التي تصدر من البلاد التي تسخر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نوع من أنواع الجهاد بالمال.

 

2) مخاطبة العقول والعقلاء في الغرب وخاصة في البلدان التي صدر منها الاستهزاء

 

3) بيان زيف وبطلان ما يقوله ويدعيه كبراءهم وسفهاؤهم في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حق دين الإسلام.

 

4) كسب المفكرين والعقلاء والسياسيين المعتدلين.

 

5) بيان محاسن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعريف به وبصفاته الخلقية والخلقية.

 

6) مشاركة كل مسلم في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يتاح له وبقدر الاستطاعة والامكانيات وخاصة ممن يمتلك التحدث والكتابة باللغات الأجنبية الفرنسية والإنجليزية وغيرها من اللغات يخاطب بها القوم هناك ويبين محاسن دين الاسلام ونبي الاسلام، ويدحض عنه التهم.

 

وأخيرا فإن نبينا وحبيبنا وقرة أعيننا منصور من ربه مرفوع ذكره عطرة سيرته، والدفاع عنه ونصرته:

شرف لا ينبري له إلا الشرفاء..

ووفاء لا يجيده إلا الأوفياء..

وحب لا يحسنه إلا الأحباء..

وقوة ونبل وتقوى ومروءة وبر وعزة وإباء.

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life