عناصر الخطبة
1/ الأعمال بالخواتيم 2/ اجتهاد السلف الصالح في العشر الأواخر 3/ أحكام الاعتكاف وآدابه 4/ زكاة الفطر.. أحكام وآداب 5/ وصايا في ختام الشهر 6/ صلاة العيد من شعائر الإسلام.اهداف الخطبة
اقتباس
هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ آذَنَ بِالرَّحِيلِ وَهَا نَحْنُ في وَسَطَ عَشْرِهِ الأَخِيْرِ، وَلَيَالِيْهُ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ عَلَى الإِطْلاقِ؛ لِأَنَّ فِيهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ التِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ- يَخُصُّ هَذِهِ الْعَشْرَ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ وَشَدِيدِ اجْتِهَادٍ!.. وَإِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَدْ عَرَفُوا لِأَيَّامِ رَمَضَانَ مَنْزِلَتَهَا وَلِأَوْقَاتِهِمْ أَهَمِّيَّتَهَا فَسَارَعُوا إِلَى الْخَيْرَاتِ وَاجْتَهَدُوا فِي الطَّاعَاتِ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي وَفَّقَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَشَرَحَ صُدُورَ أَوْلِيَائِهِ لِلإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالآيَات، وَيَسَّرَ لَهُمْ مَنَ الأَعْمَالِ مَا يَتَبَوَّؤُونَ بِهِ مَنَازِلَ الْجَنَّات، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا لَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَات، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْدَاهُ مِنَ الإِنْعَامِ وَالْبَرَكَاتِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَرْجُو بِهَا رَفِيعَ الدَّرَجَات، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الآيَاتِ، صَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي الْهِمَمِ الْعَالِيَات، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فَإِنَّ بِتَقْوَاهُ تَحْصُلُ البَرَكَاتُ، وَاجْتَهِدُوا فِي طَاعَتِهِ فَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ اجْتَهَدَ فِي الطَّاعَات، وَخُصُّوا بَقِيَةَ هَذَا الشَّهْرِ بِمَزِيدِ العَمَلِ وَالإِكْثَارِ مِنَ الْحَسَنَات، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ بِرِّهِ فَإِنَّ للهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَات!
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ آذَنَ بِالرَّحِيلِ وَهَا نَحْنُ في وَسَطَ عَشْرِهِ الأَخِيْرِ، وَلَيَالِيْهُ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ عَلَى الإِطْلاقِ؛ لِأَنَّ فِيهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ التِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ- يَخُصُّ هَذِهِ الْعَشْرَ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ وَشَدِيدِ اجْتِهَادٍ! فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا". (رَوَاهُ مُسْلِم).
وَإِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَدْ عَرَفُوا لِأَيَّامِ رَمَضَانَ مَنْزِلَتَهَا وَلِأَوْقَاتِهِمْ أَهَمِّيَّتَهَا فَسَارَعُوا إِلَى الْخَيْرَاتِ وَاجْتَهَدُوا فِي الطَّاعَاتِ، فَهَذَا قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ السَّدُوسِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي سَنَتِهِ كُلَّ سَبْعِ لَيَالٍ، فَإذَا دَخَلَ رَمَضَانُ خَتَمَهُ كُلَّ ثَلاثٍ، فَإِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ خَتَمَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِالاعْتِكَافِ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ-: "كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَالْحِكْمَةُ مِنَ الاعْتِكَافِ: التَّفَرُّغُ التَّامُّ لِعِبَادَةِ اللهِ وَالأُنْسُ بِهِ وَالانْقِطَاعُ عَنِ الدُّنيَا وَشَوَاغِلِهَا، وَالتَّفَرُّغُ لِذِكْرِ اللهِ وَدُعَائِهِ!
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَعْتَكِفَ الْمُسْلِمُ هَذِهِ الْعَشْرَ كُلَّهَا، وَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَلا يَخْرُجُ إِلَّا عِنْدَ اكْتِمَالِ الشَّهْرِ وَذَلِكَ بِغُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّلاثِينَ أَوْ بِرُؤْيَةِ هَلالِ شَوَّال! لَكِنْ لَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إِلَّا بَعْضُ اللَّيَالِي فَلَا بَأْسَ لَكِنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وِلَا يَخْرُجُ إِلَّا بَعْدَ غُرُوبِهَا مِنَ اليَوْمِ التَّالِي.
وَيَنْبَغِي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِ مَعَانِيهِ! وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَتَّخِذِ لَهُ مَكَانَاً خَاصَّاً إِمَّا خَيْمَةً صَغِيرَةً أَوْ حُجْرَةً أَوْ مَا أَشْبَهَهَا بِشَرْطِ أَنْ لا يُضَيِّقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ!
وَيَجُوزُ أَنْ يَزُورَ الْمُعْتَكِفَ أَهْلُهُ كَمَا حَصَلَ مِنْ زِيَارَةِ بَعْضِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ لَهُ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ- وَهُوَ مُعْتَكِفٌ!
وَلَكِنْ لَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنْ يَجْعَلَ الْمَسْجِدَ دِيوَانِيَّةً لِلزُّوَّارِ وَمَكَانَاً لِاسْتِقْبَالِ الضُّيُوفِ، أَوْ مَحَلاًّ لِلتَّجَمُّعَاتِ وَتَبَادُلِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَقْصُودِ الاعْتِكَافِ!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ- كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ طَلَبَاً لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، التِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ، وَالتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر: 3].
وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ لَيْلَةً مُعَيَّنَةً مِنْهُ بَلْ تَتَنَقَّلُ، فَقَدْ تَكُونُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ تَكُونُ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَهُمَا! وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي الاجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ كُلِّهَا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَطْعَاً يُصِيبُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَيَكْسِبُ أَجْرَهَا!
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُهَا وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا!
ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَبْدَأُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَتَنْتَهِي بُطُلُوعِ الْفَجْرِ! وَلَيْسَ لَهَا عَلامَةٌ ظَاهِرَةٌ تُعْرَفُ بِهَا قَطْعَاً، لَكِنْ هُنَاكَ بَعْضُ الأَمَارَاتِ عَلَيْهَا، كَأَنْ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ فِي الْمَنَامِ، وَأَنَّ لَيْلَتَهَا تَكُونُ صَافِيَةً، وَيَجِدُ الْمُؤْمِنُ انْشِرَاحَاً فِي صَدْرِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَأَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا!
وَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ بِلَيْلِةِ الْقَدْرِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ وَلا سِيَّمَا بِقَوْلِ: اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ, مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: "قُولِي: اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" (رَوَاهُ الْخَمْسَةُ, غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ, وَالْحَاكِمُ).
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ-: "إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مُحْرُومٌ" (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذِهِ الجُمُعَةَ قَدْ تَكُونُ آخِرَ جُمُعَةٍ فِي رَمَضَانَ وَلِذَلِكَ فَيَحْسُنُ بِنَا أَنَ نُنَبِّهَ عَلَى العِبَادَاتِ التِيْ تُشْرَعُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ لِيَكُونَ الْمُسْلِمُ عَلَى بَصِيْرَةٍ مِنْ دِيِنِه.
فَمِمَّا يُشْرَعَ لَنَا فِي آخِرِ هَذَا الشَّهْرِ: التَّكْبِيرُ! قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185] وَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّكْبِيرِ: التَّعْظِيمُ للهِ وَالتَّمْجِيدُ لَهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ وَيَسَّرَ مِنْ إِكْمَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَهَذَا التَّكْبِيرُ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُقَيَّدَاً بِالصَّلَوَاتِ!
وُيُشْرَعُ التَّكْبِيرُ حَتَّى لِلنِّسَاءِ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُهُ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إِلَى صَلاةِ الْعِيدِ، وَلا يُشْرَعُ بَعْدَهَا!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا يُشْرَعُ لَنَا فِي نِهَايَةِ الشَّهْرِ: صَلاةُ العِيدِ! وَهِيَ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ، يَخْرُجُ الْمُسْلِمُونَ أَجْمَعُونَ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ، مُكَبِّرِينَ مُهَلِّلِينَ تَعَبُّدَاً للهِ وَاتِّبَاعَاً لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ-.
وَصَلاةِ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ وُجُوبَاً عَيْنِيَّاً عَلَى الرِّجَالِ، وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، فَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيِّضَ فِي الْعِيدَيْنِ، يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيِّضُ اَلْمُصَلَّى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ غَيْرَ مُتَطَيِّبَةٍ وَلَا مُتَزَيِّنَةٍ، وَعَلَى وَلِيِّ أَمْرِهَا مَسْؤُولِيِّةٌ فِي ذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ).
وَمِنْ سُنَنِ الْعِيدِ: أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ خُرُوجِهِ تَمْرَاتٍ وَلْيَكُنَّ أَفْرَاداً، بِمَعْنَى: يَأْكُلُ ثَلاثَاً أَوْ خَمْسَاً أَوْ سَبْعَاً، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ- لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ". (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ). وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: "وَيَأْكُلُهُنَّ أَفْرَادًا".
وَمِنْ سُنَنِ الْعِيدِ: أَنْ يَلْبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابَهُ، وَأَنْ يَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ، وَأَنْ يُخَالِفَ الطَّرِيقَ: فَيَذْهَبَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ مِنْ آخَرَ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ، لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ الْحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ، تَفَرَّدَ بِالْكِبْرَيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوت، وَالصَّلاةُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يُشْرَعُ لَنَا أَيْضاً فِي آخِرِ الشَّهْرِ زَكَاةُ الْفِطْرِ: وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَتَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُشْرَعُ إِخْرَاجُهَا حِينَئِذٍ، وَالأَفْضَلُ أَنْ تُخْرَجَ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعِيدِ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. وَلا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلا تَأْخِيرُهَا إِلَى مَا بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ.
وَالْحِكْمَةُ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ: التَّعَبُّدُ للهِ وَالاتِّبَاعُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ-. وَطُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَدٌّ لِجَوْعَتِهِمْ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ". (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَتُخْرَجُ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ الذِي يَأْكُلُونَهُ عَادَةً، وَالْغَالِبُ عِنْدَنَا أَنَّ النَّاسَ يَأْكُلُونَ الأُرُزَّ أَوِ الْبُرَّ. فَيُخْرَجُ صَاعٌ مِنَ الأُرُزِّ أَوِ الْبُرِّ عَنْ كُلِّ شَخْصٍ. وَمِقْدَارُهُ بِالْوَزْنِ مِنَ الْبُرِّ الْجَيِّدِ: كِيلُوَّانِ وَأَرْبَعُونَ غرَامَاً، وَأَمَّا الأُرُزُّ فَهُوَ كِيلُوَّانِ وَنِصْفٌ تَقْرِيبَاً. وَلا يُجْزِئُ إِخْراجُهَا فُلُوسَاً وَلا ثِيَابَاً وَلا سِوىَ ذَلِكَ.
الأَفْضَلِ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ فِي الْبَلَدِ الذِي أَدْرَكَهُ الْعِيدُ فِيهِ، سَوَاءً أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الأَصْلِيِّيْنَ أَوْ مِنَ الْمُقِيمِينَ، لَكِنْ لَوْ أَخْرَجَهَا فِي بَلَدِهِ الأَصْلِيِّ جَازَ.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى إِتْمَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى الوَجْهِ الذِيْ يُرْضِيكَ عَنَّا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً يَا رَبَ العَالَمِينَ! اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اشْرَحْ صُدُورَنَا لِطَاعَتِكَ وَأَعِنَّا عَلَى أَنْفُسِنَا الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبَيِّنَا مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين!
التعليقات