عناصر الخطبة
1/ بقدر استجابتك لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- يكون غناك في الآخرة 2/ بقدر نقصان الاستجابة يكون فقرك في الآخرة 3/ صور من سرعة استجابة الصحابة والسلف لأمر الله ورسوله 4/ ضعف استجابتنا لله والرسول.
اهداف الخطبة

اقتباس

هل سألت نفسك يومًا: ما مقدار استجابتك لله ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ هل تفرح بأوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتسارع إلى العمل بها بانشراح صدر وطيب نفس أم أنها ثقيلة عليك؟!.. أيها الأخ المبارك! كم بين فقر الدنيا وفقر الآخرة؟ إنه بقدر استجابتك لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- يكون غناك في الآخرة وبقدر نقصان الاستجابة يكون فقرك في الآخرة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إذا سمعت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فأرع لها سمعك، فإنها إما خير تُؤمر به أو شرّ تُنْهَى عنه" (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24]...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي نوَّر بصائر المؤمنين فوفَّقهم للأعمال الصالحات وثبتهم على الإيمان حتى الممات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مقر بربوبيته، شاهد بوحدانيته منقاد إليه لمحبته، معترف بنعمته مؤمل لعفوه ورحمته، طامع في مغفرته؛ فهو سبحانه أهل التقوى وأهل المغفرة.

 

 وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله للإيمان مناديا وللجنة داعيًا وإلى صراطه المستقيم هاديا، فأنقذ الله به أقواما من الشرك والجاهلية إلى نور التوحيد والملة الحنيفية، وتربى على يديه أئمة دعوا إلى الله بالحكمة الحسنة فأحيى بهم الله القلوب وأنار بهم السبل،  اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وآله، وارض اللهم عن أصحابه المهتدين واجمعنا بهم في جنات النعيم، أمين..

 

أما بعد: أخي المبارك هل سألت نفسك يومًا ما مقدار استجابتك لله ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ هل تفرح بأوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتسارع إلى العمل بها بانشراح صدر وطيب نفس أم أنها ثقيلة عليك؟!

هذا هو حديثنا لهذه الجمعة.

 

أيها الأخ المبارك! كم بين فقر الدنيا وفقر الآخرة؟ إنه بقدر استجابتك لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- يكون غناك في الآخرة وبقدر نقصان الاستجابة يكون فقرك في الآخرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إذا سمعت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فأرع لها سمعك، فإنها إما خير تُؤمر به أو شرّ تُنْهَى عنه".

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ) [الأنفال: 24]، قال العلامة ابن سعدي -رحمه الله- في تفسيره: "يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة لله وللرسول، ثم حذر من عدم الاستجابة لله وللرسول، فقال (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِيعني إياكم أن تردوا أمر الله أول ما يأتيكم فيُحال بينكم وبينه، إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب؛ حيث شاء ويصرفها أنى شاء. فليكثر العبد قول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ا هـ.

 

وننتقل الآن إلى حال الصحابة -رضي الله عنهم- مع الاستجابة لنضرب أمثلة بلا تعليق، الصحابة أولئك القوم الذين كانوا بأرواحهم في سبيل الله يجيدون وكانوا يحبون رسولهم -صلى الله عليه وسلم- فوق محبتهم لأموالهم وأهليهم بل وأنفسهم.

 

سل التاريخ عن الصحابة يخبرك عنهم ..

قومٌ إذا جنّ الظلام عليهم *** باتوا هنالك سجّداً وقياما

خمصُ البطونِ من التعفف ضمراً *** لا يعرفون سوى الحلال طعاما

وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم *** هبُّوا إلى الموت يستجدون رؤياه

 

حدث عثمان بن شيبة -رضي الله عنه- إسلامه فقال: "ما أريت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى من الضلالات، فلما كان عام الفتح، ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنوة، قلت أسير مع  قريش إلى هوازن بحنين، فعسى إن اختلطوا أن أُصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: ولو لم يبقَ من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدًا ما اتبعته أبدًا".

 

فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بغلته، وأسلط السيف فدنوت أريد ما أريد منه، ورفعت سيفي فرفع لي شواظ من نار كالبرق حتى كاد يذهب بصري، فوضعت يدي على بصري خوفًا عليه، فالتفت إليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وناداني: "يا شيبة اقترب مني"، فدنوت منه فمسح صدري وقال: "اللهم أعذه من الشيطان"، قال: "فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إليَّ من سمعي وبصري ونفسي، وأذهب الله -عز وجل- ما كان بي".

 

ثم قال: "ادنُ فقاتل"، كلمة واحدة هل استجاب شيبة مباشرة وهو حديث عهد بإسلام أم تردد؟ لا والله لا يتردد الصحابة؟

 

يقول شيبة: "فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء، ولو لقيت تلك الساعة أبي لو كان حيًّا لأوقعت به السيف".

 

فلما تراجع المسلمون وكرُّوا كَرَّة رجل واحد قربت بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستوى عليها فخرج في إثرهم حتى تفرقوا في كل وجه، ورجع إلى معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه فقال: "يا شيبة الذي أراد الله بك خير مما أردت بنفسك".

 

ثم حدثني بكل ما أسررت في نفسي مما لم أكن أذكره لأحد قط، فقلت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم قلت استغفر لي يا رسول الله فقال: "غفر الله لك".

 

ومثال آخر يكتب بالذهب، روى مسلم من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى بدر حتى سبقوا المشركين وجاء المشركون فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض"..

 

وانظروا للاستجابة:

قال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟! قال: "نعم" فقال: بخ بخ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يحملك على قولك بخ بخ"؟! قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: "فإنك من أهلها"، قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال -واسمع لما قال يا من يؤمل الآمال ويجمع الأموال، وينسى المآل، قال وما أجمل ما قال- "لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة"، قال: ثم رمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل.

 

وهذا عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- لما أراد الخروج إلى أُحد منعه بنوه، وقالوا: قد عذرك الله، فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن بنيّ يريدون حبسي عن الخروج معك، وإني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة"، فقال: "أمّا أنت فقد عذَرك الله"، ثم قال لبنيه: "لا عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله -عز وجل- يرزقه الشهادة"، فخلوا سبيله.

 

قالت امرأته هند بنت عمرو بن خُزَام: "كأني أنظر إليه مولِّيًا، قد أخذ درقته، وهو يقول: اللهم لا تردني إلى خربي"، وهي منازل بني سلمة.

 

قال أبو طلحة: فنظرتُ إليه حين انكشف المسلمون ثم ثابوا، وهو في الرَّعيل الأول، في الصفوف المتقدمة، لكأني أنظر إلى ظلع في رجله، وهو يقول: أنا والله مشتاق إلى الجنة!

ثم انظر إلى ابنه خَلَّاد وهو يَعْدو معه في إثْره حتى قتلا جميعًا.

 

واستمع لكرامة الشهداء عند الله حين استجابوا له سبحانه، فقد دُفن عمرو بن الجمُوح وعبدالله بن عُمر وأبو جابر في قبر واحد، فخرَّب السيلُ قُبورهم، فحفر عنهم بعد ست وأربعين سنة فوُجِدُوا لم يتغيروا كأنهم ماتوا بالأمس. -رضي الله عنهم وأرضاهم-.

 

وصورة أخرى مشرقة وهي استجابة الصحابة لتحريم الخمر، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حُرِّمت –كلمة واحدة- فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها.

 

أرأيت لم يقولوا نريد أن نتأكد من الخبر، أو نكمل ما في أيدينا، ألقوا ما في أيديهم مباشرة وأهرقوه.

 

وفي زماننا يصر البعض على خداع نفسه قائلاً: لا أستطيع ترك التدخين، وقد أقنع نفسه سلفًا بذلك فلا تستطيع إليه سبيلاً.

 

وصورة أخيرة مشرقة لكنها هذه المرة لفتاة، وعفوًا يا رجال، فهي فتاة بألف رجل، ولتنقلوا هذه الصورة لفتياتكم وأزواجكم في بيوتكم، عن أبي برزة الأسلمي أن جليبيبا كان امرأ من الأنصار فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل من الأنصار زوجني ابنتك فقال نعم وكرامة يا رسول الله ونعم عيني، فقال: إني لست أريدها لنفسي، قال فلمن يا رسول الله؟ قال: لجليبيب، قال: فقال يا رسول الله أشاور أمها، فأتى أمها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب ابنتك، فقالت: نعم ونعمة عيني، فقال: إنه ليس يخطبها لنفسه إنما يخطبها لجليبيب، فقالت: أجليبيب ابنه؟! أجليبيب ابنه؟! أجليبيب ابنه، لا لعمر الله لا تزوجه.

 

 فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخبره بما قالت أمها. قالت الجارية: من خطبني إليكم فأخبرتها أمها، فقالت: أتردون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره؛ ادفعوني فإنه لم يضيعني، فانطلق أبوها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره قال: شأنك بها فزوجها جليبيبا.

 

أتدرون بماذا دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- حين استجابت لله ولرسوله قال: "اللهم صب عليها الخير صبًّا ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا".

 

هذه نماذج مشرقة من أحوال المستجيبين لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلله در هذه الأنفس ما أعزها؟! وهذه الهمم ما أرفعها؟!

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه -صلى الله عليه وسلم- وبارك عليه وعلى آله وأصحابه..

 

أما بعد: فإني لأستحي والله أن أذكر حالنا مع الاستجابة بعد ذكر حال الصحابة، وإن كنت أعلم وتعلمون أن الخير لا زال موجودًا فالأمة الإسلامية كالغيث لكنني مضطر لذكر حالنا اليوم حتى يتبين البون الشاسع بيننا وبين القوم؟

فتشبوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح

 

أما استجابتنا فهي استجابة كاملة غير منقوصة، لكنها وللأسف للدنيا، نعم للدنيا وبكل مرارة أقولها، وإليكم مثالاً واحدًا، ولو أجدت النظر لوجدتم من الأمثلة الكثير، فما إن يُعلَن عن مساهمة من مساهمات الدنيا إلا وترى التنافس العجيب، والحماس الغريب، والحرص منقطع النظير، وترى الزحام الشديد والتدافع على الأبواب وبعض المساهمات تغلق بعد أيام قلائل؛ نظرًا لكثرة الإقبال عليها حتى إن بعضهم ليستدين حتى يدرك المساهمة، ولا حرج في هذه المساهمة إن كانت في حدود المباح، لكن يا قوم! يا أهل لا إله إلا الله! يا أحفاد الصحابة يا أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- هل ننافس في الآخرة كما ننافس في الدنيا؟!

 

سبحان ربي استجابة سريعة هائلة لإعلانات الدنيا ومساهمات الدنيا، أما الآخرة فكتاب الله يُتلى، والقرآن مليء بإعلانات ربانية تترا (سَابِقُوا) (وَسَارِعُواْ) (فَاسْتَبِقُوا) (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين: 26].

 

فأين هم أبناء الآخرة لينافسوا أبناء الدنيا؟

أين هذا التزاحم الذي نراه والتنافس الذي نشهده في المساهمات وفي مشاريع الدنيا؟! أين هي عن بيوت الله في أوقات الصلوات؟! نريد أن نزاحم على أبواب الجنة، ونحن لا نزاحم على أبواب مساجدنا إلا في الجمعة!!

منابركم علت في كل ساحل *** ومسجدكم من العباد خالي

 

وقسْ على الصلاة غيرها، إن حالنا مبكٍ للعيون ومقرح للأكباد، ولكن ..

إلى الله نشكو غربة الدين والهدى *** وفقدانه من بين من راح أو غدا

فعاد غريبا مثل ما كان قد بدا *** على الدين فليبكي ذوو العلم والهدى

فقد طمست أعلامه في العوالم

 

فيا إخوتاه ما للعيون إلى زهرة الحياة الدُّنْيَا الفانية ناظرة؟! وما للأقدام عن طَرِيق الهداية الواضحة حائرة؟! وما للعزائم والهمم عن الْعَمَل الصالح فاترة؟! وما للنفوس لا تتزود من التقوى وهي مسافرة؟! وما لها لا تتأهب وتستعد للنقلة إلى دار الآخِرَة، أركونًا إلى الدُّنْيَا وقَدْ فرّقت الجموع وكسرت أعناق الأكاسرة، وقصرت آمال القياصرة وأدارت على أهلها من تقلبها الدائرة أم اغترارًا بالإقامة، ومطايا الأيام بكم في كُلّ لحظة سائرةٍ أم تسويفًا بالتوبة والأعمال فهذه وَاللهِ الفكرة والصفقة الخاسرة.

 

فيا حَسْرَة نفوس أطمأَنْتَ إلى الدُّنْيَا دار الغرور، ويا خراب قُلُوب عمرت بأماني كُلّهَا باطل وزورٍ، ويا نفاذ أعمار ينقص منها كُلّ يوم وساعة، ولا يزَادَ ويا خيبة مسافر يسير السير السريع وَهُوَ بلا زادٍ، فالبدار البدار بالتوبة البدار والغنيمة الغنيمة قبل انتهاء وَقْت الاختيار، وحضور وَقْت لا تقال فيه العثار.

 

صلّوا وسلموا على رسول الله، اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم وسائر الصحابة أجمعين.

 

 

المرفقات
الاستجابة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life