عناصر الخطبة
1/ عقيدة المسلمين في المسيح عيسى عليه السلام 2/ تحريم الاحتفال والتهنئة والمشاركة في الكريسماس ونحوه 3/ الهزيمة النفسية وأثرها في ذلك 4/ الفرق بين الإحسان والمداهنة 5/ خيرية الأمة المحمدية وواجب الدعوة

اقتباس

وعَوَّضَنا بالعيدينِ الفطرَ والأضحى عما سِواهُما منْ أعيادِ المشركين، فاعتزَّ بإيمانكَ وشريعتك، وإياكَ وأعيادَ أعداءِ الله، فلا كريسماسَ ولا رأسَ سنة، بل أنتَ مُسْلمٌ مُوَحِّدٌ مُتَّبِع....

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

الحمدُ للهِ الواحد الأحد، الفرْد الصمد، الذي لم يتَّخذ ولدا ولم يكن له كفوًا أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شَريكَ له، ولا مِثلَ ولا كُفْءَ ولا ندّ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا لا حصرَ له ولا عدّ.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عِبادَ الله-، واعلموا أنَّ مَنِ اتَّقى اللهَ جعل له مِن كلِّ هَمٍّ فرَجًا، ومِن كلِّ ضيقٍ مخرجًا.

 

إِخوةَ الإسلام: يقول رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “قَالَ اللهُ -تعالى-: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَد”(رواه البخاري).

 

إنَّ مِن أعظمِ الفِرى التي افتراها الإنسانُ على ربِّ العالمين قولَه: اتخذ الله ولدًا، إنها سُبَّة في حق الله -تعالى-، واتهامٌ له بالحاجة والنقص، وهو الغني -سبحانه-، قال الله: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

 

هذه الفِرية التي كادت تتصدَّع السماوات من فظاعتها، وتَنْشقُّ الأرض وتندكُّ الجبال من شناعتها، قال الله: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا).

 

وعلى الرَّغْمِ مِن ذلك فإنَّه في يومِ الخامسِ والعشرين من شهر دِيسِمْبَرَ في كُلِّ عام، يحتفِل ملايينُ الكَفَرة بِعيدِ ميلاد المسيح، المسمَّى بالكريسماس، ومعناه عيدُ ميلاد المسيح المخلِّص.

 

ولئن كانَ هذا فِعْلَ الضالّين، فإن الذي يُدْمي الفؤادَ أن ترى جُموعًا غَفيرة من المسلمين يشاركون هؤلاء الاحتفالَ بهذا الإفكِ المبين. إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الأُولَى وَالآخِرَة، قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ”(رواه البخاري ومسلم).

 

النبيُّ الرسولُ محمد -صلى الله عليه وسلم- أولى بالنبيِّ الرسولِ عيسى بن مريم عليه السلام من هؤلاء الذين كَذَبوا على الله وعلى عيسى، فادَّعَوا زُورًا أنه اللهُ أو ابنُ الله.

 

إنَّ عيسى -عليه السلامُ- عبْدُ الله ورسوله، وهكذا كانت أول كلماته إذ أنطقَه الله في الـمَهد. (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا *  وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ).

 

إنّ المؤمن لا يقول الزور، ولا يشهَد الزور، وأيُّ زُورٍ أعظمُ وأخبَثُ مِنَ الافتراءِ على الله بأنَّ له ولدا، تعالى عمَّا يقولُ الظالمونَ علوًا كبيرًا، يقول الله -سبحانه- في صِفَة عِبادِ الرحمن: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، وقد فسَّر شهودَ الزورِ في الآية ابنُ سيرين وجماعةٌ من التابعينَ بأنه: شُهود أعياد المشركين.

 

ولقد تواترتِ النُّصوصُ عن الصحابةِ تُحذِّر مِن مشاركةِ المشركين على اختلافِ مِلَلِهم في أعيادِهم، واتَّفقَ علماءُ الأمّة على تحريمِ تَهنِئتهم أو مشاركتِهم في هذه الأعياد. قال الفاروق عمرُ رضي الله عنه: “اجتنبوا أعداءَ الله في عيدهم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسِهم يومَ عيدهم، فإن السَخْطةَ تنزل عليهم”، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “من بَنى ببلاد الأعاجم وصنَعَ نَيْروزَهم (يعني عيدهم) ومِهْرَجانهم، وتشبَّه بهم حتى يموتَ وهو كذلك، حُشِر معَهم يومَ القيامة”.

 

يقول ابنُ القيم -رحمه الله-: "التَّهنئة بشعائر الكُفْر المختصَّةِ بهِ حرامٌ بالاتفاق، مِثْلُ أن يهنِّئَهم بأعيادهم وصَومِهم، فيقول: عيدٌ مباركٌ عليك، أو: تَهْنَأُ بهذا العيد، ونحوُه، فهذا -إن سَلِمَ قائلُه من الكفر- فهو مِنَ المحرَّمات، وهو بمنزلة أن يهنِّئَه بسجودِه للصليب، بل ذلك أعظمُ إثمًا عند الله، وأشدُّ مقتًا مِنَ التَّهْنِئة بشُرْبِ الخمر، وقتلِ النفس، وارتكابِ الفَرْجِ الحرامِ ونحوِه. وكثيرٌ ممَّن لا قَدْرَ للدين عندَه يقعُ في ذلك، ولا يدري قُبْحَ ما فعل، فمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كُفرٍ فقد تعرَّض لـمَقتِ الله وسَخَطه".

 

عِبادَ الله: لقد أدَّتِ الهزيمةُ النفسية، والانبِهارُ بالغربِ والشَّرقِ إلى التَّسامُحِ في ثوابتِ العقيدة، بل إلى مَسْحِ الهُوِيَّةِ الإسلامية، والتَّفاخر بالتَّقْليد الأعمى لكلِّ ما هم عليه، دونَ تمييزٍ بينَ ما هو من أمورِ الدنيا مما فيه نَفْع، وما هو من أمورِ الاعتقادِ والـمِلَّة الذي لا يجوزُ التشبُّه بهم فيه، ولا إقرارُهم عليه بتهنئةٍ ونحوِ ذلك.

 

ولقد حذَّر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من التشبُّه باليهود والنصارى، ووصَفَ مَنْ فعل ذلك أنه مِنْهم، فأيُّ مسلم يُحِبُّ أن يُنْسَبَ إلى اليهود أو النصارى؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ، لَتَبِعْتُمُوهُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: “فَمَنْ؟”(رواه البخاري)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”(رواه أبو داود).

 

لقدْ أكْمَلَ اللهُ الدين، وأتَمَّ علينا النِعْمة، ورَضيَ لنا الإسلامَ دينًا، عقيدةً وشريعةً، وعَوَّضَنا بالعيدينِ الفطرَ والأضحى عما سِواهُما منْ أعيادِ المشركين، فاعتزَّ بإيمانكَ وشريعتك، وإياكَ وأعيادَ أعداءِ الله، فلا كريسماسَ ولا رأسَ سنة، بل أنتَ مُسْلمٌ مُوَحِّدٌ مُتَّبِع.

 

لقد حاولَ دُعاة الضَّلالة أن يَلْبِسوا الحقَّ بالباطل، ويوهموا الناسَ أنَّ الاحتفالَ والتهنئةَ بمثل هذه الأعيادِ التي تُناقِضُ أصلَ العقيدة مما أباحه الله من البِرِّ والقِسطِ مع غيرِ الـمسلمين، وادّعَوا أنّ ذلك من الإسلام، وهذه مُداهَنةٌ منكَرةٌ، وضلالٌ مبين، وتبديلٌ لمحكَمات الدّين.

 

إنَّ ما دعا إليه الإسلامُ هو البراءةُ من الكُفرِ وأهلِهِ، مع مُعاملةِ غيرِ المحارِبين منهم بالـمَعروفِ والقِسط، وبَذْلِ الإحسانِ إليهم، دُونَ التَّهاوُنِ في حَقّ أو الإقرارِ على بَاطل، فَضْلًا عَن الاحتفالِ بأمرٍ يُناقِضُ عقيدةَ التَّوحيد، وهو ادِّعاء الوَلَدِ والشَّريكِ لله، تعالى سبحانه عن ذلك علوًّا كبيرًا.

 

لقد كانت آياتُ الله في غاية الوضوحِ حينَ أمَرَتْ أهلَ الإيمان بمُفارَقَة أيِّ مجلِسٍ من مجالسِ الباطل، التي تعارِض آياتِ الله وشرعَه، قال -سبحانه-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا).

 

باركَ الله لي ولكم في القُرآنِ العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله حقَّ حمدِه، والصلاةُ والسلامُ على رسولِه وعبدِه، وعلى آلِه وصحْبِه ومَن وَالاهُ مِنْ بَعْدِه، أما بَعْد. فاتقوا اللهَ عباد الله حقَّ التقوى، وراقِبوه في السِّرِّ والنجوى.

 

عِبادَ الله: إنَّ سِرَّ قوة المسلمِينَ في ثَباتِ عقيدتـِهِم، وإنَّ أعداءَهُم اليومَ قد رمَوهم عن قوسٍ واحدة، وائْتَمَرَ ظَلَمةُ أهل الكتاب مِنَ اليهود والصليبِيِّين للفَتْك بهم، والقضاءِ عليهم، فكيف يغيبُ عن عقل المسلم الواعي الحِفاظُ على سِرِّ قوَّتِهِ، وسببِ نصره، وسبيلِ سعادته وعزَّتِه؟!

 

إن واجبَ المسلمين اليوم، أن يَسْعَوا إلى إنقاذِ هذا العالمِ الفاسدِ مِنَ الظلمات إلى النور، ومِنَ الشرك إلى التوحيد، ومن الضلالِ إلى الهدى، فكم خَسِرَ العالم بتقاعُسِ المسلمين عن هذا الواجب، حتى ذاقَتِ الدنيا وأهلُها السُّوءَ والظُّلمَ والضَّنْكَ بالابتعادِ عن الإيمان بالله واتِّباعِ شرعِه ومنهجِه، فهل يُعقَلُ أن يكونَ بأيدينا سبيلُ النجاةِ لنا وللعالَمِ أجْمَعَ، ثم نذهَبَ معهُم لنعيشَ الضَّلالَ والظلمَ والشقاءَ بتقليدهم واتِّباعهم على كُفرِهم وضلالِهم؟ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

 

نسألُ الله -تعالى- أن يجعلَنا برحمته منهم، ويُثبِّتنا على سبيلهم.

 

ثمَّ صلّوا وسلموا على مَنْ أُمِرْتُم بالصلاة عليه: اللهم صلِّ وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اللهم أنْجِ المستضعفين في أرضِ فِلَسْطين، واحفظهم بحفظِك، واشْفِ جريحَهم، واجعل مَنْ ماتَ منهم في الشُّهَداءِ عندك يا كريم.

 

اللهم عليك باليهود المعتدين، فَرِّقْ جَمْعَهم، وأَحْصِهم عَدَدًا، واقتُلهم بَدَدًا، ولا تُبْقِ منهم أحدًا، واهْزِمْهُم، وألقِ الرُّعْبَ في قلوبهم، هُمْ ومَن عاونَهم، بقدرتك يا قوي يا متين.

 

اللهمَّ وفِّقْ ولاة أمورِنا لِما تُحبُّ وترضى، وخُذ بنواصيهم للبِرّ والتقوى، وارحَمْ مَن توفَّيتَه منهم واغفِر لهم بكرمك وإحسانك. ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخرة حَسَنةً وقِنا عذابَ النار.

 

عِبَاد الله: اُذْكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بكرةً وأصيلًا، وآخرُ دَعوَانا أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

جزاكم الله خيراً

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life